بتـــــاريخ : 10/23/2008 7:59:00 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1158 0


    حرية الرأى وسوء استخدامها - الصور المسيئة نموذجا

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    برزت فى الآونة الأخيرة أزمة الصور المسيئة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهل هذا يمثل حرية الرأى ؟

    والجواب : 

        من المهم الحديث عن الفرق بين حرية الرأي، وحرية التعبير، وعلاقة ذلك بالمبدأ الديمقراطي، وبالإسلام.
        فليس فقط الدين مختلفًا، والعقلية مختلفة، والتاريخ مختلفًا، والثقافة مختلفة، بل أيضًا التناول مختلف، ونرى أنَّ فتح هذا الباب في غاية الأهمية، ونحن ندعو إلى بناء جسور الحوار والتفاهم بين البشر، وأن هذه الاختلافات في لغة الحوار وفي المفاهيم تعد عقبة شديدة تهدم كل ما نبني، وتعطِّلنا كلما انطلقنا، وتُغَبِّش الهدف الذي نريد أن نصل إليه.
    1- كِتاب «الديمقراطية في أمريكا»، وهو من جزأين تأليف «ألكسيس توكفيل» وترجمة وتعليق: الأستاذ أمين مرسي قنديل، طبع عالم الكتب، وطبع فيها ثلاث طبعات آخرها سنة 1991م، وكانت هذه الترجمة عن الطبعة السادسة عشرة، والتي أعدها وعلق عليها «آندريه جاين» وحظي هذا الكتاب بتصدير من الدكتور محسن مهدي، أستاذ الدراسات العربية بجامعة «هارفارد» وهو كتاب مهم للغاية؛ فقد ألَّفه صاحبه في أوائل القرن التاسع عشر بالفرنسية، ونُشر في أمريكا في سنة 1862م بترجمة إنجليزية، ثم تراه يُنشر حتى يومنا هذا؛ ولذلك فهو من قبيل الكتب الأساسية الشارحة لتلك الأصول التي نبحث عنها لفهم لغة الآخر، ومكوِّنات عقليته، وهو الأمر اللازم لتحليل المضمون وقراءة الأحداث، وأهم من ذلك كله كيفية التعامل.
        وقد ذكرني هذا الكتاب أيضًا بكثير من الكتب الأساس، التي يجب علينا أن نطَّلع عليها بعد أن أصبحنا في قرية واحدة، أو في بحر واحد نشعر بالأمواج فيه سويًّا، وبدرجة واحدة.
    2- في ذلك الكتاب يقول: إن أساس الديمقراطية هو السعي إلى المساواة، وإن هذا يُحدِث مشكلة يواجهها كهنة الديمقراطية والداعيين إليها مع الحرية ومفهومها، فهناك حرية الرأي والاعتقاد، وهناك حرية التعبير، وإن حرية الرأي والاعتقاد مكفولة لكل أحد منذ مذهب التجاريين. وكلام «آدم سميث»: «دعه يعمل دعه يمر»، وإن هذا يقتضي تلك القضية، وهو ما لا نجد فيه بأسًا في الدين الإسلامي، الذي قرر حرية العقيدة في أجلى صورها، وأخَّر المحاسبة عليها إلى يوم القيامة، وليس في الحياة الدنيا، فقال تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }(1)، وقال سبحانه: {لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ}(2 )، وقال: {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}(3).
        أما حرية التعبير فسوف تتقاطع مع عقائد الآخرين من جهة، ومع المساواة من جهة أخرى، وإذا كانت هذه مشكلة عند كهنة الديمقراطيين من أول القرن التاسع عشر، فالعجيب أنها ما زالت مشكلة ونحن في القرن الحادي والعشرين.
        بالرغم من أنهم قرروا بوضوح في كتبهم فقالوا: إن هناك رؤيتين للحرية: الأولى مرفوضة، وهي ترى التحرر من القيود والضوابط جميعها، بحيث يستطيع أن يفعل الإنسان كل ما يريد، وهو الأمر الذي يُحَوِّل الاجتماع البشري إلى فوضى عارمة لا يمكن تصورها فضلا عن قبولها. والثانية: ترى أن الحرية تعني استقلال الإرادة والحرية في التعبير بما يتلاءم مع الاجتماع البشري، والالتزام بالضوابط التي يتفق عليها جماعة البشر؛ كالضوابط الدينية والأخلاقية والعرفية التي يتصالح عليها المجتمع. والحرية بهذا المنظور توجَّه على أنها الوجه الآخر من المسئولية، فقبل أن يعلم الإنسان أنه يتمتع بالحرية يعلم أنه مسئول عن تلك الحرية وتلك الاختيارات والأقوال والأفعال أمام المجتمع البشري الذي يعيش به.
        وبذلك يتبين لنا أن تقييد حرية الفرد من مقتضيات قيام المجتمع الإنساني، خاصة مع تشابك المصالح واختلاف الأهواء، وتظل الحرية معنى نسبيًّا يتفاوت بتفاوت الزاوية التي يُنْظَر منها إليها، حتى لو تحدد نطاقها وأعطيت وصفًا معينًا - سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو دينيًّا .. إلخ - فقد يكون المقصود الحرية من قيد معين بالمعنى السياسي، أو الحرية بقصد تحقيق غرض معين بالمعنى الاجتماعي.
