بتـــــاريخ : 6/25/2008 1:50:41 PM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1914 0


    في سبيل ثقافة نفطية: "الوقود الحيوي" وأزمة الطاقة المقبلة - الجزء الثالث

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : lionelfcb | المصدر : www.startimes2.com

    كلمات مفتاحية  :
    اقتصاد

                  

     

     

     
    في سبيل ثقافة نفطية: "الوقود الحيوي" وأزمة الطاقة المقبلة
     

     

     

     

    كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "الوقود الحيوي"، خاصة بعد تبني الحكومة الأمريكية سياسات تدعم هذا النوع من الوقود لمجابهة الاعتماد المتزايد على النفط المستورد. وعلى الرغم من أنه لا تخلو الصحف بشكل يومي من ذكر هذا النوع من الوقود، إلا أن القليل في بلادنا من يعرفون ماهية الوقود الحيوي والذي تترجمه بعض وسائل الإعلام "الوقود الإحيائي"، وقليل من يعرف أن زيادة الاعتماد على الوقود الحيوي قد تؤدي إلى أزمة طاقة في أي لحظة، وأن دول أوبك، في النهاية، قد تدفع الثمن. وما هذه المقالة إلا مقدمة لتعريف القراء بالوقود الحيوي وتوضيح دوره في خلق أزمات الطاقة في المستقبل.

    الوقود الحيوي من أقدم أنواع الوقود

    أعطت كثرة الحديث عن الوقود الحيوي في السنوات الأخيرة انطباعاً لدى كثير من الناس بأن "الوقود الحيوي" وقود جديد يصنف تحت "الطاقة المتجددة" و "البديلة" للنفط، وأن الاهتمام به نتج عن الارتفاع الكبير في أسعار النفط في السنوات الأخيرة. الحقيقة إن الوقود الحيوي من أقدم أنواع الوقود التي استخدمها الإنسان لأن الحطب وقود حيوي، وروث الحيوان وقود حيوي. والحقيقة أيضاً أنه حتى المحرك الانفجاري في السيارات صمم أصلاً لاستخدام الزيوت النباتية وليس النفط، ولكن توافر النفط ورخصه في نهاية القرن التاسع عشر أدى لتطوير محركات تعتمد على النفط بدلا من الوقود الحيوي.

    ما هو الوقود الحيوي؟

    ينعت هذه النوع من الوقود بـ "الحيوي" لأن مصدره ليس النفط أو الفحم وإنما كائنات "حية" من النباتات والحيوانات، لهذا فإنه يعد من أقدم أنواع الوقود بسبب استخدام الإنسان للحطب في التدفئة والطبخ منذ زمن سحيق. إلا أن الأمور تطورت في العقود الأخيرة فأصبح بالإمكان استخراج سوائل يمكن استخدامها في محركات الاحتراق الداخلي بدلاً من البنزين والديزل، كما أصبح بالإمكان أيضاً استخراج الغاز الحيوي واستخدامه في التدفئة أو في توليد الكهرباء. أما الحطب والأخشاب فإنها ما زالت تستخدم بالطريقة نفسها التي استخدمها الإنسان عبر آلاف السنين وذلك عن طريق الحرق المباشر، إلا أن ما تم استحداثه أنه يتم في بعض المناطق توليد الكهرباء عندما يتم توليد البخار عن طريق الحرق المباشر للحطب وبقايا النباتات.
    وكما هي الحال في الوقود الأحفوري فإنه يمكن تقسيم هذا النوع من الوقود إلى ثلاثة أنواع: صلب وسائل وغازي.

    النوع الصلب يتمثل في مخلفات النباتات كافة، بما في ذلك الأخشاب المختلفة. النوع السائل يأتي بصيغات متعددة منها الإيثانول والديزل الحيوي والزيوت النباتية. النوع الغازي هو غاز الميثان المستخرج من تحلل النباتات والمخلفات وروث الحيوانات.
    هناك مصدران مختلفان للوقود الحيوي السائل: النباتات الحاوية على السكر أو النشاء مثل قصب السكر والشمندر السكري والذرة، ويستخرج منها الإيثانول عن طريق التخمير، والنباتات الحاوية على الزيوت مثل الصويا وعباد الشمس والذرة وتستخرج منها الزيوت التي تعالج كيماويا للحصول على الديزل الحيوي. كما يتم استخدام الزيوت النباتية المستخدمة في الطبخ كوقود للسيارات وذلك عن طريق حرقها مباشرة في المحركات الانفجارية.

