بتـــــاريخ : 11/24/2008 3:08:49 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1311 1


    المرأة السعودية بين التحرير والتطوير

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : د.علي با دحدح | المصدر : www.muslema.com

    كلمات مفتاحية  :
    أنور العسيري ـ ياسر باعامر
    د.علي با دحدح
    - تاريخ المملكة تأسيسًا سياسيًّا وتشريعًا قضائيًّا وواقعًا اجتماعيًّا ونهضة تعليمية؛ كانت فيه مكتسبات تتعلق بالمرأة بشكل لا ينبغي إغفاله.

    - يجب أن نعرف هل قضيتنا الآن هي أن كشف الوجه فيه اختلاف فقهي؟!

    - كثير من الدعاة كتبوا منذ عشرات السنين عن بعض القضايا وطرحوها في منابر عامة لكن مشكلتهم أنهم ميدانيون لاوقت لديهم للإعلام.

    - دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب التي أسست عليها هذه الدولة كانت دعوة إصلاحية بالنسبة للمرأة.
    - دعوات تحرير المرأة مصطلح حديث ونحتاج مزيد بحث في الدعوات المشهورة عند الناس مثل دعوات قاسم أمين وغيره.

    د.عدنان باحارث:
    حجم المال الذي يأتي للمرأة السعودية وهي غير مكلفة شرعًا بالإنفاق ضخم جدًا، وهذا ليس موجودًا في أي مكان في العالم.
    - جاءت هدى شعراوي ومزقت الحجاب ليكون مظهراً على تحرير المرأة، والآن يأتون بصورة امرأة قادت طائرة أليس بين هذه الأمور رابط صحيح؟!

    - حين تمل المرأة دورها في تكثير النوع؛ فإنها تريد أن تدخل ميدان الرجال والرجل لن يرحمها.
    - الرجل اقتصاديًّا يخدم الاقتصاد حين يجمع الثروة ثم يفتتها؛ أما المرأة فهي تجمع المال شرعًا ولا تفتته إلا بالإرث فقط، والاقتصاديون يعرفون الخطر الذي يشكله هذا الأمر.

    أدار الندوة:
    أنور العسيري ـ ياسر باعامر
    تقف المرأة السعودية اليوم في دعوات الإصلاح الركن الذي يحاول البعض التسلق من ورائه لتوجيه أهداف وتمرير مخططات استراتيجية ذات مطامح تتعارض وعقيدة الإسلام.. تستخدم هذه الكتل المتربعة صدر الإعلام الشعارات البراقة ومصطلحات التحرير ودعوات مقاومة الظلم وحرب الامتهان، في حين تجد واقعهم تعرية للمرأة وامتهان لكرامتها وتسليع لدورها داخل المجتمع، فغدت سلعة في سوق النخاسة، ومسخت هويتها لتصبح مطية إغرائية للترويج لأي منتج جديد..

    ندوتنا التي سننطلق وإياكم في غمارها تهدف إلى قراءة هذه الدعاوى والتأصيل لضوابط الإصلاح الإسلامي للمراة السعودية ومقاومة المغريات وتوجيه سفينة النجاة عبر ضيوف كانت لهم بصمة في تاريخنا الإصلاحي.. نعبر وإياكم معهم إلى رؤية أكثر تنوعاً.. قابلة -ولاشك- للأخذ والرد وتوزع الآراء ومقابلة الاختلاف.

    فضيلة الشيخ الدكتور علي با دحدح.. دعنا ننطلق من ندوتنا بعودة حقيقية بالذاكرة إلى الفضاء الأول الذي انطلق منه الإسلام بشموله وتكامله في وسط بيئة جاهلية تضع المرأة بإنسانيتها وحيوية دورها في زاوية دونية حتى وصل الأمر ببعض القبائل إلى أن يدفعهم الخوف من العار والفقر إلى وأدهن..السؤال الذي يبعث نفسه من خلال تلك المواجهة بين الإسلام ومظاهر الجاهلية والتخلف هو: كيف استطاع أن يغير الإسلام تلك الصورة البالية عن المرأة في الجاهلية إلى هذه الصورة التي حولتها من رهينة إلى شريك حقيقي في الحقوق والواجبات؟

    الحقيقة التاريخية هي ما ذكرت -أخي العزيز-، إذ إن المرأة في العصر الجاهلي في الجزيرة العربية كانت تواجه من مجتمعها سلبيات كثيرة منها أن الحقوق المالية للمرأة لم تكن ذات اعتبار فإذا مات زوج المرأة انتقلت كسلعة، فمن يرث هذا الميت يرث معه زوجته ومتاعه وكأنها جزء من هذا المتاع.

    أيضًا كانت المرأة عارًا بحيث ينظر إليها نظرة أشبه بشيء يتبرأ منه أو يستحيا منه. النقطة الثالثة وهي الأكثر أهمية وذكرت ذلك عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الصحيح وهو انتشار ألوان البغاء وامتهانه في المجتمع الجاهلي، وهذا أيضا كان امتهان للمرأة فقد كان لهن رايات يعرفن بها وصور أخرى من وأد البنات، وإن كانت الصورة العامة الانطباعية ليست حقيقية، أي لم يكن العرب كلهم أو أكثرهم يمارسون هذا الجرم إنما كان بعضهم يفعل ذلك، وفي الجملة لم تكن المرأة في وضع ملائم يتناسب مع بيئتها.

    لكنه و في تلك الفترة كانت أيضًا المرأة تعتبر في أوضاع مهينة غير سوية في بعض الحضارات المعاصرة كالمسيحية بتحريفها؛ حيث كان من مباحثها في العصورالوسطى وما بعدها هل المرأة إنسان أم شيطان؟ هل لها روح بشرية مثل الرجل أم شيء آخر؟.

    والحضارة اليونانية جعلت المرأة سلعة تعرض وتمتهن من الناحية الجنسية والغريزية البحتة وغير ذلك من صور كثيرة.. ونستطيع أن نقول إن أكثر المحاور أو الركائز الأساسية التي وضعها الإسلام في النظرة للمرأة كشقيقة للرجل في أصل خلقتها وفي مبدأ تكليفها وفي أساس تكريمها وتشريفها...قال تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم ) أي ذكورًا وإناثًا وقال تعالى: ( خلقكم من نفس واحدة ).

    وأيضًا جعل التكليف في خطابات كثيرة للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وما هو مذكور في الصيغة الذكورية إنما خطابه للمذكر والمؤنث كما هو معروف في اللغة العربية وهذا جانب أول. أما الجانب الثاني؛ فهو جانب إكرام المرأة من وجهين: في الوجه الأول تشريفها و تقديرها بحيث تكون مصونة وتخدم وتحمل وترعى بشكل أساسي تكون هي التي تقدم لها الأشياء والخدمات. والوجه الثاني هو التكريم في حقوقها التي رتبت لها في كل الأوضاع أمًّا وبنتا وزوجة إلى غير ذلك مما هو معلوم.

    الجانب الثالث هو الدور الكبير للمرأة في الإسلام، وهو ما أشرت له في النقطة السابقة.. (الأم) والنصوص الشرعية في بيان مكانتها وذكر فضلها، ونعرف حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- من أحق الناس بحسن صحابتي.. قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك إلى غير ذلك..، والنصوص معروفة في هذا.

    ثم (الزوجة) في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) وحقوق الزوجة معروفة في الإسلام من الصيانة والرعاية والإجلال والتكريم وحسن العشرة بالمعروف وما هو معلوم في هذا.. وكذلك النظرة إلى (البنت) نظرة إجلال وتقدير أيضًا، وقد حث عليه الصلاة والسلام على رعاية البنات وتخصيص أمر رعايتهن بالفضل لما يكون في نفوس بعض الناس من تفريق بين ذكر وأنثى.. هذه النظرة وجدنا الأحاديث تقف بقوة أمامها وحديث (من عال جاريتين...) مثال أمامنا.. كل هذا للتكريم والعناية بالمرأة.

    آخر نقطة هو أن الإسلام شهد للمرأة في الحياة العامة بما يحقق أمرين: أولاً بما يناسب فطرتها وطبيعتها؛ لأن هذا هو الذي يحقق الفائدة، بمعنى لو أنت حملتني هذا الحمل وأنا لست قادرًا عليه فإنك سوف تضرني وتسيء إليّ ولن يكون هذا تكريمًا لي، فالإسلام جعل للمرأة دورًا يتناسب مع فطرتها وإمكانياتها، وذلك في الحقيقة هو الذي جعل المرأة تؤدي دورها بشكل جيد.

