بتـــــاريخ : 11/8/2008 1:59:33 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1147 0


    الكلام العاطل

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : أ. د / عبد العظيم المطعني | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :
    الدفاع الاسلام شبهات حول القرآن

    الشبهة

     يدعى المشكِّكُون أنه جاء فى فواتح 29 سورة بالقرآن الكريم حروف عاطلة ، لا يُفهم معناها نذكرها فيما يلى مع ذكر المواضع التى وردت فيها :

    الحروف       

    السورة

    الر

    يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر .

    الم

    البقرة ، آل عمران ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة

    المر

    الرعد

    المص

    الأعراف

    حم

    غافر ، فصلت ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف

     حم عسق

     الشورى

     ص

     ص

     طس

     النمل

     طسم

     الشعراء ، القصص

     طه

     طه

    ق

    ق

    كهيعص

    مريم

    ن

    القلم

    يس

    يس

    ونحن نسأل : " إن كانت هذه الحروف لا يعلمها إلا لله ( كما يقولون ) فما فائدتها لنا ، إن الله لا يوحى إلا بالكلام الواضح فكلام الله بلاغ وبيان وهدى للناس .
     
    الرد عليها
    أ. د / عبد العظيم المطعني

    أطلقوا على هذه الحروف وصف " الكلام العاطل " والكلام العاطل هو " اللغو " الذى لا معنى له قط . . .
    أما هذه الحروف ، التى أُفتتحت بها بعض سور القرآن ، فقد فهمت منها الأمة ، التى أُنزل عليها القرآن بلغتها العريقة ، أكثر من عشرين معنى(1) ، وما تزال الدراسات القرآنية الحديثة تضيف جديداً إلى تلك المعانى التى رصدها الأقدمون فلو كانت " عاطلة " كما يدعى خصوم الإسلام ، ما فهم منها أحد معنى واحدا ً. .
    ولو جارينا جدلاً هؤلاء المتحاملين على كتاب الله العزيز من أن هذه " الحروف " عاطلة من المعانى ، لوجدنا شططاً فى اتهامهم القرآن كله بأنه " كلام عاطل " لأنها لا تتجاوز ثمانى وعشرين آية ، باستبعاد " طه" و" يس " لأنهما اسمان للنبى - صلى الله عليه وسلم -  ، حذف منهما أداة النداء والتقدير :  يا " طه " يا " يس " بدليل ذكر الضمير العائد عليه هكذا :
    ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) (2) و ( إنك لمن المرسلين ) (3) .
    وباستبعاد هاتين السورتين من السور التسع والعشرين تُصبح هذه السور سبعاً وعشرين سورة ، منها سورة الشورى ، التى ذكرت فيها هذه الحروف المقطعة مرتين هكذا :
    "حم ، عسق " فيكون عدد الآيات موضوع هذه الملاحظة ثمانى وعشرين آية فى القرآن كله ، وعدد آيات القرآن الكريم 6236 آية .  فكيف ينطبق وصف ثمانٍ وعشرين آية على 6208 آية  ؟ .
    والمعانى التى فُهمتْ من هذه " الحروف " نختار منها ما يأتى فى الرد على هؤلاء الخصوم .
    الرأى الأول:
    يرى بعض العلماء القدامى أن هذه الفواتح ، مثل : الم ، و الر ، والمص " .  تشير إلى إعجاز القرآن ، بأنه مؤلف من الحروف التى عرفها العرب ، وصاغوا منها مفرداتهم ، وصاغوا من مفرداتهم تراكيبهم .  وأن القرآن لم يغير من أصول اللغة ومادتها شيئاً ، ومع ذلك كان القرآن معجزاً ؛ لا لأنه نزل بلغة تغاير لغتهم ، ولكن لأنه نزل بعلم الله عز وجل ، كما يتفوق صانع على صانع آخر فى حذقه ومهارته فى صنعته مع أن المادة التى استخدمها الصانعان فى " النموذج المصنوع " واحدة وفى هذا قطع للحُجة عنهم . .