    أما الغاز الحيوي فإنه غالباً ما يستخرج من روث الحيوانات عن طريق تخميره، أو من النفايات عن طريق ردمها و تحللها في بيئة خالية من الأوكسجين.

    الإيثانول

    سائل كحولي شفاف، لا لون له، طعمه حلو نوع ما. والمُرَكَّز منه له طعم حارق وذو رائحة نفاذة. يُستخدم كمصدر للطاقة بديلاً عن البنزين، أو يًُمزج مع البنزين بنسب مختلفة لأسباب عديدة أهمها تخفيف التلوث الناتج عن احتراق البنزين في محركات السيارات. ويتم إنتاجه في الغالب من النباتات ومخلفاتها خاصة النباتات التي تحتوي على كمية كبير من السكر والنشويات مثل قصب السكر والشمندر السكري والذرة والقمح.

    ويرى كثير من الخبراء أن زيادة استخدام الإيثانول كوقود أسهمت في رفع أسعار المواد الغذائية في شتى أنحاء العالم بسبب ارتفاع أسعار الذرة ومشتقاتها، إضافة إلى ارتفاع أسعار السكر. وتقوم حاليا العديد من الدول، خاصة في إفريقيا ببناء مصانع الإيثانول بسبب توافر المحاصيل الزراعية المحلية من جهة، وارتفاع أسعار النفط المستورد من جهة أخرى.

    الديزل الحيوي

    يختلف الديزل "الحيوي" عن الديزل "النفطي" في أنه يستخرج من النباتات المعروفة بإنتاجها للزيوت مثل الصويا والقنب والقطن، أو من الشحوم الحيوانية، الأمر الذي يجعل لونه يختلف حسب مصدره ويراوح بين لون ذهبي إلى بني غامق. وزيت الفول السوداني الذي استخدمه رادولف ديزل في محركه لا يعتبر من الديزل الحيوي لأنه كان زيتا نباتيا خالصاً. ويستخدم هذا النوع من الديزل في المحركات وعمليات التسخين والتدفئة مثله مثل الديزل النفطي. وعلى الرغم من أنه يمكن استخدامه في عدة أنواع من السيارات إلا أن الشائع في أوروبا وأمريكا هو مزجه مع الديزل النفطي بنسب تختلف من مكان لآخر.

    ويتم الحصول على الديزل الحيوي عن طريق عملية كيماوية تسمى "الأسترة" يتم فيها مزج الزيوت النباتية بمواد كحولية مثل الميثانول أو الإيثانول ومواد محفزة مثل الصديوم الهيدروكسايد والذي يسبب تفاعلاً كيماوياً ينتج عنه الديزل الحيوي ومادة أخرى هي الجليسيرين.

    ميزات الوقود الحيوي

    يتميز الوقود الحيوي عن الوقود الأحفوري بأن احتراقه لا يسبب المشكلات البيئية نفسها لاحتوائه على كربونات أقل. كما أن أغلبه يتحلل بالماء خلال فترة قصيرة من الزمن بينما لا يتحلل الوقود الأحفوري حتى بعد مرور عشرات السنين. يجب توخي الحذر عند الحديث عن المنافع البيئية للوقود الحيوي لأن مساندوه يتجاهلون الآثار البيئية السيئة الناتجة عن زراعته وتصنيعه. رغم هذه المزايا، إلا أن مخاطر انتشار الوقود الحيوي كبيرة وقد يؤدي استخدامه إلى أزمة طاقة عالمية.