    الدكتور عدنان باحارث الأكاديمي والمهتم بقضايا المرأة معلقاً على ما ذكره الدكتور با دحدح: لا يختلف العقلاء في الوضع الذي كانت عليه المرأة قبل ظهور الإسلام؛ بل ولا يختلف أحد على وضع المرأة في كل الجاهليات، سواء الجاهليات الوثنية قبل الإسلام في العصور السابقة أو الجاهليات المعاصرة أو اللاحقة، والواقع يشهد أن المرأة ما عرفت الخير في الحياة الإنسانية قط إلا في ظل القيادات الإسلامية..
    قيادة الأنبياء -عليهم جميعًا الصلاة والسلام-، وفي قيادة خاتمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي جاء بهذا الدين الكريم العظيم الذي يحفظ للإنسان عموما ذكرًا و أنثى خيره. ومن ناحية أخرى أرى أنه لا يمكن أن يصل الظلم إلى المرأة إلا وقد وصل للرجل أولاً؛ فتجهيل الرجال يتبعه عادة تجهيل للنساء، وظلم الرجال يتبعه عادة ظلم للنساء، وكثيرًا ما يغضب بعض الناس ويظن أن المجتمع يظلم فقط النساء ولا يظلم الرجال، وليس من الغريب أن يكون الظلم عادة يقع جله وأكثر ألمه على المستضعفين في المجتمع؛ فالمرأة من أول الفئات التي يمكن أن يقع عليها الظلم بقسوة، وكذلك على الأطفال ومساكين الناس، لكن إذا وقع الظلم في العادة؛ فإنه يصيب الجميع، ولكن على تفاوت بين هؤلاء وهؤلاء، والإحصاءات التي تذكر دائما تتضمن تجهيل للموقف؛ فحينما يأتون بالإحصائيات في أي بلد لا يأتون أيضًا بالإحصائيات المقابلة لها في الذكور؛ فالعدد والنسبة متقاربة جداً، وأذكر مثالا واحداً: يذكر عن أحد الأدباء في بلاد شنقيط في موريتانيا عاش قبل ثمانين عاماً أنه قال: لا أعرف في بلادنا امرأة لا تقرأ ولا تكتب.. إن التعليم في الذكور قد وصل إلى مئة في المئة، وكذلك وصل في النساء، ويندر أن يوجد في مجتمعنا امرأة لا تقرأ ولا تكتب، وكيف وصل العلم إلى النساء في ذلك الوقت مع أن المرأة في ذلك الوقت كانت مستورةً محفوظةً؛ فدل على أن وجود العلم في الرجال لابد أن ينتقل قطعاً إلى النساء والأدلة على ذلك كثيرة جداً.

    الدكتور با دحدح متداخلاً: أنا أحب أن أضيف نقطة صغيرة تعقيباً على ما أشار إليه الدكتور عدنان وهو ما ذكره من تجهيل لإحصائيات المرأة؛ فهي تركز على المرأة ولا تذكر الرجل، أيضًا أنا أقول: إن اتجاه التاريخ ينقل لنا عن مجتمعات معينة أن المرأة كانت فيها المغنية، وكانت فيها المطربة؛ وكأن نساء العصور السابقة هن مغنيات ومطربات وراقصات؛ وهذا غير صحيح!. إن ما يحدث في الحقيقة توظيف غير منهجي وغير علمي مما نطرحه.

    ماذا عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب؟ هل ننظر فعلاً إلى أن هذه الدعوة التي أسست عليها هذه الدولة كانت دعوة إصلاحية بالنسبة للمرأة .. نعم فكما ركزت على التوحيد قامت بإعادة إحياء القيم الإسلامية والثوابت التي نظر من خلالها الإسلام إلى المرأة.

    هل يمكن أن ننظر إلى أن تأسيس هذه الدولة بمشروعها الإسلامي الإصلاحي نظر نظرة إيجابية تجاه المرأة؟
    د.با دحدح :أولا بالنسبة للدعوة الوهابية هي دعوة إسلامية وليست مذهبًا منفردًا والنسبة إلى الأشخاص هي قضية اجتماعية تاريخية موجودة، وقد جددت وأكدت ونبهت هذه الدعوة إلى كثير من الأخطاء؛ أبرزها قضية التوحيد لوجود مظاهر شركية وتعلقات بالقبور، لكنها أيضًا واجهت انحرافات بعض العادات والتقاليد والتي كانت أشد إجحافاً وظلماً وتجاهلاً للمرأة.

    وفي البيئة التي ظهر فيها الإمام محمد بن عبد الوهاب ربما كان فيها ولا زال بعض آثار عدم إعطاء المرأة حقها في الميراث وعدم إعطائها حقها في إبداء رأيها وقبولها ورفضها في مسائل الزواج؛ فلما جاءت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب جددت وأكدت المعاني الإسلامية بأصولها الشرعية، وكان من سياق ذلك التفكير في هذا والتنبيه عليه..

    د. باحارث متناولاً أطراف الحديث:
    بالنسبة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -عليه رحمة الله- هي دعوة كغيرها من الدعوات الإصلاحية في بلاد المسلمين.. دعوة مجتهدة لإعادة المسلمين إلى ما كانوا عليه من قوة وتمكين، مرتبطين في ذلك بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهي كغيرها من الدعوات تقيم في حدود القيم التشريعية والإسلامية..

    هناك اجتهادات قد تكون مصيبة وقد تكون هناك اجتهادات أيضًا مخطئة في هذا، لكن عموما هي دعوة إسلامية إصلاحية لا نشك في ذلك، ومحمد بن عبد الوهاب -عليه رحمة الله- من المصلحين و قطعًا من أهل الخير والفضل، والمصلح لا يقصر نفعه على فئة معينة من الناس؛ فلا بد أن يكون لهذا الشخص نظرته للمرأة شمولاً وعمومًا ودعوته في القضية التي برزت هي الدعوة إلى معاني التوحيد ونبذ ما كان عليه بعض الناس في هذه الجزيرة من المخالفات الشرعية، والمرأة كانت مقصودة قطعًا في هذا؛ بل إن غالب ما يقع من الانحرافات في هذا الجانب كثيرًا ما يقع من جهة المرأة..

    القضية واضحة؛ لكن قد لا يكون الخطاب في تلك الفترة يتناسب مع مخاطبة النساء، ولهذا نقول ونؤكد أن مخاطبة الرجل هي مخاطبة للمرأة حينما تخاطب الزوج إنما أنت تخاطب زوجته كما أنك حين تخاطب الأب فأنت تخاطب أيضًا ابنته.. القضية واضحة، وليس فيها هذا التزمت الذي يريد أن يلبسه علينا بعض الناس؛ فالصلاح في الرجل لا بد أن يتبعه صلاح في المرأة وهذا أمر مشاهد. بالنسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب برز في فترته جمع من النساء، وأذكر أن بعض النساء اللواتي كانت لهن أدوار بالغة جدًّا في دفع أعداء الشيخ وقد ذكر الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في بحث لطيف عن دور المرأة في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وذكر فيها جمع من النساء منهن امرأة كان لها دور رئيس في هذه القضية، حين حمت أحد دعاة آل سعود الكبار من أن يُقتل، وهذه مسألة الحقيقة من المهم أن تذكر، لكن مع كل هذا أن المسألة دخلت عفوية ولا يقال دور المرأة ونحو ذلك المسألة دخلت عفوية، و المرأة التي كانت بعد زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاركت في قتل الأسود العنسي..

    إنه المجتمع المسلم بكل أطيافه يمثل جسداً واحداً متكاملاً متعاضداً في صالح الإسلام، وهو ليس بغريب على المرأة المسلمة، لكن إبرازه بهذه الطريقة مقابل نشاطات الرجل أمر خاطئ، وهذا خطأ يقع فيه كثير من الناس من الذين يريدون أن يبرزوا المرأة على حساب الرجل أو يبرزوا الرجل على حساب المرأة.

    نقول: المسألة لا تسير بهذه الطريقة وإنما المرأة والرجل يسيران في طريقين متوازيين إلى الله -عز وجل- وليسا بمتعارضين.

