بتـــــاريخ : 11/17/2008 6:36:36 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1537 0


    هي.. في عمر الربيع

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : وصال سمير | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    شعرت فجأة بعيون النسوة، تنغرز في وجهها وصدرها وساقيها الممتلئتين.. حالما دخلت القاعة الكبيرة المؤدية إلى مكان الاحتفال السنوي، الذي أقيم تكريماً للطالبات المتفوقات.‏

    كادت تتعثر في مشيتها، فأزاحت طرف ثوبها الضيق وأبعدت خصلات شعرها الأشقر الطويل المسترسل حتى منتصف ظهرها والذي يغطي جبينها العاجي العريض. ثوبها الأسود الطويل، كشف عن الجانب الأيسر من جسدها الجميل..‏

    أغاظتها العيون المتطفلة، وبعثت بها موجات من الغضب والحدة.. كانت تلاحقها دون توقف.. أحست بتلك النظرات تمزق جلدها.. وكأنها تقول لها باحتجاج شديد:‏

    -ارجعي إلى بيتك!! خففي من تلك الزينة!! ارتدي ثوباً أكثر حشمة!! ثم عودي لحضور ذلك الحفل. كانت المرأة شابة في عمر الربيع، تضج بالحياة، ونبض الحياة.‏

    ولكن دخولها على هذه الصورة، أحدث حركة مفاجئة في قاعة الانتظار.. التي انقلبت إلى معرض للصور الضوئية.. مجسدة المناسبات القومية التي مرت على البلد خلال عام كامل.‏

    تقدمت الشابة الحسناء بخطوات وئيدة، رغم تلك النظرات، ورغم ما ارتسم على وجوه النساء من علامات الاستهجان والدهشة.‏

    حاولت أن تشغل نفسها بتأمل اللوحات المعروضة بكثافة على جدران القاعة.‏

    تعاطفُ الرجال معها كان كبيراً، تقدم إليها الواحد بعد الآخر محاولاً تقديم المساعدة لها، مما زاد من غضب النساء، فاطلقن عبارات جارحة:‏

    -يا لعقول الرجال.. كم هي صغيرة!!‏

    -ما أن يروا أنثى مغرية حتى يهرعوا إليها.‏

    ازدادت ثقة المرأة الحسناء بنفسها.. فتشاغلت عن النساء بالغرق وسط مجموعة كبيرة من الرجال.‏

    -هؤلاء الرجال.. هم الأساس وهم المهمون في نظري.. لماذا أتعب ذهني بالتفكير بكل هؤلاء النسوة الغبيات؟.. إنهن يغرن مني.. أدركتُ تلك الحقيقة منذ زمن طويل.‏

    فأنا ما زلت في عمر الزهور.. فلماذا لا أحيا حياتي حسب قناعاتي؟.‏

    تناست نظرات النساء، واختفت بين جماعة من الرجال، تصغي إلى كلمات الإعجاب المتناثرة حولها من كل حدب وصوب.‏

    وفجأة.. دخلت إلى القاعة امرأة سمراء ذات قامة هيفاء، وقدّ رشيق لفتت أنظار الجميع ببساطة ثيابها، وخفة حركتها.‏

    توجهت بعفوية وتلقائية إلى الحسناء، قبلتها قبلات خفيفة معبرة عن مدى اشتياقها.‏

    تضرج وجه المرأة الشقراء، ذات القوام الممتلئ والملتف حين رأت صديقتها في ذلك الازدحام.‏

    رفعت يدها اليمنى، وأبعدت خصلات شعرها المتدحرجة على وجنتيها، وارتفع صوتها بكلمات حلوة، وكأنها اكتسبت ثقة جديدة.. تناست تماماً جميع النساء، واكتفت بتلك الواقفة أمامها كظلها.‏

    ابتعدت المرأتان الحسناء الشقراء، والسمراء النحيلة إلى نهاية القاعة تتأملان كل لوحة، وتعلقان تعليقات خاطفة..‏

    وحين سمح بالدخول إلى قاعة الاحتفالات.‏

    احتلت السمراء الهيفاء، والشقراء البضة مكانين بارزين في القاعة الواسعة. مما سمح لكاميرات الفيديو بالتركيز عليهما.. وبالمرور مرّاً سريعاً على من بقي في القاعة.‏

    استمرت عروض الطالبات ساعتين أو أكثر..‏

    وعينا الشقراء تقعان كلما التفتت صدفة على ملامح الاشمئزاز في عيون النساء.. وكأنهن تناسين العروض، وجعلنها محوراً لتأملاتهن.‏

    ولا سيّما حين كانت تلف ساقيها فينزاح الثوب عن جزء كبير من فخذيها.‏

    وصلتها همسات مختلطة:‏

    -هذه المرأة.. لا تحترم نفسها.. جاءت إلى هذا الحرم المقدس مرتدية ثوباً فاضحاً..‏

    تململت في جلستها، وفكرت مرات كثيرة بالهروب، وأفضت بهواجسها لصديقتها التي تتابع بهدوء كل ما يجري على المسرح.. ولكن الأخيرة منعتها بإشارة مقتضبة، وحين وقعت عيناها على البقعة البيضاء من فخذ جارتها ابتسمت ابتسامة خبيثة وهي تنظر في وجهها، لم تكن راضية هي أيضاً عن الصورة الاستعراضية التي تراها أمامها.. ولكن.. ماذا تفعل؟ والذي حدث قد حدث.. لا تستطيع في تلك اللحظة أن تغير ثياب صديقتها.. تلك الطفلة الكبيرة.. التي تتصرف كأي فتاة لم تبلغ بعد سن الرشد.‏

    كيف يدرك الآخرون جوهرها الطيب وقلبها النقي.. ليغفروا لها تلك الزلات.. كما تغفرها هي لها؟!‏