    3- بعدما تسافلت الصحيفة الدنماركية ونشرت ما نشرت من الإساءة إلى سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم، رأينا صحيفة نرويجية تفعل مثل ذلك، ثم في فرنسا، بدعوى أنهم يريدون اختبار هذه المسألة، ولكنهم عرضوها بطريقة ساذجة فجة، وليست بنفس الطريقة التي تكلم عنها «ألكسيس توكفيل» الفرنسي الأصل في كتابه المشار إليه.
        وهذا يبين لنا أن الرصانة والتفكير المستقيم قد انسحب من عند جمهور الغوغائيين، وهي سمة من سمات العصر، نسأل الله اللطف بنا فيها.
    4- حرية التعبير عند فقهاء المسلمين حرية ملتزَمة، لا يجوز العدوان على مقدسات الآخرين، وحتى لو عبدوا الوثن، قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(4 ). وقال تعالى في صفات عباد الرحمن: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}(5). وقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}(6).
        وقال تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ * وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ المَثَانِى وَالْقُرْآنَ العَظِيمَ * لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ إِنِّى أَنَا النَّذِيرُ المُبِينُ * كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ }(7).
        وهذه الآيات يجب أن تكون أساس التعامل في هذه الأزمة؛ لأنها هي الإشارات الربانية المعصومة من الهوى والزلل والقصور والتقصير، يجب علينا أن نتأملها، وأن نستخرج منها قاعدة لإدارة الأزمات.
        وها قد أكدت الأحداث الأليمة صحة رؤيتنا لوجوب استخلاص قاعدة لإدارة الأزمات، فإذا بنا نرى من يحرق السفارات في ثورة عاطفية جامحة استوجبت تقديم الاعتذار من بعضنا، وفي هذا ما لا يخفى من إضعاف قضيتنا، ومن التفريط في أي مكاسب يمكن أن نكون قد توصلنا إليها في شهور عدة.
        وهيا بنا مرة أخرى نتجاوز الأحداث الأليمة؛ لأننا في الحقيقة ننظر إلى المستقبل ونريد أن نؤسس إدارة للأزمات تشتمل على محاولة عدم الوقوع فيها أصلا، وعلى منعها قبل حدوثها.
    1- والتفكير المنطقي يجعلنا ندرس الحالة الراهنة ونحاول أن نتلمس أسباب هذه الأزمة بشيء من الإنصاف، وأرجو أن لا تمر كلمة الإنصاف بصورة عابرة، بل هي مكوِّن من مكونات العقل المسلم، يقول الله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(8)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول»(9)، ويقول: «يبصر أحدكم القَذَاةَ في عين أخيه، وينسى الجِذْعَ في عينه»(10)، وسنبدأ برؤية القذاة في عين الآخر، ثم بعد ذلك ننتقل إلى جذع النخلة الذي في أعيننا.
    2- مناهج التعليم في الغرب تشوِّه صورة الإسلام والمسلمين، سواء في التاريخ الإسلامي، أو التشريع، أو العقيدة، أو الواقع، أو في مصادر الإسلام، بصورة تولِّد الكراهية عند الأطفال الغربيين للإسلام والمسلمين، ولقد قام البروفسور «عبدالجواد فلاتوري» - رحمه الله تعالى - ومعه مجموعة بَحْثِيَّةٍ بدراسة مفردات تلك الصورة المشوَّهة للإسلام والمسلمين في المناهج الدراسية في الغرب، خاصة في ألمانيا، وكان نتاج تلك الدراسة ثمانية مجلدات حصر فيها كل هذه الصور، وطبعتها له جامعة «كولن» بألمانيا في أواخر الثمانينيات وحتى بدايات التسعينيات، وهي موجودة حتى الآن تُباع في الأسواق، ثم جعل لها ملخصا باللغة العربية، ويمكن اعتماد هذه الدراسة العلمية التي انبثقت من الواقع في مطالبة الغرب والاتحاد الأوربي بوجوب تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في المناهج التعليمية الغربية، وهكذا سيسري إلى أمريكا أيضًا ثم إلى سائر العالم.
        وهذا التصحيح قد بُذلت فيه محاولات عدة لكنها باهتة؛ مما أدى إلى ترسيخ الصورة السيئة في أذهان الغربيين، وهو ما يخالف كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وكلَّ القوانين الدولية التي استقرت على عدم التمييز العنصري أو العرقي أو الديني، وقامت علاقتها على أساس من حرية العقيدة والعمل والانتقال وحرية الرأي.
    3- ومن القذاة التي في أعينهم بعض القوانين سيئة السمعة التي تحاصر المسلمين في عقائدهم أو عبادتهم، وآخرها ما حدث في فرنسا في قضية الحجاب، وينبغي الدعوة إلى تنقية هذه القوانين؛ لأنها تخالف دساتير هذه البلاد، وذلك عن طريق تحريك الدعوى القضائية والسياسية في هذا المجال.
