-من مال الله يا أستاذ..
-الله يبعت لك.
-من مال الله.. الله يخليّك..
-الله لا يخليّك.. رُحْ... رُحْ من قدّامي.
-شو رح.. رح.؟!
نهضتُ تستفزّني تلك الحركة العدائيّة البذيئة، التي أرسلها لي وللّه.
عادة أتهرّب من الدفاع عن الأقوياء، لا بل أختلق معارك وهميّة معهم. وطبعاً أنتصر دائماً، وأستمتع بتعويض هزائمي.
إثر حذف كل معركة، يبقى مايشبه الجرح. وكالعادة تنبثق إحدى عذراوات الله، تشقّ قلبي، تعالجني بلمسات سحريّة خارقة، تلملمني، تهدهدني، فأغفو وأنا أتشبّث بروحها الدافئة التي لا أعرف كيف تفرّ من يدي.
.. متى ركبتُ درّاجتي ومضيت أدافع عن الله؟
الله نفسه سامح الغلام، والله تعالى لم يوكّلني للدفاع عن جلالته.
مع ذلك.. ركبت رأسي، ومضيت.
أين صادفتُ الغلام ثانية؟
كنت ألهث من المطاردة. ابن الكلب لم يأخذ مطاردتي له على محمل الجدّ. استخفّ بي، ودخل بكل اهترائه إلى أحد المتاجر الفخمة.
لبس وجهه المألوف، وجهاً غاية في الذل والمسكنة و...
-من مال الله...
كدت أشيح بوجهي وأنصرف. لكن يدي التي أكره خذلانها لي من قبل، سبقتني الآن إلى رأسه الوسخ.
قبضتُ على ناصيته، جررتُه بلؤم وصمت حتى الرصيف، ودفعته بقسوة ليموت.
لم يمت، ولم يسقط. كشّر بألم كخروف يُذبح. تعثّر، استعاد توازنه ومضى بعد أن رماني بنظرة بلهاء حاقدة.
-أعطاك الله العافية.. العمى ما أكثرهم!
قالها ذو الوجه المتورّد، الذي أراحته العافيةُ التي ينعم بها، وهو يتحرّك بتكاسل على كرسيّه الدوّار.
كدتُ أزعق بوجهه: من مال الله.
لكنني انسحبت بصمت وهدوء عكرين، لأرى درّاجتي ساقطة على الأرض.
هل رفسها الغلام بحركة انتقاميّة؟
أم تعثّر بها؟
أم سقطت من تلقاء ذاتها، لتزيد غيظي وخيبتي؟؟
-من مال الله..
قالها غلام آخر أكثر اهتراء ووساخة.
".. أين مالك يا الله لأبعثره على الطرقات..
ولأريحك من وساخة السؤال؟".
حملق الغلام بي هنيهة، ارتبك، ابتعد عنّي، ثم ولّى باحثاً عن مال الله، في حين بقيتُ وحدي مع الله، أتوسّله أن تكون درّاجتي بخير، وأن يمضي هذا اليوم على خير.