|
الحكم بالقوانين الوضعية المتفقة مع الشريعة الإسلامية .
الناقل :
heba
| العمر :43
| الكاتب الأصلى :
الشيخ حسن مأمون
| المصدر :
www.dar-alifta.org
بكتاب السيد الفاضل الأستاذ م أ النائب العام بطرابلس والذى يعرض فيه مسألتين :
الأولى مستشار امتنع عن حضور الجلسات المدنية والجنائية طالبا أن يقتصر عمله على القضايا الشرعية وعددها فى محكمة استئناف طرابلس أربع قضايا . علما بأن زملاءه الثلاثة من المشايخ يباشرون العمل فى دوائر الجنايات وفى الدوائر المدنية . وحجته أنه لا يحكم إلا بالشريعة الإسلامية ، ولا يعترف بالقوانين الوضعية ( المدنى والعقوبات والمرافعات والتجارى ) ولا يريد أن يطبقها أو يحكم على مقتضاها ، وهى قوانين تشابه القوانين المصرية تماما . فما هى الرأى الشرعى فى شأن هذا المستشار الممتنع عن أداء واجبه مع قبض مرتبه بانتظام . وهل يؤيده الشرع فى ذلك مع إيراد المراجع الفقهية فى هذه المسألة .
الثانية أقرض شخص إسرائيلى امرأة ليبية دينا بعقد رسمى رهنت فيه المدينة منزلا ، نزع الدائن ملكية المنزل ولم يوف الدين ، لأن البيع كان بالمزاد الجبرى وبثمن بخس ، وقد أردف الدائن ذلك بدعوى نزع ملكية لمنزل آخر ، وأصدر توكيلا لولده لمباشرة الإجراءات ، وأما هو فقد نزح إلى إسرائيل ومقيم بها حتى الآن . والمطلوب الإفادة من الناحية الشرعية عما إذا كان يجوز لمراب مقيم بدار الحرب أن يقاضى مسلما فى دار الإسلام ، وهل يجوز للإسرائيلى المتوطن فى إسرائيل أن يرفع دعوى بحق له أمام المحاكم الليبية ، وهل تنقطع علاقة الإسرائيلى بليبيا إذا ما انتقل إلى دار الحرب ، أم من حقه أن يعين وكيلا عنه لمباشرة حقوقه فى ليبيا للإجابة على السؤالين . |
|
|
الـجـــواب
فضيلة الشيخ حسن مأمون |
|
نبدأ بسرد النصوص الواردة ونستخلص منها الحكم فنقول وبالله التوفيق عن المسألة الأولى جاء فى البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج- 6 ص 254 فى أول باب القضاء نقلا عن البدائع ( وفى البدائع الحكم بين الناس بالحق وهو الثابت عند الله تعالى من حكم الحادثة إما قطعا بأن كان عليه دليل قطعى وهو النص المفسر من الكتاب أو السنة المتواترة أو المشهورة أو الإجماع وإما ظاهرا بأن أقام عليه دليلا ظاهرا يوجب علم غالب الرأى وأكثر الظن ، وهو ظاهر الكتاب والسنة ولو خبر واحد والقياس وذلك فى المسائل الاجتهادية التى اختلف فيها الفقهاء أو التى لا رواية فيها عن السلف فلو قضى بما قام الدليل القطعى على خلافه لم يجز ، لأنه قضى بالباطل قطعا، وكذا لو قضى فى موضع الاختلاف بما هو خارج عن أقاويل الفقهاء لم يجز ، لأن الحق لم يعدوهم ، ولذا لوقضى بالاجتهاد فيما فيه نص ظاهر بخلافه لم يجز ، لأن القياس فى مقابلة النص باطل ولو ظاهرا ) والقضاء يتخصص بزمان ومكان وخصومة . قال صاحب الدر المختار ج- 4 ص 530 فروع ( القضاء مظهر لا مثبت ويتخصص بزمان ومكان وخصومة وعلق عليه ابن عابدين صاحب رد المختار فى الجزء المذكور بقوله عزاه فى الأشباه إلى الخلاصة وقال فى الفتح من أول كتاب القضاء الولاية تقبل التقييد والتعليق بالشرط كقوله إذا وصلت إلى بلدة كذا فأنت قاضيها أو إذا وصلت مكة فأنت أمير الموسم والإضافة كجعلتك قاضيا فى رأس الشهر والاستثناء منها كجعلتك قاضيا إلا فى قضية فلان ولا تنظر كذا . وقال صاحب الدر تتمة لكلامه السابق حتى لو أمر السلطان بعدم سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة فسمعها لم ينفذ . ونقل عن الفتاوى الحامدية فتاوى من المذاهب الأربعة بعدم سماعها بعد النهى المذكور . وطاعة الإمام واجبة فيما يوافق الشرع . قال صاحب الدر المختار أمر السلطان إنما ينفذ إذا وافق الشرع وإلا فلا . أشباه من القاعدة الخامسة وفوائد شتى . وقد أجاب صاحب تنقيح الحامدية فى السؤال على ما إذا حكم القاضى بخلاف الشرع بقوله إذا حكم الحاكم بخلاف الشرع الشريف وأعطى بذلك حجة لا ينفذ الحكم المذكور ولا يعمل بالحجة والحالة هذه . قال الله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } المائدة 45 ، وقال عليه الصلاة والسلام قاض فى الجنة وقاضيان فى النار أى قاض عرف الحق