|
الأمير حسن والغول
الناقل :
mahmoud
| العمر :35
| الكاتب الأصلى :
أحمد زياد محبّك
| المصدر :
www.awu-dam.org
كان لأحد الملوك تسعة أولاد ذكور، كأنهم البدور حازوا الشجاعة والبطولة، وكان لملك مجاور تسع بنات كالزهرات، حُزنَ الجمال والأخلاق.
وذات يوم توجه أصغر الأولاد، ويدعى الأمير حسن، إلى الملك المجاور، وخطب صغرى البنات، ولما سمع بذلك إخوته، لحقوا به وخطبوا باقي البنات.
وهكذا أقيمت الأفراح، ونصبت الزينات، وأعدت الولائم، وأمضى الأمراء سبعة أيام مع الأميرات في سعادة وسرور، ولكن كان لابد أن يعودوا بعد ذلك إلى مملكتهم مع زوجاتهم.
وكان عليهم أن يمروا في الطريق بغابة كثيفة الأشجار، فساروا رتلاً واحداً، كل أمير على فرس، ووراءه زوجته على فرس آخر.
وكان الأمير حسن في مقدمتهم، يسبقهم، بمسافة غير قليلة، ليستطلع لهم الطريق، وكانت زوجته تسير في آخر الركب، مع إخوته وزوجاتهم.
وبينما هم في وسط الغابة، وقد تقدمهم الأمير حسن، برز لهم غول عملاق، نفخ عليهم واحداً إثر الآخر، فجعلهم حجارة سوداء، عدا زوجة حسن، فقد اختطفها وهرب بها.
والتفت الأمير حسن، فلم ير إخوته، فرجع إليهم، فرآهم جميعاً حجارة سوداء، ولم تكن زوجته فيهم، وتتبع آثار أقدام الغول، فقادته إلى جبل شاهق، ينهض على قمته قصر منيف، فأدرك أنه منزل الغول فأخذ يتسلق الجبل حتى بلغ القصر، ولم يكن له مدخل ولا باب، سوى نافذة في أعلاه، فنادى الأمير حسن زوجته، فمدت له شعرها الطويل من تلك النافذة، فتعلّق به، ورفعته إليها فدخل القصر، وقد ذهل مما رأى من أكوام العظام والجماجم.
وما هي إلا برهة حتى أحس الأمير صوت قعقعة غريبة، فنبهته زوجته إلى قدوم الغول، ثم ماكان منها إلا أن أدخلته في صندوق ثياب عتيق، وأغلقت بالقفل والمفتاح.
ولما دخل الغول قال لزوجة الأمير حسن إنه يشم رائحة إنسيّ، فأنكرت ذلك، فأعاد القول ثانية، ولكنها أنكرت، وأعاده ثالثة، فظلت على إنكارها فصمت.
وكان زوجها قد أوصاها أن تسأل الغول عن روحه أين هي؟ فلما سألته، أجاب بأن روحه في المكنسة، فألبست المكنسة ثياباً، وأخذت تداعبها، لتوهمه أنها تحبه، وفي يوم آخر أخبرها أن روحه في الإبريق، ففعلت الأمر نفسه، وفي كل مرة كان يخبرها أن روحه في مكان، حتى اطمأن إليها، ووثق بها.
وفي يوم أخبرها أن روحه عصفور مخبأ في علبة صغيرة، والعلبة في قلب عنزة عرجاء جرباء، ولما خرج الغول كعادته كل يوم إلى الغابة، أخبرت زوجها الأمير حسن بمكان روح الغول، فودّعها وخرج.
وأخذ الأمير حسن يسير في البلاد حتى وصل إلى خيمة فيها عجوز، وعندها بضع غنمات ترعاها، فعرض عليها أن تتخذ منه ولداً لها، ووعدها أن يرعى الغنمات بدلاً منها، فوافقت، فأخذ الأمير حسن يسرح بالغنمات في المرعى، ليرجع بها في المساء إلى خيمة العجوز.
وذات يوم نبهته إلى وجود عنزة جرباء عرجاء قرب المرعى، وحذرته من الاقتراب منها، لأنها تهلك كل من يقترب منها، وفرح الأمير حسن بذلك، وأسرع من فوره إلى العنزة الجرباء العرجاء، وأخذ يصارعها إلى أن صرعها بسيفه، ثم شق صدرها وأخرج قلبها، فوجد فيه العلبة ففتحها فرأى عصفوراً صغيراً، فأمسكه وأسرع به إلى قصر الغول.
