بتـــــاريخ : 11/17/2008 7:44:11 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 903 0


    الدُمُوع

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : شوقي بغدادي | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الدُمُوع شوقي بغدادي

    لكن يبدو الأمر سهلاً في النهاية، يكفيني انتصاراً أنّك الآن وحيدة معي في بيتٍ خالٍ منكِ ومنّي. يكفيني هذا. فلأقرَعْ طبولي إذن، ولأستدعِ الشهود، ولأعلن على الملأ أنني ربحت الرهان، رهاني مع نفسي، ولكن لابأس أن تعلني على رؤوس الأشهاد أنّك رافقتني برغبةٍ منك وبملء إرادتك وأنني لم أستغلّ منصبي،وأنّك لم تنقادي لي خوفاً على وظيفتك مني وإنما هكذا، بكل بساطة استسلمتِ لطبيعتكِ الأصيلة المحصّنة خلف هذا الحجاب السخيف المزّيف.. لكم في ودّي أن أنزعه عنكِ بحركةِ واحدة مع أنه لم يمضِ على إغلاقي الباب سوى ثوان معدودات. ولكن لابأس فلأتمهل، ولأدع الفريسة تأخذ راحتها وتطمئن مادام الفخّ قد انطبق عليها.‏

    - ولكن يبدو أن البيت خالٍ ليس فيه أحد.. أين أمك وأختك؟!.‏

    - قد تكونان في الغرفة الداخلية.. تفضّلي.. لا.. لا تجلسي على هذه "الكنبة" المنفردة قرب الباب. مكانك في الصدر على الكنبة العريضة. سأفتش عنهما ثم أعود..‏

    وماذا إذا كان البيت خالياً. هل كنتِ سترفضين دعوتي، في استطاعتي أن أغلق باب الضيوف وأن أقول لأمي وأختي اللتين لا وجود لهما ألاّ يدخل علينا أحد. وتأكدي أن لا أحد سوف يجرؤ على الدخول حتى لو صرخت عالياً.‏

    غير أنك لن تصرخي بالتأكيد. لقد فهمتُك جيّداً، فهمتك منذ لحظة دخولك عليّ المكتب، وحين وقعت العين على العين، فارتعشت أهدابك وشحب وجهك.. وصارت يدك مثل قطعة الثلج حين تعمّدتُ أن أمدَّ إليكَ يدي مصافحاً. كلّ الموظفات الأخريات لم يُغْرِني منظرهنّ، ولم تستهوني المغامرة معهن كما شعرت في تلك اللحظة وأنا أواجه وجهك الشاحب تحت الحجاب الأبيض الذي كان يحيط برأسك وعنقك في لفّةٍ بالغة الأناقة.‏

    هل كان السبب أنهن كن جميعاً سافرات واضحات، وأنكِ كنتِ المتحجّبة الوحيدة بينّهن. لقد كان ثمّة أجملُ منكِ بالتأكيد، بل ربما كنتِ فتاة عادية القسمات، ولكنك كنتِ الأجمل في عيوني، ربّما لأنّك كنتِ في تصوّري الأكثر مناعةً كما كان يقول صديقي الخبيث العميد يونس محرّضاً إيّاي عليكِ: "إذا كنتَ شاطراً حقاً، فهذا هو النوع من النساء الذي تُثبت به شطارتك حين تستطيع أن توقع بواحدةٍ، منهنّ في شباكك..".. غير أنني لم أكن محتاجاً إلى هذا التحريض، لو أنه عرف ماذا حدث لي حين صافحتكِ ذابت يدك في يدي غضّةً بضّةً حتى كأنْ لا عظام فيها.‏