    4- وبخصوص الحالة الدنماركية فإن القانون الدنماركي ينصّ في مادته رقم 140 على أنه: «في حالة قيام أي شخص بالسخرية أو الاستهزاء العلني بتعاليم أو مبادئ أي شخصية دينية معترف بها رسميًّا يُحكم عليه بالغرامة أو عقوبة الحبس لمدة قد تصل إلى أربعة أشهر».
        كما تنصّ المادة 266ب على الآتي : (في حالة قيام أي شخص بنشر أو السعي إلى نشر جملة أو قول يهدد أو يهين أو يشوِّه سمعة أو يسبُّ جماعة من الناس على أسس تمس عرقهم أو لونهم أو جنسيتهم أو جذورهم العرقية أو معتقداتهم أو جنسهم يُحكم عليه بالغرامة أو عقوبة الحبس لمدة قد تصل إلى عامين).
    5- عند توزيع العقوبات، يؤخذ في الاعتبار صفة المؤسسة الناشرة كأحد عوامل إثارة الفتنة.
    6- فإذا رفع المسلمون دعوى إلى القضاء الدنماركي في أزمة الرسوم فرفض القاضي الاستماع، فإنه يفعل ذلك لأحد أمرين؛ لأنه لا يعترف بأن الإسلام دين، وهو ما يخالف الحالة الدنماركية، وإما أن يكون منكرًا للعدالة، وهي جريمة في القانون الدولي. فتأمل.
    7- وكذلك من مكونات القذاة في عينهم قضية العزل والتهميش للجماعات المسلمة، وهي في مقابلة قضية الاندماج، وهو موضوع متشعب جدير بالدراسة تلعب فيه التفرقة العنصرية دورًا كبيرًا، كما أنه أيضا تلعب فيه ثقافة المسلمين دورًا سلبيًّا مقابلا.
    8- ومن القذاة أيضًا عدم السماح بأي جزء أو مساحة من الإعلام حتى يعرِض المسلمون أنفسهم، كما أتيح لهم شيء من ذلك - ولو بصورة قليلة - في أستراليا، حيث سُمح لهم بإنشاء الصحف والإذاعات، وبمساحات في الإعلام بكافة وسائله تمكنهم من أن يشرحوا أنفسهم، وهذا يهيئهم لعملية الاندماج، ويذيب كثيرًا من الثلوج التي ينشئها التعصب والتمييز.
        إن عدد المسلمين في الدنمارك أكثر من 200 ألف دنماركي، بعضهم من الدنماركيين الأصليين، وأغلبهم من المهاجرين، وطبقًا لسجلات الأزهر الشريف - ومنذ سنة 2002م وحتى نهاية سنة 2005م - أسلم من دولة الدنمارك وحدها من السكان الأصليين نحو أربعين شخصًا، وهو عدد كبير بالنسبة لدولة لا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين.
    9- يجب على المسلمين أن يستفيدوا من هذه المحن، بنقلة نوعية تؤدي إلى معيشتهم بصورة أكثر مشاركة في الحضارة الإنسانية، وبمستقبل أكثر استقرارًا وأمنًا لهم وللعالم كله، ومن أجل ذلك - ومن خلال التفكير العقلي المنطقي - يجب عليهم أن يستعملوا كل الوسائل المتاحة لهم، فنُذَكِّر المنظمات التي تقوم الآن بمحاولات دولية لاستصدار القوانين وقرارات لحماية المسلمين من العدوان بما نصّتْ عليه المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من أنه: «تمنع - بحكم القانون - كل دعوى للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، والتي من شأنها أن تشكل تحريضًا على التمييز أو المعاداة أو العنف».
        وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 59 (د-1) المؤرخ 14 ديسمبر 1946م، من أن: «أحد العناصر التي لا غنى عنها لحرية الإعلام توافر الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها، والالتزام الأدبي بتقصي الوقائع دون تعريض، ونشر المعلومات دون سوء قصد».
        هذه هي القذاة، فإنها قذاة ضخمة تحتاج إلى عمل كثير، فما هو إذن جذع النخلة الذي في أعيننا.
    والذي تعلمناه من دين الإسلام أنه دعوة عالمية، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}(11)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(12) ومعنى هذا أننا أمة دعوة، ومقتضى الدعوة تبليغها بصورة لافتة للنظر، وعرضها على الناس، بشروط قد حددها الله سبحانه وتعالى؛ أول هذه الشروط هو: حرية العقيدة وعدم الإكراه عليها، قال تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(13)، وقال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }(14)، وقال تعالى:{لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ}(15)، وقال تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ}(16)، وقال تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(17)، وقال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاغُ}(18).
