في باب المستشفى عادت لي حريتي، وعادت الكرامة المسلوبة للمرحومين أخوالي. مع ذلك، فالعم كمال لم يكن من ذلك الصنف الذي يدع الهزيمة تكتسحه، لذلك سدد ضربته قبل أن يستلقي على منضدة صالة العمليات، فجندل عدداً من أهل أمي.
في الصباح، قبل أن يقدم الممرضون لأخذ العم كمال على نقالتهم البيضاء إلى صالة العمليات بنصف ساعة، ربما أكثر أو أقل، أفلح العم كمال في إتمام حكايته، وإن كانت كلماته الأخيرة قد لفظها في باب صالة العمليات، وسط نظرات الاستنكار التي رشقته بها كبيرة الممرضات المنتظرة عند ذلك الباب.
كانت البداية ثقيلة الوطء علينا، ليس هناك مجال للانكار.
-بعد ساعة ستسترد حريتك.. أعلم ذلك. ستتركني حالماً أتخلص من المخدر. أعلم. سيأتي أولئك الغجر..
-غجر؟
-لا تقاطعني يا وغد الأوغاد، فلا يوجد متسع من الوقت للمقاطعة. نعم سيأتي أفراد عائلتي، أعني زوجتي وأولادي وزوجاتهم وبناتي وأزواجهن، وسيصحبون كلّ أحفادي الذين سيحيلون المستشفى إلى مايشابه سوق مزاد للملابس القديمة، أعلم ذلك. قبل أن يحدث كل هذا ينبغي أن تسمع الحكاية الأخيرة أو الأحداث التي بوسعي أن أقصها، تلك الأحداث التي قام بها أخوالك وأبناؤهم. لا تتذمر ولا تلو أنفك. تذكر أننا لا نمتلك متسعاً من الوقت، فبعد قليل سيأخذونني إلى تلك الصالة المخيفة.
أذكر أنه توقف ليقول:
-لدي الكثير، الكثير جداً لأتحدث به عما فعله أخوالك، قطاع الطرق أولئك، لكن انظر هاهي صالة العمليات تقف في الطريق. يبدو أن الحظ يخدم أهل أمك في كل وقت.
كما لم ينس العم كمال أن يندد بي:
-ولأن نصف دمائك يعود إليهم فإنك لا تعدو سوى نصف قاطع طريق يا وغد الأوغاد. اللهفة تهزك هزاً للجلوس إلى منضدة وتكتب كل ما حكيته لك، ولن يخامرني شك في براعتك بحشر مالا يعلمه إلا الله من حيوانات وجن وشياطين بين طيات حكاياتي.
لن تفعل ذلك هذه المرة، لكن من يصدق أنك لن تفعل.
يبدو أن العم كمال تذكر ضيق الوقت فتوقف عن التنديد:
-ماذا تفعل حين يطلب منك شخص محترم، محترم جداً أن تبيعه نغلاً؟
تهيأت للفرار.. هذا كثير على أخوالي. لكن ماالذي منعني من الهرب؟. بالتأكيد ليست نظرات عمي الغاضبة، ولا كلماته الزاجرة الحاسمة، فالعم كمال في ذلك الوقت، لم يكن ينظر إلي، ولم يحدثني. بدا أن نظراته، في تلك اللحظات، كانت عائمة في ضوء النهار الذي لم يتألق
بعد خارج النافذة.
-ذلك النغل كاد أن يجر الدمار إلى حيث يسكن أخوالك. وبسبب من؟. التوأمين سعد وسعيد، وذلك المجنون رحيم ابن خالك حاتم.
من بمكنته الفرار والحديث يدور عما فعله سعد وسعيد؟. مع ذلك. فوبال سيقع على أهل أمي جميعهم، وبال سينزله العم كمال بمهارة بسبب هذين التوأمين المشاكسين المرحين.