    هل تستطيع الأيدي أن تشي بأصحابها أكثر من الكلام أوالنظرات؟. ثمّة أيدٍ لا تُسلمك سوى أطراف الأصابع وكأنها تُعلن بلا حرج أنها لا ترحب كثيراً بمعرفتك، أو أن تسلس قيادها داخل يدك كأنها تقول لك علناً أنا إنسان منافق مستعدّ لأيّة خدمة. وثمّة أيدٍ متردّدة تقول أنا كائن ضعيف فلا تكن قاسياً عليّ، وأيدٍ تشدّ على يدك وكأنها تقول في استطاعتك الاعتماد عليّ كلّ الاعتماد، ولكنّ يدك قالت شيئاً آخر في ذلك اليوم، ولقد فهمت على الفور ماقالته: "أنا فتاة مسكينة، محتاجةٌ، غير أنني مخلصة. أحبّ الرجال كثيراً ولكنني أخاف منهم ولهذا فإن جسدي يعذّبني..". وعلى عتبة ذلك البيت الذي انفتح أمامي اتخذتُ قراري الحاسم فوراً. أنت رهاني الخاصّ منذ تلك اللحظة. ولن أكون شيئاً ذا قيمة في هذه الدنيا، لا موظفاً كبيراً، ولا مديراً مهولاً، ولا من ذوي الشأن. إذا لم أروّضك،' وأدّجنك وأخلع عنك حجاب العفّة بملء إرادتك. ولكنْ آهٍ.. آهٍ..‍ لكم عذّبتني حتى استطعت النفاذّ إليك، لكم احتجتُ إلى وعودٍ، وأكاذيب، وكلمات معسولة وإغراءات وتهديدات مبطّنة حتى أقنعتكِ بالتعارف مع أمي وأختي اللتين لا وجود لهما.. وها أنذا أعود بالخبر اليقين، الخبر الذي سيكون امتحاني الصعب، فأجلس إلى جوارك وقد أكسبتني خلوتُنا، ووجُهك المستريح شجاعةً كنتُ بحاجة لها، وولكن يجب أن أبدأ بحديثٍ آخر.. بنكتة.. بأن أمدّ يدي مثلاً لأضعها على يدكِ المسترخية على طرف المقعد.‏

    - يا إلهي.. يدك ساخنة.. لأوّل مرّة أحسّ بها ساخنة دافئة... لكم أنا سعيد أنّك معي، وأننا وحيدان، وأنك تثقين بي..‏

    - لماذا وحيدان.. أليست أمّك، وأختك في الدار؟‍..‏

    وهكذا كنت أكتشف نفسي خطوةً خطوة، وأتعرّف على مواهبي الكامنة في التمثيل. يجب الآن أن أطرق قليلاً، أو أركع على ركبتيّ، أو أُمسك بيديك الاثنتين، ولكن ها أنذا أصنعُ شيئاً آخر تماماً...‏

    - لماذا نهضت؟‏

    - يجب أن نغادر الدار على ما أعتقد..‏

    - ولكن لماذا؟.‏

    - لسبب بسيط جداً هو أنني كذبتَ عليكِ...‏

    - كذبتَ عليّ..بماذا؟.‏

    - أقسم أنها كذبتي الوحيدة، وأنني لم أقترفها إلاّ لأنني كنتُ أريدُ أن أراكِ بعيداً عن عيون الموظفين والناس أجمعين. هكذا وحدنا بلا أيّ خوف من رقيبٍ أو فضوليّ أو أحدٍ من معارفي أو معارفكِ..‏

    - هل أفهم من هذا أن أمّك وأختك ليستا هنا...‏

    - نعم.. إنهما مسافرتان، ولن تعودا قبل بضعة أيّام.. كان يجب أن أكذب مرّةً أخرى فلا أقول إلاّ نصف الحقيقة ثم أنتظر ردّة فعلك. لا أدري لماذا لم أجرؤ أن أقول لكِ الحقيقة كاملة وأن أمي ماتزال في بيتنا القرويّ بعيداً عن المدينة وأختي معها هناك، وأنني الساكن الوحيد في هذه الشقة الفاخرة. لأجلس إذن والآن، ولتَبْدُ جلستي كأنّها انهيارٌ كاملٌ لجسدي وروحي، ولأنتظرْ مطرقَ الرأس، ولأرفعَ بعدها وجهي نحوك رويداً رويداً.. هكذا يكون أدائي كاملاً... ولكنك تفاجئينني بنظرةٍ حنون، وبلمسة يدٍ أبلغَ حنّواً وبضع كلمات عادية مسترخية.. لكنْ بأيّ حنانٍ غامر كاد يغسلني غسلاً ويُسقط عني جميع أقنعتي..‏

