بتـــــاريخ : 10/23/2008 3:50:47 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1473 0


    العنف الأسري

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    اخلاق وقيم

    ما حكم الشرع فى ظاهرة العنف الأسرى التى شاعت فى الآونة الأخيرة ؟

    والجواب : 

        شاع في عصرنا ظاهرة العنف الأسري، والمقصود بها ذلك العنف الذي يكتنف سلوك الزوج مع زوجته، وسلوك الزوجة مع زوجها، وسلوك كل من الوالدين مع الأبناء، وسلوك الأبناء مع كل من الوالدين، ومع إخوتهم فيما بينهم، ثم سلوك أفراد الأسرة مع الجيران، ومع الأقارب، وفي الحياة العامة، فهذه عشرة صور اكتنف العنف جلها أو اكتنفها كلها، ويسأل كثير من الناس عن حكم الإسلام في هذا العنف من ناحية، وعن أسباب هذه الظاهرة وكيفية علاجها من ناحية ثانية، وعن آثارها المدمرة من ناحية أخرى.
    1- أما حكم هذه الظاهرة فهي تعد مخالفة بكل المقاييس للدين الإسلامي، سواء كانت على المستوى الفردي، أو المستوى الجماعي، أما على المستوى الفردي فقد أمرنا بالرفق، ففي الحديث الشريف: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»
    (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»(2)، «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق»(3).
        وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلة الأرحام، فالزوج وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «خيركم خيركم لنسائه وبناته»
    (4) ووصفته السيدة عائشة رضي الله عنها أنه: «كان في مهنة أهله»(5) أي أنه كان صلى الله عليه وسلم يشتغل بمساعدة الزوجة في مهامها؛ تعليمًا لأمته كيف يتعاملون داخل الأسرة، ويقول أنس بن مالك: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أفًّا قط، ولا قال لي لشيء لِمَ فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟»(6) وأمر الزوجة بأن تجعل علاقتها مع زوجها علاقة ربانية، تطلب بها ثواب الله قبل كل شيء، وترجو منه سبحانه وتعالى أن يأجرها في الدنيا والآخرة، على ما قد تكون تصبر عليه، قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ}(7).
        ويوجه الآباء فيقول: «ليس منا من لم يرحـم صغيرنا»
    (8)، ويوجـه الأبناء فيجعل بـر الوالدين مكافـئ التوحيد {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(9)، ويأمر الجميع بحسن الجوار، فيقول: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن». قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه»(10) ويأمر بصلة الرحم، وبفعل الخير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»(11)، وقال ربنا سبحانه وتعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(12).
        وحتى نقيم تلك النصوص الشرعية يجب أن نعمق في وجداننا قيمة العفو، فإن العفو وسيلة ناجحة في تحقيق الرفق والود والتعاون، الذي بهم نقضي على العنف في الأسرة وفي حياتنا كلها، ولقد كثرت نصوص الكتاب والسنة في ترسيخ تلك الفضيلة في دعوة حثيثة للمؤمنين للتخلق بها، ومن أمثلة تلك النصوص ما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصفح؛ حيث قال: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ}
    (13) وأمر الله بالعفو في قتل النفس فقال سبحانه: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ }(14). وأمر بالعفو عن غير المسلمين، وفي أشد مواقف العداء منهم للإسلام، فقال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} (15).
        وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعفو عن المؤمنين فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}
    (16). وأمره بالعفو عن اليهود رغم خسة صفاتهم، فقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}(17)، وبين ربنا أن العفو وسيلة لتحصيل عفو الله فقال سبحانه: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(18) وأثنى الله على العفو ومن يتخلق به فقال تعالى: {وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}(19). وقال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}(20).
    2- هذه هي المنظومة الشرعية التي تقي من العنف الأسري على مستواه الفردي أو شيوعه الجماعي، وعدم الاهتمام بتربية النشء على هذه المعاني، وتكريس الأنانية حتى في الإعلان عن الطعام والحلوى للأطفال، مضاف إلى توتر الحياة من ضجيج وضوضاء وسرعة حراك البرنامج اليومي للإنسان، وضيق الملابس الذي انعكس سلبًا على أعصابه، ومجموع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كانت من الأسباب التي أدت إلى تفكك الأسرة، وإلى سوء الخلق، وإلى العنف الأسري.
    3- ومن هنا يتضح العلاج والذي يبدأ بعملية التربية، والتربية عملية مرتبة لها أبعادها، ولها أركانها، لا تقتصر فقط على التعليم ولا على التدريب، ولا تقتصر فقط على المدرسة، بل لابد من اشتراك الإعلام، وتكوين ثقافة سائدة للمجتمع تقيه هذه الظاهرة السلبية، وتدفع به إلى الأمن والاستقرار، وهذا يحتاج إلى مزيد الاهتمام، وهناك ظواهر كانت موجودة منذ أربعة عقود حوربت وحصرت بكل الوسائل حتى لم نعد نسمع عنها بصورة فجة كما كانت، وتراجعت كثيرًا بسبب المجهودات التي بذلت فيها منها: ظاهرة الغش الجماعي، وظاهرة العنف الطلابي خاصة بين البنات، وظاهرة الاعتداء الجماعي على المباني الدراسية أو على الأساتذة، وهي أمور لم تعد بهذه الحدة التي كانت عليها، وفي سبيلها للانتهاء التام إن لم تكن قد انتهت بالفعل.
        عسى الله أن ينهي هذه الظاهرة من مجتمعنا، وجميع المجتمعات الإسلامية، ومن الأرض كلها إنه رءوف بعباده.