    ألا تعتقدون أهمية أن نراعي ونحن نقرأ التاريخ ظروف وطبيعة ذلك العصر الذي كان ينظر للمرأة نظرة غير إيجابية وأثر هذه الدعوة المباركة في تحقيق هذه المكاسب للمرأة السعودية؟

    د.باحارث: نعم علينا أن ننظر إلى أن تأسيس هذه الدولة وتحالفها مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي عودة للإسلام بشموله وتكامله، وحتى لو لم ننظر إلى تفصيلات موضوع المرأة بفرعياتها وحتى أسسها؛ لكن بنظرة عامة عودة الدعوة إلى أصالة الفهم الإسلامي البعيد عن تخر صات البدع والتقاليد المنحرفة عن الإسلام دعوة إصلاحية هدفها تحرير المجتمع رجاله ونسائه على حد سواء من ربقة الجهل والتخلف، وإذا قرأنا دعوات تحرير المرأة التي مرت بمجتمعاتنا العربية والإسلامية دائمًا نشاهد أن هناك في كل عصر ومصر مجموعة ونخب ثقافية تدعو إلى تحرير المرأة والقيام بإصلاحات، ودائما ينصب التركيز على المرأة؛ والغريب أننا لم نسمع في تاريخ الحركات الإصلاحية دعوة لتحرير الرجل!

    في المقابل نحن لا نجد من الدعاة والعلماء إلا الوقوف في اتجاه الدفاع أمام أطروحات تحرير المرأة؛ فهل يعد هذا الموقف إيجابيًّا خاصة والأطروحات الإصلاحية التي تستهدف المرأة غالباً ما تغيب عنها الرؤية الشرعية؟

    د. با دحدح : أولاً تاريخيًّا عندما نتحدث عن دعوات تحرير المرأة كمصطلح؛ فإننا نقرأ مصطلح حديث ظهر في القرن الماضي في منتصفه وأوائله ونحتاج مزيد بحث في هذه الدعوات المشهورة عند الناس مثل دعوات قاسم أمين وغيره.. ولا ننسى أيضًا أن هناك عناصر مختلفة من أهمها أن كثيرًا من هذه الدعوات ارتبطت أيضًا بالعنصر الخارجي الأجنبي الذي كان يمثل في ذلك الوقت عنصر الاستعمار: الاحتلال البريطاني في مصر، والفرنسي في سوريا وبلاد المغرب العربي.

    وأنه كان مؤسسًا لهذه الصورة التي ربطت باسم تحرير المرأة، وإن كان الاسم ليس صحيحًا وقد أسس لها عن توجه ؛لأنه يريد أن يصبغ هذه المجتمعات بصبغته: في مناهج التعليم، والحياة الاجتماعية، وفي الحياة الوظيفية. أيضًا هناك نقطة أحب أن أشير إليها وهي ما ارتبط بهذه الدعوات والقضايا التي اعتبرها استخدام للمرأة في الإغراء والإغواء والجانب الأنثوي منها، وهي قضية الفن وأكثر من بدأت بهم الفنون المسرحية والسينمائية والغنائية في العالم العربي هم من العرب غير المسلمين، وهؤلاء دخلوا بأسمائهم الفنية المسلمة. وهذا أيضًا يعطينا انطباعًا عن هؤلاء حتى ولو استبعدنا مسألة البراءة والإدانة هم ينطلقون من ثقافة وفكر مختلف، والعنصر الاجتماعي لم يتغير في حياتهم؛ فإذا كان لدي نصارى أو يهود في المجتمع؛ فهذا لا يعني أنهم سيصبغوا بثقافة المجتمع صبغة كاملة.. قد يؤثر فيهم المجتمع لكنهم يظلون مرتبطين بعقيدتهم ومبادئهم.

    ونقطة أخرى تتعلق بالقضية التي أشرت إليها، وفيها مغالطات كثيرة، إذ يُطرح سؤال: لماذا نقول إصلاح المرأة ولا نقول إصلاح الرجل؟ وهذا يدل على أنها قضية مقصودة فيها مغالطة وعدم وضوح رؤية، وحتى لا نتهم اتهامات جزافية نقول إن الربط بالمذهب العلمي المنهجي غير صحيح وأن ما يتم فيه نوع من القفز على الحقائق وهو نوع من تغيير العقل و إعطاء صور مبهرجة وربطها بقضايا ليست متصلة بها.

    نحن نريد أن نتحدث عن أي قضية سواء كانت إصلاح المرأة أو أي قضية على مستوى المجتمع، بمنهج علمي وحقائق واقعية. عندما نتحدث عن هذا؛ ففي الأمر مغالطات كثيرة وتظهر في أمثلة متعددة. حتى الناحية الاقتصادية هناك فهم مغلوط باتجاه القضية، والحقيقة الآن أن الدراسات الاقتصادية تقف عكس دعاوى عمل المرأة.

    وفي رسالة صدرت عن جامعة أم القرى بخصوص عمل المرأة وأثره الاقتصادي وهي دراسة أقيمت على مصر والسعودية أثبتت أن عمل المرأة لا يؤدي الجدولة الاقتصادية التي زعمت، فما تأخذه من الأجر ينفق بطبيعتها على نفسها وعلى متطلبات هذا الخروج أكثر، وليس هذا في مجتمعاتنا المحافظة بل حتى في المجتمعات الغير المحافظة؛ فهناك دراسة في اليابان أثبتت أن المعدل الذي ينتج عن عمل المرأة اقتصاديًّا لا يعادل إلا ثلاثين بالمئة من حجمها في أحسن أحوالها، وأحيانا يصل إلى عشرة بالمئة لأسباب وظروف كما يقولون موضوعية.

    ثم إن هناك من ادعى أن عدم عمل المرأة يعني أن نصف المجتمع معطل وأنا هنا أود أن أقول: إن كل موظف لا يستطيع أن يؤدي دوره كاملاً إلا إذا كان عنده أسرة متماسكة وزوجة تعينه، وبالتالي يحصل إنتاج في تربية الأبناء وأشياء عظيمة جدًّا لا يمكن أن يأتي الذكر لها، لكن هناك وهج إعلامي ومضامين براقة وحقائق غائبة ونوع من القفز على الخطوات يحاول البعض إبرازها حتى يتم ترديدها مثل: حقوق المرأة وتحرير المرأة ؛ دون أن نعطى مفردات ملموسة قائمة على أسس. وإلى الآن لم يظهر أحد تكلم في مثل هذه الموضوعات وأعطانا أرقامًا حقيقية، أما أن تأتيني بأرقام معينة هي نتائج نهائية تكون لعدد المتعلمات وتقابله بحاجة لعدد من الوظائف فهذا خطأ؛ إذ من قال إننا علّمنا كل إنسان من أجل الوظيفة؟! وعندما تتعلم المرأة ثم تعلّم عشرة من الأبناء، وتأهلهم لأن يكونوا متفوقين دراسيًّا أليس هذا استثمار؟!

    د. باحارث :في الحقيقة أود أن أضيف إضافة إلى الكلام الذي ذكرناه قبل ذلك عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -عليه رحمة الله-؛ فقد ذكر بعض الباحثين في الدولة السعودية الثالثة بعض الأنشطة للمرأة في تلك الفترة، وكان نشاطهن لطيفًا جدًا وهو نشر؛ فالقضية الغريبة هي: من أي شيء ستتحرر المرأة؟ ما هي النقاط التي نحررها منها؟ السؤال الذي يطرح من خلال هذه الدعاوى هو: ما هي الغايات والأهداف التي قامت عند أول دعوة لتحرير المرأة؟ في إحدى الأمصار الإسلامية حين راجعنا المسألة وجدناها تدور في قضيتين اثنتين: أما الأولى؛ فهي التعليم، وأما الثانية؛ فهي كشف وجه المرأة .. التعليم لا خلاف فيه، ولكن الواقع الذي حصل بعد ذلك هو ارتباط التعليم بالفساد.. هذه القضية حصلت على مستوى العالم بأجمعه، حتى عند الغرب ارتبط التعليم بالفساد، ولهذا فكثير من العلماء الفضلاء في بلادنا حين رفضوا تعليم المرأة لا من باب أنها تقرأ وتكتب ولكن الامتناع في هذا الموضوع خوفاً من الفساد وخوفاً من أن يتطور الأمر كما تطور في بعض الدول.

    والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كم هو الزمن الفاصل بين كشف وجه المرأة وكشف ما اتفق العلماء على تحريمه من الفخذ والصدر والشعر؟ والإجابة العلمية هو ما لا يزيد على أربعين عامًا أي في نفس الجيل. ولهذا من ذهب إلى بعض البلاد التي حصلت فيها هذه الأزمة وكانت في أوائل القرن العشرين (تقريبًا في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات) الذي ذهب وجد المرأة في تلك البلاد ترقص في الملهى أمام الرجال لا تستر إلا العورة.