    ويؤيد هذا قوله سبحانه وتعالى :
    ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) (4).
    يعنى أن اللغة واحدة ، وإنما كان القرآن معجزاً لأمر واحد هو أنه كلام الله ، نازل وفق علم الله وصنعه ، الذى لا يرقى إليه مخلوق .
    الرأى الثانى :
    إن هذه الحروف " المُقطعة " التى بدئت بها بعض سور القرآن إنما هى أدوات صوتية مثيرة لانتباه السامعين ، يقصد بها تفريغ القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة .  فمثلاً " الم " فى مطلع سورة البقرة ، وهى تنطق هكذا .
    " ألف - لام - ميم " تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع لتسعة أصوات ، يتخللها المد - مد الصوت - عندما تقرع السمع تهيؤه ، وتجذبه لعقبى الكلام قبل أن يسمع السامع قوله -  تعالى - بعد هذه الأصوات التسعة :
     ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) (5).
    وإثارة الانتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان العالى ، ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه " الحروف " فى فواتح السور عبارة " قرع عصى " (6) وهى وسيلة كانت تستعمل فى إيقاظ النائم ، وتنبيه الغافل .  وهى كناية لطيفة ، وتطبيقها على هذه " الحروف " غير مستنكر .  لأن الله - عز وجل - دعا الناس لسماع كلامه ، وتدبر معانيه ، وفى ذلك يقول سبحانه وتعالى :
     ( وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) (7).
    الرأى الثالث :
    ويرى الإمام الزمخشرى أن فى هذه " الحروف " سرًّا دقيقاً من أسرار الإعجاز القرآنى المفحم ، وخلاصة رأيه نعرضها فى الآتى :
     " واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من هذه الأسماء - يقصد الحروف - وجدتها نصف حروف المعجم ، أربعة عشر سواء ، وهى : الألف واللام والميم والصاد ، والراء والكاف والهاء ، والياء والعين والطاء والسين والحاء ، والقاف والنون ، فى تسع وعشرين سورة ، على حذو حروف المعجم ".
    ثم إذا نظرت فى هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف ، بيان ذلك أن فيها :
    من المهموسة نصفها :
     " الصاد ، والكاف ، والهاء والسين والخاء ".
    ومن المجهورة نصفها :
    الألف واللام والميم ، والراء والعين والطاء ، والقاف والياء والنون .
    ومن الشديدة نصفها :
    " الألف والكاف ، والطاء والقاف " .
    ومن الرخوة نصفها :
    " اللام والميم ، والراء والصاد ، والهاء والعين ، والسين والحاء والياء والنون " .
    ومن المطبقة نصفها :
     " الصاد والطاء " . 
    ومن المنفتحة نصفها :
     " الألف واللام ، والميم والراء ، والكاف ، والهاء والعين والسين والحاء ، والقاف والياء والنون ".
    ومن المستعلية نصفها :
     " القاف والصاد ، والطاء " .
    ومن المنخفضة نصفها :
     " الألف واللام والميم ، والراء والكاف والهاء ، والياء ، والعين والسين ، والحاء والنون " .
    ومن حروف القلقلة نصفها : " القاف والطاء " (8).
    يريد أن يقول :  إن هذه الحروف المذكورة يلحظ فيها ملحظان إعجازيان :
    الأول : من حيث عدد الأبجدية العربية ، وهى ثمانية وعشرون حرفاً . فإن هذه الحروف المذكورة فى فواتح السور تعادل نصف حروف الأبجدية ، يعنى أن المذكور منها أربعة عشر حرفاً والذى لم يذكر مثلها أربعة عشر حرفا :
