شاع فى الوقت الحالى الحديث عن الفوضى والفوضى الخلاقة ، فما هى وجهة نظر الفكر الإسلامى من ذلك ؟
والجواب :
بدأ استعمال مصطلح الفوضى الخلاقةCreative chaos في أدبياتنا السياسية، وهو وافد علينا من الغرب فيما يهل علينا من مصطلحات تحمل مفاهيم لا ندركها في عمقها أو جذورها أو النظريات التي انبثقت منها، وهي حالة تمثل أزمتنا الفكرية، وهي عكس ما أشار إليه أبو الحسن الأشعري المتوفى (320هـ= 940م) في الكتاب الصغير المنسوب إليه «استحسان الخوض في علم الكلام» (طبع حيدر أباد الدكن بالهند في وريقات قليلة) الذي يذكر فيه كيف تم استيعاب الوافد من الأفكار - يعني اليونانية - وتأصيلها ووضع معيار لقبولها وردها ومعرفة المناسب منها، وهم بذلك خرجوا عن حد التفكير الساذج السطحي إلى الفكر المستنير المتعمق، ويذكرنا هذا بما أطلقه المسلمون على نسبة الدائرة الثابتة التي نتوصل بها إلى محيطها ومساحتها وهي 22/7 حيث أطلقوا عليها "نسبة إلهية فاضلة"؛ لأن الله هو الذي خلق الخلق، وخلق هذه النسبة العجيبة وجعلها ثابتة في سائر الدوائر، ثم إن وصفها بالفاضلة يضيف إليها مدخلا لقراءة الكون قراءة ربانية، في حين أن المصطلح الغربي الذي تم ترجمته إلى العربية الحديثة عندما تم التقليد التام هو «النسبة الطبيعية» ويرمز لها بالحرف (ط).
فماذا عن مصطلح الفوضى الغربي وما قابله عند الإمام الأشعري رضي الله عنه عندما نظر إلى مجموع المعارف التي حصلها الإنسان من دراسة الكون المحيط.
1- تشير الكلمة إلى إحدى النظريات الحديثة نسبيًّا، التي تختص بدراسة القوانين الخفية التي تحكم البيئات العشوائية في مظهرها، المنتشرة في الكون؛ حيث نالت النظرية قسطًا كبيرًا من الشهرة باستخدامها في العديد من الروايات والأفلام السينمائية كـ «حديقة الديناصورات» لمايكل كريشتون عام 1990 التي أخرجها للسينما استيفن اسبلبيرج، وتدور أحداثه حول محاولة أحد العلماء استنساخ ديناصورات لعرضها على الجمهور في حديقة عامة. وقصة «صوت الرعد» التي تحولت إلى فيلم سينمائي عام 2004 وتعتمد على نظرية الفوضى التي من أساسها أن أي تغير طفيف في بداية الأمر سيتحول إلى اختلاف عظيم غير متوقع عند نهايته، لدرجة أن الهواء الناتج من ضربة جناح فراشة في الشرق قد يؤدي إلى إعصار ضخم في الغرب، وهي النظرية التي ظهرت مع عالم الرياضيات الفرنسي هنري بونيكير وهو يحاول حل معضلة «حركة ثلاثة الأجسام في إطار واحد من الجاذبية» وهي مشكلة رياضية كانت بلا حل طوال قرنين من الزمان، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر وانضم إلى هذا أن علماء التجريب لم ينجحوا في تفسير كثير من الظواهر رغم تجميعهم لكثير من المعلومات التي لم يستطيعوا الربط بينها من جهة، وعدم قدرتهم على تنبؤ مسارها في المستقبل بقانون واضح من جهة أخرى، مما جعلهم يطلقون عليها لفظ العشوائية.