    - "معليش".. لقد أتيت معكَ وكفى.. لنسترحْ قليلاً، ونشرب فنجان قهوة على الأقلّ..ثمّ نغادر..‏

    - قهوة.. فقط.. أطلبي حليب العصفور.. أطلبي روحي.. حياتي..‏

    وتبتسمين كأنك تتواطئين معي على هذه المزاودات الكلامية بلا حرج، وهاهي القهوة شربناها، والفواكه بسطناها. والدنيا نسيناها، ونحن نتحدّث، والوقت ينزلق من خلالنا دون أن يترك أيّ أثر له على ألسنتنا... إذن.. لم تكوني جادّةً في مسألةِ الذهاب. أنت التي قلتها بكل صراحةٍ واسترخاء: لقد أتيت معك.. وكفى.. فماذا يعني هذا سوى أنّكِ أتيتِ وقد تحسّبتِ لكل شيء، وإلاّ فهل من المعقول أن تأتي فتاة مثلك مع رجل لا تربطه بها سوى رابطة العمل إلى داره حتى ولو بحجّة التعارف مع الأهل. ولنفترض أنكِ صدّقتني، وأنك أحببتني فعلاً، ولكن الفتاة المحصّنة حقاً لا تصنعُ صنيعكِ. لنعترف ياعزيزتي إذن أننا، أنا وأنتِ، لسنا أكثر من ممثّلين بارعين، وأن كلاًّ منا يمثل على الآخر دوراً لا يؤمن به تماماً. لماذا أتردّد إذن.. فلأغيّر مجلسي، فأنتقل إلى جواركِ وألتصق بكِ وأجرّب حظّي...‏

    - لماذا تبتعدين عني؟!..‏

    - الأفضل أن نحافظ على جلستنا السابقة..‏

    - ولكنني أحبّكِ.. أحبّكِ أكثر من أي شيء في الدنيا.. وأستغرب فعلاً حتى تلك اللحظة كيف أنني لم أضحك.. كيف أنني لم أنفجر ضحكاً وأنا أتدّفق بالأكاذيب في مثل هذه السهولة العجيبة!..‏

    - وأنا أيضاً..‏

    - وأنتِ أيضاً تحبيّنني.. إذن كيف يمكن أن يجلس العاشقان متباعدين في مثل هذه الخلوة..‏

    - نحن لسنا في خلوة تامّة.. هناك ضميرنا.. ورّبنا الذي يرانا أين كنّا..‏

    والآن فقط تحدثينني عن الضمير والربّ.. الآن فقط بعد أن صرنا في هذا الوضع وقد ارتفعت حرارتي إلى مافوق الأربعين. كفاكِ تمثيلاً ياعزيزتي.. دعينا الآن من هذه الكلمات الكبيرة، ولنكشف أوراقنا، فاللعبة توشك أن تنتهي..‏

    -لا.. أرجوك..‏

    - سلمى.. أنا الذي يرجوكِ.. إذا كنتِ تثقين بي فيجب ألا يكون لثقتك حدود.. سلمى... إن للحبّ علينا حقاً، وحتى تحبّ الروح يستجيب الجسد.. أنت عندي إنسانة مقدّسة. هل تعرفين مامعنى أن يكون الإنسان مقدّساً لدى إنسان آخر..‏

