|
تقسيم الأحكام الشرعية إلى ثوابت ومتغيرات
الناقل :
heba
| العمر :43
| الكاتب الأصلى :
الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
| المصدر :
www.dar-alifta.org
فى مجلة المصور بالآتى س 1 يقول السيد محمد رشيد رضا الأحكام المنزلة من الله تعالى .
منها (أ) ما يتعلق بالدين نفسه كأحكام العبادات وما فى معناها كالنكاح والطلاق وهذه لا تحل مخالفتها .
(ب) ومنها ما يتعلق بأمور الدنيا كالعقوبات والحدود والمعاملات المدينة والمنزل من الله تعالى فى هذا قليل وأكثره متروك للاجتهاد .
ويقول الكاتب توفيق الحكيم إن الثابت من أحكام الدين هو الإلهيات بما فى ذلك علاقة الإنسان بالله وإن المتغير هو الانسانيات مثل المعاملات والاخلاقيات .
فما هو رأى فضيلتكم فى نصيب هذين الرأيين من الصواب والخطأ فيما يتصل بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية . |
|
|
الـجـــواب
فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق |
|
ج - 1 كرم الإسلام الإنسان وسخر الله له ما فى الأرض جميعا وجعله خليفته فيها وعلمه ما لم يكن يعلم ليعمر هذا العالم وشاءت إرادته تعالى ألا يترك الناس تسودهم الأهواء يستقل القوى بكل شىء وتنحصر يد الضعيف صفرا بغير شىء فجاءت رسله تترى فى كل عصر وزمان للهداية والرشاد حتى كانت خاتمة الراسلات الإسلام الذى هدفت شريعته إلى تكوين مجتمع فاضل يضم الأسرة الإنسانية كلها فبدأت بتربية ذات المسلم ليكون عضوا سليما فى هذا المجتمع فهذبت نفسه بالعبادات { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } العنكبوت 45 ، ومن أجل هذا الهدف كانت الضروريات فى الشريعة الإسلامية خمسا لحفظ النفس الإنسانية سامية تقية نفية آمنة مطمئنة - حفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال - ثم كانت أحكام هذه الشريعة بمعناها العام الشامل للعقيدة أى ما يجب الإيمان به فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته والدار الآخرة والرسل السابقين والقضاء والقدر وغير هذا مما اصطلح العلماء على تسمية بحوثه بعلم الكلام أو التوحيد ، وما يشمل ما نسميه بالعلاقات الاجتماعية وهو المثل الأعلى الذى يجب على الإنسان بلوغه فى التعامل مع مجتمعه . واصطلح على أنه علم الإخلاق ، ثم فقه الشريعة الشامل لأحكام الله تعالى فيما يخص العمل من عبادات ومعاملات وحدود وتعازير ، فهذه الشريعة الخاتمة لابد أن تحكم أحوال الإنسان حتى غاية الزمان ، ومن أجل هذا جاءت أحكام الله محددة فيما فرضه من عبادات وفيما يتصل بتكوين الأسرة وترتيب نظامها منذ بدء الولادة للطفل الإنسانى وحتى مماته وتوريث تركته كما جاءت الحدود العقابية على بعض الجرائم الماسة بنظام المجتمع محددة كذلك ، ومن ثم فإن الأحكام الشرعية التى فصلها المصدران الأساسيان وهما القرآن والسنة وما أجمع عليه المسلمون وما ثبت بالقياس الصحيح كل هذا ثابت لا نقاش فيه ، أما ما لم يرد فيه نص قاطع أو إجماع فهو محل الاجتهاد ويدخل فيه العقود المالية وغيرها من طرق الكسب والتجارة وعقوبات التعزير على ما جد من جرائم ، واستنباط الأحكام لمثل هذا لابد أن يكون فى نطاق الضوابط العامة للتعامل بين الناس الواردة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مثل { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، ففى هذه الآية ضوابط عامة لا يسوغ لأحد مخالفتها وللمجتمع الإسلامى أن يقننها فى قواعد حاكمة لتعاملة، ويجوز أن تتغير أسماء التعرفات والتجارات بتغير العصر والزمن وانحسار العادات والأعراف ولكن يظل التعامل قائما فى هذا النطاق الذى