بتـــــاريخ : 11/20/2008 8:59:05 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1214 0


    لــنجمة الصــبح

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    وأنت التي كل يوم تتوغلين في القلب، كيف الوصول إليك؟...‏

    بهية تتألقين، وتنفذين إلى خيمة الضلوع.. وتبقين قصية، فلا تصل إليك اليدان، ولا يتحرر من إسارك النظر.. تظلين همّاً وحلماً في معارج هذا العلو الأبي.. لا عن ترفع أنت فوق، ولا من كبرياء.. ونحن نتسامر ونساهر أرقنا الليلي.. ونرحل كل يوم في مدار واحد، وإن كان بيننا مدى..‏

    ونحن معاً ننصت لتنفس الليل الغافي في الجبال والأشجار والبساتين، ونسمع رشفات الريح البحرية لرذاذ الموج. نسمع تَنهُّدَه يتراخى فاتراً مجهداً عند خاصرة المدينة.. ويذوب.. أمام شرفتك الحالية بعقود النور الألاق يسكن البحر... يفرش مخمل زرقته لزوارق صيد السمك. آنذاك نبدأ البوح والنجوى.. مع انتشال أوّل طرف من الشباك يشهق ليل البحر مفتتحاً جراح الأغاني القديمة، وبالملح يبدأ التطهر.‏

    يقول "أبو محمود": لم يبق غيرنا يانجمة الصبح.. أنا وأنت آخر الساهرين.. ويغوص المجدافان في مياه الأيام المالحة.. وكالأمواج المتعاقبة تتوالى الرؤى على ذاكرة أبي محمود وذاكرة الزورق.. يسترجعان العزلة البحرية المديدة.. يلاحقان خيوط غدائر نجمة الصبح في مرآة البحر، فتتراقص مترهرهة كالسراب، وتفر من بين الأصابع كمياه العمر.. يتعب أبو محمود فيسرّي عن نفسه المحزونة بغناء شجي، بجمع الشباك، بتخليص سمكة عالقة.. بالصلاة أحياناً.. ويبقى بينه وبين نجمة الصبح تعلق كالمستحيل.. حتى إذا ما آب إلى الشاطئ مع الفجر، تلفعت هي بدفق النهار الوضيء.. واختفت.. ويبقى البحر.‏

    في البحر تموت الأقمار والأعمار والسفن. وتغرق الأغاني.. والبحر لا يموت.. وحين يقلق يحشرج الزورق بأبي محمود مرتعشاً، ويدخلان في التجليات:‏

    تصير الجبال بلونها الغضاري المُسمر أرجوحة معلقة في الشرق، وعلى سريرها العلي تغفو نجمة الصبح وتصحو...يصير البحر رضياً قريراً، وعلى صفحته الصقلية تتآخى الكلمات كرف طيور أنهكها الرحيل، والاغتراب، وتصير حنجرة أبي محمود بحة ناي حزين:‏

    "يانجمة الصبح، يا مَلْوَ الكون.. ياملكوتْ..‏

    موج الهوى مرسال... بالصوت خلف الصوت..‏

    وبيني وبينك وفا، وبعد، ومدى، وبيوت‏

    بيني وبينك سهر، وسكرة قلب.. وسكوت‏

    الصيد ماينتهي، والحزن ماينتهي‏

    والبحر مابيموت‏

    والنجم عال.. ومايَصلّه الصوت"‏

    يفيض أبو محمود روحانيّة ونقاء، فيوجّه الزورق نحو الشرق، ونحو الشرق والأعلى يدير وجه الشطآن والمدن الساحليّة، ونحو الشرق يفتح شرفات كلّ البيوت، يوجّه السحب والعيون والغدران وظلال المآذن. يوحّد اتجاه الطريق والحركة والانتماء.. ومن الشرق يرقب الحياة تتوالد والنور يصعد وينهمر.. ويستمدّ البحر والأرض مقومات البقاء والدفء والاستمرار ويتمتم:‏

    حين تعتكر الروح والجهات، وتأتزرين بحرير الغيوم النقيّة، نعرف الطريق إلى القداسة فنطهّر ثيابنا.. وفي خشوعٍ نفيء إلى ظلالك.. ونتبارك ونبدأ العبادة..وحين تتعاقب الفصول تصيرين شمساً يفتح لها الشتاء قميص الأرض هانئاً دفآن. تصيرين قمراً يتكفّل ليل العشاق والفقراء بحصتهم من الأنس والسلوان، تصيرين غيثاً للسفوح الظامئة.. وعلى خدّ الجبال تتفتّحين وردةً ترفل بثياب العبق والضياء، فتتفتّح بين يديك كلّ وردة تبرعمت في الحقول.. تصيرين يد الصبح تهزّ أعشاش الطيور، وخلايا النحل، ورقاد النوافذ، ونخرج معاً في رعايتك ورحابك نعلن النهار، ونبدأ المهرجان.. وشيئاً فشيئاً يكبر هذا الحبّ يانجمة الصبح.‏

    تصيرين عشقاً تصيرين زرقة سماءً تتّحد بزرقة بحر، وزرقة بحرٍ تتدّفق في زرقة سماءٍ.. تصيرين شمساً وليلاً وألواناً ومدى، وتصيرين وطناً.‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()