        ومن شروط الدعوة أن تكون بالحكمة، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ}(19 )، ومن شروطها أن تكون على بصيرة، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى}(20 )، ومن شروطها أن تكون شفافة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}(21 )، فجعل كتم البينات والهدى من الكبائر التي تؤدي إلى الفساد في الدين، وإلى الأذية والضرر في الخلق؛ ولذلك استوجبت لعنة الله، دلالة على أنها من الذنوب الكبائر، ولعنة اللاعنين الذين يتأذون بذلك في الحياة الدنيا. ولكن من رحمة الله سبحانه وتعالى أن فتح باب الرجوع والعودة للإصلاح فقال بعدها: {إِلاَّ الَذيِنَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التُّوَّابُ الرَّحِيم }(22 ).
    10- تكشف أزمة الدنمارك على أننا قد قصرنا في عرض ديننا بصورة لافتة للنظر، وهذا يستلزم منا مجهودًا علميًّا ودعويًّا يتجاوز ما نحن عليه الآن بصورة جذرية، ولقد نشأت في جامعة الأزهر والحمد لله رب العالمين كلية اللغات والترجمة، وخرجت كثيرًا من الأجيال، ولكننا نحتاج إلى المزيد من هذا التوجه بإرسال البعثات من الأزهر الشريف للدراسة في الغرب، وتقبل بعثات الآخرين إلينا وهو ما شرعت فيه جامعة الأزهر بالفعل.
    11- تفعيل دور الخريجين من هذه الكليات للعمل بالمراكز الإسلامية بالخارج، مع إتاحة الفرصة لهم للمعيشة في هذه البلاد بصورة مستمرة؛ لأن اللغة لا تكتسب، وهي كالكائن الحي لا تنمو إلا بطول المراس والمعاشرة، والاطلاع على دقائق العقلية وكيفية الخطاب، ولابد من أوضاع مستقرة لهؤلاء الأئمة يمثلون فيها بحالهم قبل أقوالهم الإسلام، وكثيرًا ما نرسل هؤلاء الأئمة، ثم نسحبهم بعد أربع سنوات أو خمسة وهي أزمان لا تكفي للتفاعل والأداء الحسن الذي نرجوه.
        لابد من إنشاء مرصد تكون مهمته الرصد والتحليل لكل ما يكتب وينشر ويذاع عن الإسلام في الخارج باللغات المختلفة، ومناقشته وتجهيز البيان الواضح بإزاء تلك القضايا وعدم ترك الأمور تتراكم حتى تصل إلى حد الانفجار، فقد يكون إنشاء قناة فضائية تتكلم بالإنجليزية خاصة أمر في غاية الأهمية، وهو ما لم يتم حتى الآن بصورة تتناسب مع العصر الذي نعيش فيه.
    12- نريد بصورة مستمرة عمل مؤتمرات الحوار والذي يدعى فيها رجال الصحافة والإعلام في كل مكان، وتتم المناقشات حول المصطلحات والصور الذهنية التي تتعسف مع الإسلام والمسلمين فيما يسمى (بالإسلام فوبيا).
    13- عمل مناهج متخصصة ودراسات عليا لدراسة الخلاف الحضاري بين الشرق والغرب، وطرحها للحوار مع كافة المؤسسات الفكرية والإعلامية والجامعية والثقافية، وعدم حصر ذلك في النطاق الأكاديمي.
    14- تفعيل الاتفاقات القائمة بين جامعة الأزهر وسائر الجامعات والمؤسسات العالمية، وهي كثيرة - والحمد لله، ولكن تحتاج إلى مزيد من العمل والجهد.
    15- إنشاء مراكز للترجمة والنشر من العربية وإليها؛ للاطلاع على خلاصات التراث الإسلامي، ومكونات العقل المسلم، وعلى كيفية الاستفادة من التراث الإنساني، والتواصل بيننا وبين العصر - خاصة في مجال البحث العلمي - وبيان أخلاقيات هذا البحث ونظر الإسلام إليه، وكيفية نقل التكنولوجيا اختراعًا وإبداعًا، وليس استهلاكًا وتقليدًا، مع الحفاظ في نفس الوقت على الهُوية؛ وهي أمور تحتاج إلى مزيد من التفكير، وإلى مزيد من تطوير القوانين، وإلى مزيد من المشاركة الفعالة.
        هل نرى في يوم من الأيام مجلة تصدر بالإنجليزية يكون لها توزيع عالمي، تشرح للناس من هم المسلمون، في تاريخهم وفي واقعهم، في أفكارهم وفي عقائدهم؟
        كم يتكلف هذا البرنامج من أموال؟ كم يحتاج من فرق عمل ذات كفاءة عالية في تخصصات مختلفة؟ إن الانشغال بهذا البرنامج بدلا من كثير من اللغو الذي نحياه، ومن التوجهات الفكرية والصورة الذهنية لكثير من المسلمين عن الإسلام نفسه - يحتاج منا إلى تحولات جذرية وتغيرات في طريقة التفكير وفي المسائل المطروحة التي تشغل الذهن المسلم والتي اختزل الدين فيها؟ لا بد أن ندرك الآن مع هذه النقاط البسيطة أن جذع النخلة في أعيننا،أم أنه قد صدق فينا قول الإمام الشافعي:
    نعيب زماننا والعيب فينا        وما لزماننا عيب سوانا
    ونهجو ذا الزمان بغير ذنب     ولو نطق الزمان لنا هجانا
    وليس الذئب يأكل لحم ذئب     ويأكل بعضنا بعضا عيانا