أمرت به هذه الآية الكريمة ، وعلى هذا فان تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية فى المجتمع إنما يعنى ربطه بالأسس الشرعية الثابتة دون الجزئيات المتغيرة ، على أن الأخلاق الإسلامية لا تدخل فى المتغيرات بل هى من العمد الثابتة التى يجب أن يلتزم بها المجتمع ، فالصدق والأمانة والعفة ليس التحلى بها موضع اجتهاد ، على أنه لا يغيب عن البال أن الإسلام قد ربط دائما العمل بالنية وحاسب عليها فقد يتصدق المسلم وينفق أمواله بغية الذكر فى الدنيا أو التقرب من حاكم وهو فى هذا الحال مراء فلا يقبل الله منه هذا العمل ، وفى سعى الرجل وكسبه للانفاق على زوجه وولده صدقة مع أنه يؤدى واجبا لزمه بعقد الزواج وبمقتضى الأبوة لطفله . فالاجتهاد فى الأحكام الشرعية لا يدخل نطاق ما حدده المشرع سبحانه بنص قاطع فى القرآن الكريم أو بقول الرسول أو فعله أو تقريره كما لا يدخل الاجتهاد فى أخلاقيات هذا الدين ولابد أن نفرق بين أخلاقياته وعادات الناس وأعرافهم لأن هذين يكتسبان وقد ينشآن عن أصل فى الدين أو البيئة أو تقليدا للغير ويجب رد كل أولئك إلى النصوص الأصلية للشريعة احتكاما إليها { قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث } المائدة 100 ، { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول } النساء 59 ، س 2 ما هو دور الشريعة الإسلامية فى تحقيق أهداف المجتمع روحيا وماديا ج - عنى الإسلام بتربية الفرد المسلم لأنه عماد الأسرة التى هى الخلية الأولى فى المجتمع الإنسانى فرباه على نقاء السيرة والسريرة وعلى الإخلاص والنصيحة لدينه وعشيرته لم يفرق بين بنى الإنسان بسبب اللون أو الجنس قال تعالى { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات 13 ، وفرض الصلاة وسن فيها الجماعة خمس مرات فى اليوم والليلة ثم صلاة أسبوعية جامعة ثم مؤتمرا سنويا أشتمل فى الحج كل ذلك لتصفو نفس الجماعة المسلمة بل الأمة الإسلامية وتجتمع على كلمة سواء . أرأيت كيف حث الله تعالى فى آياته على صدق العقيدة مع الإخلاص له وحده فى العبادة وعلى البر بالوالدين وصلة الرحم وإكرام اليتيم والمسكين والإحسان إلى الجار والرحمة بالفقير والمحتاج ومساعدة الضعفاء ، ثم التحذير من البخل والرياء والنهى عن الكفر والجحود ومعصية الرسول إليك واحدة من هذه الآى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا } النساء 36 ، ورسول الله صلوات الله عليه يقول حماية للمجتمع (لا ضرر ولا ضرار) أرأيت أجمع وأشمل من هذه العبارة الوجيزة كيف جاءت بقاعدة شاملة تحمى الفرد والأمة . وقول الله { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } المائدة 2 ، ثم ما فرضه الإسلام من تكافل بين الأسرة الواحدة ثم بين الأسر المتجاورة ثم الأمة كلها ، كل هذا متمثل فى نظام الزكوات والكفارات والصدقات والنذور والوصايا ، ثم مع هذا وقبله دعوة هذه الشريعة الإنسان للعمل والكسب والعمارة محاطا بقواعدها فى بيان والحلال والمحرم من الكسوب والأموال قال جل شأنه { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله } الجمعة 10 ، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا . وقال تعالى { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } الحديد 7 ، أليس الإنسان خليفة الله فى الأرض فما فى يده من مال ومتاع ملك لمولاه ومستخلف فيه ، ومن هنا كانت شريعة الإسلام دواء لما أصابنا من علل وأمراض اجتماعية وتخلق فيه روح الصفاء والتآلف والبذل والعطاء ومع كل هذا تدفعه للعمل والكسب وعمارة الأرض حتى يكون قوى البناء كالجسد الواحد .
