بتـــــاريخ : 11/23/2008 3:40:58 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1413 2


    عبادة الشتاء.. ربيع الأفئدة

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : صبحي مجاهد | المصدر : www.muslema.com

    كلمات مفتاحية  :
    صبحي مجاهد

    يأتي الشتاء بالبرودة والقشعريرة، يجعلنا نلزم البيوت في غير أوقات العمل، ونلزم الفراش في غير أوقات النوم، ويؤثر على كفاءتنا في العمل والتواصل والإنتاج، فما بالك بالعبادة، والتي تمتد من الفرائض والطاعات التعبدية إلى الإحسان في العمل واستهلاك الوقت في منافع الدنيا والآخرة.
     
    وبرغم كل هذه الأجواء الطقسية التي تبدو قاسية؛ مطر، صقيع، غياب للشمس، سيول، رعد، يقول لنا الرسول صلى الله عليه وسلم إن الشتاء حالة خاصة عند المؤمن، فالأوقات فيه أكثر اتساعاً للعبادة والتفكر: الشتاء ربيع المؤمن، وللعبادة فيه فضل خاص، ولذة خاصة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة.
    وتحمل طقوس الشتاء معاني إيمانية، وتذكير بقدرة الله على تغيير الفصول، وهطول الأمطار، وتحريك السحاب، وري الأرض، وتغذية الأنهار والبحار. وكلها مظاهر تزيد من استكشاف الكون، واستحضار قدرة الله، بما يزيد من عمق العلاقة مع الله.

    والناس مختلفون في تعاملهم مع الشتاء، فمنهم من يتأثر بقسوة برودة الشتاء فتقل عبادته، وهو ما تؤكده داليا طه حين تشير إلى أنها تواظب على جميع الفرائض في الشتاء حتى صلاة الفجر، إلا أنها لا تستطيع أن تقوم الليل بسبب البرودة، ولا تستطيع عند الوضوء استخدام الماء البارد، لكنها في الوقت نفسه تحب الإكثار من الأذكار في الشتاء.
    وعلى نفس المنوال، تتبع هند عزام نفس الطريقة، وتعتبر أن مجرد المحافظة على أداء الفرائض أمر كاف في الشتاء، إلا أن لديها يقين دائم بأن الدعاء يستجاب لها عند نزول المطر، لذلك فهي تكثر من الدعاء.

    ويرى البعض في الشتاء فرصة لزيادة الطاعات، فيعتبر محمد لطفي، أن الحرص على العبادة في الشتاء أمر هام، ففيما يتسابق الناس إلى الدفء والراحة، يجب أن يتسابق المؤمن إلى زيادة العبادة والطاعة عن طريق إقامة قسط كبير من الليل.

    وكان الشتاء عائقا أمام بعض الطلاب، وحافزا لبعضهم الآخر، فتراه شيماء فتحي فصلاً متعباً في المذاكرة، وخاصة بالليل مع شدة البرودة، الأمر الذي يجعلها تلجأ للراحة والنوم، وتكتفي بأداء العبادات المفروضة.

    بينما يذهب محمد جاد إلى أن الشتاء، وإن كان يدفع الكثيرين للنوم؛ إلا أنه بحاجة إلى مجاهدة للنفس، وأنه كطالب يعتبره فرصة للمذاكرة، ليصبر نفسه على سهر الليل، ومن ثم تخصيص بعض وقته للصلاة والقيام.

    نظام بيولوجي للعبادة
    وللتركيبة البيولوجية للإنسان أثر في تنظيم حياته صيفا أو شتاءً، هذا ما يوضحه الدكتور محمد ضياء الدين حامد -أستاذ العلوم البيولوجية بمركز تكنولوجيا الإشعاع المصري- ويقول: إن جسم الإنسان يتفاعل فيه عدد من الكيماويات، والتي تعمل لصالح جسم الإنسان، لأن الله خلقه في أحسن تقويم.
    ويضيف د. ضياء: إن هذه التفاعلات عندما تكون منظمة وفقا للأوقات التي أمرنا الله تعالى فيها بالعبادة والاستيقاظ، يصير يوم الشتاء حيويًّا، فإننا كمسلمين لنا تنظيم جيد إذا ما اتبعنا أوقات الصلاة.

