يسأل عن تفسير قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ[الفجر:5]؟.
الحِجر هو العقل، الله يقول سبحانه: وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (1-5) سورة الفجر، فهذه الآية تبين أن هذه الأقسام عظيمة أقسم الله بها سبحانه وهو جل علا يقسم بما يشاء سبحانه وتعالى لا أحد يتحجر عليه سبحانه وتعالى، وإنما أقسم بها لأنها من آياته الدالة على قدرته العظيمة وأنه رب العالمين فقال: (والفجر) وهو انفلاق الصبح بعد ذهاب الليل، (وليال عشر) فُسرت هذه الليالي بليالي عشر ذي الحجة وبليالي العشر الأخيرة من رمضان فهي كلها معظمة، (والشفع والوتر) الشفع الاثنين والأربعة والستة ونحو ذلك، والوتر الواحد والثلاثة والخمسة ونحو ذلك، كلها من آيات الله سبحانه وتعالى، جعل شفعا ووترا في مخلوقاته جل وعلا، وهي من آياته سبحانه وتعالى، السماوات السبع وتر والأرض سبع وتر والعرش واحد وتر والكرسي واحد وتر وجعل أشياء شفعا كالليل والنهار شفعا والذكر والأنثى شفعاً وغير ذلك، كما قال سبحانه: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ (49) سورة الذاريات، (والليل إذا يسر) كذلك من آياته هذا الليل حين يأتي بظلامه وفي النهار حين يأتي بضيائه كلها من آياته سبحانه وتعالى، ثم قال بعد هذا: (هل في ذلك قسم لذي حجر) فالمعنى -والله أعلم- هل في ذلك قسم لذي حجر لذي عقل يقتضي أن يخالف، بل يجب على المؤمن أن يتدبَّر ويتعقَّل ويعرف أنه سبحانه إنما أقسم بهذه الأقسام لدلالة عباده على عظم هذه المخلوقات وأنها من الدلائل على قدرته العظيمة ووحدانيته سبحانه وتعالى وأنه لا يجوز للمؤمن أن يخالف ما دلت عليه فيشرك بالله ويعبد معه سواه وهو الخلاق لهذه الأشياء القائم بأرزاق العباد إلى غير هذا، سبحانه وتعالى. ويحتمل معنى آخر وهو أنه سبحانه يريد هل في ذلك قسم لذي حجر يقسم به، أو إلا من هذه الأقسام التي فيها دلائل على قدرته العظيمة، مع أنه سبحانه حرم القسم بغيره جل وعلا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) فليس لأحد أن يقسم إلا بربه سبحانه وتعالى، فالآية فيها شيء من الغموض، لكن يحتمل أن المراد أن هذا القسم كافٍ في الدلالة على عظمة هذه المخلوقات وأنها من دلائل قدرته العظيمة، ويحتمل هل في ذلك لذي حجر قسم آخر ينبغي أن يقسم به للدلالة على توحيد الله والدعوة إلى عبادته وإخلاص له سبحانه وتعالى، هذا والله أعلم من المعنى. ويحتمل معنى آخر، ولعنا أن نعود إلى ذلك في حلقة أخرى لمزيد من البيان والإيضاح لما قاله أهل العلم في تفسير هذه الآية، والله جل وعلا أعلم وأحكم سبحانه وتعالى.