وحكم به فهو فى الجنة وقاضى عرف الحق وحكم بخلافة فهو فى النار . وكذا قاضى قضى على جهل . على أن للسلطان أن يعزل القاضى بريبة أو بغير ريبة . نقل ذلك صاحب البحر عن الخلاصة والبزازية . ومما سبق يتبين أن القاضى الذى ينصبه السلطان للحاكم بين الناس طبقا للشريعة الإسلامية ثم يطلب منه الحكم فى الجلسات المدنية والجنائية طبقا للقانون الوضعى لا يكون محقا فى امتناعه عن حضور تلك الجلسات بحجة أنه لا يحكم إلا بالشريعة الإسلامية ولا يعترف بالقوانين الوضعية . وذلك لأن القوانين الوضعية لا تخالف فى جملتها الشريعة الإسلامية ، بل منها ما يوافق الشريعة الإسلامية ومنها ما يخالفها ، وليس للقاضى أن يمتنع عن تطبيق القوانين الوضعية لأنها قوانين وضعية ولو كانت أحكامها مستمدة من الشريعة الإسلامية ، بل عليه أن يحضر الجلسات وينظر فى القضايا التى يناط إليه نظرها مدنية كانت أم جنائية ، ويحكم فيما يعرض عليها منها طبقا للقوانين الوضعية فى الأمور التى لا يرى أن حكمها الوضعى مخالف للشريعة الإسلامية ، كالحكم برد الوديعة والقرض وأداء الدين ، وكالحكم بقتل القاتل العامد ونحو ذلك ويكون مؤاخذا بالامتناع ، ولا يكون مؤاخذا إذا امتنع عن تطبيق القانون الوضعى فى الأمور الواضحة مخالفتها للشريعة الإسلامية ، كالحكم بالفائدة للدين وهى ربا محرم ، ونحو ذلك من الأمور التى اتفق الفقهاء على عدم حلها . عن المسألة الثانية فى الهداية فى باب المستأمن ولو أن حربيا دخل دارنا بأمان ثم عاد إلى دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمى أو دينا فى ذمتهم فقد صار دمه مباحا بالعود لأنه أبطل أمانه ، وما فى دار الإسلام من ماله على خطر فإن أسر أو ظهر على الدار فقتل سقطت ديونه وصارت الوديعة فيئا أما الوديعة فلأنها فى يده تقديرا ، لأن يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه ، وأما الدين فلأن إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فيختص به فيسقط وإن قتل ولم يظهر على الدار فالقرض والوديعة لورثته . وكذا إذا مات لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله ، وهذا لأن حكم الأمان باق فى ماله فيرد عليه أو على ورثته من بعده . وقال صاحب البحر فإن رجع المستأمن إلى دار الحرب حل دمه وجاز قتله، لأنه أبطل أمانة بالعود إليها ، وظاهرة أنه لا فرق بين كونه قبل الحكم بكونه ذميا أو بعده لأن الذمى إذا لحق بدار الحرب صار حربا علينا فيعرى عقد الذمة عن الفائدة وهو دفع شر الحراب . وقال تعليقا على قول صاحب الكنز ( فإن أسر أو طهر عليه سقط دينه وصارت وديعته فيئا ، وإن قتل ولم يظهر أو مات فقرضه ووديعته لورثته ) بيان لحكم أمواله المتروكة فى دار الإسلام إذا رجع إلى دار الحرب فإن أمانه بطل فى حق نفسه فقط ، وأما فى حق أمواله التى فى دارنا فباق . ولهذا يرد عليه ماله وعلى ورثته من بعده . وفى السراج لو بعث من يأخذ الوديعة والقرض وجب التسليم إليه . وحاصل المسألة خمسة أوجه ففى ثلاثة يسقط دينه وتصير وديعته غنيمة - الأول أن يظهروا على الدار ويأخذوه - الثانى أن يظهروا ويقتلوه - الثالث أن يأخذوه مسبيا غير ظهور ، وإنما صارت وديعته غنيمة لأنها فى يده تقديرا ، لأن يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفه وإنما سقط الدين لأن إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فتختص به فيسقط ، وفى وجهين يبقى ماله على حاله فيأخذه إن كان حيا أو ورثته إن مات . الأول أن يظهروا على الدار فيهرب ، الثانى أن يقتلوه ولم يظهروا على الدار أو يموت لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله . ومما سبق يتبين أن الذمى الذى صار حربيا بلحاقه بدار الحرب لا يسقط دينه مادام أنه لم يظهر على الدار ولم يؤسر ، وله حق المطالبة بدينه ، ويجب تسليم الدين إليه أو بعث من يأخذه - على أنه يجوز لولى الأمر أن يمنع قضاته من سماع الدعوى من الذمى أو وكيله مادام الذمى بدار الحرب لما سبق بيانه فى المسألة الأولى من أن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والخصومة . والله أعلم وهو الهادى إلى الصراط المستقيم . |
|