    فالمسلم ينام بعد صلاة العشاء بوقت قصير، ثم يستيقظ قبل الفجر بقليل لقيام الليل، الذي يختتمه بصلاة الفجر، ثم بعد ذلك يبدأ عناء العمل، وبعد الظهر يكون وقت القيلولة لمن عاد من عمله، وعندما يأتي العصر من المفترض ألا ينام الإنسان حتى صلاة المغرب، ثم العشاء، معتبراً أن هذا النظام لا يؤدي للإجهاد في وسط اليوم، بل يساعد المسلم على النوم العميق، بما يصلح ما أُتلف من خلايا الإنسان.

    ويعتبر د. ضياء أنه إذا نظم المسلم يومه في الشتاء بهذا النظام، بحيث يبدأ يومه من صلاة الفجر حتى بعد صلاة العشاء، فإنه سيساعد جسده صحيا كما سيرفع روحه الإيمانية، مشيراً إلى أن النوم مبكرا بعد صلاة العشاء من أجل الاستيقاظ للسحر للتعبد، يرفع درجة المناعة في الجسم، ويشعر الإنسان بالراحة وطيب النفس.

    كما ينضبط بالنوم مبكرا إفراز الهرمونات، وكذلك تنضبط أفيونات المخ التي تزيل الألم، وتبعث على الاستشراف لليوم الجديد، كما تنتظم كهرباء الخلية، حيث يقلل الإنسان من إحساسه بالقلق والإجهاد.

    وحول كيفية ضبط المسلم نفسه على هذا النظام، يشرح د. ضياء ذلك قائلاً: إن الساعة البيولوجية مكمنها في كل جزء من الخلايا، والخلية عندما يتم تعويدها على شيء طيب يزداد نشاطها، ومن الممكن تعويد الإنسان نفسه على هذا النظام، عن طريق الاستعانة بمنبه خارجي بداية.

    وفيما يتعلق بالمطر والظواهر الشتوية، ومدى علاقتها بتعميق الإحساس الإيماني لدى الإنسان؛ يلمح د. ضياء إلى أن التقلبات الشتوية والصيفية لها تأثيرات على النفس والأمزجة، فيعرف الإنسان يقينا أن العذاب على المعاصي ليس بالنار فقط، وإنما يكون بالبرد أيضا، كما أن الجو عندما يكون ممطراً، فإنه يبعث على الراحة النفسية والأمان.

    انتزاع الغطاء
    ويشير الدكتور مبروك عطية -الأستاذ بجامعة الأزهر- إلى فضل العبادة في الشتاء، مستشهداً بشروح العلماء لحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم-: إسباغ الوضوء على المكاره... حيث قالوا إن المقصود بذلك في صعوبة الوضوء بالمياه الباردة في الشتاء.

    وتتأثر العبادات بالظروف المختلفة ومنها الظروف الجوية والبيئية، وهو ما يؤكده د. مبروك، ذاكراً أن جمع الصلاة يكون بسبب المطر أو السفر- إذا كان يعوق الناس عن الذهاب للمسجد- كما أنه صلى الله عليه وسلم أجاز تأخير صلاة الظهر في فصل الصيف إذا اشتد الحر، شريطة ألا يدخل عليه وقت العصر.

    ويضيف: هذا يدل على رحمة الدين بالناس ومراعاة تأثرهم بحالة الطقس، لكن المُجد يجاهد نفسه ولا يستسلم للظروف، وهذا الجهاد يتطلب العمل قدر طاقته، وكلما اشتد البرد زادت الصعوبة بلا شك، وإلا فما معنى الجهاد؟!

