|
نوســتا لـجيا
الناقل :
mahmoud
| العمر :35
| الكاتب الأصلى :
ابراهيم كبة
| المصدر :
www.awu-dam.org
نوستالجيا:حنين الى الماضي.توق غير سوىّ للعودة الى الماضي.أو الى استعادة وضع يتعذّر استرداده
منير بعلبكي
نوستالجيا
-نوستالجيا؟
-حنين الى الأمس
-لكن هذه شيمة الانسان
-بلا شطط ولا اسراف
حنين الى الأمس.لكنّ الأمس أثيم.بارح عيادة طبيب الأعصاب والنفس ذاهلا،شارد الّلب.صحا على صخب المارّة والباعة.انّه يحيا حقّا في شرنقة.الماضي لايحيد.والمرض هو المغالاة والاسراف.الاعتدال قصد.والشفاء رهن بك.
-ألا تحنّ أنت أيضا؟
-أنا طبيب
حجبت غمامة مسرى النّور.كانون الثاني شهر الثلج والبرد والرّهبة ملابس الشتاء أشاعت الدفء في أوصاله.سلخ فراء الدّب واكتسى به انّه معجزة حقّا.
-عسر هضم وسهاد
لاحت نظرة شك وأمارات حيرة في عينيه.
-الا بلال أكيد
-بلا عقابيل؟
بلا عقابيل
السماء نقيّة صافية.عكس الثلج سنا ضوء القمر.جال في الغابة اكتنفه صمت عميق.سعى الى غذاء.تجمّدت فرائصه.تحت ظاهر الصمت والسكينة حياة خرساء.عند عين الماء جثم بلا حراك خلف صخرة عظيمة.انبعث صراخ شيطاني من جوف الظلمة.نفر أرنب.وثب على صخرة ساعيا نحو قمّة الجبل.
عاث (التيتان) في الغابة.سعي الى الجنوب نحو البحر والصحارى.قاوم الأحباش واللاشيء.
-انّه حيّ.لازال يتنفّس
-اليأس وبال
-الكذب غير لائق بنا
-الموت غاية الأحياء
-أين أنا؟
-لاتسئ الظن
-اساءة الظنّ من أقوى الفطن
-لاأشكّ ولا أسأل
كيف أحنّ الى ذكرى وأنا بلا ذاكرة؟السماء غائمة داكنة.وبرد كانون الثاني لايثني أحد عن نزهة.أشعل لفافة.اغرورقت عيناه وسعل سعالا حادّا.انّه هائم في ملكوت الحلم والمنى وتبدوله أوهامه حقائق جليّة.
استقلّ حافلة (باص) طافت به في مدار المدينة.تأمل الأبنية والنّاس وأسراب الحمائم والشياه والأشجار.وراق له وجه فاتن في حافلة (الباص) تفّرس فيه مليّا.الأشجار عارية وربّما بدت ميتة أيضا.بثّ (الرّاديو) أغاني قديمة شائقة.
-أين أنا؟
الكون برّمته طائف في دوّامة.وأنت سابح في حافلة اكتظّت وغصّت. تناول طعام العشاء في مطعم (فلسطين) .انّه غريب الآن في المدينة.تساءل:
-كيف جاز ذلك؟
-لديك بطاقة شخصيّة؟
-أجل
-جابر بن حيّان؟
(رميم) للألبسة النسائيّة.سندويتشات مطعم (السّاج) .
ألمنيوم (الملك) .عطورات (ريم) .الحنين الى الأمس.
بداية الموت أم نداء الحياة؟
-ألا تحنّ لشيء؟
-أنا طبيب
هفا الى فنجان بن.
-البن أساس الدّاء.
-البن؟.
-والعزلة
-العزلة؟.
ثمّ غبّ طور صمت
-والنساء
-النساء؟.
أسلم نفسه للتيّار الصاخب.تعالى هتاف كهزيم الرّعد.تصدّى الجند للجمهرة.دكّت سنابك الخيل أجساد الأطفال والنساء.هاج اللغط.رشق أحدهم حجرا.انهالت عشرات الأحجار على أجسام الجند .هتف الملك من شرفة القصر:
-الى الجحيم أيّها الرعاع
-الى الجحيم أيّها اللص
اصطدم الجند والشعب.تناثرت جثث وأشلاء.هرس عقب صلد جمجمته.دارت السماء به وجرى السحاب الى الخلف.غامت الرؤية ثمّ تلاشى الكون كله.
