|
قيام الليل فرصة ذهبية
على امتداد ساعات النهار تجد المتقين يسعون جهدهم لأداء الإحسان وبذل الخير.. غير إنهم إذا أووا إلى مساكنهم عشاءاً اتخذوها محرابا للعبادة وفرصة للتهجد. فتراهم صافين أقدامهم يجأرون إلى ربهم، تكاد أرواحهم الطاهرة تفارق أبدانهم شوقا إلى الله وفرقا من عذابه.
إن معرفتهم بربهم، وتطلعهم إلى القربى منه، لا تدع أجسادهم تستريح إلى الفراش. وهل يستريح من يطلب أمراً عظيما؟.
قال الله تعالى: ﴿ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ﴾ ذكر أن الهجع يعني النوم ليلا، ولعلها توحي بثلاثة ظلال حسب ما جاء في اللغة من مفرداتها:
الأول: عدم السكون التام في النوم؛ وبسبب تعلق قلوب المتقين بالآخرة لا تسكن تماما في الليل، بل تسكن جوارحهم دون جوانحهم. ومنه التهجاع النومة الخفيفة.
الثاني: النوم في أول الليل دون أخره. قالوا: الهجعة؛ النومة الخفيفة من أول الليل.
الثالث: النوم المتقطع في بعض الليل. قالوا: الهجع من الليل؛ الطائفة منه.
والآية تدل بظاهرها على أن نومهم في كل ليلة قليل، حسبما تدل على ذلك آيات أخرى كقوله سبحانه:
﴿ قم الليل إلا قليلا ﴾، وقوله: ﴿ ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا﴾، وقوله: ﴿أمن هو قانت آناء الليل ساجد أو قائما يحذر الآخرة﴾.
وللآية تفسير آخر؛ إن هؤلاء لم يكونوا يتركون قيام الليل إلا قليلا، وجاءت به الروايات، منها ما روي عن محمد بن مسلم إنه سأل جعفر بن محمد الصادق عن قول الله عز وجل: ﴿كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ﴾ فقال: (كانوا أقل الليالي تفوتهم لا يقومون فيها).
ولا يتنافى التفسيران، فهم يقومون كل الليإلى إلا قليلا، وإذا قاموا إلى العبادة لا ينامون إلا قليلا.
وقد تواترت النصوص الدينية في التحريض على قيام الليل والتبتل إلى الله عز وجل في رحم الظلام حيث تسكن النفوس، وتنام العيون، وتتساقط الحجب بين العبد وربه، ويخلو الحبيب بحبيبه.
جاء في الحديث عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال لسليمان الديلمي: (يا سليمان، لا تدع قيام الليل، فإن المغبون من حرم قيام الليل).
وقال: (إني لأمقت الرجل قد قرأ القرآن ثم يستيقظ من الليل فلا يقوم حتى إذا كان عند الصبح قام يبادر بالصلاة).
ولعلك تسأل: لماذا نجد البعض يوفق لقيام الليل بينما لا يوفق آخرون؟ تجيب على هذا نصوص الدينية إن ذنوب النهار تقيد الرجل عن ذلك، وبالذات الكذب والغيبة.
يأتي رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: إني قد حرمت الصلاة بالليل. فقال: (أنت رجل قد قيدتك ذنوبك).
وفي حديث مأثور عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: (إن الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل، فإذا حرم صلاة الليل حرم بها الرزق).
أما إذا قرر الإنسان القيام بالليل تائبا إلى الله تعالى، فإن الله سبحانه يغفر بذلك ذنوبه التي اقترفها بالنهار. هكذا يقول جعفر بن محمد الصادق فيما روي عنه: (صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار).
ومثلما تتساقط الذنوب عن المتهجد بالليل، فإن الأمراض تطرد من جسده. جاء عن جعفر بن محمد الصادق: (عليكم بصلاة الليل فإنها سنة نبيكم، ودأب الصالحين قبلكم، ومطردة الداء من أجسادكم).
كذلك تجلب صلاة الليل الرزق، حتى جاء في النص المأثور عن جعفر بن محمد الصادق:
(كذب من زعم إنه يصلي بالليل ويجوع بالنهار. إن الله ضمن بصلاة الليل قوت النهار).
كما إن قيام الليل يزيد من شرف المؤمن، فقد جاء في الحديث المروي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن جبريل أنه قال: (شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه كف الأذى عن الناس).
نختم حديثنا عن قيام الليل بحديث رائع عن على بن أبى طالب: (إن العبد ليقوم في الليل فيميل به النعاس يمين أو شمالا، وقد وقع ذقنه على صدره، فيأمر الله أبواب السماء فتفتح، ثم يقول للملائكة: انظروا إلى عبدي ما يصيبه في التقرب إلى بما لم أفترض عليه راجيا مني لثلاث خصال؛ ذنب أغفره له، أو توبة أجددها له، أو رزق أزيده فيه. اشهدوا ملائكتي اني قد جمعتهن له).
فهل بعد هذا لا يتحرك شوق الإنسان لقيام ليله، ولو لساعة منه. إنها فرصة ذهبية لا تعوض أبدا.
نقلاعن منتدى حوارات بتصرف
|