وأمام القصر ضغط الأمير حسن على عنق العصفور فسمع من الداخل صرخة ألم شديدة، ثم خرج الغول وهو يتلوّى من الألم، وضغط ثانية على عنق العصفور، فتوسل إليه الغول أن يطلق العصفور، ووعده أن يحقق له ما يريد، فطلب منه أن يعيد إخوته وزوجاتهم إلى ماكانوا عليه، ثم ضغط مرة ثالثة، فتلوى الغول من الألم أكثر وأكثر، وسأله ما يريد، فطلب منه الأمير حسن أن يعيد إليه زوجته، فأعادها إليه، وعندئذ فصل الأمير حسن رأس العصفور عن جسده، فسقط الغول جثة هامدة.
ورجع الأمير حسن مع زوجته إلى الغابة، فرأى إخوته وزوجاتهم على ظهر الخيول وهم يتابعون سيرهم وكأن شيئاً لم يحصل.
وتابع الجميع سيرهم يتقدمهم الأمير حسن وزوجته، إلى أن وصلوا إلى مملكة أبيهم، فأقيمت الأفراح، ونصبت الموائد، وأعلن في المملكة سبعة أيام وثماني ليالٍ، لا أحد يأكل ولا أحد يشرب إلا من قصر الملك.
وعاش الأمراء التسعة مع زوجاتهم في سعادة وسرور.
التعليق:
تدل الحكاية على أن مايلقاه الشاب من تحديات للوصول إلى زوجته، فقد يبدو الأمير قادراً على الخطبة بسهولة بما يملك من مكانة وقدرة، ولكن تبقى هنالك تحديات أخرى أكبر عليه أن يواجهها، كي يثبت رجولته، ويصل إلى المرأة.
إن الغول الذي يسكن قصراً على قمة جبل، هو رمز قوة مجهولة، على الشاب أن ينتصر عليها، كي يثبت رجولته، ويظفر بالمرأة.
وما تلك القوى المجهولة إلا القوة الجنسية الغامضة التي لا يفقهها الشاب قبل أن يمارسها، ولذلك عليه أن يتغلب عليها ببطولته وشجاعته، ليحقق نصره.
وهذا النصر لا يتحقق إلا بأمرين، الأمر الأول تعاون المرأة نفسها معه، إذ تقدم له شعرها كي يتعلق به ، ويصعد إليها، وهي التي تساعده على معرفة روح الغول أين تكون، أي تساعده على معرفة كنه القوة الجنسية وجوهرها، وما عليه بعد ذلك إلا أن يكتشفها بنفسه، وهنا يحتاج إلى الأمر الثاني ليحقق نصره، وهو قوته وفروسيته وشجاعته وجرأته، إذ يمضي فيصارع العنزة، ثم يحصل على العصفور، روح الغول، ليثبت تفوقه عليه، ويستخلص منه زوجته.
إن الغول في قوته وعنفوانه وعدوانيته وشراسته، والجبل في علوه وارتفاعه وانتصابه، هما رمز القوى الجنسية الذكورية التي تشترك مع الغول والجبل في تلك الخصائص.
ولكن تلك القوة ذات روح ضعيفة كالعصفور في ضعفه، ولذلك كانت مخبوءة في عنزة جرباء عرجاء، دليلاً على انحطاط تلك القوة بوصفها محض قوة، ولذلك لايمكن تحقيق الوصول الصحيح إلى المرأة بتلك القوة وحدها.
إن الوصول الحق إلى المرأة لا يتحقق إلا بكسر تلك الأشكال العدوانية والحيوانية والغولية للقوة الجنسية، لتتجلى في أشكال أخرى أرقى وأسمى، فيها البطولة والجرأة والشجاعة والتضحية من أجل المرأة.
إن القوة الجنسية المتجلية لدى الغول في أشكال الشراسة والعدوانية والعنف تحوّل الإنسان إلى محض حجر أسود، ولا تحقق الوصول إلى المرأة، على حين أن تلك القوة نفسها المتجليّة لدى الفارس في أشكال الشجاعة والجرأة والبطولة والتضحية تحرّر الإنسان من محض كتلة حجرية إلى إنسان حي يتحرك، روحاً وجسداً، وتحقق الوصول الحق إلى المرأة.
إن الحكاية تقدّم درساً تعليمياً للشباب ، كي تعدهم للدخول إلى عالم المرأة ، ولكنها تعدّهم بشكل غير مباشر، عبر الرموز الحلمية الغائصة في عمق اللاشعور الجمعي.
وحسب الحكاية سمواً وجمالاً أنها تعلم الشباب أنه لابد من تخلييص المرأة من الغول، بوساطة القوة والشجاعة والذكاء والتضحية.
والحكاية لاتكتفي بجعل المرأة مثالاً جميلاً، على الرجل أن يضحي لأجله ويثبت أمامه القوة والبطولة ، بل تجعل المرأة نفسها متعاونة مع الرجل ، جسداً وروحاً، ليحقق كلاهما معاً اللقاء الإنساني الجميل.
|
|
|