    أسهم استخدام الوقود الحيوي على نطاق واسع في زيادة العوامل المؤثرة في أسعار المشتقات النفطية، ورفع نسبة المخاطرة، وزيادة تقلب أسعار هذه المشتقات. لذلك فإن القول بأن استخدام الوقود الحيوي يعزز من أمن الطاقة في الولايات المتحدة وغيرها هو مجرد هراء لأن أي جفاف يضرب منطقة الوسط الغربي في الولايات المتحدة المنتجة للذرة سيسبب أزمة بنزين خانقة في الولايات المتحدة. وأي ارتفاع في أسعار الذرة عالميا فوق مستوى أسعار الولايات المتحدة سيجعل المزارعين الأمريكيين يصدرون الذرة بدلاً من استخدامها محليا في مصانع الإيثانول، الأمر الذي سيسبب أيضا أزمة بنزين. والواقع أن أي موجة جفاف في أي عام من الأعوام ستؤدي إلى الإثنين معاً وسترتفع أسعار الذرة عالمياً، الأمر الذي سينتج عنه انخفاض إمدادات البنزين، وارتفاع تكاليف إنتاجه، وارتفاع أسعاره بشكل كبير. كل ذلك بدون أي تغير في أسعار النفط، وبدون أي تدخل من أوبك.

    مشكلات الوقود الحيوي

    لا تقتصر مشكلات الوقود الحيوي على أزمات الطاقة أو على تعريض أمن الطاقة للخطر فقط، وإنما تمتد إلى مجالات عديدة تجعله خطراً حتى على الأمن القومي للدول المستهلكة للطاقة. وفيما يلي توضيح مختصر لبعض مشكلات الوقود الحيوي:

    1. السعر: يدّعي أنصار الوقود الحيوي أنه أرخص من أسعار المشتقات النفطية حالياً ويستدلون ببيانات من مختلف الولايات الأمريكية على ذلك. هذا الادعاء مضلل لأنهم يقارنون سعر جالون من البنزين بجالون من الإيثانول، ولكن كمية الطاقة الموجودة في الإيثانول تمثل نحو ثلثي الطاقة الموجودة في البنزين. فإذا كانت السيارة تسير 40 كيلومترا بجالون من البنزين، فإنها تسير نحو 30 كيلومترا فقط بجالون من الإيثانول. هذا يعني أن تكاليف الإيثانول أعلى من البنزين.

    2. الاعتماد على واردات النفط: يدعي أنصار الوقود الحيوي، خاصة الإيثانول، أن زيادة استخدامه عن طريق مزجه بالبنزين ستؤدي إلى تخفيض الاعتماد على واردات النفط، خاصة النفط المستورد من الشرق الأوسط. هذا أيضا ادعاء مضلل لأن استخدام الإيثانول جاء على حساب مادة "إم تي بي إي" التي تم تحريمها قانونيا واستبدالها بالإيثانول. ويحتاج كل جالون من البنزين كمية إيثانول أقل من كمية إم تي بي إي للوصول إلى الأهداف البيئية نفسها التي كانت تحققها مادة إم تي بي إي. هذا يعني أن استخدام الإيثانول أسهم في زيادة الطلب على البنزين، وبالتالي على النفط المستورد! فعلى سبيل المثال، إذا كان الجالون يتكون من 90 في المائة من البنزين و10 في المائة إم تي بي إي، فإن الجالون نفسه يحتاج إلى 5 في المائة فقط من الإيثانول للوصول إلى النتيجة نفسها. لإكمال الجالون، لا بد من إضافة 5 في المائة من البنزين كانت تغطيها مادة إم تي بي إي.

