مقدمة
ركز الإسلام على التكافل الاجتماعي كأحد الأسس التي من خلالها تتحقق الحياة الكريمة للفرد، ولهذا فقد أوجد العديد من أشكال العطاء الديني التي من خلالها يتحقق التكافل الاجتماعي ومن بينها: الزكاة و الصدقة و الوقف و الكفارات و النذور...........و هذه الأشكال لا تقتصر فقط على العطاء لسد الاحتياجات الأساسية للإنسان بل لتحقيق حد الكفاية وحد الغني فكما قال سيدنا عمر بن الخطاب, "إذا أعطيتم فأغنوا"، وذلك عن طريق توفير فرص عمل والمساعدة في عمل مشروعات صغيرة...، و قد أكد العلماء أن التكافل الاجتماعي ينقسم إلى التكافل المادي والمعنوي، والتكافل المعنوي يأتي في صور كثيرة لأن احتياجات الإنسان لا تقتصر فقط على الاحتياجات المادية و لكنه تتضمن أشكالا أخرى مثل المشورة والنصيحة، والصداقة، والتعليم، وغيرها من أشكال العطاء ومن هنا يتضح أن العطاء بالمجهود و العطاء العيني لا يقل أهمية عن العطاء المادي، وأهمية أن يوجه إلى تنمية الإنسان وليس لخلق حالة من الاتكالية بسبب قصر العطاء على سد الاحتياجات الأساسية التي تعتبر بمثابة مخدر للآلام و لا تبحث عن الأسباب الفعلية للمشكلة ومعالجتها. ومن ثم فكل شخص ينبغي أن يكون له دور حقيقي ومؤثر في المجتمع وعليه مسئولية كبيرة في حل مشكلة الفقر والبطالة.... من جذورها، والمساعدة ولو بأقل القليل في الارتقاء بفرد أو أسرة واحدة من خلال فتح باب الرزق لها أو تعليم أفراد الأسرة مما يحقق لهم الاعتماد الذاتي الذي يعد أساس التكافل الاجتماعي.
التكافل الاجتماعي و الضمان الاجتماعي في الإسلام
تعريف التكافل الاجتماعي في الإسلام
يعد التكافل الاجتماعي من أهم الأسس التي يقوم عليها المجتمع في الإسلام والتي تضمن سعادته و بقاءه في إطار من المودة والأمن و الوحدة والسلام. والمعنى اللغوي للتكافل هو الانضمام و هي "ضم ذمة إلى ذمة لتتقوى إحداهما بهذا الضم". و بالمعنى المبسط أن كل فرد قادر من أفراد المجتمع يتعين عليه عون أخيه المحتاج حتى يضمن له على الأقل المستوى الأدنى من الحياة الكريمة و ضمان وجود الاحتياجات الأساسية و ذلك لجميع أفراد المجتمع دون التفرقة بين ديانة أو جنسية .1 و التكافل لا يعني فقط الشعور بالتعاطف السلبي والوقوف عند هذا الحد و لكن يجب أن يصاحبه الفعل الإيجابي .2 و قد أكد العلماء أن التكافل الاجتماعي ينقسم إلى قسمين: قسما مادياً و قسما معنوياً. فالقسم المادي هو المساعدة المادية بالأموال كي ينقل المحتاج من حالة الفقر إلى "حد الكفاية" أو "حد الغنى". كما قال سيدنا عمر بن الخطاب, "إذا أعطيتم فأغنوا" وكما قال سيدنا علي بن أبي طالب "إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم" 3. أما التكافل المعنوي فيأتي في صور أخرى كثيرة لأن احتياج الإنسان لا يقتصر فقط على الاحتياجات المادية و لكنه يتضمن أشكالا أخرى مثل النصيحة، الصداقة، الود، التعليم، المواساة في الأحزان، و غيرهم الكثير من أشكال العطاء.4
تعريف الضمان الاجتماعي في الإسلام
و قد أوضح العلماء أنه يوجد فرق في المعنى بين كلمتي التكافل الاجتماعي والضمان الاجتماعي رغم تشابههما. فالضمان الاجتماعي هو التزام الحاكم نحو رعيته أو باللغة المعاصرة التزام الحكومة نحو شعبها. فالسلطة يجب أن تحرص على إبقاء الحد الأدنى من المعيشة اللائقة للشعب و توفير المساعدة لكل من يحتاج إليها.5
التكافل الاجتماعي في الإسلام لتحقيق الرخاء في المجتمع
