أولاً: إن الذي قضى به داود عليه السلام ليس خطأ ولا ناقضًا لنبوته ولا إلهامه ولا لملكه وحكمته، وإنما كان ذلك باجتهاد منه، أما ما قضى به سيدنا سليمان عليه السلام فهو إلهام من الله عز وجل قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}، فدلَّ هذا على أن فهم سليمان في القضية كان أعمق، لأنه كان بإلهام من الله، وكان أرفق بالخصمين. والله تعالى أراد أن يُظْهِر علم سليمان عند أبيه ليزداد سروره به وليتعزَّى على من فقده من أبنائه قبل ميلاد سليمان.
ثانيًا: الآية تبين أن القضية عُرِضَت على داود وسليمان معًا وأنهما حكما فيها معًا، وكان حكم كل واحد منهما عَدْل، وهذا فهم مستقيم يعرضه القرآن الكريم للقضاء وما ينبغي أن يكون عليه، ولا يُفْهم من الآية أن سليمان عليه السلام كان يتعقب أحكام والده لقوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ...} الآية، فدلت الآية على أن القضية عرضت عليهما معًا.
وقد كان قضاء داود حقاً؛ لأنه مستند إلى غرم الإضرار على المتسببين فى إهمال الغنم وأصل الغرم أن يكون تعويضاً ناجزا فكان ذلك القضاء حقاً وحسبك أنه موافق لما جاءت به السنة فى إفساد المواشي.
وكان حكم سليمان حقاً لأنه مستند إلى إعطاء الحق لذويه مع إرفاق المحقوقين باستيفاء ما لهم إلى حين فهو يشبه الصلح ولعل أصحاب الغنم لم يكن لهم سواها وهو الغالب وقد رضي الخصمان بحكم سليمان لأن الخصمين كانا من أهل الإنصاف لا من أهل الاعتساف ولو لم يرضيا لكان ألمصير إلى حكم داود إذ ليس الإرفاق بواجب ([1]).
ثالثًا: أما القول بأن القرآن خلط بين سليمان وأبشالوم فهذا أمر غير صحيح؛ لأن الآية لم تتعرض لأبشالوم هذا مطلقًا، وإن سَلَّمْنَا بقصة إبشالوم فليس معنى هذا أنها تناقض الآية، لأن الآية خاصة بسيدنا سليمان وأبشالوم لا دخل له بها، ربما تكون قصة أبشالوم قصة أخرى غير قصة سليمان عليه السلام.
الهوامش:
------------------------
( [1]) التحرير والتنوير 17 / 117
|