    باحارث متطرقاً إلى أهمية الموضوعية في الطرح: لا بد أن نعطي نظرة متوازنة لأي موضوع بالنسبة لقضية عمل المرأة.. لا يعبد الله -سبحانه وتعالى- في هذه الأرض إلا بوجود الإنسان، والإنسان لا يمكن أن يبقى في هذه الأرض حيًّا صالحًا إلا بالعمارة؛ فأنت تحتاج إلى قضيتين: تحتاج إلى الإنسان أن يُخلق وأن يوجد، وتحتاج مع الإنسان إلى عمارة لإصلاحه؛ حتى تتحقق العبودية في الأرض. الله -سبحانه وتعالى- وزع المهمتين بين الرجل والمرأة؛ فأعطى مهمة تكثير النوع الإنساني للمرأة حتى تكثر هذا النوع، وربطها بالنسل برباط تكاد تكون قضيتها الكبرى، وأعطى للرجل الجانب الآخر قضية العمارة... الرجل في قضية التناسل دوره في غاية القصر في حين تجد المرأة في قضية التناسل دورها أكثر تجسداً ووضوحاً، و انظر إلى طول دورها وفي الحضانة بعد ذلك وفي الرضاعة، و الله -سبحانه وتعالى- أعطى الرجل المواهب للضرب في الأرض، وخلقه أيضًا من الأرض مباشرة في حين خلق المرأة من الرجل؛ فأصبحت مهمتها وميلها إلى طبيعة هذا الرجل والإحاطة به وخدمته حتى يستمر في عمارة الأرض، ومن هذا الجانب يتضح للقارئ أن المرأة حين تريد أن تعمل عمل الرجل وأن تنتج كما ينتج الرجل، والرجل أيضًا حينما يريد أن يعمل عمل المرأة وينتج ما تنتجه المرأة يسيران في اتجاه عكس الفطرة؛ فهل يمكن للرجل أن يذهب إلى ميدان المرأة وينتج كما تنتج بهذا التفصيل؟ هذا لا يمكن! مكان المرأة لا بد أن يبقى شاغرًا ولا يمكن أن يدخله أحد فلا يمكن للرجل أن يحمل على سبيل المثال!
    وهذه قضية جوهرية تحتاج إلى بعض البيان، وهو محل تفصيلي خطير.

    بعد أن أسسنا تاريخيًّا على بعض القواعد وبعض الركائز التي قدمها الإسلام، وبعد أن مررنا أيضًا على تجربة تاريخية وهي ميلاد هذه الدولة والدعوة الإصلاحية التي أشرقت بها؛ كيف تستطيع د.عدنان أن تكمل لنا رسم ملامح العلاقة بين الرجل والمرأة في واقعنا؟

    د.باحارث: ذكرنا كيف أن الله -سبحانه وتعالى- قسم المسؤولية بين الرجل والمرأة؛ فتتحقق العبودية له -سبحانه وتعالى- بأن تتكفل المرأة بتكثير النوع الإنساني، وكل ما جهزه الله فيها يدل على ذلك قطعًا، ثم كلف الرجل في الجانب الآخر بإثارة الأرض وهي العمارة؛ فكل منهم يحمل هذه المسؤولية المرأة حين تملّ من مشروعها في تكثير النوع لكونه مكررًا؛ فإنها تريد أن تدخل ميدان الرجال، ودخولها في مجال الرجل ليس بغريب تستطيع أن تدخل هذا الميدان، ولكن سوف يكون الصراع في مجال الرجل، والرجل لن يرحمها في هذا الصراع، أما إذا أراد الرجل أن يقع في ميدان المرأة؛ فلن يجد له فرصة في هذا الميدان. إذًا الصراع سوف يكون في ميدان الرجل. والله -سبحانه وتعالى- كلّف الرجل فطريًّا وشرعيًّا بأن يقوم هو على المرأة نفقة وإصلاحًا حتى تتفرغ لهذه المسؤولية؛ فالله -سبحانه وتعالى- جعل ثروات الرجال تفتت قطعًا شرعًا وفطرة لمن تحت أيديهم من النساء والأطفال؛ فالرجل اقتصاديًّا يخدم الاقتصاد حين يجمع الثروة، ثم يفتتها، ثم تفتت بعد ذلك بالإرث؛ أما المرأة تجمع المال شرعًا ولا تفتته إلا بالإرث فقط؛ والاقتصاديون يعرفون الخطر الذي يشكله هذا الأمر.

    وهل تقصد من هذا الطرح إلغاء أهمية عمل المرأة؟
    د.باحارث موضحاً: عفوًا التطرف من جانب هو انعكاس لطرف آخر. أنا أتحدث عن أن الأصل في عمل المرأة ليس الخوض في مواطن الكد .. هذه أمور تتطوع بها تطوعًا لخدمة المجتمع طوعًا من عند نفسها، لا تلزم بشيء في ذلك، ولا أعرف أَحدًا يقول إن هذا فرض عين على النساء؛ إنما هو فرض كفاية غالبًا يحمل به الرجال وإنما هذه تأتي بالفطرة..

    با دحدح متحدثاً :هناك نقطة أخرى من المهم طرحها وهو مصطلح تابع لهذا، مصطلح (المساواة) وهو مصطلح غير علمي وغير منطقي؛ لأن المساواة بين مختلفين لا بد أن تكون غير صحيحة، ولو لم تكن ظاهرة، ولكن لا نقول الإسلام جاء بالمراعاة وليس بالمساواة، لا لأن المساواة فضيلة تركت في الإسلام لكن لأن المساواة ليست صحيحة أصلاً وكما ذكر الدكتور عدنان لو أردنا المساواة اجعلوا الرجل يحمل ويلد ويرضع حتى نقول المرأة تعمل وتذهب في المصنع، لكن المراعاة مهمة: مراعاة طبيعة الرجل في وظيفته ومراعاة طبيعة المرأة في وظيفتها، وقدرات الرجل وقدرات المرأة.

    واليوم العلم أصبح يحدثنا بالتفصيل عن طبيعة المرأة في عقلها وعاطفتها وطبيعة الرجل في عقله وعاطفته؛ بل أصبحت بحوثًا ملموسة مادية معروفة لم يتدخل فيها العنصر العاطفي وإنما العنصر المادي العلمي الذي قررها، واليوم ألف الغربيون وليس نحن المرأة من الزهرة والرجل من المريخ، وهذه القضايا بعد دراسات علمية و اجتماعية مستفيضة.

    باحارث: أريد أن أضرب مثالاً واحدًا لو سمحتم لي
    تخيلوا أن هناك وظيفة أعلن عنها؛فتقدم لها رجل وزوجته فقبلت أوراق المرأة ولم تقبل أوراق الرجل، ثم تأتي الشريعة وتقول لهذا الرجل أنت ملزم بالنفقة عليها، وتقول الشريعة لهذه المرأة أنت لست ملزمة بالنفقة عليه، ولا أن تصرفي قرشًا من نقودك.. ماذا سوف نفعل؟ هل نقوم بتغيير شريعتنا، أم نقول لهذه الوظيفة أو لصاحب الوظيفة اعطها للرجل؛ لأنه سوف يفتتها قطعًا وسوف يذهب للمرأة، أما خيرها فلن يصل إلى الرجل إلا تطوعًا أو تحت ضغط كما يحصل الآن بين كثير من الأزواج مع زوجاتهم؟!

    نتحدث الآن عن واقعنا، ونتحدث عن مشروع أمريكي بعد سقوط العراق ومشروع غربي إصلاحي ركز على المرأة ، وخصوصاً المرأة السعودية والتي كانت محور مناقشات وصلت حتى أبواب الكونجرس المغلقة... سؤالنا هو: لماذا المرأة السعودية في هذا الوقت ؟ وماذا يراد منها؟

    با دحدح: أنا أحب أبدأ أولاً بالمصطلحات مرة أخرى أنا لا أرى أن نسميها دعوات إصلاحية أنا أسميها دعوات مصلحية هم يريدون مصلحتهم، وحيث ما كانت مصلحتهم عملوا لها وغلفوها وصدروها؛ وإلا كيف يتفق لي أن تكون هذه الدول أمريكا أو غيرها تريد مصلحتي وتاريخها ومذهبها الرأسمالي الذي تتبناه يعتمد على تكريس المصلحة المادية والقوة الإمبراطورية في يدها؟! إذًا لا بد أن تكون فلسفتها الفكرية هي التي تقود طروحاتها العملية هذا أولاً.

