هل يتسلط الشيطان على الأنبياء:
ليس للشيطان سلطان على الأنبياء الذين حفظهم الله من إغوائه، ولكن هناك فرق كبير بين الإغواء ومحاولات الوسوسة والنزغ، والآية الكريمة تتحدث عن محاولات الشيطان المستمرة للوسوسة، وتُعلِّم الرسول بل تُعَلِّم كل من تعرض له مثل هذه الوسوسة أن يردها بالاستعاذة بالله السميع العليم. "فالشيطان لا ييأس من إلقاء الوسوسة للأنبياء؛ لأنها تنبعث عنه بطبعه،وإنما يترصد لهم مواقع خفاء مقصده طمعًا في زلة تصدر عن أحدهم، وإن كان قد علم أنه لا يستطيع إغواءهم، ولكنه لا يفارقه رجاء حملهم على التقصير في أداء ما واجبهم، ولكنه إذا ما هَمَّ بالوسوسة شعروا بها فدفعوها، ولذلك علم الله رسوله عليه الصلاة والسلام في الآية السابقة الاستعانة على دفعها بالله تعالى" (1).
الإنجيل يتحدث عن تجريب الشيطان للمسيح:
ومن هذا الباب ما يحدثنا الإنجيل عن تجربة إبليس للمسيح ومحاولاته معه حيث جاء فيه: "ثم اصعد يسوعُ إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس * فبعدما صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة جاع أخيرًا * فتقدم إليه المجرب وقال له: إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا * فأجاب، وقال: مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله * ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل * وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل؛ لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك * قال له يسوع: مكتوب أيضا لا تجرب الرب إلهك * ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدًّا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها * وقال له: أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي * حينئذ قال له يسوع: اذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد * ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه" [متى 1 :11]
فانظر كيف لم ييأس إبليس من المسيح؟! فهذا معنى النزغ الذي جاء في القرآن والذي خاطب به القرآن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم.
هل انفرد السيد المسيح بالعصمة من نخس الشيطان عند ولادته:
وليس في الحديث السابق الذي ذكر في السؤال أن إبليس لا يقرب المسيح بشيء من الوسوسة بل قصارى ما يثبت بالحديث المذكور أن الله تعالى استجاب لدعاء جدة المسيح إذ قالت داعية لمريم ابنتها: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران :36].
وليس معنى أن هذه الخصوصية ليست في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -إن سلمنا جدلًا بذلك- أن الشيطان يسوقه ويتمكن منه حاشاه، على أن بعض علماء المسلمين اختار أن جميع الأنبياء يشاركون فيها (2).
كما لا يفيدنا الحديث أن المسيح أفضل من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ قد تواترت فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجود فضيلة للمسيح عليه السلام ثبتت على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يهدر ما ثبت من فضائله الجمة صلى الله عليه وآله وسلم.
الهوامش:
(1) انظر التحرير والتنوير 6/54
(2) شرح النووي على مسلم 15/120
|