2- واستمر الحال على ذلك حتى النصف الثاني من القرن العشرين حيث بدأت الرؤية تختلف لدى العديد من العلماء، فوصل بهم اليقين بعجز القانون النظامي بتفسير العديد من الظواهر المحيطة بهم، ولعل أهمها ظاهرة النمو البيولوجي للسكان التي فشلت جميع النظريات الحديثة في التوقع بنسبة نموه، ويعد جهاز الكمبيوتر هو العامل المساعد على تطور هذا المذهب وانتشاره خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وخصوصا من خلال إطاره الرياضي بعدما ظل الجانب الفيزيائي هو المسيطر عليه طوال النصف الأول من القرن.
وتعد البداية الحقيقية لهذا التحول في اكتشاف «إدوارد لورنز» Edward Lorenz أحد علماء الأرصاد الأمريكيين، الذي اكتشف من قبيل الصدفة مدى العشوائية في توقعات الأرصاد للظروف المناخية، وعلى رأسها سرعة الريح. ففي عام 1961 أراد «لورنز» التأكد من بعض البيانات الخاصة بتوقعاته المناخية، وليوفر الوقت بدأ عملية الحساب من المنتصف، وذلك بإدخال أرقام مشابهة للمعادلة التي يقوم بحسابها إلا أنه أدخل الأرقام حتى ثلاثة أرقام عشرية، فوجد النتائج مختلفة تماما، وعلى الرغم من أن الاختلاف كان بسيطًا للغاية فالرقم الذي أدخله كان يتألف من ثلاثة أرقام عشرية، بينما كان الكمبيوتر يقوم بحساب هذه العملية بأرقام تتألف من خمس علامات عشرية، إلا أن «لورنز» خرج بنظرية تقول: إن الاختلافات البسيطة قد تنشأ عنها نتائج شديدة الاختلاف التي ستزداد حدة اختلافها كلما ازداد مدى استمرارها، وضرب مثالا لذلك: أن الهواء الناتج عن تحرك جناحي طائر النورس قد يغير تماما توقعاتنا السابقة حول سرعة الرياح، ثم قام بتطوير هذا المثال إلى جناحي الفراشة.
3- ولم يقتصر استخدام هذا المذهب على القصص الروائية بل امتد أيضًا إلى ألعاب الفيديو المصورة، حيث ظهرت العديد من الألعاب التي تعتمد في مضمونها على هذه النظرية، مثل لعبة Tom Clancy Splinter Cell: Chaos Theory ولعبة Sonic the Hedgehog، بل إن الأمر وصل إلى إنتاج بعض الآلات الكهربائية التي تحمل اسم المذهب للاستفادة من شهرته الواسعة، فقامت شركة Goldstar الأمريكية المتخصصة في صناعة الأجهزة الكهربائية بإنتاج غسالات ملابس فوضوية (Chaos Washing Machines) عام 1993م، والتي تعد أول منتج على مستوى العالم يتم تصميمه وفقًا لنظرية الفوضى، والتي تتميز بوجود نابض صغير يساعد على تحريك المياه التي تتصاعد وتتساقط بشكل عشوائي بعد تحريكها من قبل النابض الرئيسي، وهو الأمر الذي يساعد على إخراج الملابس أعلى نظافة وأقل تشابكًا، وإن اعترض عليها بأنها تؤدي إلى إهلاك الملابس بصورة أسرع.
4- ثم انتقلت نظرية الفوضى من الفيزياء إلى الأرصاد إلى بورصة المال إلى السياسة، وأثرت في مذاهب الفن والموسيقى والآداب. وهذه النظرية تكر على ما استقر في المعرفة التقليدية عندهم من حتمية السببية، أي: أن العلاقة بين السبب والمسبب حتمية، وهو ما رفضه الأشعري وأهل السنة وقالوا: إن هناك تلازمًا بين السبب والمسبب، وهو أنه لا يتخلف عادة، وأن الله يخلق المسبب عند السبب لا به، وكان هذا تحت عدة قواعد مهمة يجب ذكرها عند المقارنة بين النموذج المعرفي الإسلامي والنموذج الآخر، فعند المسلمين: { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }(1).
{ وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }(2). { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(3). { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }(4). { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }(5). { وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ * ذُو العَرْشِ المَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }(6). { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }(7). نظرية التسخير في مقابل نظرية السيطرة بين قوله تعالى: { وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(8) وقوله سبحانه: { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(9).
5- فهذه الحالة التي وصفوها أولاً بأنها مندرجة تحت قوانين حتمية لا تتخلف أبدًا اصطدمت مع غالب ما رأوه بعد ذلك في الكون، وكان القول بالحتمية مخالفًا لعقيدة المسلمين التي وصفت حينئذ بالخرافة والتخلف والآن يقولون: إذا قمنا بتصوير هذا الكون الواسع كفيل ضخم؛ فإن القوانين المنظومة تساعدنا فقط على فهم ما في الجزء الأخير من ذيله، بينما يساعدنا مذهب الفوضى في فهم واستيعاب البقية، وهو ما يمكن تأويله من الناحية العلمية إلى حقيقة هامة وهي: أن البيئات المنظمة في الكون تعد الأقل شيوعًا عند مقارنتها بالبيئات العشوائية، وهو ما يتناقض مع نظريات المعرفة الكلاسيكية التي تؤكد أن الكون في أصلة بيئة منظمة تحكمها قوانين صارمة لا تتغير.
فهذا اعتراف بعدم الحتمية، ولكن في نفس الوقت - للرغبة الجامحة في السيطرة على الكون وليس فقط الاستفادة منه ولتنحية قضية الألوهية والخالقية - تراهم يصفون ما يرون بالعشوائية.
أما القواعد التي ذكرناها فهي ترى الأشياء على ما هي عليه، وترى حكمة الله وراء كل شيء، فهناك نظام مطرد، وهناك تنوع مقدر من الله، وهذا التنوع وراءه حكمة، وهذه هي الحيرة التي نراها في كلامهم مرة يعبرون عنها بالعشوائية ومرة بالفوضى ومرة بأن هناك قانونًا وراء هذه العشوائية وتلك الفوضى. ولو سار البحث تحت القواعد السابقة واختار ألفاظه لتوصل إلى مزيد من معرفة أسرار الله في كونه المسخر لبني آدم.
6- يقول «تشوك بالاهنيوك» وهو كاتب روائي ساخر أمريكي الجنسية مولود عام 1961: "إن ما نطلق عليه مصطلح الفوضى هو في واقع الأمر نظام جديد لم نألفه، وما نطلق عليه مصطلح العشوائية هو أيضًا نظام آخر لم ننجح في فك شفراته؛ ومن ثم فما لا نفهمه نطلق عليه لغوًا، ولما لا نستطيع قراءته نسميه ثرثرة، وخلاصة الأمر أنه لا توجد إرادة حرة، ولا يوجد تنوع، بل يوجد فقط الأمر الحتمي". ويقول «كيري ثورنلي» مؤسس ديانة الفوضى (1938-1998): "ما نتخيله نظامًا ما هو إلا نوع سائد من الفوضى".
وسبب هذا التناقض هو عدم الاهتمام بالتوحيد والاعتراف بأن العالم مخلوق، وهو ما يحدث منذ مئات السنين، بل آلافها. هل النسبة إلهية أو طبيعية؟ وهل ما نراه من حولنا فوضى أو تنوع؟
وعلى كل حال فإن كلمة فوضى لها دلالة سلبية من معنى الضياع والارتباك والتصادم؛ ولذا نرى بعضهم يحاول أن يفرق بين كلمة فوضى والتي تعني عنده شيئًا من الحرية والانطلاق وبين هذه المعاني، إلا أن المصطلحات ومردود الكلمة على ذهن السامع لها - له أهمية كبيرة حتى في تبني الأفكار والمذاهب؛ فلا يمكن عزل هذا المفهوم من الضياع والارتباك عن كلمة فوضى.