    وثانيًا: قضية ارتباط هذه الدعاوى بالشرق الأوسط الكبير يجب قبلها ألا ننسى أن هناك مصطلح سابق وهو الشرق الأوسط الجديد، هذا المصطلح ظهر بعد مدريد وبالذات بعد أوسلو، وكان الهدف منه واضحًا؛ بل منصوصًا عليه، وهو دمج إسرائيل في بيئة الدول العربية حتى وضعوا أهمية دخول إسرائيل في جامعة الدول العربية، وتسمى جامعة دول الشرق الأوسط ، وعقدت مؤتمرات اقتصادية في المغرب وفي الأردن والإمارات على اعتبار أن الاقتصاد قضية قابلة للترويج لما فشلت هذه المشروعات فووجهت برد الفعل الذي يرفض اندماج دولة عنصرية محتلة، ووجد أنه لا بد أن نوسع الدائرة ونخلط الأوراق ودخلت في لعبة الشرق الأوسط الكبير دول أخرى، حتى يكون ذوبان إسرائيل أو دخولها وليس إسرائيل، وإنما الفكر والطرح الصهيوني المسيحي اليميني الذي يهدف الآن ومن خلال العولمة ونظرة التجارة العالمية للهيمنة الاقتصادية، ومن خلال القوة السياسية إلى تسويق الديمقراطية الغربية، ومن خلال أيضًا الضغط العسكري إلى التسلط على المقدرات الاقتصادية؛ فالمسألة لا بد أن لا نأخذها بسياق محدد؛ فنفرح أن أمريكا قالت لنا إن المرأة عندكم لا تتعلم علموها فتبدأ مسيرة تعليمنا بالطريقة الأمريكية!!

    بعد فشل مسألة المشروع الأول.. هل وجدوا بوابة المرأة أسهل للمحاولة؟

    با دحدح : نعم هو المشروع الثاني، وتريد أمريكا اليوم أن تقوي هذا المشروع الذي طرحته على الدول الأوروبية... حتى في البلاد العربية الأخرى المرأة فيها تمارس كل ما تمارسه المرأة الغربية تقريبًا بحماية القانون، وفي دول عربية نعرف أنه لا يجوز التعدد الشرعي؛ بل وقدمت هذه الدول أفلامًا أظهرت فيها المرأة عارية تماماً، وظهرت فيها ممارسات جنسية على خشبة المسرح وهذا معروف ومكتوب ومنصوص عليه ومعروفة الأفلام والجوائز التي قدمت، ولا ينتقد هذا العمل الإجرامي اللاأخلاقي ضد المرأة المسلمة وامتهان كرامتها وتشجيعها على الانحلال. إذًا ما هو المطلوب في قضية المرأة السعودية؟ ولماذا التركيز عليها؟ السبب لأنها النموذج الوحيد المخالف للتيار العام، ومخالفته لها أصولها، سواء كانت شرعية أو واقعية أيضًا؛ فالتعليم المختلط يكاد يكون ممارسة طبيعية في العالم العربي والإسلامي.. العمل الذي امتهنت فيه المرأة في صور كثيرة يكاد يكون موجودًا في كل العالم الإسلامي.. المزايا الاجتماعية والمادية التي يكفلها الإسلام للمرأة لا تكاد تكون موجودة بصورة جيدة (لا أقول كاملة). ثم المملكة بجملتها من مكتسباتها الإسلامية ومحافظتها العامة في قضيتين مهمتين: قضية الصياغة القانونية، نحن هنا لدينا نظام البلد القائم على الإسلام ينص على هذه الأمور، وأيضا الوضع الاجتماعي العام. هذه كرست وضعًا مخالفًا لما يريد هؤلاء زرعه، ويجب أن نعرف كذلك هل قضيتنا الآن هي أن كشف الوجه فيه اختلاف فقهي، أم أن القضية هي ستار أكاديمي؟!

    إن عبارات من يدعون الإصلاح من معسكر أمريكا تقول نريد إصلاحًا وإعطاء دور أكبر للمرأة بما لا يتعارض مع الشريعة، ولا يتعارض مع تقاليدنا الاجتماعية، ولا يتعارض مع الدور الأساسي للمرأة، هذه عبارات لفظية والمهم ليست العبارة بقدر العمل، ويجب أن نعرف كيف يمكن أن نعتني عمليًّا بتحقيق الأهداف المتوخاة بما لا يتعارض مع الدور الأساسي للمرأة؛ كونها زوجة ومربية للأبناء، وقائمة في بيتها.

    الحقيقة أنهم يرمون بعبارات مطاطة غير قابلة للفهم لأن المرأة المسلمة دورها واضح وجلي في الإسلام وفي مجتمعنا السعودي المسلم، وهذه القضية لا بد أن نطرحها للناس بصدق إن كنتم يا من تنادون بتحرير المرأة عندكم أفكار كونوا أصحاب مصداقية فقولوا ماذا تريدون؟ وما هو النموذج للمرأة الذي تطرحون؟ نحن نريد أن نقدم نموذجنا الموجود في منهج الإسلام.. نعم في التقديم العملي في الجملة هناك أخطاء.

    خذ مثالاً آخر وهو الغناء بالنسبة للمرأة؛ أنا لا أتحدث عن أحكام فقهية بشكل عام ..انظر إلى هذا الأمر الذي بدأ منذ سنين، و يوم أن كانت أم كلثوم تغني كانت تلبس من أخمص قدميها إلى رأسها، وأقصى ما في يدها المنديل.. الآن وصلنا إلى أن المغنيات العربيات يغنين وهن بلباس البحر تقريبًا!!
    أقول: دقق النظر في هذه القضية، وانظر إلى التدرج فيها، وانظر إلى التدرج الحالي الذي وصلت إليه المرأة من الغناء على المسرح، ثم كان اللباس الفاضح، ثم جاء الفيديو كليب؛ فهل هذا الآن منتقد عند هؤلاء؟! أنا لا أسمع انتقادًا؛ بل يقولون: نحن نريد للمرأة أن تشارك في الفن.. مشاركة الفن نحن نعرفها والناس يعرفونها، وهي أمام أعيننا ليست شيئًا جديدًا. إذًا هل هم يريدون هذا أم شيئًا آخر؟! وضحوا لنا ما عندكم!

    د.باحارث : السؤال الذي يطرح مع قانون المرأة في العصر الحديث: أين هي المرأة التي تريدون من الفتاة السعودية؟ وهل تريدون أن تكون مثلها؟ أرونا إياها.. سوف يختارون -مثلاً- امرأة من أمريكا أو امرأة من هناك ؛ نقول: لا.. أرونا المجتمع الذي يمثل هذه المرأة، كم عدد هؤلاء النساء القدوات التي تريدون أن يكن مثلها الآن من حولنا، ليس هناك مجتمع قدوة أبدًا لا في الغرب ولا في الشرق، ولا في الدول العربية، ولا حتى في الدول الخليجية، نحن نجد في الحقيقة أنفسنا في نور جميل صالح بين هذه الظلمة الضخمة التي تحف بنا..

    نعم القصور موجود ولا ننكره، ولا يمكن أن ينكر أحد هذا القصور، ولكن نحن أفضل الموجود قطعًا أنا أريد أن أضرب مثالاً فقط: المرأة السعودية كم حجم المال الذي يأتي للمرأة السعودية وهي غير مكلفة شرعًا بالإنفاق عن طريق التعليم وعن طريق الطب؟ شيء ضخم جدًّا.. أموال ضخمة جدًّا تصل إلى النساء، وهذا ليس موجودًا في أي مكان في العالم، وأنا أتحدى من هذا المكان أن يأتي أحد ويقول: إن هناك وظيفة في نظام وظيفي يعطي المرأة بقدر ما يعطي الرجل مع نفس الشهادات؛ بل عندنا هنا كثير من النساء بالبكالوريوس يحصلن على رواتب في التعليم لا يعرفها الأستاذ الجامعي، وكلنا يعرف هذا الكلام، وهذا نتحدى به الآن أي دولة في العالم، ثم بعد ذلك نقول للغربيين: أنتم الآن تزعمون تحرير المرأة.. أولاً أنتم قد اتفقتم جميعًا على أن المرأة الآن عندكم مضطهدة تستخدم في وسائل الإعلام وتستخدم في المراقص وتستخدم داعرة وتستخدم في أمهن الوظائف.. وهذه تقارير الأمم المتحدة، والأدلة موجودة!

    المرأة الراقصة والمرأة المغتصبة والمرأة التي تدير الوظائف ، والرجل تركها ورفع يده عنها، ويكفينا فقط وظيفة السكرتيرة، ومعروف ما معنى السكرتيرة؛ أي بالمعنى الإداري وبالمعنى حتى الأخلاقي، خادمات الفنادق.. خادمات الملاهي.. مضيفات الطائرات..

