بتـــــاريخ : 10/23/2008 7:06:25 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1243 0


    الكلمة من منظور إسلامى

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    ما دور الكلمة من منظور إسلامى ؟
    والجواب : 
        أن الكلمة هى الوسيلة الأولى لالتقاء الأفراد والأجناس ، والكلمة هى ناقلة التراث الحضارى من جيل إلى جيل ، فالكلمة جزء أصيل من الحضارة ، ومكون أساسى من مكوناتها ، والكلمة هى المعبر عن كل الرسالات والأديان ، وإن الفكر البشرى ليقف مذهولا إذا حاول أن يتأمل معطيات إنجاز الكلمة من خلال القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية ، وما أحدثته هذه الكتب من تحولات تاريخية فى الذهنية الإنسانية من جهة ، وفى التطور الحضارى من جهة أخرى . 
        فالكلمة وحدها كانت حاملة للخطاب الإلهى للبشر ، كما أنها وحدها هى الحاملة لكل الإنجاز البشر الحضارى ، فأحدثت بذلك أعظم ثورة فى تاريخ المسيرة البشرية إلى الآن .
        ولعلنا من خلال رصد ورود (الكلمة) فى القرآن الكريم سواء ما ورد منها نصا أو ضمنا ، وتأمل طبيعة هذا الورود نستطيع أن نضع تحت أعيننا ملامح الكلمة كحقيقة موضوعية من المنظور الإسلامى ، كما أن النبى صلى الله عليه وسلم فى تحركه بالكلمة وفى تحركه معها يضع لنا أيضا شروط الكلمة التى تجعل منها كيانا موضوعيا متفجرا بالحيوية والحركة والنقاء ، واعتناق كل الكون ، والتنائى بها دائما عن أن تكون إطارا مجوفا بلا مضمون أو شعارا منفصلا فى حركة وجوده عن الواقع.
        فالكلمة كما يصورها القرآن الكريم أتت فى بواكير الوجود لاستنقاذ أبى البشرية آدم عليه السلام { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة :37] .
        والكلمة هى إجمال لفلسفة الإسلام كدين شمولى تكاملت حلقاته وتتامت { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [الأنعام :115] .
        والكلمة هى هتاف الانضواء تحت فهم كلى للحقائق الكبرى ، وهى المشترك مع الآخر { قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران :64] .
        والكلمة سلاح جمعى ذو حدين ، { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم 24 : 26] .
        والكلمة بدء لا ينتهى ، ومداد لا يجف ؛ { قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف : 109] .
        والكلمة هى ميزان الحق وسيف العدالة { وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الشورى :24] .
        والكلمة قادرة أبدا على أن ترتفع كطائر مخترقة الآفاق والسموات { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر :10] .
        إلى غير ذلك من مواضع ورود الكلمة فى القرآن الكريم ، وإلى مثل هذا الحد تتوهج الكلمة فى القرآن الكريم الذى هو الوعاء الحقيقى للمنظور الإسلامى .
        ومن جهة أخرى فقد حمل القرآن العظيم حملة ضارية على سوء سلوك الكلمة ، مؤكدا على الأبعاد المضيئة التى يضعها المنظور الإسلامى للكلمة ، والتى لا ينبغى معها أن تكون هناك أبعاد سيئة للكلمة ، قال تعالى { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم 10 :11] ، وقال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات :12] . وقال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }[الحجرات :6] . إن الكلمة هنا توشك أن تكون إنسانها القائل ، فإذا استحالت كذبا فإنسانها هماز مشاء بنميم ، وإذا استحالت غيبة فإنسانها آكل جيف ووحشى ، وخارج عن الفطرة السوية ، وإذا تسرعت فأدانت بمجرد الظن ، فإنسانها جاهل قمين بأن يظل عاضا على أصابع الندم .
        أما الكلمة فى غير المنظور الإسلامى فقد تبحر مع الحب حتى تلامس العهارة ، ومع التراث الحضارى حتى تنحنى لهذيان الرافضين ، ومع كل الأديان حتى تقدس المدخول وغير السماوى ، ومع الحرية حتى تتاخم الفوضى وتلتحم بها لا حدود .
        أما الكلمة من المنظور الإسلامى فإنها تعرف كيف تضع الأشياء فى مناطاتها الحقيقية، فالتراث حضارة فهم ، وليس حضارة اعتباط ، والدين وحى إلهى ، وليس تحريفا بشريا ، والحرية التزام وليس تسيبا لا قوانين.
        ومن هنا كان ترشيد النبى صلى الله عليه وسلم للكلمة موصولا وغير محدود ، وكانت أيضا حملته الضارية على كل ما يضع الكلمة فى غير مناطها الطبيعى ، فيقول صلى الله عليه وسلم ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم)) ، أخرجه البخارى (6113) عن أبى هريرة .
        ويقول صلى الله عليه وسلم : ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال المتكبرون)) أخرجه الترمذى (ح 2018) وحسنه عن جابر رضى الله عنه.
        فالكلمة فى المنظور الإسلامى لا بد أن تكون على المستوى الذى به صارت إطارا موضوعيا للقرآن الكريم ، ولهذا فالكلمة فى المنظور الإسلامى كلمة مسئولة ، مسئولة عن تعلية التعبير عن كل ما يجيش فى أعماق البشر من هواتف الطبيعة ونوازع الضرورة ، وخوالج الوجدان ، ومسئولة عن توظيف التراث الحضارى فى تطوير الحياة والأحياء ، وليس فى تدميرهما، وهى مسئولة عن الحفاظ على الرسالات والأديان الإلهية ، وفى إطارها الإلهى حتى لا يختلط ما هو أرضى محدود بما هو من وحى السماء .
        والكلمة مسئولة عن دوام التواصل بين الإنسان وخالقه ، فبالكلمة نحن نتعبد الله تعالى ، وبالكلمة نحن نفهم كتابه الكريم .
        إن مسئولية الكلمة فى الإسلام تعكس فلسفة وضعيتها الفذة، لأنها تلقى على كاهلها عبء التزام عقائدى يضع الكون فى أحداقه ، فهى تعبر عن حركة الفرد ، واندفاع المجموع ، وقيم الحضارة ، وأدوات التواصل .

     

    المصدر : فى الفكر الإسلامى من الوجهة الأدبية ، للدكتور محمد أحمد العزب ، القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة ، 1983 م ، (ص 103 - 113) .

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    تعليقات الزوار ()