س 3 ما مدى ضرورة الشريعة الإسلامية فى القرن العشرين ج - الإسلام دين ودنيا غير موقوت بعصر وأوان وإنما هو دين الله ما دامت على الأرض حياة ، أرأيت إلى شريعة حفظت حياة الإنسان وكرامته أى إنسان منذ تحرك فى بطن أمه جنينا فمنعت الاعتداء على نفس الإنسان أو أى جزء منه بل حافظت على سمعته وبعدت به عن مواطن الاحتقار والإهانة وقدست حريته وجعلت كل هذا ضروريا وشرعت عقوبات التعدى قال تعالى { ولكم فى القصاص حياة } البقرة 179 ، وعقوبة القذف والزنا ثم حافظت على عقل الإنسان وسلامته، ومن أجل هذا حرمت الخمر وكل ما يضر بعقل الإنسان ثم حافظت على النسل الإنسانى فكان على الوالد كفالة والده . ومن هنا كان تنظيم الإسلام للزواج ومنع الاعتداء على الأعراض ثم حفظ الدين فكانت حماية العقيدة لأنها رابطة الإخلاص فى المجتمع ، ونحن نرى من حولنا المجتمعات المادية منحلة متحللة لا تدعمها رابطة ولا تشدها عاطفة ثم المحافظة على المال ، فبعد أن دعت إلى تحصيله بالطرق المشروعة وإنفاقه فى أوجه البر والخير منعت الاعتداء عليه بالسرقة أو الغصب أو أكله بالباطل رشوة أو تغريرا أو نصبا واحتيالا أو ربا . هذه الضروريا الخمس اعتبرها الإسلام غاية وأساسا لقيام المجتمع السليم ، وذلك لا يختلف فى القرن العشرين عنه فى القرون السابقة بل اننا لو رجعنا البصر كرتين فى تاريخ الإسلام لوجدنا أن الأمة الإسلامية سادت نفسها وغيرها حين سادتها أحكام شريعتها وحين غفل المسلمون عن تطبيقها غاض خيرهم وانفض جمعهم وهانوا على أنفسهم وعلى غيرهم حتى تخطفتهم الأمم من حولهم ، أليس التاريخ خير شاهد ثم أرايت نظاما قانونيا عاش أربعة عشر قرنا فما وهن لما أصاب أهله وما استكان لانصرافهم، تلكم هى الشريعة الإسلامية بسطت ظلها على الإنسان فى المجتمع المسلم نفسا ومالا وعيالا تدعمه وتنفث فيه من قوتها حتى يستوى عوده على هدى الله قال تعالى { إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا } الإسراء 9 ، س 4 ما موقف غير المسلمين فى حالة تطبيق الشريعة الإسلامية وهل تضار الوحدة الوطنية ج - يلزم أن يستقر فى الأذهان أن شريعة الإسلام قامت على اعتبارات من الدين والأخلاق والعدالة المطلقة بين الناس على اختلاف عقائدهم الدينية وهى فى تقديسها لهذه العدالة لم ترع المسلمين وحدهم بل كافة المواطنين ، وحين حرمت التعدى والظلم وغيرهما من الموبقات لم تفرق بين المسلم وغير المسلم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله } المائدة 8 ، أى لا ينبغى أن يحملكم أى خلاف مع آخرين بسبب ما كالمخالفة فى الدين على مجانبة العدل فى الأحكام ومن ثم فان الإسلام سوى فى الحكم والأحكام بين طوائف الناس جميعا ، ومن هنا فان غير المسلمين إنما يلتزمون بالقانون الإسلامى كقانون فقط لا مساس فيه بالعقيدة ولا ما يتبعها من الأمور اللصيقة بها كمسائل الزواج والطلاق، ففى هذا الخصوص يقرر فقه الإسلام أن غير المسلمين يتركون وما يدينون ، فيجب إذا ألا نخلط بين الإسلام كدين وبينه كقانون ، وما لنا نذهب بعيدا فالشريعة كقانون مطبقة فعلا على جميع المصريين دون حرج أو اعتراض، فهذه قوانين الميراث والوصية والوقف والولاية على المال جميعها مصدرها الوحيد فقه الشريعة الإسلامية والكل راض بها ووحدة الأمة مصونة فى ظلها ، وقد كانت البلاد العربية فى إبان حضارتها يحكمها قانون واحد يتمثل فى الشريعة الإسلامية التى ظلت سائدة مطبقة تطبيقا شاملا فى مختلف النواحى على مدى قرون طويلة دون تفريق بين المسلم وغير المسلم، بل الكل أمام قانونها سواء كما يأمر بذلك النص القرآنى الكريم سالف الذكر ، فإذا عادت بلادنا إلى مقوماتها الأصلية تعين علينا الرجوع إلى هذه الثورة الفقهية لنقنن منها أنظمة تتسق مع حاجات العصر ، وإلا فهل يرضى غير المسلم أن لا يعاقب سارقه بقطع يده إذا ثبتت السرقة ثبوتا شرعيا بل هل يليق أن يترك من يعتدى على عرض غير المسلم دون عقاب رادع إن نظام التجريم فى فقه الإسلام مقصوده الزجر والردع عن اقتراف تلك الجرائم، بل والعلاج الحاسم للعود، ثم هل هناك مجتمع يشفق أو يرحم من يسرق أمواله ويهتك أعراضه ويروع الأطفال والنساء ، ان توفير الأمن فى الأمة وتقويم السلوك أمر متعلق بالنظام العام فى الدولة ، وهو فى نفسه لا يمس عقيدة دينية ولا يحد منها، ولقد عاشت وحدة الوطن فى ظل القانون الإسلامى أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان أمن فيه غير المسلمين قبل المسلمين على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم ، فالمسلم يقتص منه عدلا بقتل غير المسلم كما يرجم إذا زنى بغير المسلمة كما تقطع يده إذا سرق المال . والحال كذلك بالنسبة للجانى إذا كان غير مسلم لأن القصد هو سلامة المجتمع كله ومعاقبة المجرم أيا كان دينه ليصلح المجتمع . ومن هذا يتضح أن طبيعة العقوبات فى الشريعة لا تسمع بالتفريق فى العقوبة بين الأفراد لأى سبب أو وصف من الأوصاف إذ العقوبة مقررة للجريمة حتى تسرى النصوص الحنائية على الكافة .