    وما أن انتهت العروض، حتى هبت المرأة الشقراء وهربت من القاعة إلى البهو العريض.. قبل وصول أية واحدة من النساء.‏

    هرباً غادرت المكان، وحين وصلت إلى الشارع، تنهدت تنهيدة طويلة متنفسة الصعداء..‏

    تتالت زفراتها، وانهال من فمها سيل من الشتائم:‏

    -إنهن متطفلات. كل إنسان حر في تصرفاته.‏

    تدفقُ الكلمات من فمها كشف عن صفي أسنانها البيضاء والمتناسقة.. أصغت المرأة السمراء إليها محاولة ألا تثير غضبها.. وحين وصلت الاثنتان إلى مقهى صغير.. دخلتا لاحتساء كوب من الشاي.. وحين وقعت نظرات المرأة السمراء على وجه صديقتها الجميل المضرج بحمرة الغضب.. انفجرت ضاحكة ضحكات خبيثة.‏

    -ولكنّ ثوبك هذا.. مثير للاهتمام.. لا تلومي الأخريات.. لو أنك قصرت تلك الفتحة قليلاً لأنهيت الإشكالات.. فغرت الشقراء فمها وجحظت عيناها وفوجئت بكلمات صديقتها.. رغم ثقتها الكبيرة بمحبتها، لم تكتف المرأة السمراء بذلك بل أضافت قائلة:‏

    -أتدرين.. إن ثوبك هذا مثير؟..‏

    -أنا قصدت هذا الإغراء.‏

    -إن كان الأمر كذلك، فلا تتضايقي من تطفل النسوة.‏

    لا يستطيع أحدنا أن يسكت ألسنة الآخرين.. ولن يعتذروا هم عما يصدر عنهم. ليس من حقنا أن نلومهم على نظراتهم الغريبة.. فعيونهم لا تقع إلا على الأخطاء.‏

    -وأنت تلومينني أيضاً.‏

    لكن السمراء ذات العينين السوداوين البراقتين ابتسمت ابتسامة حملتها كلّ ما تكنه للأخرى من الود وقالت بود ظاهر:‏

    -حدثتك وأنا محرجة.. فأنا لا أود أن أفضي إليك بتلك الكلمات لذا سأصمت الآن.. اقبلي اعتذاري..‏

    -إنهن يغرن مني.. فأنا الأكثر جمالاً والأكثر فتنة.‏

    عادت السمراء إلى صمتها، مستهجنة كل كلمة نطقت بها صديقتها، تعاظمت مرارتها، وهي تصغي لتلك الكلمات المبتذلة.. وفي سرها كانت تدرك تمام الإدراك، أن كل واحدة من النساء، تستطيع أن تفعل فعلتها، فتبدي محاسنها وتجذب نظرات الرجال إليها..‏

    من السهولة بمكان.. أن تلفت أية امرأة اهتمام أي رجل... ارتجفت السمراء رجفة خفية.. ومنعت فيضاً من الكلمات كاد يخرج من شفتيها.. واكتفت بإحتساء الشاي الذي قدم إليها.‏

    ولكن الشقراء المتباهية بحسنها، لمحت من جديد شاباً يجلس إلى الطاولة المجاورة.. وقد تسمرت نظراته على تلك الفتحة التي تكشف عن لون رخاميّ جميل.. انتقلت نظرات الشاب إلى تفاصيل الثوب الأسود الكاشف عن نهدين بارزين متدليين من فتحة الثوب العريضة.. تململت، محاولة ستر فتحة الثوب الكاشفة عن الفخذين ولكن كيف تتمكن من ستر النهدين؟..‏

    ماذا ستقول لهذا الشاب؟؟ أتفقأ عينيه؟‏

    أتقتله؟‏

    بوسعها أن تصفعه على وجهه وهي غارقة في هذا التخبط.‏

    اشتد هياجها.. تناست كوب الشاي.. تحركت في مقعدها وكأنها تبحث عن ملجأ..‏

    لم تعد ترغب بالبقاء.‏

    نهضت فجأة.. قيامها المجنون أفزع صديقتها الغارقة في شرودها.. هربت ، وتبعتها الأخرى.‏

    اتسعت خطوات الصبية، فتمزق الثوب من الجانب الأيسر.. كادت تصرخ.. هرولت إلى سيارة الأجرة..‏

    كان كل شيء فيها ممزقاً.. كلّ شيء.. مشاعرها، أحاسيسها وفستانها الأسود الطويل الذي يصل إلى أسفل قدميها.. ارتاحت، حين جلست في المقعد الخلفي الذي يستر عريها الفاضح.‏

    وحين دخلت بيتها، صرخت وهي تتأمل صورتها المنعكسة على صفحة المرآة الكبيرة.‏

    لم تكن تنوي الإساءة إلى نفسها.. أرادت فقط أن تبدو جميلة، وحاول الآخرون خنقها..‏

    -سأقتلهم جميعاً.. لماذا لا يدعونني أعيش بسلام؟..‏

    لا.. إنها غلطتي.. فلأعترف بها.‏

    لم تكن راضية عن صورتها المنعكسة على صفحة المرآة.. شاهدت أمامها امرأة غريبة.. مضطربة.. مشعثة.. واستهجنت تلك الفتحة الطويلة في الجانب الأيسر من ثوبها وكأنها تراها للمرة الأولى.‏

    ووقعت عيناها على نهديها البارزين والمكورين المطلّين بوقاحة من فتحة الثوب.‏

    وإذا بها تعترف بما جنت يداها وهي تهتف بصوت منكسر:‏

    -لماذا ألوم الآخرين..؟‏

    عليّ أن ألوم نفسي.. فأنا الكائن المريض والمستهجن

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()