-دلني على رجل واحد يستطيع أن يصف ذلك المجنون رحيم أفضل مما وصفه المرحوم جدك؟. ليس في نيتي أن أسرد ماقام به من أعمال، ولست قادراً على معرفة عدد العصي التي حطمها جدك على جسد هذا الولد المجنون، الشيء الوحيد المؤكد أن جنون رحيم ازداد مع الأيام. ذلك الأمر جعل جدك يهدر بصوته الحانق:
-كيف تجرأ حاتم وجاءني بهذا الحفيد؟.. مجنون؟.. ألا يكفيني هؤلاء الحمير الذين يحيطون بي، والذين أتعثر بهم أينما اتجهت؟ من أين جاء سليل الحمير هذا بعقل ووضعه برأسه، ثم جعل الجنون يتسلل إليه ليفسده؟.. رضيت أن يكون أولادي أكبر قطيع من الحمير، لكن أن يكون أحفادي من المجانين، لابد أنني ارتكبت عدداً من المعاصي ليفعل الله بي ذلك.
خاطبني العم كمال مؤنباً:
-لا تلو أنفك.. ماقلته هو كلام جدك. وجدك كان من حكماء المدينة القلائل، وما كان كلامه هذا بعيداً عن الصواب، فرحيم سبب المتاعب لأخوالك ولجدك ما يعجز عنه جيش من الأشرار وجيش وآخر من المجانين. ثم يأتي سعد وسعيد ليقلبا عالم هذا المجنون، فتتحول عيناه إلى شاقوليتين ويهجم مقرراً تمزيق درويش باشا.
-من يكون هذا؟
-رجل تقي ورع يحترمه ويجله أهل المدينة. لم يكن أصلاً من المدينة، إنما جاء إليها متأخراً في سنه، رجلاً ثرياً، سكن في بيت كبير مقابل قصر المتصرف وخلف سراي الحكومة. ادخل وكالات السجائر في سوق المدنية، وباع للجميع بتجارة الجملة، وكان متزناً ومديناً. لم يعرف أحد عنه سوى اسمه درويش باشا، ولم ير أحد لا من النساء ولا من الرجال زوجته، لكنهم متأكدون أنها تسكن معه في ذلك البيت الكبير. كما أن أحداً -حتى أقرب جيرانه- لم يعرف إن كان لديه أولاد أم لا، وما كان هو يتحدث عن ذلك أبداً ثم إنه هو نفسه درويش باشا كان يتحرك في نطاق عالم محدود، يبدأ من بيته وينتهي عند حانوته في السوق الكبير، ويكر راجعاً من حانوته في السوق الكبير إلى بيته خلف سراي الحكومة. إن ذلك العالم لا يتجاوز طوله- إذا حسبناه بالأمتار- ثلاثمائة متر ذهاباً وإياباً. بدا هذا الباشا، في وقت من الأوقات، سراً لا يمكن النفاذ إليه، أو في الأقل، إلى أحد جوانبه، فقد تراوحت ظنون الناس أنه تركي بسبب لغته العربية المحطمة والتي تثير الضحك في بعض الأحيان. بعد ذلك ظنوا أنه كردي وليس تركياً، وعادوا إلى الظن أنه تركي وليس كردياً. ثم هجروا تلك الظنون غير المستقرة. المهم، بجلوا هذا الباشا لاستقامة خلقه وصدقه وطيبته وطويته الحسنة، غير أن كل هذه لم تدرأ عنه المصيبة، عندما وضعه الحظ العاثر بين التوأمين المشاكسين من جهة ورحيم المجنون من جهة أخرى.
طافت ابتسامة في وجه العم كمال:
-لم تولد بعد حين بلغ رحيم ابن خالك حاتم مبلغ الرجال، شأنه شأن التوأمين، ما كان يكبرهما كثيراً، ربما سنتين أو ثلاث. الغرابة أنه لم يقع مرة ضحية دعابتهما ومكائدهما، ليس لأنهما يخافانه، فهما لا يخافان إلا من شخص واحد من المدينة، أنه الجد؟. لم يصبح ضحيتهما لأنه لم يصدف يوماً، طوال حياته، إن وقع في طريقهما.