    أهذه هي المرأة التي تريدونها؟ أم أنكم تريدون أن تضربوا المثال بتاتشر؟ كم سوف يكون هناك تاتشر.. هذه بريطانيا لم تظهر فيها تاتشر إلا مرة في تاريخ بريطانيا منذ أن كانت عظمى حتى أصبحت صغرى طوال هذه الفترة لم تنتج إلا امرأة واحدة تفتخر بها!، وهذه أمريكا الآن أكثر من مائتي سنة تعيش ليس فيها امرأة وصلت إلى هذه القمة ولا حتى نائب رئيس؛ فالقضية ليست سهلة بهذا الكلام.. إذا كانوا يريدون منهم تطور باتجاه معين نقول لهم: أعطونا المجتمع الذي اكتمل فيه شكل المرأة حتى نقتدي به؛ فإذا لم تأتونا به فسنظل على حالنا حتى تأتون به.

    بالنسبة للانحرافات -أيها الإخوة- الانحراف دائمًا يبدأ يسيرًا سهلاً؛ فنقول: هذا أمر سهل لا خلاف فقهي، ثم يتوسع إلى ما لا قبل للمجتمع به، وهذا الذي يحصل الآن، عندما نقول المرأة تقود السيارة مثلاً نعم تقود السيارة، لكن بعد ذلك سوف تأتينا قضايا ضخمة جدًا .

    في تقرير للدولة السعودية في كتاب الإحصاء الذي تصدره وزارة الداخلية بعد خطة من الخطط الخمسية حينما كان في تلك الخطة الاستفادة من طاقة المرأة في التنمية؛ فإذا بتلك الخطة بعد خمس سنوات تفجعنا بإحصائية مفادها وجود عدد من النساء ممن وقعن في الجريمة، وهذه بحسب تعليق مقدم هذه الإحصائية أن هذا راجع كما نص في مقدمة الكتاب إلى انفتاح المرأة على العمل.

    د. با دحدح مبيناً : لدي مقال لمحرر أمريكي يقول: أمامي صورتين على مكتبي: صورة لامرأة أمريكية بلباس البحر، وصورة لامرأة بالبرقع، نظرت إليهما فظللت أفكر وأقارن.... يقول: لم أجد نفسي متحمسا للدفاع عن البرقع؛ لأنه غير موجود في ثقافتي، ولكنني نظرت إليه، فوجدت فيه مزايا أصبحت مشدودًا إليها و الاعتراف بحقيقتها .. يقول: مثل لي البرقع المرأة التي تركز على بيتها وزوجها ا وأطفالها وترعى مملكتها، يمثل البرقع معاني من الحياء. ووجدت النموذج الآخر كالتي تعرض نفسها في السوق ولا أحد يقبل بها، أو كأنها في المزاد العلني.

    وقد أجرى مقابلات حول نفس الموضوع، وفي تصريح له أشار إلى أن إشكالية الحجاب ووضع المرأة في السعودية التي هي لها صورة معينة في الفكر الغربي والإعلام الغربي لا وجود لها في هذا المجتمع، ولا تمثل شيئًا غريبًا أو شاذًّا في هذا المجتمع، وقال: وجدت النساء السعوديات وهن على هذه الصورة وهن على أحسن وأرقى مستويات التعليم، ويفقهن في الكمبيوتر والاتصالات الفعلية.

    وجاء أيضا في مقابلة مهمة إذ قالت له إحدى النساء وهي من المتعلمات في الغرب: إن كنت تسألني عن الإصلاح على نمط المرأة الغربية فأستطيع أن أجيبك بكل سهولة أني لا أريد ذلك لا، لا ،لا ..؛ لأنني أجد في بيئتي ومجتمعي ما لا أجده في هذا.

    وفي الحقيقة هذا التصور الآن بدا ضخمًا وهائلاً، والغرب اليوم يشكو من هذه القضية في مجالات كثيرة؛ فهناك جمعيات لا تحصى في أمريكا للدفاع عن المرأة ضد الاغتصاب وللدفاع عن المرأة ضد الانتهاك والدعارة؛ بل هناك الآن كثير من الجهات تريد أن تفصل المرأة في المواصلات العامة و تريد أن تفصل المرأة في الجامعات وفي قطاع التعليم، وأنا أذكر لك في جريدة التايمز المشهورة منذ عدة سنوات كان عنوان غلافها الرئيس (تشلدرن هاف تشلدرن) والتحقيق يقول: إن بنات عمرهن 11 و12 سنة يحملن ويلدن، وإحصائية قديمة أخرى عن طالبات الثانوية في نيويورك تقول إن نسبة من حملن من سفاح 48%.

    والآن صدر كتاب اسمه ( موت الغرب) يقول في المقدمة: إن عدد المواليد في 19 دولة أوربية وغربية أقل من عدد الجنائز، ويقول المؤلف: إننا سنموت وننتهي فعليًّا كبشر بمعدلات التناقص هذه الموجودة، فضلاً عن الجانب الأخلاقي، ونشرت هذه الإحصائيات في حلقات متتابعة في مجلة الحرس الوطني عن هذا الكتاب على مدى ثماني أو عشر حلقات؛ فهل يريدون أن تصل إلى هذا المستوى؟!

    باحارث: نقطة بسيطة هنا نذكرها.. الموضوع ذو شجون كما يقال ..أحد الإخوة الذين يجيدون اللغة الإنجليزية في أمريكا كان يجلس ليشاهد بعض القنوات في الفترة التي عقد فيها المؤتمر الإسلامي في مصر؛ فإحدى المذيعات وأظنها بريطانية عملت مقابلة مع دكتورة في الجامعة، وهذه الدكتورة كانت ملتزمة بحجابها بالكامل حتى إن وجهها مغطى كما يسمونها (خيمة) وأثناء اللقاء -وهذا على الهواء- سألت المذيعة؛ فقالت أما ترين نفسك وأنتي في هذا التقدم وهذا الانفتاح ثم تصرين على لبس هذا الشكل غير المناسب؛ فالمرأة كانت ذكية جداً وكانت تجيد اللغة الإنجليزية فقالت لها: أنا أسألك سؤالاً: هل تسمحون لأحد من شعبكم أن يسير في الشارع العام عارياً؟ فقالت: لا .

    فقالت هل تسمحون أن تدخل المرأة (عارية) الكنيسة؟ فقالت: لا. فقالت لها انظري.. نحن قبل 1400 سنة كنا عند أطهر مكان في الأرض عند كعبتنا نسير عراة فتقدمنا إلى هذه المرحلة فبيننا وبينكم 1400 سنة حتى تصلوا إلى مرحلتنا!.
    والابتذال الذي تشهده بعض دولنا العربية وصل إلى أن الرقابة تعترض على مشاهد جنسية.

    هناك بعض الدعاوى التي حملتها بعض النساء السعوديات في مجتمعنا..البعض منهن خرجن من الوسط الدعوي والأخريات من مشارب متنوعة؛ فكيف تقرؤون هذه المطالب الإصلاحية؟
    د.باحارث: أنا أحب أن أبدأ بنقطة هي: هل التخصص له اعتبار، أم هو مهمل تمامًا؟ البعض يقول إنه غير مهمل، وإذا جئنا للتخصص الشرعي الفقهي الديني قيل: إن فهم الدين لايحتاج إلى تخصص فإذا كانت كل التخصصات لها اعتبار؛ فهذا له اعتبار، فكون الناس الآن يكتبون يقولون: لا نرى هذا من الناحية الشرعية، وليس هناك ما يدل، وليس هناك دليل..!! كاتب صحفي لا يعرف الأصول ولا الأدلة ولا يعرف قواعد فقهية ولا يعرف أصول فقه ولا يعرف تراث فقهي ولا يعرف إجماع وغير إجماع؛ ثم يصبح مفتيًا وقاضيًا في مسائل شرعية !! هذه أمور غير مقبولة.

    وقد تطور الأمر إذ إننا الآن بدأنا نقرأ أن هذه الفنانة تقول أنا لا أرى هذا الأمر حرامًا، وأنا أعرف أن هذا ليس فيه كذا..أنا استمعت إلى إذاعة كذا (تعتبر إذاعة سعودية في شهر رمضان المبارك) وكانت المقابلة مع أهل الفن وكيف يقضون برنامجهم اليومي في رمضان في محاولة لصناعة قدوات زائفة..

