بتـــــاريخ : 11/4/2008 8:13:22 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1197 0


    من يزرع الشر

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | المصدر : www.balagh.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصة يزرع الشر

    عثمان عنده دكان شواء في ساحة القرية. وبمساعدة زوجته بيكا, يعرف كيف يجتذب الزبائن, اكثر من منافسيه بكثير. فمن باب دكانه الكبير, ونوافذه العريضة المطلة على الشارع, تنبعث رائحة الشواء اللذيذة, التي تحفز شهية المارين, وغالباً ما تثير رغبتهم في الدخول.
    في القرية, يعيش سالف, الشحاذ, الذي لا يتمتع بكامل عقله, لكنه لا يؤذي احداً. يحب الاطفال, ويبادلونه حباً بحب. لا احد ينهره ابداً عندما يقطف الفاكهة من البساتين, ليأكلها, او ليطعمها لاصدقائه الصغار.
    عند الظهر, في ساحة القرية الغارقةفي اشعة الشمس, اقترب سالف ببطء من دكان الشواء نظر من النافذة الى افخاذ الخراف, والفراريج, واسياخ اللحم التي يقلبها صبيان الدكان الشواؤون فوق نار هادئة. وقف سالف, وأخذ يشم رائحة اللحم المشوي الطيبة. واغمض عينيه كي يتلذذ اكثر بأريج الشواء. ثم راح يتنفس ويستنشق بصوت صاخب. فجأة امسكه احدهم بعنف من ياقة جلبابه: انها بيكا, زوجة صاحب الدكان, التي بدأت تصرخ:
    "ايها اللص, تستنشق رائحة الشواء ودخان اسياخ اللحم! يجب ان تدفع ثمنها فورا!".
    - ولكن, ولكن... لم اكل شي من عندك! الرائحة تخرج من تلقاء نفسها الى الشارع. يستطيع استنشاقها كل المارين! لست مدينا لك بشيء دعيني امضي.
    لفت الصراغ انتباه عثمان. خرج من الدكان فلمح زوجته, المراة التي يخافها قليلاً بسبب ضخامة جسمها, وبالاخص لطبعها الرديء جدا. حاول تهدئتها:
    "دعي هذا المسكيم وشأنه يا بيكا, ليس شريراً, ويحب الاطفال كثيراً".
    - لا لا ثم لا! لن ادعه يمضي!. يجب ان يدفع. لا اريد ان اسمع شيئاً. عد انت الى دكانك وراقب عمل الشوائين. ويل لك ان اقترب لص اخر. اعرف ما يجب ان افعله معك.
    بيكا لا تريد ان تسمع اي شيء حتى كلام التهدئة من زوجها, ولا توةسلات الناس. بقيت تشد المسكين من جلبابه, وتجره بسرعة, الى ان وصلا الى قاضي القرية. روت له كل الحكاية, وانهت صارخة:
    "سيدي القاضي, تجب اولا معاقبة هذا الرجل بقسوة. يقال انه مجنون, لكني لا اصدق شيء من هذا. ثم, ثم يجب ان يسدد لي ثمن رائحة اللحم المشوي الذي استنشقه من دكاني".
    "هل تحمل في جيبك بعض قطع النقود؟".
    - نعم, ولكن ليس معي سوى قطعتين صغيرتين فقط: هاهما!
    - يكفيان, هاتهما.
    اخذ القاضي القطعتين, اللتين شاهدتهما بيكا, والقاهما على الارض: دم!..دم..!..دم!... ثم قال للمراة:
    "هل سمعتي صوت قطعتي نقود هذا الرجل؟".
    - نعم, نعم, سمعت عل اخذهما؟
    - لا يا امراة, لن تأخذي هاتين القطعتين التعيستين. استنشق سالف رائحة لحومك المشوية, وانت سمعت صوت نقوده. اذن, دفع لك الثمن. دعيه, وامضي من هنا. اياك ان تعودي ثانية.
    صفق كل الحاضرين لهذا الحكم العادل, المنصف جداً. رجعت بيكا الى الدكان خجلة, بل وخائبة, لانها لم تفلح في سلب الشحاذ المسكين هذا القليل الذي يملكه. ما ان وصلت, حتى صبت جام غضبها هاى زوجها المسكين, واتهمته بانه مهمل, باحثة عن ذريعة لتنفث عليه مزاجها السيء. وكثيراً ما دفعتها ضخامة جسمها وقوتها الى ضرب زوجها القصير والنحيف, الذي لا يجرؤ على فتح فمه, كي لا يثير اعصابها اكثر. ولما اراد اولادهما الثلاثة الوقوف الى جانب الحق, مع سالف, صفعتهم بقوة. وعاقبتهم باجبارهم على الذهاب للنوم, دون ان يتناولوا طعامهم.
    لم تنم بيكا الليل. سهرت بيكا تبحث عن وسيلة تنتقم بها مما اعتبرته اهانة من القاضي امام الملأ. وبقيت حتى صياح الديك تفكر بطريقة تعاقب بها هذا الرجل, هذا المخبول هذا المتشرد غير الصالح لشيء, الذي يأتي من وقت لاخر لاستنشاق رائحة شوائها, مفلتا من كل عقاب. فكرت في دفع بعض صبيان القرية السيئين كي يعتدوا عليه في الحقول, ويكسروا ساقه او ساقيه الاثنين, او حتى قتله للتخلص منه, فلا تراه ابداً بعد ذلك. لا, هذا الحل محفوف بمخاطر كثيرة. يجب البحث عن شيء اخر.