    الهوامش:
    ------------------------
    (1)
    متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «الرفق في الأمر كله» حديث (6024)، وفي كتاب «الاستئذان» باب «كيف يرد على أهل الذمة السلام» حديث (6256)، وفي كتاب «الدعوات» باب «الدعاء على المشركين» حديث (6395)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام» حديث (2165) من حديث عائشة رضي الله عنها.
    (2)
    أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «فضل الرفق» حديث (2594) من حديث عائشة رضي الله عنها.
    (3)
    أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 198) حديث (13074) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 62) وصححه.
    (4)
    أخرجه البيهقي في «الشعب» (6/ 415) حديث (8720)، وابن عدي في «الكامل» (7/ 265) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    (5)
    أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «كيف يكون الرجل في أهله؟» حديث (6039).
    (6)
    متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل» حديث (6038)، ومسلم في كتاب «الفضائل» باب «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا» حديث (2309).
    (7)
    من الآية 34 من سورة النساء.
    (8)
    أخرجه الترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «ما جاء في رحمة الصبيان» حديث (1920) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال الترمذي: «وحديث محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب حديث صحيح».
    (9)
    من الآية 36 من سورة النساء.
    (10)
    أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «إثم من لا يأمن جاره بوائقه» حديث (6016) من حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه.
    (11)
    أخرجه ابن ماجه في كتاب «الأطعمة» باب «إطعام الطعام» حديث (3251)، والدارمي في كتاب «الصلاة» باب «فضل صلاة الليل» حديث (1460)، وفي كتاب «الاستئذان» باب «في إفشاء السلام» حديث (2632)، والحاكم في «المستدرك» (3/ 14) حديث (4283) وصححه من حديث عبدالله بن سلام رضي الله عنه.
    (12)
    من الآية 77 من سورة الحج.
    (13)
    من الآية 85 من سورة الحجر.
    (14)
    من الآية 178 من سورة البقرة.
    (15)
    من الآية 109 من سورة البقرة.
    (16)
    من الآية 159 من سورة آل عمران.
    (17)
    الآية 13 من سورة المائدة.
    (18)
    من الآية 22 من سورة النور.
    (19)
    من الآية 134 من سورة آل عمران.
    (20)
    الآية 43 من سورة الشورى.



    المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .

    كلمات مفتاحية  :
    اخلاق وقيم

    تعليقات الزوار ()