7- ويرى الأب ديف فليمنج Deve Fleming - رجل دين يعمل بكنيسة المجتمع المسيحي بمدينة بتيسبرج ببنسلفانيا في مقاله اكتشف خمس أفكار رئيسية لجلب الفاعلية والصحة - يرى عكس هذا حيث يقول: "وهذا أمر خاطئ تمامًا؛ فهناك فرق شاسع بين الفوضى والارتباك". وطالب الأب فليمنج القارئ أن يتخلص من هذه الأفكار السلبية وأن يجدد علاقته سواء كان حاكمًا أو محكومًا مع كلمة الفوضى، وأضاف: "إن الإنجيل يؤكد لنا أن الكون خلق من فوضى وأن الرب قد اختار الفوضى ليخلق منها الكون، وعلى الرغم من عدم معرفتنا لكيفية هذا الأمر إلا أننا متيقنون أن الفوضى كانت خطوة مهمة في عملية الخلق. وأضاف: "إن المشكلة الحقيقية ليست في الفوضى ذاتها، ولكن في رد فعل الحكام والحكومات لها، وهو الأمر الذي يؤدي على ما نراه من نتائج سلبية". وأكد أن القضاء على الفوضى لن يؤدي أبدا إلى الاستقرار والذي ينبع فقط من الإبداع الذي ينبثق بدوره من الفوضى. وإذا استخدمنا هذه الكلمة لنعلق عليها مخاوفنا وفشلنا فيجب أن نكون على درجة من الشجاعة لمواجهة هذا الأمر.
واختتم كلامه مؤكدًا أن السيطرة والنظام هما العدو الأول للإبداع الإنساني؛ وعليه فإن حكام العصر الحالي سيكتشفون سريعًا أن الفوضى هي السلاح الفعال لتحقيق الاستقرار الأبدي لمجتمعاتهم.
8- ونرى هذا التشويش الذي يخلط بين الحق والباطل وبين الحقائق والأوهام في كلام كل من جودي نيل Judi Neal (الحاصلة على الدكتوراه من جامعة يال Yale في علم السلوك المؤسسي وتشغل حاليًا رئيس مركز التحفيز على العمل بجامعة نيوهافن New Haven) وبوران بيريز Puran Perez في مقدمة كتابهما «كيفية التكيف مع الفوضى» (How to Cope with Chaos) حيث جاء فيه ما نصه: "إن جميع الدلائل تشير إلى وجود نظام خفي في البيئات العشوائية والذي يعتمد في جوهره على قوانين الطبيعة". وأضافا: "إن الفوضى والعشوائية هما في الأصل ظواهر طبيعية وأحد مراحل عملية التطوير في التاريخ الإنساني، وإن التحول الفردي والمؤسسي لا يمكن أن يتم إلا من خلال هذه الفوضى، والتي في العادة ما تفرز العديد من النظم الجديدة والمعاني المبتكرة".
ولهذا أكدا على أهمية فهم الميكانيكية الخفية لهذه البيئات واحتمالاتها المختلفة، والتي ستئول إلى اكتسابنا المقدرة على ركوب موجة التطور والنمو على المستويين الفردي والمؤسسي. وقد خصصا بقية الكتاب في عرض المبادئ العامة لنظرية الفوضى وكيفية التعامل معها في الحياة الواقعية.
ويبين لنا هذا الأزمة الفكرية التي تمر الأمة الإسلامية بها، فلا هي فكرت وعبرت عن أفكارها بالمصطلحات الصحيحة، ولا هي قرأت واختارت وشاركت مع البشر فيما يجري حولنا جميعًا من آراء وأفكار، ويذكرنا ذلك بمؤلف أبي الحسن الندوي - رحمه الله تعالى - "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين".
