أخي الحاج ، أختي الحاجة : إنك تعيش هذه اللحظات مع فضائل عظيمة, كيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم:
الحجاج والعمّار وفد الله, إن دعوه أجابهم, وإن استغفروه غفر لهم. [ رواه النسائي]
كيف لا تعيش أحسن اللحظات وقد قال عليه الصلاة والسلام:
تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة.[رواه النسائي].
ثم ها هو عليه الصلاة والسلام يقول للنساء: لكنّ أحسن الجهاد وأجمله: الحجُُ, حجٌ مبرور.[رواه البخاري ومسلم].
..
أخي الحاج: يا من تركت كلّ محبوب وأقبلت على أعظم محبوب, يا من فارقت الأهل والأحباب من أجل أن ترضي ربّ الأرباب..
أهنئك أخي بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليك بأن جعلك ممن زار بيت الله الحرام لا ليُلقي عن نفسه ما افترض الله عليه فقط,
بل ليلقي عن ظهره الآثام والأوزار ويزاد قرباً وحباً للودود الغفار..
أخي الكريم,, أختي الكريمة: في الحج تُغفر الزلّات, وتُزال الذنوب والهفوات, وترجع من ذنوبك كيوم ولدتك أمك, طاهراً نقياً..فأي فضل وأي كرامة بعد هذا؟.
قال عليه الصلاة والسلام: من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه [رواه البخاري ومسلم].
الموقف العظيم
ثم اسمع إلى الموقف الجميل الذي من أجله تبكي القلوب قبل العيون, وتنكسر الأفئدة كسرة ملتئمة
بالحب والرجاء من خالق الأرض والسماء.
نعم.. ها هو صلى الله عليه وسلم يقول: معشر الناس: أتاني جبريل عليه السلام آنفاً فأقرأني من ربي السلام وقال:
إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام ثم قال عليه السلام: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة [سناده صحيح أو حسن].
وقال عليه الصلاة والسلام: ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة قال فقال رجل يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله
قال هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة
ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوم أكثرعتيقا من النار من يوم عرفة
[اسناده صحيح أو حسن].
فهذا يسأل الله التوبة من أكل الحرام, وذا يستغفر من عقوق الوالدين وقطع الأرحام,
وذاك يبكي من ذنوب عظام, وآخر يسأل الله أعلى الجنان والنجاة من النيران.
وقد اختلفت اللهجات واللغات والدعوات. ولا يسمعهم إلا ربُ الأرض والسموات:
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي
به يغفر اللهُ الذنوب ويرحم
فكم من عتيق فيه كمل عتقه
وآخر يستشفي وربك أرحم
دعوة للتوبة
أخي الحاج: تذّكر أنك عندما تدعو فإنك تدعو منْ يغفر الذنوب جميعا.
تدعو من هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
تدعو من يقابل الإساءة بالإحسان.
تدعو الودود الرءوف الرحمن الرحيم.
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوك سلّما
تعاظمني ذنبي فلّما قرنتُه
بعفوك ربي كان عفّوك أعظما
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأناأغفر الذنوب
جميعا . فاستغفروني أغفر لكم..بل هو تعالى يفرح بتوبة التائبين.
أخي الحاج: ها هو ربّي وربك يدعونا للتوبة والرجوع إليه, يدعونا للسعادة الحقة..سعادة الدنيا والآخرة, للفلاح والنجاة, قال تعالى:
(وتوبوا إلى الله جميعاً أيُهَ المؤمنونَ لعلكم تُفلحون) [النور 31].
يا من أردت النجاة والتوبة والفلاح أوصيك بــ:
أن تكون توبتك صادقة خالصة لله تعالى.
ألا يكون همك إلا الله تعالى, فرضاه قدّم على كل شيء.
لا تكون توبتك مؤقتة. بل اجعلها بداية جادة وصفحة جديدة مستمرة إلى لقاء الله تعالى,
لا سيما بعد أن ألقيت عنك الذنوب ورجعت كيوم ولدتك أمك.
ارجع إلى بلدك تائبا, بل وداعيا إلى الله تعالى.
وصايا في الحج
استشعر أنك تتعبد لله وتتقرب إليه بهذا الركن العظيم, وأخلص نيتك في أي قول أو فعل تقوم به لله تعالى ترجو ثوابه ومحبته ورضاه.
احرص على أن تتعلم صفة الحج وأحكامه.
جالس الأخيار ومن ينفعك وتمسك بهم.
احفظ بصرك عن الحرام.
لا تطلق لسانك فيما حرم الله كالغيبة والسخرية وغيرها وإياك والخصام والجدال في الحج, وليكن العفو سجيتك وتذكر دائما :
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَرَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍيَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِيَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)
[البقرة 197].
ليكن جلّ همك أن يتقبل الله منك واحذر كل الحذر مما يؤثر على حجك وقبوله, وتذكر أن الله يتقبل من المتقين الصادقين.
حين الفراق
ما أصعبه من موقف حين يفارق المسلم هذه المشاعر..وقد اختلط الفرح بالحزن..
فرحاً بتوبته راجيا قبول الله تعالى..حزينا لترك أفضل الأيام والساعات التي تعرض فيها النفحات والخيرات.
ولم يبق إلا وقفة لمودعٍ
فلله أجفانٌ هناك تسجمُ
فلم تر إلا باهتاً متحيراً
وآخر يبدي شجوه يترنمُ
هنالك لا تثريب يوماً على امرئ
إذا ما بدا منه الذي كان يكتمُ
وفي الختام
اعلم أخي الحاج أن من علامة الندم كثرة الاستغفار, ومن علامة القبول أن يكون حالك بعد الطاعة أحسن من حالك قبلها؛
لذا لا يجدر بك بعد هذه المواسم الطيبة والعبادات المتتالية والدعاء والخضوع والبكاء والخشوع..
أن ترجع إلى عهدك القديم المليء بالغفلة والذنوب والخطايا والآثام, فتكون ممن قال الله فيهم:
(وَلاَتَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً) [النحل 92].
أسترحم الله في أفياء كعبته
حتى أمزق بالطاعات عصياني
فهل أظل على عهدي أوثقه
لا أبتغي غير جناتٍ ورضوانِ
أسأل الله أن يتقبل مني ومنك, وأن يعطينا سؤلنا ومنانا, إنه جواد رحيم كريم,,
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
:
نقلاً عن مطوية من إصدار القوات البرية الملكية السعودية-إدارة الشئون الدينية
إعداد/ إبراهيم الأحمد