س 5 ما هو رأى فضيلتكم فيما يثار حول الردة ج - ان الأساس فى الشريعة فى التجريم هو حماية الأمة، ومن أجل هذا كانت الحدود فى الإسلام حازمة بالقدر الذى يكفى لاستئصال الجريمة وتأديب المجرم على وجه يمنعه من العودة إلى ارتكابها ، بل ويزجر غيره عن التفكير فى مثلها ، وعقيدة الجماعة فى حاجة إلى هذه الحماية حتى تعيش مستقرة ، من أجل هذا كان حد الردة كغيره من الحدود المكافحة للجريمة الماسة بأمن المجتمع ، ذلك لأن التساهل يؤدى حتما إلى تحلل الأخلاق وفساد المجتمع ، وفى تطبيق حد الردة على المسلم الذى يرتد عن الإسلام استقرار للعقائد الدينية السماوية المتآخية فى هذا الوطن، ولمنع هؤلاء الذين يتنقلون بين الأديان لأهواء فاسدة لا يقرها الدين أى دين ، والمحاكم مليئة بالمنازعات التى ثارت بين الأزواج , والتى لجأ بعض الأطراف فيها إلى اعتناق دين غير دينه هربا من الزوج أو من الزوجة . أو قصدا للزواج بمن لا تدين بدينه، ومن الأمور الثابتة أن رجال القانون المصريين من غير المسلمين قد شاركوا فى تقنين المواريث والوصية ولا والوقف والولاية على المال من فقه الإسلام ، بل وكثير من أحكام التقنين المدنى من هذا الفقه . ومن يتصفح محاضر لجان مجلس الشيوخ والنواب فيما قبل يوليه سنة 1952 يجد ذلك واضحا ، كما يجد أن هؤلاء القانونيين لم يعترضوا على هذا التقنين ، وأمر آخر يجب أن يكون فى الحسبان أن آثار الردة مطبقة فعلا فى المواريث وغيرها ، فإذا جاءت الدولة الآن لتقنن أمرا قائما تحمى به وحدة الأمة وهذه الوحدة مسألة أمن دولة يقضى بها الدستور فإن على جميع المواطين أن يعاونوا فى هذا السبيل ، ثم أين هى حوادث الارتداد الفعلى ان الواقع هو حيل قانونية لا تتصل بالعقيدة وإنما تتخذ وسلة للهروب من التزامات أو الحصول على مكاسب ليست حقا ولعل الحقائق التاريخية الثابتة شاهدة على أن غير المسلمين عاشوا بين مواطنيهم المسلمين ثلاثة عشر قرنا من الزمان ، وقد كان الجميع شركاء فى السراء والضراء والكل فى الوطن مواطن ، وكما سبق أن قلت ان الحدود تطبيق قانونى على الجميع وإن إنفاذ حد الردة يحمى العقائد الدينية ويجعل الثبات عليها والالتزام أمرا مستقرا .
س 6 ما رأى فضيلتكم فى أن التشريع الإسلامى يعتمد اعمادا كبيرا على ضمير الفرد وإحساسه برقابة الله تعالى وأنه بغير هذا الضمير وهذا الاحساس لا يمكن أن يستقيم التطبيق ، وإنما يقتضى وجودهما إعداد جيل جديد على أساس خلق الإسلام وقيمة ومبادئه .
ج - إننا لا نبدأ من فراغ ، فالدين الإسلامى قائم بحمد الله المعبود ، ونحن نتلو القرآن الكريم ونسمعه ونعم بشرعه فى الكثير من نواحى الحياة وليست الصلة منقطعة بين الإسلام وواقع الحياة، فان التقنين المدنى فى مصر قد أخذ بالكثير من قواعد الفقه الإسلامى وقانون العقوبات أكثره يدخل تحت باب التعازير ، والإسلام حين علم المسلم أن الله مطلع عليه ومراقب له قال تعالى { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور } غافر 19 ، وقال جل شأنه { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } المجادلة 7 ، وحين وضح الرسول صلوات الله وسلامه هذا بقوله (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى) إنما أراد بهذا أن يكون المسلم سليم السيرة والسريرة . فالأخلاق ترتبط فى الإسلام أشد الارتباط بالقانون المستنبط من القرآن والسنة ، ولكنه من الخطأ أن يقال أنه لا تمييز بين السلوك أو الأخلاق وبين القواعد القانونية ، لأن الإسلام وإن جعل التربية الخلقية جزءا من العمل يخضع للثواب والعقاب ، إلا أن الفقه الإسلامى قد ماز بين قواعد الأخلاق وقواعد القانون . ففى كتب هذا الفقه على اختلاف مذاهبه يفرقون بين ما هو واجب قانونا ويعبرون عنه بقضاء وما هو واجب ديانة أى خلقيا دون جزاء دنيوى ، بل ان القرآن الكريم قد جنب هذه عن تلك فجاءت نصوصه فى الحدود سابغة قاطعة وفى الأخلاق بقوله تعالى { ولا تطع كل حلاف مهين . هماز مشاء بنميم . مناع للخير معتد أثيم } القلم 10 ، 11 ، 12 ، { ويل لكل همزة لمزة . الذى جمع مالا وعدده } الهمزة 1 ، 2 ، فهذا من قبيل قواعد الأخلاق التى يحاسب عليها المسلم فى الآخرة ، ولم يفرض لها جزاء فى الدنيا ، والإسلام حين يسبغ على القاعدة القانونية صفة الأخلاق إنما يريد أن يقرها فى نفس المجتمع ليحاسب كل فرد نفسه . ومن هذا يتضح أننا لسنا فى حاجة إلى التريث فى تطبيق الشريعة الإسلامية فى الحكم والقضاء حتى نعد جيلا جديدا على أساس خلق الإسلام وقيمه ومبادئه ، لأننا أمة مسلمة نقيم أمور الإسلام ولا ينقصنا إلا القليل نبغى استكماله ، وبه يعتدل سلوكنا على الجادة .