هو أيضاً لم يكن يخافهما، لذات السبب، أعني لم يذق مرة عبء أو مرارة الدعابات التي اشتهرا بها. ظل سعد وسعيد جرماً مرحاً ساخراً مداعباً الآخرين بقسوة، فيما ظل رحيم جرماً خطراً بجنونه، لكن سابحاً بعيداً عن جرم سعد وسعيد. هذا الأمر جعل أخوالك قطاع الطرق يشعرون بسعادة بالغة، إلا الجد الذي اعتبر الأمر يسير ضد قانون.. ما هو؟... لا يعرفه، لكنه قانون، وهذا وحد يكفي. حين كان أخوالك يعترضون، يهدر الجد:
-يا أولادي الذين يشبهون الحمير كثيراً كل الناس تعرف أن المجانين وأنصاف المجانين هم الضحايا المناسبين للساخرين، إذن، كيف لم يلتف سعد وسعيد لحد الآن حول رحيم؟
أخوالك يبهتون أمام حكمة جدك، ومع ذلك، يختفي قلقهم القادم من ناحية التوأمين، ليتصاعد قلقهم القادم من جهة رحيم، لأنه اعتاد أن لا يضرب بيده، إنما بمطرقة، لذلك ما إن يتحدث مع أحد، أي أحد، وحول أي موضوع، حتى إذا ما دار حول العمل، تجد المطرقة بيده. ما كان أسبوع يمضي دون أن يضرب أحداً. كل مرة يرفع جدك يديه نحو السماء:
-لنحمد الله أنه لم يضربه على رأسه.
ماكان جدك بعوز إلى هذا الحمد، فرحيم تعود منذ أن تعلم النجارة وهو صبي أن يضرب بين الساقين، حطم الكثير من السيقان طوال ممارسته للعمل، حتى حين كان مساعداً لذلك النجار المسكين. المعروف أن التلميذ هو الذي يخاف من أستاذه، إلا ذلك النجار المسكين، فقد كان يرتجف رعباً من مساعده، وله حق، إذ حطم ساقيه أكثر من مرة، فهذا النجار ينسى ويصرخ شاتماً رحيم، ثم يجد نفسه قافزاً في الهواء، لينطرح خارج دكانه وسيقانه في الهواء. عرف الناس كيف يتقون مطرقة المجنون، لكن يوجد دائماً من ينسى. في وقت أن جدك لم ينس لحظة، أن هذا الحفيد سيجعل طريق العائلة يمضي في اتجاه آخر. لذلك رفض أن يزوجه في تلك السن التي زوج فيها كل أحفاده من حفيداته. ورفض أن يزوجه فيما بعد، خوفاً من ذلك الاتجاه، كان صوته يعلو على الأصوات المرتفعة:
-إن انجب أولاداً وبنات من صنف قريب إلى الحمير فهذا لعنة أو عقاب عن إثم، ربما ارتكبته أنا أو أحد أجدادي، وقد قبلتها، لكنني لن أدع أحداً حتى لو كان من أحفادي أن يحول ذريتي القادمة من حمير إلى مجانين.
تهيأ لي أن العم كمال يقول الحقيقة، أو بعضاً منها في الأقل، لأن رحيم ظل حتى آخر حياته أعزب، دون أن يأسف أحد من أخوالي على ذلك.
أظهر وجه العم كمال ابتسامة ثانية:
-أية مهنة هي مهنة التوأمين؟. لا أحد يعرف ذلك حتى التوأمين، غير أن يقيناً راسخاً يحمله الجميع،أن التوأمين يستطيعان قيادة طيارة، وقيادتها بمهارة لو أرادا ذلك. سعد وسعيد مارساً كل عمل وجداه أمامهما، عملا في السوق وخارج السوق، وقيل أنهما أسهما في تعبيد شارع بغداد، واعتنيا بحديقة مديرية البلدية، وقادا سيارة إسعاف، وحكما لعبة كرة القدم بين فريقين أحدهما من العمارة والآخر من البصرة، ووقفا في ملابس الشرطة حارسين في باب مركز الشرطة السنية، وقادا مظاهرة في اليوم الثاني ضد الحكومة هاتفين بسقوط وزارة نوري السعيد، لقد قاما بأعمال كثيرة يتعذر تذكرها كلها، لكن مايذكر أنهما لم يفترقا لحظة، ولم يكفا عن دعاباتهما الساخرة من الآخرين. ثم جاء الوقت الذي كان جدك يتوقعه دائماً، ذلك الوقت الذي استغل فيه درويش باشا التوأمين الهازئين المشاكسين، من يصدق ذلك؟.