     14+14 = 28 حرفاً هى مجموع الأبجدية العربية . .
    الثانى : من حيث صفات الحروف وهى :
    الهمس فى مقابلة الجهارة . .
    الشدة فى مقابلة الرخاوة . .
    الانطباق فى مقابلة الانفتاح . .
    والاستعلاء فى مقابلة الانخفاض . .
    والقلقلة فى مقابلة غيرها . .
    نجد هذه الحروف المذكورة فى الفواتح القرآنية لبعض سور القرآن تعادل نصف أحرف كل صفة من الصفات السبع المذكورة . . وهذا الانتصاف مع ما يلاحظ فيه من التناسب الدقيق بين المذكور والمتروك ، لا يوجد إلا فى كلام الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -.  وهو ذو مغزى إعجازى مذهل لذوى الألباب ، لذلك نرى الإمام جار الله الزمخشرى يقول مُعقباً على هذا الصنع الحكيم :
    " فسبحان الذى دقت فى كل شىء حكمته . . وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته .  فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التى منها تراكيب كلامهم ، إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم ، وإلزام الحُجة إياهم (9) .
    ثم أخذ الإمام الزمخشرى ، يذكر فى إسهاب الدقائق والأسرار واللطائف ، التى تستشف من هذه " الحروف " التى بدئت بها بعض سور القرآن ، وتابعه فى ذلك السيد الشريف فى حاشيته التى وضعها على الكشاف ، والمطبوعة بأسفل تفسير الزمخشرى .  وذكر ما قاله الرجلان - هنا - يخرج بنا عن سبيل القصد الذى نتوخاه فى هذه الرسالة .  ونوصى القراء الكرام بالاطلاع عليه فى المواضع المشار إليها فى الهوامش المذكورة .  وبقى أمرٌ مهمٌّ فى الرد على هذه الشبهة التى أثارها خصوم الإسلام ، وهى شبهة وصف القرآن بالكلام العاطل . نذكره فى إيجاز فى الآتى :
     لو كانت هذه " الحروف " من الكلام العاطل لما تركها العرب المعارضون للدعوة فى عصر نزول القرآن ، وهم المشهود لهم بالفصاحة والبلاغة ، والمهارة فى البيان إنشاءً ونقداً ؛ فعلى قدر ما طعنوا فى القرآن لم يثبت عنهم أنهم عابوا هذه " الفواتح " وهم أهل الذكر " الاختصاص " فى هذا المجال . . وأين يكون " الخواجات " الذين يتصدون الآن لنقد القرآن من أولئك الذين كانوا أعلم الناس بمزايا الكلام وعيوبه ؟!
    وقد ذكر القرآن نفسه مطاعنهم فى القرآن ، ولم يذكر بينها أنهم أخذوا على القرآن أىَّ مأخذ ، لا فى مفرداته ولا فى جمله ، ولا فى تراكيبه .  بل على العكس سلَّموا له بالتفوق فى هذا الجانب ، وبعض العرب غير المسلمين امتدحوا هذا النظم القرآنى ورفعوه فوق كلام الإنس والجن . . 
    ولشدة تأثيره على النفوس اكتفوا بالتواصى بينهم على عدم سماعه ، والشوشرة عليه . .
    والطاعنون الجدد فى القرآن لا قدرة لهم على فهم تراكيب اللغة العربية ، ولا على صوغ تراكيبها صوغاً سليماً ، والشرط فيمن يتصدى لنقد شىء أن تكون خبرته وتجربته أقوى من الشىء الذى ينقده . .  وهذا الشرط منعدم أصلاً عندهم .

    الهوامش:
    ------------------------
    (1) انظر للوقوف على هذه المعانى : التفسير الكبير " للفخر الرازى . . تفسير سورة البقرة.
    (2) طه : 2.
    (3) يس: 3.
    (4) هود : 13-14.
    (5) البقرة :  2.
    (6) يعنى الضرب بالعصى على الأرض لتنبيه المراد تنبيهه.
    (7) الأعراف : 204.
    (8) الكشاف (ج1 ص 100 - 103 )
    (9) الكشاف (ج1 ص 103 )

    كلمات مفتاحية  :
    الدفاع الاسلام شبهات حول القرآن

    تعليقات الزوار ()