س 7 هل تنفضل فضيلتكم بتفصيل العلاقة بين السياسة والدين فى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية .
ج - لعل الرد على هذا التساؤل فى آيات من القرآن الكريم وعدة من أحاديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، ففى القرآن قول الله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } النساء 58 ، إلى آخر هذه الآية والتى تليها . فقد قال العلماء فى شأن هاتين الآيتين ان فيهما جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة . ومن هنا ندرك أن الإسلام نظم أمور الناس فى علاقتهم بربهم وفى علاقاتهم الأسرية وحقوق الجيرة، ثم سياسة الدولة ، فجعل الحكم شورى ورسم طريق العدالة المطلقة ، والمتتبع لآيات القرآن وأحاديث الرسول يرى صنوف السياسة وقواعدها فى إدارة أمور الناس وحسن اختيار الحكام والقضاة، كما يرى أن الإسلام والسياسة متداخلان لا انفصام بينهما لأنه دين ودنيا يسوس نفس الإنسان ويهذبها بالعبادات وصالح العمل ، ويسوس علاقة الإنسان بزوجه وولده ووالديه والناس جميعا ، ويضع لكل علاقة حكما وحدا ، ولكل عمل مواصفات العامل الذى يقوم به ، يتمثل هذا فى قول الرسول الأمين إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات . حتى فى الصلاة وضع معايير لمن يؤم الناس فيها (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فان كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا فى الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه ولا يقعد فى بيته على تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم . وقد حمل إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه مال عظيم من الخمس فقال (ان قوما أدوا الأمانة فى هذا لأمناء فقال له بعض الحاضرين انك أديت الأمانة إلى الله تعالى فأدوا الأمانة إليك ولو رتعت رتعوا) من هذا وغيره مما تزخر به كتب هذه الشريعة من نصوص وآثار يبدو جليا أن الإسلام لا يفارق السياسة وإنما هو دين وسياسة ، ولذلك فالنصوص التشريعية فى القرآن والسنة عامة تعرض لكليات الأمور مقرونة بحكمة تشريعها والمصلحة التى اقتضتها للارشاد إلى استنباط الأحكام لما يجد من أحداث فى العلاقات الخارجية كدولة وفى العلاقات بين الأفراد بل وبينهم وبين أولياء أمورهم على اختلاف صنوفهم . أرأيت بعد هذه الإشارات كيف أن الإسلام شريعة وعقيدة لا ينفصل عن السياسة ولا تضر به لأنه صمام الأمن والأمان لها .