    3. البيئة: يدعي أنصار الوقود الحيوي أن هذا النوع من الوقود صديق للبيئة لأن الغازات المنبعثة من احتراقه في محركات السيارات أقل من كمية الغازات المنبعثة من احتراق البنزين أو الديزل النفطي في المحركات نفسها. هذه العبارة مضللة لأنها لا تشمل الأثر البيئي لزراعة الذرة وغيرها، والتي تتضمن الأسمدة (والمستخرجة من النفط) والمبيدات الحشرية، ولا تشمل الآثار البيئية الناتجة عن سيارات الشحن الضخمة التي تنقل الذرة والإيثانول، خاصة أنه لا يمكن نقل الإيثانول بالأنابيب لأسباب فنية تتعلق باختلاط الماء به. أما في البرازيل فإنه يتم قطع أشجار الغابات الاستوائية لزرع قصب السكر مكانها لإنتاج الإيثانول. وتشير الدراسات إلى أن قدرة الغابات على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، أحد أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أكبر بكثير من قدرة المحاصيل الزراعية على امتصاصه. كما يشير بعضها إلى أنه إذا تم حساب الأثر البيئي من البداية وحتى النهاية لإنتاج الوقود الحيوي فإن الآثار السيئة للوقود الحيوي أكبر من الآثار السيئة للمشتقات النفطية. ومن المضحك أن احتراق الديزل الحيوي ينتج عنه غاز أكسيد النتروجين بكميات أكبر من الديزل النفطي وللتخفيف من أثر هذا الغاز الضار يتم مزج الديزل الحيوي بمشتقات .. نفطية! فجأة أصبح النفط صديقاً للبيئة!

    4. المياه: لعل الموضوع الأهم من أزمة الطاقة التي قد يواجهها العالم هو أزمة المياه الصالحة للاستعمال. لا تتطلب محاصيل الوقود الحيوي كميات إضافية من المياه فقط، وإنما يتطلب إنتاجها كميات هائلة من المياه. فقد أشارت إحدى الدراسات التي نشرت في العام الماضي إلى أن إنتاج جالون من الإيثانول يتطلب أربعة جوالين من المياه الصالحة للشرب، وإذا تم حساب المياه اللازمة لإنتاجه منذ زراعة الذرة وحتى وصوله إلى محطة البنزين فإن كل جالون من الإيثانول يتطلب 11 جالونا من المياه.

    5. النقل: يمكن نقل المشتقات النفطية بطرق متعددة أرخصها الأنابيب، وبأجواء متعددة تراوح بين درجات منخفضة جداً في الآسكا ودرجات عالية جدا في الربع الخالي, لكن هناك صعوبة كبيرة في نقل الوقود الحيوي. فلا يمكن نقل الإيثانول بالأنابيب، الأمر الذي تطلب أن يتم إنتاجه ومزجه بالبنزين بالقرب من نقاط التوزيع، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليفه. كما لا يمكن نقل الديزل الحيوي في الأجواء الباردة بسبب تجمده.

    6. الغِذاء: هناك معارضة شديدة لاستخدام المواد الزراعية لإنتاج الطاقة من عدة فئات في مختلف أنحاء العالم. فالبعض يعارض إنتاج الوقود الحيوي بناء على مبادئ أخلاقية بحتة لأنه من غير المنطقي أن يموت الفقراء من الجوع في الوقت الذي يحرق فيه الأغنياء الغذاء في سياراتهم الفارهة. وهناك من يعارضه لأن استخدام المواد الزراعية كوقود أسهم في رفع أسعار المواد الغذائية في شتى أنحاء العالم، وأغلب العالم من الفقراء الذين يعتمدون على الذرة والقمح كمصدرين أساسيين للغذاء.

    الخلاصة

    لا شك أن للنفط ومشتقاته عيوبا متعددة، ولا يمكن لأحد أن ينكر الآثار البيئية السيئة لحرق النفط. ولكن من الواضح أن للبدائل التي تحاول حكومات الدول المستهلكة فرضها بقوة القانون بحجة تعزيز أمن الطاقة أضراراً أكبر بكثير من النفط ومشتقاته سواء على المستويات الاقتصادية أو البيئية أو حتى الأخلاقية. إن البديل الوحيد الذي يمكن أن يحل محل النفط كمصدر للطاقة هو البديل الذي تدعمه قوى السوق بدون أي تدخل حكومي. هذا البديل غير موجود حاليا ولا يتوقع أن يوجد في المستقبل القريب. النفط، كان، وما زال، وسيظل المصدر الأساس للطاقة في العالم، إلا أن أزمة الطاقة القادمة لن تكون بسبب ندرة النفط، ولكن بسبب الوعود الوهمية لمصادر الطاقة الأخرى التي تحظى بدعم هائل من الحكومات المختلفة.


    * نقلا عن جريدة "الإقتصادية" السعودية.

    كلمات مفتاحية  :
    اقتصاد

    تعليقات الزوار ()