(أبنت الدهـر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام)
هذا البيت للمتنبي رددته أثر حادث سير تعرضت له مؤخراً مما ألزمني البقاء دون حراك لفترة من الزمن وذلك وسط خضم من العلل وتواتر في الحوادث المؤسفة وليس بمستغرب وقوع أية حادثة لأي انسان. ولكن ورودها جاء في زمن الأسى والعجز في زمن القطيعة والجفاف العاطفي والقحط الفكري والشرود الذهني. هلّت في زمن الجليد بعد رحيل الدفء. وردت في زمن الغربة والقهر والبعد عن الأحبة ووقوع الوطن في آتون من نار الاقتتال والتطاحن القبائلي ومآسي التفجير والانفجار فيطحن معه كل من وما على أرضه.. وإذا بجدران من الصمت القاتل تعلو وتعلو حولي وبهالة من الحزن تطوف فوق رأسي وتضغط على صدري وسط عذاب روحي وعزلة قاسية فرحت أردد:
سبحانك اللهم! لم لا تقف حائلاً بيننا وبين القدر؟ هذا القدر الذي يلهو بنا كيفما يشأ دون شفقة ويجعلنا عرضة للمفاجآت؟ ومتى ينهي ألاعيبه وسخرياته بنا؟
يا إلهي! لم يتفنن هذا القدر بتعذيبنا بشتى الطرق؟ لم تدعه يصطادنا صيداً أو يقتنصنا قنصاً في وسط عملنا؟
يا إلهي خلقتنا وعلقت معنا الآمال والأحلام لا تدعه يسحقها سحقاً ويعتقل أجمل لحظات عمرنا ويغتال أحلى أمانينا..
يا إلهي خلقتنا ضعفاء فلا تدعنا عرضة للتصدع والانهيار..
يا الهي ازرع في قلبي زهرة من الأمل كلما نزلت بي نازلة واغمرني بلمسة من حنانك ورحمتك وساعدني أن أبقى صامدة في وجه كل أعصار أو أية هزيمة أو فشل..
يا الهي أسألك العون على تحمل أعباء العمر الثالث وعلى اجتياز هذه المرحلة الصعبة بعد حقبة طويلة من الزمن في العمل المستمر والنشاط الفكري والجسمي ساعدني على تخطيها برضى وايجابية وأمل.. ولا تتركني عالة على أحد وأن لا أستمد القوة إلا من ذاتي فكرياً وجسدياً..
يا الهي أخذت مني نعمة الصحة فلا تأخذ قوة الإيمان..
يا إلهي ابعد الملل عن نفسي والقلق عن روحي والكآبة عن صدري ولا تدعني عرضة للانتكاسة الصحية وأسترحمك أن أعيش بقية حياتي مع عللي الحالية التي تكرمت بها علي فإني قانعة بها رغم تعددها آملة صون ما تبقى لدي وراضية بما قدمه لي قدرك إلى الآن من نكسات..
يا الهي لا تحرمني نعمة التفكير والمنطق بعد أن حرمتني نعمة العمل. ولا تدعني أعيش في دوامة الفراغ المضاء بالفشل بل أترك لي قوة العناد للتغلب عليه وذكرني بأن الفشل هو التجربة لأول مراحل النجاح.
يا الهي أبعد عني اليأس والعجز الفكري والجسمي واجعل امكانياتي تجاري طموحاتي!..
يا الهي التمس منك أن تدعني أهرب من شيخوختي إلى متعة السفر والتنقل والتمتع بكل جديد في الطبيعة..
فيا زمن الهزيمة والقهر.. يا زمن التقهقر والانحدار.. يا زمن الخراب والهوان.. يا زمن الظلمة والظلام.. يا زمن الإبادة والإمحاء لقد حطمتني وخذلتني.. فيا رب صن بلدي والطف به من عاتيات الدهر..
يا الهي يا إله الشيخوخة المعذبة وإله الطفولة البريئة أسألك ضارعة مبتهلة أنت جعل يومي قرب أو بعد ـ لا فرق ـ إذ أن الموت مهما تنوع هو خبزنا اليومي في هذه الأيام. وليكن ـ إذا أمكن ـ برقة ولطف ومن وراء مكتبي..
يا رب العاملين والمحرومين عفوك ورضاك.. فأرحم ضعفي والطف بي وإذا نسيتك لا تنسني يا الهي