-استغلهما؟
-ربما ليست هي الكلمة المناسبة، غير أن ماحدث يشير إلى ما يشابه ذلك، مع هذا الباشا فقد التوأمان نزعتهما الساخرة، تلك النزعة التي سببت المتاعب والآلام للكثيرين. ظهرا أمام درويش باشا اثنين من الملائكة، ذلك النوع من الملائكة البشرية الذي انقرض من على وجه الأرض منذ أزمنة بعيدة، بعيدة جداً. من يصدق، أو من يجرؤ على تصديق مثل هذا الرأي في المدينة؟. درويش باشا هو الوحيد الذي لم يصدق ذلك فقط، بل لايمكن أن يقتنع بعكس ذلك، فالتوأمان أصلحا سخان حمام بيته حيث فشل في إصلاحه جميع اسطوات هذه المهنة. بنيا الجدار الجانبي لسطح بيته الأعلى بناء محكماً بعد أن سقط ثلاث مرات أثر انتهاء البنائين من تشييده، حتى كاد أن يقرر الطلب منهما تهديم بيته وإعادة بنائه.. أعادا تنظيم حانوته ورتبا صناديق وكالات السجائر حسب الحروف الأبجدية، مما جعل دهشة درويش باشا من خلط عماله بين البلاط وتركيا تختفي، إذن، أين تلك الأحابيل والنكات السخيفة والمقالب المحرجة التي ينسبونها إليهما؟.. لابد أن هذين المسكينين سعد وسعيد ولدا والحظ ضدهما.
هذا مايردده درويش باشا أمام كل من يتحدث معه، ولولا أن درويش باشا رجل تقي ورع وصاحب ونفوذ لاعتقدوا أنه فقد عقله. لكن صوت جدك انطلق مثل بخار محبوس:
-مسكينان؟.. ملاكان بشريان؟.. سعد وسعيد؟
قيل أنه اختنق بصوته ذاك الذي يشابه البخار المحبوس، ثم طرح حكمته التي تنبأت بالمصيبة:
-أنا أشم رائحة صاعقة.
بهت رجال ونساء العائلة، فلم يسبق لأحد منهم أن شم مثل هذه الرائحة. أكد الجد مكرراً:
-أنا أشم رائحة صاعقة قادمة إلينا. من أين؟. لا أعرف، لكنها على وشك القدوم. سعد وسعيد وهذا الباشا درويش قادرون على جلب مجموعة من الصواعق وليس صاعقة واحدة.
لم يخامر الشك أحد من أخوالك بعدم قدوم تلك الصاعقة، غير أن أحداً منهم لم يتخيل أو يتوقع، في أية حال من الأحوال، أن تلك الصاعقة ستجرف في طريقها المجنون رحيم. ما كان بمقدورهم عمل شيء سوى انتظار الكارثة، لكي يسرعوا إلى معالجة الأضرار، وطال الانتظار أكثر مما توقعوه، عندئذ نسوا الصاعقة التي لم يتسن لهم شم رائحتها. ثم جاءت الصاعقة التي تنبأ بها جدك، بسرعة تحكم بها التوأمان سعد وسعيد، كان ذلك حين طلب منهما درويش باشا تعليق مروحة كهربائية سقفية في غرفة استقبال بيته. علقا المروحة بمهارة لا يرقى إليها الشك، على الرغم من أن جميع سكان المدينة بوسعهم القسم على أن التوأمين لم يقربا حتى من سلك كهرباء طوال حياتيهما. مع تدويم أذرع المروحة السقفية تحركت الصاعقة من مكانها...