    أم أننا قد دخلنا في نطاق قول المتنبي:
    أغاية الدين أن تحفوا شواربكم     يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

       فمثل هذه الأزمات تحتاج إلى إدارة واعية، يمكن أن نلخصها في كلمات، ثم نفصل القول فيها فيما بعد؛ إدراك الواقع على ما هو عليه، والحكمة في معالجة الأمور، واعتبار المقاصد والمآلات، والاستفادة من الأزمة لما بعدها، والعمل على عدم تكرارها، وكسب أرض جديدة منها؛ حتى تكون المحنة منحة.

     

    الهوامش:
    ----------------------------
    (1 ) من الآية 29 من سورة الكهف.
    ( 2) من الآية 256 من سورة البقرة.
    ( 3) من الآية 80 من سورة النساء.
    ( 4) الآية 108 من سورة الأنعام.
    ( 5) من الآية 63 من سورة الفرقان.
    ( 6) من الآية 83 من سورة البقرة.
    ( 7) الآيات 85: 99 من سورة الحجر.
    ( 8) من الآية 8 من سورة المائدة.
    ( 9) هذا حديث مشهور أصله في الصحيحين؛ البخاري في كتاب «النفقات» باب «وجوب النفقة على الأهل والعيال» حديث (5355) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول»، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة» حديث (997) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما بلفظ: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك».
    ( 10) أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ص207 حديث (592)، وابن حبان في «صحيحه» (13/ 73) حديث (5761) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    ( 11) الآية 28 من سورة سبأ.
    ( 12) الآية 107 من سورة الأنبياء.
    ( 13) من الآية 29 من سورة الكهف.
    ( 14) الآية 6 من سورة الكافرون.
    ( 15) من الآية 256 من سورة البقرة.
    ( 16) الآية 22 من سورة الغاشية.
    ( 17) الآية 56 من سورة القصص.
    ( 18) من الآية 48 من سورة الشورى.
    ( 19) من الآية 125 من سورة النحل.
    ( 20) من الآية 108 من سورة يوسف.
    ( 21) الآية 159 من سورة البقرة.
    ( 22) الآية 160 من سورة البقرة.

     

    المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    تعليقات الزوار ()