بتـــــاريخ : 10/23/2008 3:52:13 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1003 0


    المجتمع المثالى - من أسسه فى الإسلام

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    اخلاق وقيم

    هل هناك ما يمكن أن نسميه بالمجتمع المثالى ، وما هى أسسه فى الإسلام ؟
    والجواب : 
        أنه على مدى خمسة وعشرين قرنا استقرت ظاهرة فلسفية تمثل قمة الفكر الفلسفى وذروة سنامه ، وتقدم خلاصة وافية لفكر هذا الفليسوف أو ذاك ، تلك الظاهرة هى قضية : المجتمع المثالى كما تخيله الفلاسفة ، الذين حاولوا تقديم أنماط للمدن الفاضلة ، ونماذج للمجتمعات الرشيدة .
        والمجتمع المثالى فى الفكر الإنسانى يعنى نظما متعددة ، ومذاهب مختلفة فى السياسة والاجتماع والاقتصاد ، على أن فى الدراسة النقدية الإسلامية للفلسفة عامة ، والمذاهب الاجتماعية خاصة ما يقدم للشباب الح فى عالم اليوم مشاعل الهداية ومصابيح الإيمان .
        ذلك أن الكون كله يتجه إلى الله فى طاعة خاضعة وخشوع ساجد شاء الكون ذلك كله أو بعضه أم أبى ، فقد قال تعالى { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } [الرعد :15].
        والحياة بقضها وقضيضها رهن الإرادة الإلهية ، والإنسان وسط هذا العالم قد تحمل وحده الأمانة فى قيادة الحياة بمنهج الله ، ومن هنا كانت السياسة والاجتماع فصلا من فصول ذلك المنهج الإلهى ، وأصبح البحث فيه موصول الأسباب بشعب الإيمان وعقائده .
        والذى يظهر بعد الدراسة النقدية للمجتمع المثالى فى الفكر الفلسفى عبر العصور الفلسفية المختلفة بداية من أفلاطون فى جمهوريته والذى قدّم تحليلا عميقا لتعاقب الدول ، وحاول وضع نظرية متكاملة للمجتمع المثالى بحسب فلسفته ، ومرورا بالفارابى فى المدينة الفاضلة والتى تقوم على ركنين : عقائد ، ورئيس ، ولم يحاول تقديم منهج للحياة ، ولا دستور للحكم ، ربما اعتمادا على أن الشريعة الإسلامية قامت بتقديم هذا للناس ، ففلاسفة عصر النهضة الذين تجلى فيهم أثر الحضارة الإسلامية التى عرفوها عن طريق الأندلس وغيرها من منارات العلم الإسلامى ، وخاصة جان جاك روسو صاحب نظرية العقد الاجتماعى والذى وقع فى بعض التناقضات والتجاوزات خاصة فى رأيه عن الدين الطبيعى ودعوته إلى وحدة الأديان وموقفه من الأنبياء والرسل ، وعن موقفه من المرأة ، ومرورا أيضا بماركس وفلسفته المادية التى تقف موقفا مضادا للدين ، وانتهاء بنتيشه ودستوره عن الحياة الاجتماعية والذى يتناقض مع ناموس الحياة ، ولو طبقت فلسفته لكان هو نفسه أول ضحاياها .
        والمراد بالمجتمع المثالى : المجتمع ذا الهدف الذى يراد تحقيقه تصحيحا لمساره الاجتماعى والسياسى والاقتصادى ، فالمقصود بالمثالية : ما ينبغى أن يكون ، وتقابل الواقعية وهى تصوير ما هو كائن .