    أبداً لن تكوني أبرع مني في اختراع الكلمات الكبيرة، وهاهو جسدكِ يسترخي لذراعي التي التفّت حول منكبيكِ، غير أنكِ تتشنجين من جديد حين تلامس شفتاي وجنتيكِ الرقيقة التي شحبت ثم تضرّجت بلوّن الورد فأقبلك دون عناء ولكن دون استجابة كافية منكِ فأجثو على ركبتيّ دافناً رأسي في حضنكِ، محيطاً حوضكِ العظيم بذراعيّ كطفلٍ مُذنب. تصوّري أنني أشبّه نفسي بالطفل. وياللمفاجأة إذ أشعر بأناملك تمسح على شعري كما تصنع الأم بطفلها المذنب. ولكنّ الطفل يكبر فجاءةً. وينهض على قدميه لاحتوائك كاملةً بين ذراعيه، فتتمنّعين دونما تشدّدٍ كبيرٍ، فأهوي بكِ على طولِ المقعد، فتحتكّ يدي بحجابك الأبيض الذي انزاح قليلاً، فأدفعه عن رأسكِ بحركةٍ بارعةٍ فإذا أنتِ سافرة بكلّ بهائكِ وقد تناثر شعركِ الخرنوبي اللّماع على كتفيكِ، فبدوتِ امرأةً أخرى أكاد لا أعرفها.. امرأة كاملة ساحرة. ينشق المقعد عنها. ولكنك تُكبيّن بوجهك على قماش المقعد وقد أحطتِ وجنتيكِ بالكفين وشرعتِ تنشجين، فأتماسك مباغتاً، وأبتعدُ عنكِ قليلاً، كي أتملّى منظركِ بإمعان... شعرُكِ الطويل يغطيكِ الآن فلا يبدو من وجهكِ شيء، وجسدّكِ بكامل انحناءاته الملتوية أمامي يغريني بأن أصنع به ما أشاء...‏

    وأنت مستسلمة تماماً ولكن جسدك يختلج وينتفض كمن مسّته البرداء، وصوت نشيجكِ المكتوم يخترق قناعتي ماذا تصنعين الآن؟! أيّ دورٍ خارقٍ تمثلينه عليّ.. ولماذا تبكين؟!.. هل تقتضي منكِ صعوبة الدور كلّ هذه الدموع والاختلاجات.. حَسَنٌ...‏

    -سلمى.. لماذا تبكين ياسلمى؟!.. ألأنني نزعتُ عن رأسكِ الحجاب؟ أنا آسف ياحبيبتي.. أنا آسف فعلاً. أرجوكِ ألاّ تبكي.. كفاكِ بكاءً.. أرفعي وجهكِ نحوي.. أرجوكِ..‏

    وترفعين لي وجهاً مبلّلاً غارقاً بالدموع حتى لقد تبلّلت منها بعضُ خصلاتِ شعركِ فالتصقتِ بالأذنين، وأطراقِ الخدّين، فأمسحها عنكِ وأسوّي من جلستكِ دون ممانعةٍ منكِ، ولكنكِ ماتزالين مشيحةً عنّي، فلا أجد أعدل من أن أقابل تمثيلكِ بتمثيل آخر أكثر إتقاناً فأهتف بكِ:‏

    - سلمى.. أنظري إلي.. انظري في عيوني.. في جوهر عيوني..‏

    ثم أطلق كذبتي الكبرى التي كان يجب أن تضحكك بدلاً من أن تبكي فأتابع اعترافاتي بهذا الكلام الرخيص الرّنان:‏

    - أنا أحبّكِ... أتسمعين.. أنا أحبّكِ..‏

    فتخفت نوبة البكاء، ثم تتلاشى، ثم تنظرين إليّ بوجه مضرّج محتقن ولكنّه غير عاتب. بل لقد كان وجهاً جميلاً متسامحاً يبتسم..‏

    تصوّري.. لقد كنتِ تبتسمين لي بعد كل هذا العناء، فكيف لا أتابع لعبتي إذن إلى النهاية التي تأخرت أكثر مما يجب. ومع ذلك فلماذا لا أعترف أن الدموع أضفت عليك في تلك اللحظة جمالاً استثنائياً صادقاً وضعني لأوّل مرّةٍ أمام مشاعر متناقضة حين بدا وجهكِ مشعّاً، متوّرداً بعد شحوب، مثير للرغبات أكثر فأكثر، موحياً في الوقت نفسه بنوعٍ نادرٍ من المشاعر النظيفة التي تولّدها الانفعالات الصادقة. ترى هل كنتِ صادقةً حقاً في تلك اللحظة؟ لابدّ أن أتصرّف بسرعة قبل أن يراودني الشك حول الجواب على هذا السؤال..‏

