بتـــــاريخ : 11/20/2008 9:07:13 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1109 0


    أرجــوحــة دمشــــقيّة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    تطّوف الريح الشاميّة متهاديةً فوق المدى المخضرّ.. تمسح على وجنات البيوت، وتداعب رقاب الشجر أو تغمغم في أعطافها بأغنيةٍ طويلة تمتدّ من "قاسيون" إلى الغوطة الشرقيّة. يالغوطة دمشق التي تغتسل بفيضٍ من دفق الاخضرار!

    زفير الشجر والزهر يستحيل رشقة عطرٍ في وجه السماء المتعالية، ويستدير نحو الناس والبيوت.. أكمام الزهر تخلع نعاسها، تفتح قمصانها الصغيرة وتستضيء بشمس الضحى، وترتعش.. يفتتح الوقت موسيقى الأصوات ويتحلّى بها، والعصافير المتوافدة تشحذ مناقيرها، يستميل بعضها بعضاً بسقسقة عذبة تتلاحق حتى تطغى على زميم النحل، ثم تذوب رقّةً كالعبير.. كلّ شيء الآن خارج حصار آلات المدينة المتربّصة بفرحة الوقت.. إنّ صوت الشمس أقوى في مساق الفصول..‏

    هاهي ذي الشرفات والطرقات والبساتين والجداول والصبايا والفراشات تستفيق.. تختصر رقادها وتصنع من أسمائها أجنحة.. وهاهو ذا البحر يخرج من ثوبه المملّح ويعلّن حبّه وهو يتدفق في جسد الأرض ناسياً على شاطئ المسافة عقله، ونومه، وموغلاً في دهشة الاخضرار..‏

    ***‏

    المساء الدمشقيّ المكتسي بالأشعّة الغاربة يحنو ويمدّ إليك يد الترحاب، يصعد بك هذا المرتقى المتعرّج إلى مستراح "قاسيون" مخلّصك من قبضة النهار إلى حيث يحتشد المكان بالأيدي والوجوه، ويزدان بالتنهّد والتلّفت والبسمة الآمنة.. سَرِّحِ النظر في المدى الممتدّ: مهادٌ مخمليٌّ يتزخرف بالضوء، والخضرة وكحل المساء.. دمشق المتنعّمة تتخفّف من ثوبها الشتويّ وتمسح عن مرآتها الضباب، تخرج بقميصها الربيعيّ المشغول، المقصّب بعقودٍ من النور القلق.. تخرج ترفل بالعطر والموسيقى، وتحت شرفة قاسيون تتمشّى متمهّلةً كحلمٍ جميلٍ يوشك أن يتحقّق..‏

    قفْ على شرفة قاسيون مديراً وجهك نحو مرآة المدينة، وسرّح النظر كغيرك من الواقفين: العيون تحلّق وتبتعد كأسراب الحمام فوق رحاب المدينة... تسبح في بحيرة اللجين، وتقيل في ظلال واحةٍ من الطمأنينة والدّعة..‏

    العيون ترنو إلى المدينة وهي تسند رأسها إلى قاسيون، وتنصبُّ قوس قزح من عجبٍ ودهشةٍ.. تختلج تحت النصيف الشّفاف ينادي في نسيجه الحريريّ عبير الياسمين.. وفي مرآة الليل تترقرق قسماتها كاليقين.. تتخاصر الطرق، وتتهامس الشرفات، وعلى أذرع الشوارع تتواشج في ألفةٍ غدائر الشجر، فتحيك الريح أوشحةً من الذكريات والقصص الدافئة، يلقيها الغرباء على أكتافهم ويرحلون..وفي المدى المترامي ترتعش الأضواء المبعثرة، تتغامز بها نوافذ البيوت وترحل بها الشوارع إلى خارج المدينة.. وفي الفجر تغفو كسيوف أعيدت إلى أغمادها.. والأشجار تصحو.. تتلفّع بعمائم خضرٍ وتغادر المدينة إلى الضواحي.. تتزيّا بالورد الجوريّ والجلسّان وأزهار اللوز والتفاح وهي تسترجع أغنية الربيع، وفي أناقة جذلى تعيد ترتيلها.. ومع خفق الريح تصفّق كلّ أوراق الجوز والحور فتَسْري حُميا الطرب في الغوطة الشرقيّة النشوى.. ولا يتخلّف غصنٌ عن الحضور.. وفي رعاية الشمس يورق الشذا ويتضوّع على قامة الغوطة من الضفائر إلى القدمين، وعلى الأرض النّدية تتململ الظلال وتستحي، والدروب الصغيرة تندسّ هنا وهناك لتتشرّب صدى الجداول وهي تسحب شجوها وتنغيمها وتمضي.. وفراشاتٌ وجلةٌ تدنو من المتنزهين، وتفرّ مخضّلة الأجنحة بما سمعت من الحكايا الزاهية الألوان، تلاحقها الفتيات في سباقٍ ضاحكٍ مغناج فتشهق حبّات التوت الشاميّ وتقع على صدر الأرض مغمىً عليها، وتُصَفِّر الريح..‏

    بين خضرة الأرض وخضرة الشجر تنتصب الأراجيح، والعيون ترمقها متماوجة مع الحبال، كوجيب القلب يعلو النفس والنظر يموت ويحيا. ويختصر المسافة.. كلّما علّت الضحكات ضاقت المسافة، وكلّما ضاقت المسافات طاب للغوطة انتظارها، تسترق السمع وتستدفئ بالمواعيد المقبلة.. وأنت.. تحسّ أنّك منتمٍ إلى الزمن.. تتحايل على جيوش الكآبة وتتوكّأ على القلب وتنهض منتشلاً نفسك من حضيض التكرار، وكقطعة ثلج خرجت من قالبها تذوب فوق حجرٍ في الفلاة.. وتتبخّر

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()