تتناول الآية الكريمة ما أعده الله تعالى عنده للذين قتلوا في سبيله أن جزاهم نظير تضحيتهم بحياتهم في سبيله بأن يجعل عنده حياة دائمة فلا يعدون من الأموات، وتأمل قوله تعالى: { بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] إذ يدلك هذا على أنها حياة خاصة لا تجري عليها قوانين الحياة التي يعيشها الناس" ليست هي الحياة المتعارفة في هذا العالم، أعني حياة الأجسام وجريان الدم في العروق، ونبضات القلب، ولا هي حياة الأرواح الثابتة لأرواح جميع الناس، وكذلك الرزق يجب أن يكون ملائمًا لحياة الأرواح وهو رزق النعيم في الجنّة". ([1])
ثم يأتي الحديث الشريف ليذكر أن أرواح الشهداء تتنعم في حواصل طير خضر عند الله وهذا تفصيل لحالة من حالات هذه الحياة المتعلقة بأرواح الشهداء وعالم الروح عالم غائب عن الحس لا تحكمه قوانين عالمنا.
كما أن هذا إنما ورد في مورد التكريم للشهداء لا في مورد الحط منهم فليس فيه تحقير لشأن الإنسان بل هو تكريم الذي كرمه الله بل هو تكريم بعد تكريم .
وحيث كان ذلك فليس المقصود من الحديث أن الروح تنتقل من جسد لتستقر في آخر فهذا الأمر هو قول بالتناسخ، وهذا ليس من عقائد المسلمين، وإنما المقصود منه هو ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما نسمة المؤمنين طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله في جسده يوم القيامة ...إلخ ([2]) ، فدل على أن الأرواح مثل طير خضر في العيش وسرعة السير والطيران لا أنها في طير خضر، فيكون الحاصل تشبيه الأرواح بالطيور". ([3])
الهوامش:
----------------------
( [1]) التحرير والتنوير3/276
( [2]) رواه مالك في موطأه 2/243 حديث 572 والنسائي في الكبرى 1/665 ،رواه ابن حبان في صحيحه 1/513.
( [3]) العرف الشذي شرح جامع الترمذي لمحمد أنور شاه الكشميري3/230 .
|