    أنا أقول: إن هذه المسألة من الذي يفصل فيها؟ هل هو كل أحد؟! هذه قضية مهمة!! نحن نقول من الناحية الشرعية: فرق بين قضية أن هناك اختلافًا، وفرق بين اعتبار الاختلاف، وفرق بين تطبيق هذا الاختلاف. مثلاً: هل كل اختلاف معتبر؟ نحن إذا جئنا لمسألة الاختلاف يمكن في كل مسألة أن نأتي باختلاف، وبالمناسبة أكثر من يعرضون للمسائل الشاذة أو المسائل الغريبة سواء كانت في المسائل الفقهية أو في المسائل العقدية يأتوننا برأي شاذ واحد وينقلونه عن كتاب، ويقولون: هذا كتاب علمي معروف ويطنطنون بهذه القضية..

    هذه قضية مهمة وعندما يأتينا في القضايا العقدية من لا يفهم العلم الشرعي، ثم يحاول التقول وكأن العالم الإسلامي ليس فيه سوى هذا المثل أو هذه النماذج؛ وبالتالي هذه أيضًا نقطة ابتدائية خطيرة؛ ينبغي معرفتها؛ لأن الصحافة الآن تحاول أن تناقش أي إشكالية؛ والحقيقة أنا أقول إن مهمة الصحافة ليست مناقشة قضايا علمية، وإذا أرادت ذلك؛ فلا بد أن تفتح ملفات طويلة، لكن الصحافة هكذا تريد أن تأخذ قضية كاملة في عمود واحد وتخلص منها إلى نتيجة ..

    نقطة أخرى أود أن أشير إليها؛ وهي أن كثيرًا من النساء اللاتي يتصدرن هذه الدعوات نسبتهن في المجتمع نسبة صغيرة؛ سواء قلت لي واحدة ترشحت في الكونجرس؛ فهذه لم تعش في بيئتنا ولا تعرف معالم بناء شخصيتنا، وحتى الأخريات يعشن حياة في أمريكا وأوروبا دهرًا طويلاً من الزمن، وفكرهن وزيارتهن وقدوتهن وهواهن وكل شيء متعلق بالغرب، فهؤلاء كلهن نشأن في بلاد الغرب. وبالمناسبة بعض الأسر السعودية التي كانت ثرية وتقدمت في التعليم قبل أن يصبح التعليم هنا درسوا في الجامعة الأمريكية في مصر والجامعة الأمريكية في بيروت ودرسوا مراحل الدراسة الأولى إلى الثانوية في كلية فكتوريا في الإسكندرية، وهذه كلها مدارس غربية تنصيرية تأقلموا معها. نحن لا نذمهم بمعنى أن نقول إنهم فسقة أو إنهم أصحاب هوى، ولكن نقول إن طبيعة نشأتهم لا تمثل الفكر الإسلامي، وكون الإنسان يصلي لا نستطيع أن ننزع عنه الإسلام، لكن كونه يصلي لا يعني أنه يمثل الإسلام ويفهم الإسلام ويفقه الإسلام!.

    لقد أصبح كل أحد الآن بالجريدة يكتب كتابة، ويقول هناك أخطاء في تدريس أبنائنا! إذًا ما معنى ذلك؟ هل يعني هذا أن الشذوذ أو أن الرأي المخالف المحجوب هو الذي يصبح الأصل؟ حتى ثقافة الاختلاف لا تعني الإقرار بالخطأ؛ تعني تفهمه أو عذر صاحبه في ذلك، ولا تعني أن يكون الخطأ المحدود الذي تتبناه فئة قليلة من الناس هو الأصل الذي يوازي حكم الأغلبية. أنا لو قلت –مثلاً-: نسبة الذين يقولون في مسألة معينة 10%، ونسبة الآخرين 90% من عموم العلماء هذا لا يعني أن أعطي رأي 10% بنفس القوة التي يأخذها 90% وهذا يقوله العقلاء؛ بل تقوله الديمقراطية اليوم؛ فإذا 51% صوتوا للمشروع فإنها نسبة تفوز على 49% .

    بعض اللواتي قدمن مطالب إصلاحية هن من الوسط الدعوي ومن الكاتبات والمثقفات الإسلاميات؛ فهل هناك شك في صدق نواياهن، أم أننا نعيش في مأزق ولابد من الاعتراف بالخطأ؟

    د.با دحدح :لا شك أن لدينا قضيتين: الأولى؛ هناك أخطاء لا بد أن تدرس، أنا لا أقبل الاعتراف أو الأخذ في الأمور هكذا لمجرد إثارتها عبر مقالة أو رأي غير مستند على أداء بحثي علمي .. لدينا قضية القضاء، وهي إشكالية موجودة وتمثل صعوبة بالنسبة للمرأة، وبدلاً من أن نتكلم عن أصل القضاء الشرعي ومحاولة اجتثاث الشيء من جذوره؛ علينا البحث عن معالجة الأخطاء .. وهذا مهم؛ فوجود الخطأ لا بد أن يدرس ليكون هناك بناء صحيح للإصلاح.

    الأمر الثاني: الرأي الشخصي لفرد أو امرأة أو اثنين حتى لو كانت داعية أو ملتزمة.. فإن الرأي تقابله أراء أخرى. ثم أيضًا هناك فقه الموازنة في رعاية المصلحة العامة والنظرة الكلية؛ لو كان عدوي الآن يقول كلامًا وهذا الكلام أوافقه فيه ينبغي أن أحسن عرضه بما لا يمكّن عدوي وعبر موافقتي له من أن يصل إلى مآرب أخرى.. هذه القضية قضية وعي، وعلينا أن نعي أن هناك أيضًا ظروفًا بيئية شخصية لبعض الناس؛ تجعل له طرح معين، والظروف الشخصية لا تملي على الناس المشكلة..

    أنا اكتب في الإعلام إذًا رأيي ينتشر.. ورأي الغالبيات الآن تشكل من الإعلام ولا يتشكل من الحقيقة، أنا أدعو الناس أن يصوتوا للمرأة السعودية وانظروا ماذا تختار!
    يا من تدعون الديمقراطية اتركوا المرأة تصوت على نمط المرأة الذي تريد!!

    دكتور علي أنت الآن تتحدث على أن هناك أخطاء، لكن مشكلتنا في عدم الاعتراف بها! الإشكالية هو أن التيارات الأخرى تسابق الزمن بطرح القضايا بحثًا عن الحلول؛ بينما يتلقف الوسط الدعوي وخصوصا المشايخ هذه المبادرات بالصد وادعاء كمالية المجتمع!

    د.با دحدح: نعترف ونبادر علميًّا وليس بناء على استباق فهذا الذي يحصل استباق، وأنا أدعو كل صحفي الآن أن يعطيني قضايا محددة طرحت خلال الأشهر الماضية باستثناء قضية القضاء وباستثناء حالات يذكرونها عن أن الرجال يظلمون النساء أو لا يعطوهن حقوقهن.

    دفاعكم أمام بريق أطروحات الغربيين قد يسقط نساءنا في تيار التغريب الذي تحذرون منه
    د.با دحدح: قد تجذب لكن نحن نطرحها بالمقابل وبهدوء وبعيدًا عن الإثارة المفتعلة، ثم أنت تتكلم بمقياس الإعلام، ونحن نتكلم بالمقياس العلمي الاجتماعي، أنا لا أختلف معك؛ لكن أقول لك كم حجم هؤلاء.. أنا أريد شيئًا علميًّا.. هو لا شك لولا أن هناك أخطاء ما اعترفنا بها ؛ لكن أنا لا أريد أن نعترف بالقضية دون منهج علمي..

    أنا أريد أن نعترف بالمنهج العلمي إذا كانوا صادقين في طرح القضية؛ بحيث ندرس استبيانات ونقدم حالات نخرج بنتيجة عملية حقيقية، وهذا صحيح، والآن الناس يقدمون اقتراحات عملية في بعض هذه الجوانب، ولا شك أن هناك قصورًا في المبادرات الإصلاحية؛ لأن الوضع المستقر لا يستفز الناس لأن يقدموا، وأن يكونوا متحمسين جدًّا لإصلاح بعض الأخطاء، وهناك تقصير من الدعاة في المبادرة، وأنا واثق تمامًا وأقول هذا عن يقين، وأستطيع أن أثبته لك من خلال ما كتبه بعض الناس أن الدعاة قد كتبوا في أوقات سابقة ومنذ عشرات السنين عن بعض القضايا وطرحوها في منابر عامة وطرحوها أيضًا في جهات خاصة، ولكن هم ليسوا إعلاميين؛ هم ميدانيون ولا يتفرغون للطرح الإعلامي.