-هل سقطت من السقف؟
-هل تذكر السؤال الذي طرحه في البداية؟
-أي سؤال؟
-ماذا تفعل حين يطلب منك شخص محترم جداً أن تبيعه نغلاً؟. تذكرته الآن؟. هذا ما طلبه الرجل المحترم جداً... أعني درويش باشا من سعد وسعيد. لابد أن التوأمين المشهورين بهزلهما تبادلا نظرات خبيثة، ربما تغامزا في تلك اللحظة إذ عرفا سر الباشا، السر الكبير، لابد أنهما أيقنا أن صديقهما التاجر رجل بلا ذرية.
فماذا فعلا؟. لايمكن الإنكار أنهما فوجئا أيضاً. فيما بعد قالا وهما يرتجفان أمام الجد. لم يبغيا المزاح، بل أرادا أن يتخلصا من الورطة التي وضعها أمامهما درويش باشا، من أين يعثرا على نغل ليبيعاه له؟. أن أحداً لن يبيع نغلاً من السوق، لذلك لم يجدا سوى المنفذ: إنه يباع بنصف دينار يا باشا، ولن يتنازلوا عن هذا المبلغ حتى ولا بفلس واحد، فبائعو هذه الحاجات أصبحوا اليوم، بعد أن أعرض الكثير من الشباب عن الزواج، متزمتين جداً، وخاصة في الأسعار. أسرع درويش باشا إلى فتح محفظته، بعد أن ألح عليهما بالكتمان. كما تشاء يا باشا، ثم إنها تجارة يعاقب عليها القانون.
راق مزاج العم كمال والتمعت عيناه، قال ضاحكاً:
-تلك كانت آخر الحكايات المرحة للتوأمين في المدينة، ماكان أحد يتوقع هذه النهاية العنيفة. لقد أخذ سعد وسعيد نصف الدينار وقررا الاختفاء زمناً كافياً حتى ينسى درويش باشا الأمر. يبدو أن التوأمين هما اللذان نسيا، لم يكتفيا بالمرور ضحى ذلك اليوم بحانوت الباشا، إنما ألقيا عليه تحية الصباح فسألهما:
-أين النغل يا ولدي؟
أول مرة يذعر التوأمان، خلال هذا الذعر ارتكبا الهفوة الكبرى التي جعلت الصاعقة تسرع أكثر في قدومها. همهم سعد:
-إنه معنا.
سأل درويش باشا بسرور كبير:
-أين هو؟
التفت سعد إلى سعيد طالباً منه أن يأتي به. أسرع سعيد ليأتي بابن عمه رحيم المجنون. الصاعقة الآن بلغت باب حانوت درويش باشا، وماعاد بمقدور أي كائن أن يمنع انفجارها بعد كلمات درويش باشا المحتجة:
-لكن هذا نغل كبير... أنا طلبت نغلاً صغيراً..
عدم فهم رحيم للأمر بسرعة أتاح الفرصة لفرار التوأمين وإنقاذ درويش باشا من الثورة الهائلة لرحيم. لم يهدأ رحيم إلا بفرار سعد وسعيد كل إلى مدينة، أما درويش باشا فلم يتسن لأحد رؤيته بعد ذلك الهيجان. منذ لحظة انفجار الصاعقة دأب رحيم أن يحمل بيده اليسرى ثلاثة مسامير، المسماران الأول والثاني يضربهما بمطرقته ضربة واحدة، ويردد بعد الضربة الأولى: سعد.. وبعد الضربة الثانية: سعيد... وبعد الثالثة يدخل المسمار إلى نصفه في الخشب: درويش... ويكمل إدخاله بضربة رابعة ليردد بحنق: باشا.
في باب صالة العمليات قال العم كمال كلماته الأخيرة:
-تصرف جدك خلافاً لما توقع أخوالك. لم ينفجر، لم يقرع أحداً بالعصا، فقط ضم قبضته وردد بحنق:
-نغل كبير؟.. هذا ما ينقص عائلتي.
دخل غرفته وأغلق الباب عليه، ثم سمع الجميع قهقهات طويلة