    والذى يظهر بعد دراسة هذا كله :
    1) أن الإسلام هو الدين الوحيد الذى أيقظ الإنسانية وخصائصها فى الإنسان ، وسما به إلى الملأ الأعلى ، وجعله محور الكون ، وسيد فيه ، وخليفة الله فى أرضه .
    2) أن جوهر الحضارة قائم على قيم الحق والخير والجمال التى يتوخاها الإسلام بنور عقيدته وسناء تشريعه ووفائه بمطالب المستوى الإنسانى الرفيع .
    3) وقد نادى أفلاطون بأن يوضع كل إنسان فى المركز العلمى أو العملى الذى يمتاز به عن سواه ، وبما تؤهله له مواهبه وقواه ، وهو ما يوافق عليه الفكر الإسلامى ، ولا يجد فيه ما يعارض مبادئه ، ولكن أسوأ ما فى آراء أفلاطون هو رأيه فى الشيوعية ، حيث نادى بشيوعية النساء والأولاد والملكية ، حيث أخطأ السبيل ، وقدم أوهاما يستحيل تطبيقها ، ونظر للمرأة نظرة غير ودية ، بينما فى الإسلام فالمرأة شقيقة الرجل ، وهى مكرمة مثله تماما قال تعالى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [الإسراء :70] ، وبنى آدم يشمل الرجل والمرأة ، والتكريم يعمهما . أما شيوعية الأولاد والملكية ، فالإسلام يحافظ أتم المحافظة على الأسرة ويحترم الملكية الخاصة ، وينظم كل ذلك بأنظمة دقيقة وعادلة ومتوازنة تكفل سعادة البشرية . وسوف نعرض فى موضوع مستقل للخطوط العامة لنظرية الإسلام فى المرأة والأسرة .
    4) ومع تقديرنا للتحليل العميق الذى قدمه أفلاطون لتعاقب الدول ، وعلل التدهور ، والذى رده إلى سببين : التفرقة العنصرية ، والصراع الطبقى ، وكلاهما ناشىء بوجهة نظره عن فساد منهج التربية والتعليم ، فإن للإسلام موقفه المجيد بخصوص فساد الأمم والذى سنعرض له فى موضوع مستقل .
    5) يرى الفكر الإسلامى أن المجتمع فى حاجة إلى الزراع والصناع حاجته إلى الجندى والحكام ، والجميع متساوون فى الكرامة الإنسانية ، وكفل للجميع حقوقهم حتى ولو كانوا فى أدنى مراتب السلم الاجتماعى ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات :11] ، وسمى صلى الله عليه وسلم الخادم أخا لسيده، وشرع له حقوقه كاملة : ((إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم)) أخرجه البخارى (ح 30) ، ومسلم (ح1661) عن أبى ذر رضى الله عنه .
    6) والإسلام فى سموه وقدسيته الإلهية ينادى بأن الإنسانية ذات أصل واحد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء :1].
    7) وجعل الإسلام اختلاف اللغات والأجناس آية من آيات الله تعالى ، وليست سببا للشقاق والخلاف ، بل للتعارف والائتلاف ، فقال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} [الروم :22] ، وقال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات :13].
    8) وليس الوحى الإلهى فى الإسلام قاصر على الطقوس الدينية فحسب ، ويترك الناس وشأنهم فى حياتهم ، فالعقل قاصر عن إدراك قوانين الحياة بشمولها وكافة جوانبها ، ولا يستطيع أن يتخلص من تغليفه لها بموروثاته البيئية أو عاداته الاجتماعية ، ومن هنا أتى القرآن المجيد بقواعد عامة وأمور كلية ، وفصلت السنة النبوية الشريفة هذه الجوانب تفصيلا تاما ، وأتت الشريعة الإسلامية منوطة بمصلحة الإنسان، فحيثما كانت فثم شرع الله ، والحلال مرتبط بالطيبات ، والحرام متعلق بالخبائث ، قال تعالى {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ} [الأعراف :157] .
    9) وأَسَّسَ الشرعُ الإسلامىُّ مجتمعَه على اليسر ونفى الحرج ورفع العسر ، قال تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة :185] ، وقال تعالى { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة :6].
    10) كما أَسَّسَ الإسلامُ المجتمعَ على أنه لا كهانة ولا احتكار للتشريع فى المجتمع لطائفة دون أخرى ، وإنما هناك علماء فى الدين وفقهاء قال تعالى { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة :31].
    11) ومن أُسُس المجتمع المثالى فى القرآن الكريم : الطاعة لله ورسوله ولأولى الأمر ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء :59] .
    12) ومن أُسُسه: أن المجتمع المسلم ذا رسالة يتحمل تبعات تطبيقها وتبليغها ، قال تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة :143] .
    13) ومن أُسُسه: أن الإسلام هو الحد الذى تنتهى إليه إرادة الشعب بكل طبقاته وفئاته وسلطاته ، قال تعالى { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة :49].
    14) ومن أُسُسه: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والذى يعتبر بحق صمام الأمان للمجتمع وعنصر اليقظة فيه ، قال تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران :110] .
    15) ومن أُسُسه: قيام أمور المجتمع ككل على الشورى والأمانة والعدل والقسط بين بعضهم البعض، وعلى كافة المستويات والأصعدة ، قال تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران :159] ، وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء :58] ، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة :8].


    المصدر : أ/د محمد سيد أحمد المسير ، المجتمع المثالى فى الفكر الفلسفى ، وموقف الإسلام منه ، القاهرة : دار المعارف ، ط 2 ، 1989 م ، (ص 9 – 22 ، 86 - 95، 112 - 119) .

    كلمات مفتاحية  :
    اخلاق وقيم

    تعليقات الزوار ()