    فمن أراد العزة جاهد هواه، وانتزع غطاه وهمَّ فصلى في جماعة، وفي الشتاء تغزر الحسنات مع مقاومة الرغبة في الدفء والنوم الطويل والكسل الذي لا يتحقق معه أمل.
    ويسترشد د.مبروك بمقولة الإمام البوصيري في ضرورة مقاومة رغبتها في الكسل عن العبادة في الشتاء، والتي يوضح فيها أنك إذا تركت العنان لنفسك فلن تعمل في صيف ولا شتاء، فيقول:
    والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضـاع وإن تفطمه ينفطـم
    فاحـذر هواها وحـاذر أن توليـه إن الهـوى ما تولى يعم أو يصـم
    وراعها وهي في الأعمـال سائمة وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
    كـم حسـنت لـذة للمـرء قاتلـة من حيث لم يدر أن السم في الدسم
    وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضـاك النصـح فاتهم

    استثمار الليل
    ويطرح د.مبروك عطية خطوطاً عريضة لبرنامج عملي لاستثمار الليل في الشتاء يتضمن:
    1- تلاوة القرآن بالليل؛ لأنها عبادة، مع الابتعاد عن أماكن النوم، لأن التلاوة على الفراش مع الغطاء معرضة للسهو والخطأ، ولذلك فعلى الإنسان أن يرتدي ما يحميه من البرودة، ويستقبل القبلة، مجاهدا لنفسه.
    2 – قيام الليل بالصلاة بما تيسر، وعلى الأقل ركعتين.
    3 – تتبع أوقات القلق في ليل الشتاء وانتهازها فرصة للذكر والدعاء.

    4 – يصلح ما شاء من أمر بيته إذا طال الوقت عليه، وله أن يسامر أهله بما ينفعهم لما ذكره عبد البر في كتابه التمهيد من أن النوم بعد صلاة العشاء مستحب، حتى لا يؤدي السهر إلى النوم عن صلاة الفجر في وقتها، قال: لأن الكلام لا يجوز بعد صلاة العشاء إلا في خير.
    5 - ومن أطيب ما يستغل فيه المسلم ليل الشتاء، أن فيه فرصة كافية للنوم المطلوب لتجديد النشاط، ويكون ذلك متوفر في أول الليل، فأمامه فرصة للراحة فيه حتى يقوم في السحر، ليذكر الله تعالى حيث ينزل ربنا في كل ليلة إلى السماء الدنيا، ويقول: هل من سائل فأعطيه، وهل من مستغفر فأغفر له؟

    ربيع المؤمن
    يوضح الدكتور حسام الدين فرفور-نائب رئيس جمعية الفتح الإسلامي بدمشق- أن الشتاء مرتع خصب للطاعة والعبادة، لا سيما قيام الليل، حيث يستمتع المؤمن بالقرب من الله في قيام الليل، كما يستغل قصر النهار فيصومه.

    ولتفعيل الهمم الإيمانية لزيادة الطاعة في الشتاء، يرى الشيخ حسام أن هناك عدة أمور تعين على تلك الطاعة منها:
    1- توفير المناخ الإيماني بصحبة الصالحين وأهل الصدق مع الله، فهي مفتاح الخير كله، فهي تدل على فعل الخير، وفي ذلك يقول الله تعالى: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}.

    2 - قراءة القرآن بالتدبر، والمداومة على ذكر الله عز وجل.
    3 - قيام الليل؛ لأنه يورث نوراً في القلب والوجه والقبر.
    4 - التضرع إلى الله في الأسحار، فقد قال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
    5 - قراءة سير الصالحين التي هي استكمال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتتبعها.
    6 – التيقن من أن الجنة محفوفة بالمكاره، وأنه على الإنسان مخالفة رغبات النفس حتى في بعض المباحات؛ لأن في هذا تأديب للنفس، وتطويع لله عز وجل، كي لا تتشوف إلى المحرمات.

    وبرغم أن هناك ظواهر تصحب فصل الشتاء، تعرف الناس على نعم الله عليهم، مثل اعتبار وجود البرد تذكير بالخوف من النار؛ إلا أن الشيخ حسام يرى أن الربط -وإن كان موجودا- لا ينبغي أن نعول عليه؛ لأن الأصل في كل شيء هي العبودية الصالحة، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
     
    المصدر إسلام أون لاين

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()