    - تعالي إليّ..‏

    رويداً رويداً إلى السّجادة النفيسة التي تنادينا، فتهبطين معي غير أنكِ تستردّين قواكِ بعد قليل وتحافظين على مسافة نفسيّة تحصّنك من مبالغاتي، فأصرّ، فتمسكين بيديّ وترفعينها إلى أعلى بحركة لطيفة ولكن حاسمة كي أفهم أنك رافضة. وعندئذٍ فقط أدركت أنك امرأة صعبة لا كما تراءى لي في البداية وأنّه دوري الآن في تصعيد التمثيلية إلى ذروتها الدرامية فأذرف مثلكِ بعض الدموع، غير أن الدموع لا تواتيني بسهولة. سنون مرّتْ وأنا لا أعرف البكاء. ربّما مذ كنتُ طفلاً. بلى بكيتُ مرّةً حين جئتُ إلى المدينة لأوّل مرّة. وكنت محروماً من الأصدقاء والأهل، من الرجال والنساء، وكانت الحياة قاسية فشربت ذات ليلة حتى بكيت. يجب أن أبكي الآن. ليس سوى الدموع مايزلزل المرأة ويجرّدها من أسلحتها حيال عاشق مغلوب على أمره. بلى.. إنني مغلوب على أمري بالرغم من كل امتيازاتي التي جعلتني كبيراً بالنسبة لها ولمن حولي.. ماذا تذكرتُ في تلك اللحظة. ماذا استحضرتُ من هموم وما أكثرها، وماذا استرجعتُ من خيبات وما أمرّها حتى تستجيب لي ينابيع الدموع التي نشفت منذ سنين.‏

    أعتصر إذن عضلات وجهي وعروق عينيّ مستنفِراً كلّ مخزوني من الأحزان والمآسي، ثم أجهش، ثم أكبّ على السجادة ثم تنساب بعض الدموع.. كاذبةً أم صادقةً؟.. لست أدري.. لقد نجحتُ أخيراً، وها أنذا أبكي بحرقة والدموع تتكاثر وتهطل ساخنةً بطيئةً، ولكنها دموع حقيقية على كل حال، وأنتِ تضمّينني إليكِ، وتقبلينني فوق عينيّ، وخدّي، وأذنيّ، وعنقي وأنا ما أزال أبكي وأبكي وأرى إلى الدموع تغسلني من شهواتي فأستسلم لملامستكِ وقبلاتك بلذّة من يتذوّق لأوّل مرّة ملاطفة المحبّين وأصغي لكِ وأنتِ تهمسين:‏

    - لا تبكِ ياحبيبي.. أنا أحبكِ.. أنا أحبكِ.. أنا لكِ.. لا تبكِ.. أرجوكِ..‏

    فأجيبُكِ:‏

    - وأنا أيضاً أحبُّكِ..‏

    قلتُها وأنا لا أصدّق نفسي. إنها الجملة ذاتها التي طالما ردّدتُها في ذلك اللقاء دون أن أعنيها حقاً، إلاّ أنها الآن كانت جملةً أخرى تماماً. جملة انبثقت منّي كما يتفجّر ينبوع صافٍ قد ضاقَ بمخزونه من المياه. يا إلهي.. لقد كنتُ أبكي حقاً بكل صدق تجرفني أحزانُ سرّيةٌ لم أدرِ من أين واتتني كلُّها دفعةً واحدة فأراكِ حيالي صادقةً مثلي، وجميلة إلى أقصى حدّ وأنني أكتشف من خلال الدموع أنني أحبكِ حقاً، وأنّه لم يكن ذلك ممكناً إلاّ في مطهر الدموع

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الدُمُوع شوقي بغدادي

    تعليقات الزوار ()