    عفواً أستاذ عدنان نحن نريد أن ننتقل لرؤيتك لأسس وضوابط تعتقد بوجوب توفرها في أي محاولة إصلاح وتطوير لدور المرأة في المجتمع السعودي.

    د.باحارث: أي إصلاح لا ينطلق من معالم ديننا وما اتفقت عليه الأمة وأجمعت عليه؛ فإنه قطعاً ليس بإصلاح.. صحيح لابد أن ينطلق من معالم ديننا ومما أجمعت عليه أمتنا، أنه حق؛ فهذا هو الانطلاق الذي ننطلق منه، وأي إصلاح يخرج عن هذا فليس بإصلاح، و أريد أن أؤكد في الضوابط على أهمية أن تقبل المرأة بأفضلية الرجل؛ فالله -سبحانه وتعالى- قدم الرجل في أشياء معينة ليست بالتحديد في حدود الذكورة والأنوثة، فالله –سبحانه- قدم الرجال على النساء في نص القرآن وفي التعامل، وجعل للرجال على النساء درجة فطرية، ليس هو من أجل شيء ما وإنما لتنظيم الحياة الإنسانية؛ فالله -سبحانه وتعالى- وزع هذه الملكات بين الرجال والنساء، والمشكلة الآن التي تواجهنا أن المرأة تريد أن تخرج عن هذا الإطار، وتريد المساواة في القوامة بينها وبين الرجل، وهذا لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون؛ لا فطرياً ولا اقتصادياً. قد يختل مقام الرجل اقتصاديًّا حينما تقوم المرأة بالإنفاق، لكن كيف نحاول الاخلال بهذا الميزان فطريًّا؟!

    فالضوابط هي ما أجمعت عليه الأمة، أما بالنسبة للمسائل الخلافية التي ذكرها الدكتور علي با دحدح إلى عهد قريب قبل أن تأتينا هذه الثورة المعلوماتية وقبل أن تأتينا شبكات الانترنت كان كثير من الناس من الذين لا ثقافة إسلامية عندهم، وكانوا متغربين، كان يصعب عليهم أن يحنوا ظهورهم ويدخلوا لهذه الكتب ويخرجوا منها المسائل الفقهية؛ أما الآن فقد أصبحت القضية عن طريق (السي دي) يكفيه بضغطة واحدة أن يصل للمعلومات الفقهية، ثم يأتي بعد ذلك ويضحك علينا في الجريدة ويأتينا بتلك الأقوال مسرودة؛ وكأنه ذهب وأخذها من هناك؛ نقول هذا العلم لا ولن يبني الشخصية بهذه الطريقة، وإنما يبقى مختلاً حتى يعكف صاحبه على المشايخ.

    ما هو المطلوب من المرأة السعودية للمشاركة في أي مشاريع إصلاحية؟
    د.باحارث: نوجهها إلى الالتزام بدينها وأخلاقها والآداب الإسلامية، وأن تدفع عن نفسها هذه الهجمة بكل ما تستطيع: أن تكتب بقلمها في الصحافة، أن تتصل ببعض المسؤولين تعطيهم وجهة نظرها، وأن تصرح أن هذا الإصلاح الذي يأتي من الخارج (ولا سيما من الفكر غير الإسلامي أو من الداخلين المستغربين) غير موافق لشريعة ربها.

    يناقش مؤتمر الحوار الوطني دور المرأة السعودية في المجتمع ما هي رؤيتكما لعوامل نجاح المؤتمر؟
    د.با دحدح: ألا تكون قضية الإسلام والشريعة الإسلامية عبارة ورقة للبحث، وإنما أن نبني هذا الموضوع الحساس والمهم بأصالة شرعية ودراسة علمية تخصصية، حتى إذا خرجنا برؤية أو برأي يكون على أسس صحيحة، وهذه مسألة أولى. المسألة الثانية: تاريخ المملكة تأسيسًا سياسيًّا وتشريعًا قضائيًّا وواقعًا اجتماعيًّا ونهضة تعليمية كانت فيه مكتسبات تتعلق بقضية المرأة بشكل مناسب لا ينبغي إغفالها، ومن الخطر والخطأ أن ننقض كل شيء.

    نحن عندنا التجربة الفريدة في التعليم غير المختلط من الحضانة إلى الدكتوراه، واستطاعت المرأة السعودية أن تحصل على الدكتوراه داخل المملكة وخارج المملكة بالإشراف وبآليات طورت دون أن نضطر أبدًا إلى أن ندخل إلى حمأة الاختلاط ومشكلاته الكبرى، والإحصائيات في بعض الدول العربية توحي إلى أن نسبة 27% على أقل تقدير من بنات الجامعة متزوجات زواجًا عرفيًّا، هذه التي تريد أن تسلك مسلكا تظنه شرعيًّا فضلاً عن ما هو وراء ذلك، لو تصورنا وجود أخطاء في هذه المسيرة؛ فإن الحل هو علاجها وتطويرها وإعطاؤها أفقًا أوسع دون أن ننقلب عليها.

    مشكلة ردود الفعل التي تأتي سواء كانت بتوجه يسمى إصلاحيًّا أو غير إصلاحي مشكلتها في أنها تستند على الخطأ اليسير لنقض الأصل كله.. هذه قضية مهمة؛ الوضع النظامي والشرع..كل النصوص النظامية في المملكة العربية السعودية وسياستها الأمنية وسياستها التعليمية وسياساتها الموجودة في الأنظمة تعطي المرأة الجانب المتعلق بالشريعة والحفاظ عليه،
    وكما ذكر في الحوار الأول والثاني أننا نلتقي على قضايا أساسية، فنحن وطن واحد ونحن قيادة واحدة لا نزاع فيها؛ كيف نجمع على أننا وطن لا نريد تفتيت وحدته وعلى قيادة لا نشك في شرعيتها، ولا نجمع على أن ديننا هو الشيء الذي لا نزاع فيه، وعلى أن واقعنا الذي انعكس عن هذا الدين ليس فيه مجال للنزاع؟!

    النقطة الأخيرة أقولها في هذا الحوار: الحقيقة وهو مشابه للحوارات السابقة ينبغي ألا يأتي أحد للحوار لقضيتين أساسيتين إما تمرير مصالح شخصية وآراء شخصية، وإما للقفز فوق الحواجز والتشويش..
    قضية الحوار الأصل أنه يراد منها أن تحقق مصالح وطنية عليا، وعندما يتجرد المحاورون من ذواتهم ومن طموحاتهم ومن رد فعلهم الشخصي؛ فأعتقد أنهم سيحصلون على المطلوب. الأصل في هذه القضايا أن الذين يختارون أو الذين يشاركون يسهمون بقضية تخدم الوطن كله، فينبغي أن يستحضر أمانته أمام الله -عز وجل-، ثم أمانته أمام المسؤولين الذين اختاروه، ثم أمانته في القضايا التي يتحدث فيها.

    للأسف رأينا في السابق أشياء أخرى كانت عبارة عن مهاترات وطبعًا مشاركة المرأة مهمة، وقولها في مثل هذه القضايا سيكون له قيمته ووزنه المعتبر، والله أعلم.

    د.باحارث: أنا حقيقة أريد أن أختم هذه الندوة بسؤال يقول: أين كانت المرأة في العصر الذهبي في الإسلام؟ والإجابة أن المرأة أنجزت في العصور الذهبية؛ فكانت سيدة النساء وسيدة الوزراء. وهؤلاء النساء أين كن في تلك العصور؟ هل كن في الأندية؟ هل كن في الشوارع؟ هل كن حتى في المساجد؟ كانت المرأة في بيتها، وكل ما حققته تعلمته في البيت؛ فأصبحت مسندة عصرها.

    هذه النقطة التي يجب أن نقولها: أين كانت المرأة في العصر الذهبي؟ كانت في بيتها قطعًا والأدلة على هذا كثيرة جدًّا؛ أما قضية أن المرأة نحتاج لها في النهضة الاقتصادية؛ فنقول: إذا عجز الرجال عن القيام بهذه النهضة؛ فهل تقوم الأيدي الناعمة بهذه النهضة؟ ثم الأزمة التي حصلت في شرق آسيا -وإن كان الغربيون لهم يد في هذه الأزمة التي حصلت- وجدنا الإحصائيات في تلك الفترة أن نسبة النساء العاملات 60%، وكأنها رابط كلما زادت نسبة النساء في العمل كلما كان الضرر أكثر على الجانب الاقتصادي.

    نقلا عن موقع الإسلام اليوم.


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()