بتـــــاريخ : 11/20/2008 9:00:52 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1032 0


    صوفيــّة الوجـــد والانتظــار

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    لا، ماكنتِ يوماً رسالة حبٍّ مطويّة في كتاب الفصول.. وإلاّ، فلمن كان يتزّين هذا المدى بالبهاء؟!‏

    مازالت عيني ترفّ مأخوذة بتواثب الضوء كأجنحة الفراشات من غرّة تلك الأسنان البارقة.. آه، ياللثلج النضيد الذي يتعذّر على الذهن أن ينساه، أو يلقاه.. ترى لمن هذه الغدائر من موسيقى الحقول والإخضرار؟... ولمن تخفق في شِباك الريح كلّ هذه الرفوف من أجنحة العصافير.. ساعيةً إليك تظلّ.. تُنْشَر وتُطوى.. تموت وتحيا، ومازادها سوى النبض.. والظمأ على اللهفة منسيّ أو مؤجّل..‏

    وأظلّ أذكر، حين يغتسل بأناملك الصباح كيف كان ينحني فوق مقلة الأفق حاجبٌ من قوس قزح.. وآن كنتِ تسرّحين شعرك بطيوب أزهار البساتين كيف كانت الأرض تمور بسنابل قمحٍ لا ضفاف لأمواجها الحنطيّة.. وحتى الساعة، عندما يتشرّب ليلنا كلّ الأصوات والأصداء، يتناهى إليّ صوتك نبيلاً كمطرٍ طهرّه الغمام المعتلي.. نبيلاً نقيّاً مصفّى... هاجراً حشرجة الريح وهي تتصعّد سفوح الجبال المشغولة بتواشج رماح الشجر.. وأغنِّيك حتى تنام آخر الهموم.‏

    في الربيع تحملني قمم الجبال على راحتيها، وتدور بي في دوّامةٍ من التحولات: أرى جسدك النيسانيّ يستعير قميصاً من الضياء الشرقيّ الشفيف، وأرى عباءةً من أشعّة الضحى ينزلق قصبها عن الكتفين ويهوي كشهبٍ من نُضار، فلا يصل القدمين حتى المساء. ياللقامة السامقة كتاريخٍ من كبرياء الانتصار.. أستعيد بسمتك تفيض عذوبةً، وتترقرق في السفوح والمنحدرات والسهول، وفي رفقٍ ورقّةٍ تذوب في أوردة الأنهار والسواقي...ومشتاقةً تسعى إليها البحيرات والسدود فينتعش قلب الأرض.. ومن اللون والحبّ والنسيم تتوالد الأغاني، وترتحل وديعةً إلى نوافذ البيوت.‏

    في الأماسي، يتكلّل الأفق الغربي بتيجانٍ من القرمز الحائر بين القرنفل والزنبق والزعفران..‏

    ثمّ يسيل أرجوان الغروب سخيّاً، وبه ترفل ثياب الغيوم المتهادية.. وآن ينادي في طيّاتها ذلك اللون البديع، يتهدهد الصدى زاحفاً نحو السماء، أو راسياً فوق صدور التلال المذهولة بلوحة غيبوبة النهار... آنذاك كان ينحني خلفك كلّ ذاك الضياء وينسحب، وبين يديكِ يصير الحوار الليليّ ريا للذاكرة.. وإذا ماتصدع في مرايا الروح وفاق الرؤى انكفأ التأمل نحو الداخل كليلاً حسيراً.. وصار الترجيع مدخلاً لقول مالا يستطاع قوله في جميع الأزمنة..‏

    عندما تثقل عنقي أخبار الخيبة أرفع النظر إليك... أرفع رأسي عندما أتوجه بالحب إليك لأنك أعلى.. ولا أنازع في التعلق بك والحج إليك لأنك أغلى... وأعيد كتابة اسمك بأحر من الدماء، وأرتل وجهك بأعمق من البكاء.. وفي القلب تصطلح النيّة والتوجه على إقامة صلاة لم يُمْلِها استسقاء غيث ولا اتقاء كسوف أو خسوف..فكاذب من يصلي لأنه لم يكن لديه مايفعله غير الصلاة، وباطل من يصلي رياء وخوفاً، أو يسجد ادعاءً وخشية.. يصلي المرء مؤمناً، ونقي اليدين والقلب والثياب... وحين تسهرين ويطول بك السهاد يصير الوجد ذوباً ينسج اللغة من الصوت والصوت من اللغة. ويتزمل الليل بالإنشاد والأوراد.. تتعمدين بدفق النور، وتذرين اللهو والبيع، وتحررك الصبوة من إسار الفصول، ثم يتخلص نقاؤك من الأوشاب والزغل.. وبعدها أصغي إلى صوتك يتجدد ببسملة المطر، ويتغلغل في وئام الأرض وقلبي.. فيتطهر الصدر المثقل بحبك من كل عتاب.. نفسح لقمرك سريرة رحيبة الصفاء.. ونمد لحسنك بساط باديةٍ مراحاً لأعناق الخيول العربية، ونطرز رمالك بظلال النخيل... ثم ننذر لأمنك سهر العيون والانتماء..‏

    نتواعد في الغرس والحرث والعلن... ونلتقي في أعياد القطاف وشمس الحصاد.. تصيرين بالحب سماء وأرضاً ووقتاً من الرضا.. تصيرين الحبيبة، والوطن الذي لا يخرج من القلوب

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()