صعد الحافلة، ببذّته الأنيقة، وهندامه الحسن، وربطة عنقه المنتقاة من أشهر محلاّت الألبسة. شدّت أحاسيس الموجودين رائحة عطره المميّزة ولفتت انتباههم هامته المرفوعة، وطريقة حمله لحقيبة " السمسونايت " السوداء، التي كانت توحي بشخصيته الهامّة.
خمّنت، وكنت من ركّاب تلك الحافلة -، أن الرجل.. ربمّا كان من " رجالات الأعمال، المرموقين الذين لهم باع طويل ضمن صفقات الاستيراد والتصدير التجارية، وربمّا كان يتبّوأ موقع مسؤوليّة لابأس بها. وربمّا كان أحد الأدباء الذين ولدوا، وفي فمهم ملعقة من ذهب.. هذه الـ " ربما ".. لم أجد لها جواباً محدّداً.. لكنّني عرفت أن الرجل ذو أهمّية، من خلال حديث دار بينه وبين جاره في المقعد، وهو واحد من أبناء مدينته الصغيرة، الذي التقاه في الحافلة عن طريق المصادفة، والذي لاحظتُ عليه علائم الاستغراب لدى رؤيته الشخص المذكور.. قائلا ً:
- معقول أستاذ ؟.. أنت تركب الحافلة ؟! أين سيّارتك ؟!
امتعض الرجل عند سماعه الكلام الحامل في طيّاته دهشة وشكاً مبادراً إلى إجابة مقتضبة:
- للضرورة أحكام.. سيّارتي في التصليح.
هزّ الآخر رأسه دون أن يتفوّه بكلمة، ثمّ نزل بسرعة إلى أحد المطاعم الموجودة في مركز انطلاق السيّارات، واشترى لفافتين من الفلافل.. راح يأكل واحدة منهما بنهم.. أمّا الثانية، فقد قدّمها للرجل بحياء وتردّد شديدين، متوقعّاً - سلفاً _ رفضه لها _ وفعلاً، فقد رفضت الضيافة مشفوعة بكلمات الاعتذار، والترفع، وإشاحة الوجه.
في تلك الأثناء، وبينما أنا أتابع أحداث ما يجري، استرقت نظرة إلى عينيّ / المعني /، فلمحت شيئاً مخالفاً لسلوكه الذي قام به، وقرأت رغبة متلهّفة، وجامحة لتناول / لفافة الفلافل /.. بدليل اللعاب الذي كان يسيل من فمه.