س 8 كيف يمكن استخلاص أسس التلاحم المنشود بين أصول الشريعة الإسلامية والتشريع العصرى بما يوافق البنيان أو التركيب الحضارى الراهن لعصرنا ومجتمعنا ج - لا جدال فى أن مصدر الأحكام فى الشريعة الإسلامية هو نصوص القرآن والسنة وما يلحق بهما مما أجمعت عليه الأمة ثم ما هدى إليها اجتهاد علمائها على أساس هذه الأصول، وأن النصوص منها العام القطعى مثل قول الله سبحانه { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } المائدة 1 ، { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } الحج 78 ، { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } النساء 29 ، وهناك نصوص قطعية خاصة مثل آيات المواريث وتحريم الربا والزنا والخمر والميسر ، ومما أجتمعت عليه الأمة بطلان زواج المسلمة بغير المسلم ووجوب نفقه الزوجة على زوجها ، ومما قطعت فيه السنة، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . وفى هذا النطاق يدور استنباط الأحكام من هذه المصادر فى باب المعاملات وفى التقنين الإدارى والاقتصادى والتجارى والجنائى ما دامت فى نطاق القواعد العامة لهذه الشريعة، ويضيق الوقت والنطاق عن تلاوة آيات القرآن الكريم التى نصت أو أشارت إلى قواعد قانونية فى شتى فروع القانون ، كما اصطلحنا على تسميتها الآن ، ففى كتاب الله أهم قواعد القانون الدولة المتعلقة بالسلم والحرب والمعاهدات، ففيه قاعدة المعاملة بالمثل وفيه حكم الأسرى فى الحروب والالتزام بالمبرم من المعاهدات والوفاء بها ووجوب إعلان إلغاء المعاهدات دون عذر ، وفى هذا يقول فقيه مسلم (وفاء بعهد من غير غدر خير من غدر بغدر) وفى القرآن الدعوة إلى السلم وفيه العمل على الصلح بين التنازعين وردع المعتدين ، وفيه المساواة بين الناس والدعوة إلى تحكيم الحجة والبرهان والمجادلة بالحسنى وصولا للحق ، وفيه المساواة بين الرجل والمرأة فى الأهلية حيث حفظ لها رأيها وحريتها لا تذوب ولا تؤول إلىولاية زوجها كما تقرر أكثر قوانين الغرب الذى نسعى إلى تقليده، وفيه القواعد العامة للمعاملات المدينة، وفيه مبادىء قانون الإثبات مدنيا وجنائيا ، وفيه أحكام الزواج والطلاق وتنظيم أمور حقوق الزوجين وفاقا وافتراقا ، وحقوق الأولاد والوالدين وذوى القربى، وفيه عقوبات محددة للجرائم الماسة بأمن وسلامة المجتمع وثمة جرائم أخرى ناط تقدير العقوبة عليها بأولياء الأمور وهذه موضع الاجتهاد ومحل للتعديل والتبديل تبعا لتطور الأزمان ، وكما قيل يحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون وهذا هو مؤدى القول المشهور . إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان . إذ عموم قواعدها ومرونتها تجعلها غير جامدة ولا هامدة ، ولا مانع إطلاقا من تحكيم العرف والعادة إذا لم يصادما نصا قطعيا فى القرآن والسنة أو إجماعا سابقا للأمة فى عصر من العصور، وقد جرت نصوص الفقهاء المسلمين بذلك بل ان الدولة الإسلامية حين امتدت أطرافها نقل عمر بن الخطاب نظام الداوين وطرق جباية الموال عن الفرس والروم واستخدمهم فى هذه الأعمال للقيام بها ولتدريب المسلمين عليهيا . ومن هنا كان لنا أن ننقل عن غيرنا ما لا يناقض أصول الإسلام . وبعد فان كتب فقه الإسلام على اختلاف مذاهبه تحوى الكثير الوفير من القواعد العادلة التى تعالج مشاكل مجتمعنا بروج العصر دون تضييق أو خروج على أحكام الإسلام العامة والخاصة القطيعة ، وأنه ينبغى أن تكون تلك القواعد هى المورد للمقننين والمصلحين بدلا من أن نستورد ما نشأ على غير أرضنا وفى غير بيئتنا وعادانا، وسنجد - ان فعلنا ذلك - أن تشريعنا المستمد من أصول الإسلام عصرى يواكب هذه الحضارات التى نعيشها ، ويقول المجتمع إلى بر الأمن والسلام حافظا عليه دينه وتقاليده مشمولا برضى الله الذى رضى لنا هذا الدين وجعلنا خير أمة { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } آل عمران 110 |
|