9- كما أكد مارتن كروزرز Martyn Carruthers - مؤسس مذهب جديد في العلاج النفسي المعرف باسم Soulwork - وذلك من خلال موقعه الإلكتروني على شبكة الإنترنت وعنوانه www.Soulwork.net حيث يقول تحت عنوان «الفوضى والتدريب والعلاج»: "إن الفوضى إحدى العوامل المهمة في التدريب والعلاج النفسي، فعند الوصول بالنفس إلى حافة الفوضى - وعندها يفقد الإنسان جميع ضوابطه وقوانينه - من الممكن أن تحدث حينذاك المعجزات".
ولكن انتظار المعجزات دون فعل شيء لن يقودنا إلى شيء، فالتخلص من القوانين القديمة قادر على إعطاء الإنسان فرصة لمعرفة الحياة من منظور جديد؛ ومن ثم يصبح قادرًا على خلق هوية جديدة بقيم مبتكرة ومفاهيم حديثة تساعده على تطوير البيئة المحيطة به وإعادتها مرة أخرى إلى النظام.
10- ويجرنا هذا إلى قضية التحيز Biss حيث يتحيز كل أحد إلى معتقده وإلى رؤيته الكلية، ويذكرنا هذا بالانتحار العرقي الذي سبق أن أشرنا إليه، وحول قضية التحيز عقد مؤتمر في القاهرة سنة 1992م نظمه الدكتور عبد الوهاب المسيري مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ونتج عنه سبعة مجلدات في بحوث التحيز في مجالات شتى طبعت في دار الشروق، ولكن هل من قارئ أو مجيب.
إننا نملك رؤية كلية ترى أن الكون مخلوق لخالق حكيم؛ لأنه سُخر لبني آدم، وأن علم ابن آدم محدود، وأُمِر بالسعي في الكون لكشفه؛ لأن لديه هذه القدرة {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ }(10)، وأن الكشف لا يتناهى، وأن الفجوات العلمية تحث على الاستمرار، وأن الله تعالى فعال لما يريد، وأنه قادر على كل شيء، وهي مقابلة لنظرية الفوضى والسيطرة على الكون والصدفة والعشوائية والحتمية وتنحية الإله، فهل من متدبر؟
وبذلك يمكن الاستفادة من نظرية "الفوضى الخلاقة" إذا ما تعاملنا معها على أنها تنوع خلاق يخفي وراءه منظومة يمكن الكشف عنها فلا تصبح كغسالة الفوضى التي تعطي غسيلا أكثر بياضًا وتنحر في النسيج، وفي حالتنا النسيج المجتمعي وفي الهوية والوجود والكينونة، وفي نفس الوقت نسعى إلى إطلاق الإبداع الذي يمثل استعمال الطاقة الكامنة ولا يمثل أبدًا قلة الأدب والهذيان بدعوى أن الفوضى نظام الكون، أو كما يقول «جيم موريسون»: "أنا أهتم بأي شيء يتعلق بالثورة وبالنظام وبالفوضى، وخاصة الأنشطة التي لا تحمل أي معنى، فهذا كما أعتقد الطريق المباشر إلى الحرية". وهو أحد أشهر مغني الروك الأمريكي وقد وجدوه مقتولاً في حوض استحمام بباريس. إن هذا التوجه هو الأقل وجودًا والأقل صوتا حتى الآن، ولكنها من دعاوى العصر الجديد New age الذي ما زال عقلاء البشر يرفضونه بالرغم مما فيه من شهوات.
المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .
الهوامش:
-----------------
(1) من الآية 76 من سورة يوسف.
(2) من الآية 85 من سورة الإسراء.
(3) من الآية 45 من سورة النور.
(4) من الآية 29 من سورة الرحمن.
(5) من الآية 107 من سورة هود.
(6) الآيات من 14 : 16 من سورة البروج.
(7) الآية 23 من سورة الأنبياء.
(8) من الآية 24 من سورة يونس.
(9) الآية 12 من سورة النحل.
(10) الآيتان 31 ، 32 من سورة البقرة.