الكون أنا وأنا الكون.
سعل حتى اغرورقت عيناه.خرج خائرا من موماة (جرب ذكاءك) لكنّه أنس الى الأفعى والسحالى وسائر الهوام.واهتدى الى واحة غنّاء في بطن صحراء بلا حد.
-مرض عصابي من تسعة أحرف هجائيّة
-شيزوفرينيا؟
-نوستالجيا
نبس بلا وعي
-نوستالجيا؟.
لفظ غريب ومرض غريب أيضا.سلخ شباط.ولّى الشتاء وأدبر.شتاء قاس وعاصف دهم المدينة.تعقّب فتاة هيفاء وهبته ابتسامة.لقد غرب شبابه.وهيهات أن تعنى به حين توقن أنّه رميم.كمدت النفس وكمد العالم.قضى أيّام الشتاء نائما أو هائما.وكلّما بدا له منظر امرأة أو مبنى واسى نفسه قائلا:
-الجمال ليس ألوانا أو ظلالا.انّه نسب
احتسى فنجان بن.نما حقد أعمى في خاصرة المدينة.غذاه همس وكيد.وخبث تغلفه دعة.وعصاب طويل.نظر الى شرخ في سقف حجرته يهمي التراب منه.لو أنّه بناء محكم.لكنّ النقصان شأننا.كال له (طرزان) لكمة تلو أخرى حتى طرحه على أرض الحانة.لوّث الدّم ثيابه.ولطخ جلباب (طرزان) وعباءته.
-اللعنة.
جلله خزي وصهرته نظرات شماتة في الأعين.ياللخسّة.
قهقه (طرزان) وبصق قائلا:
-لاتزال ضعيفا كي تتحدّى أمثالي.
ملكته نوبة سعال.وعاقه اللهاث عن الكلام.تدّفق الدّم من فيه. أنا أحيا على البطاطا والشاى.آه.حسنا.أنا طرفة وأنت المتلّمس.غربته في مدينة الأشباح والظلال والعتمة كغربته في هذا الكون الغامض. (سارة) خرساء حقّا بيد انّها جميلة.لم يعطف عليه امرء البتة.أعصاب عينيه تتأجّج .وبصره زائغ ولبّه شارد.
قسمات (سارة) صخريّة.تدلّهت بها تدلّها.
في جزء بهيم من جهاز أعصابه جثم داؤه.بدعة ساكنة وعناد .وفي سديم الأفكار والأخيلة والأوهام تتراءى الحقائق كظنون وهواجس ووساوس.
-أين أنا؟.
حمّ الآن ميقات برد المشاش.والجفاف.واللاحياة.انّ عزيف الرّيح مرثية فصل الختام.ورزيئة النقص والخبث واللؤم وتوبة الآثم تعليل لاطائل تحته.
سفع هواء آذار خدّا أسيلا.فتضرّج بحمرة قانية.واخضلّت العينان. عيناه تنمّان عن وله وشغف عارم.
في حديقة (البجعة) تناجيا.قال لها:
-حبّي ليس نزوة طارئة
وأضاف:
-ولاذنبا عظيما
طالعته نظرة صفاء من عينين دعجاوين.بدا خياله جليّا في بؤبؤيهما مرآة شفّافة.وسماء نديّة.عاهة (سارة) ليست اثما ولا جريمة.
انّه أيضا شائه.رفّ سرب طير في طريقه الى الشمال.ألقى المساء ظلاله على الأشياء.لفّ ظلام نهاية الطريق خيال (سارة) .
استخفّه انتشاء وغبطة.عام مع نسائم آذار.حفّ به أناس بلا ملامح. مضى الى طرف الخلاء.سما بصره نحو سماك السماء.تاه في أعطاف حلم هانئ.بدا خطّ المجرّة جليّا.عوى كلب ناء.سكن رعاف مسرّته.باح بما يكنّه للأطياف.سرى عنه قليلا.حثّ خطاه نحو منزله.راعه انّ المدينة قد استحالت الى أطلال.سعى في طريق يفضي الى طريق.وجف قلبه من الظلام.صرخ يائسا:
-سارة.
جرى في طريق تظلله الأشجار.فغر الليل فاه.وانبعث صراخ شيطاني من جوف الظلام
|