    مع صياح الديك مرة اخرى, نهضت مرتاحة, بعد ان تصورت فكرة جيدو للتخلص من الشحاذ نهائياً.
    حبست نفسها في المطبخ, دون ان تخبر احدا. تشاغلت طيلة ساعة, ثم خرجت خفية من البيت متأبطة وعاء. اتجهت نحو مخرج القرية, باتجاه شجرات الباؤباب الثلاثة, التي يستريح سالف في ظلها عادة. وجدته عناك, جالساً تحت الاغصان. لما راها دهش الرجل كثيراً, وقفز واقفاً. وراحت تطمئنه بصوت عذب:
    "صباح الخير يا صديقي كيف حالك هذا الصباح؟".
    - صباح الخير. ولكني متى كنت صديقك؟ البارحة جررتني بخشونة من ثوبي, حتى انك مزقته, وليس عندي غيره. ثم اوصلتني الى رجل طلبت منه ان يعاقبني. والان تأتين الى هنا. انا متأكد انك ستأخذين مني قطعتي نقودي. تأخرت اعطيتهما لامراة عجوز لتشتري دقيقاً. كانت جائعة.
    - لا, لا! ما هذه الاشياء التي تقولها؟ على العكس, اتيت لاراك واصالحك.
    - ان جئت من اجل الصلح, فانا سعيد. انا احب الصلح, احب الطيور لان صوتها جميل. احب الاطفال ايضاً لانهم يتكلمون الي, ولا يضربونني بالحجارة, ولا يسخرون مني, مثل بعض الناس في القرية, احب كذلك الكسكس الذي تطعمني اياه ماما مارييتو من وقت لاخر. لولاها اكاد اموت جوعاً.
    - او اعلاف انك تحب الكسكس, لاحضرت لك قطعة منه. اسفة للضرر الذي سببته لك. كي تسامحني, اعددت لك بعض الفطائر. هاك, خذها.
    اعطته بيكا الوعاء الصغير وعادت الى البيت من دون تاخير. نهض سالف, الذي سره جدا عثوره على صديقة جديدة. وذهب الى كوخ ماما مارييتوا, التي يعرف انه سيجد عندها طبق الكسكس بانتظاره. ولكن, الا يجب اولا اكل الفطائر؟ لا الانتظار افضل. الكسكس اولا, ثم الفطائر. اخذ يرقص فرحاً. فجاة, التقى عند منعطف الطريق بثلاثة صبيان صغار, هجموا عليه مبتهجين. قال له اكبرهم:
    "عمو سالف جئنا لنراك عرفنا ان امنا اساءت معاملتك البارحة, لانك استنشقت رائحة شواء دكان ابي. قالوا لنا انها جرتك ايضاً الى القاضي, ليعاقبك هل هذا صحيح؟".
    - صحيح ايها الاطفال, لكني نسيت الامر. تصالحت معها. احضرت لي هذا الصباح وعاء مليئاً بالفطائر انظروا, هاهو. هل تحبون الفطائر يا اولادي؟
    - نعم نحبها خصوصاً ان امنا هي التي اعدتها.
    - اذن اقدمها لكم بكل سرور لانكم تحبونني واحبكم. انتم لا تسخرون مني ابداً كالبعض. تنادونني عمو, بينما انا لا اعني لكم شيئاً. هيا, خذوا كلوها لا تبقوا منها ولا قطعة!".
    تناول الاطفال الثلاثة الوعاء, والتهموا كل ما فيه بسرعة, ثم رجعوا مسرورين الى البيت. وما ان اجتازوا عتبة البيت, حتى هرعوا الى امهم:
    "ماما, ذهبنا لرؤية عمو سالف, الشحاذ".
    - امنعكم من التكلم اليه. لن تروه بعد اليوم.
    - لماذا تقولين ذلك يا ماما؟ انه صديقنا. يتحدث الينا بلطف دائماً. قال لنا انك تصالحت معه. اعطانا الفطائر التي قدمتها له واكلناها كلها.
    - لما سمعت بيكا هذه الكلمات اطلقت صرخة قوية وسقطت على الارض وراحت تتدحرج واصيبت بنوبة جنون. اجتذب صراخها القوي الجيران وتجمعوا حولها وبدا زوجها عثمان قلقاً جدا:
    - "ماذا حدث؟ ما الذي يجري؟ هيا يا بيكا انهضي. قولي لماذا تصرخين هكذا؟".
    - اخطات فعاقبني الله فوراً. حضرت فطائر مسمومة وقدمتها للشحاذ سالف كي اقتله. لكنه اطعم اولادي الفطائر. سيموتون. عاقبني الله! عاقبني الله!".
    في الواقع, انهار الاطفال الثلاثة قبل ان يستطيع احد فعل شيء. اغلق الموت عيونهم, واخذهم الى مملكته التي لا يعود منها احد.
    يقول المثل: "النية السيئة كالبيوت, صاحبها هو من يمضي الليل فيها".

    كلمات مفتاحية  :
    قصة يزرع الشر

    تعليقات الزوار ()