لقد ظهر مفهوم التكافل الاجتماعي في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. يقول الله تعالى في قرآنه الكريم "إنما المؤمنون إخوة" [سورة الحجرات، آية 10] كما يقول {و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض} [سورة التوبة، آية 71]. كما ورد في السنة الكثير من الأحاديث التي تحث المسلمين على التآخي و الإيثار من أجل الآخرين. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم، " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" و قوله "مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى". و أيضا قوله صلى الله عليه و سلم، "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".6
و لقد أوضح الإسلام أن المال الذي وهبه الله لعباده ليس ملكا خاصا لهم وإنما هو ملك لله. وذلك يستدعي أن المسلم لا ينفق المال فقط كما تلهمه أهواءه و إنما يكون الإنفاق حسب التعاليم التي أتى بها الله تعالى. فالإسلام يوضح أن الكون كله بمن عليه هو ملك لله و ليس للبشر. فلقد قال الله تعالى {ولله ملك السموات و الأرض} و أيضا {و آتوهم من مال الله الذي آتاكم}. و كون المال ملك لله، فهو أمانة في يد الإنسان إلى أن يسأل عليه يوم القيامة. و من أهم الأساسيات التي حث عليها الله تعالى في جميع رسالاته هو الإنفاق في سبيل الله. فلقد قال الله تعالى في قرآنه الكريم، {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل، و من يبخل فإنما يبخل عن نفسه، و الله الغني و أنتم الفقراء و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} [سورة محمد، آية 38]. كما يقول تعالى {و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} [سورة آل عمران، آية 180]. 7 و قد وصل إلزام الإسلام على المسلم أن يعطي لأخيه المحتاج إلى الحد أنه إذا لم تكفي الزكاة و الصدقات، فعلى المجتمع ككل أن يشارك بعضه بعضا في الكفاف. كما قال الله تعالى، { كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم} [سورة الحشر، آية 7]. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، "ليس بمؤمن من بات شبعان و جاره جائع إلى جنبه و هو يعلم"، كما قال، "أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا، فقد برئت منهم ذمة الله و رسوله". أما سيدنا عمر بن الخطاب فلقد قال،"إني حريص على ألا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجزنا تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف".8
من ثم نجد أن التكافل الاجتماعي هو حق أساسي من حقوق الإنسان التي كفلها الله تعالى لعباده منذ أربعة عشر قرنا. فنجد أن حق الإنسان في حياة كريمة هو من القواعد الثابتة في المنهج الإسلامي و ليس فقط نتيجة تجارب إنسانية ظهرت مع تقدم النظم السياسية والاقتصادية كما حدث في العالم الغربي في القرن العشرين.9 و لقد أوجد الإسلام وسائل عديدة للمسلم لكي يتحقق التكافل الاجتماعي منها الزكاة، الصدقات، الوقف و يعد صدقة جارية، الديات، الكفارات، و النذور. و هناك بعض المقترحات من بعض المفكرين التي قد نبدأ بها في المرحلة الحالية كمحاولات لتحقيق التكافل الاجتماعي، و منها التكافل العائلي ويعنى به أن العائلة تقوم بصندوق للتكافل الاجتماعي تعين به الأسر الفقيرة في العائلة كأن تعطي لهم راتب شهري أو مبلغ من المال لبداية مشروع أو إسعاف مريض. أيضا من المقترحات إنشاء لجان التكافل الاجتماعي في الأحياء لكي يساعد أغنياء الحي الفقير والمسكين و اليتيم منهم بصورة منظمة.10 ومن الضروري توريث أسس التكافل الاجتماعي عبر الأجيال.
الزكاة كوسيلة للضمان الاجتماعي:
تلعب الزكاة دورا هاما لتحقيق الضمان الاجتماعي. و هي كما وصفها الكثير من العلماء مؤسسة الضمان الاجتماعي، حيث أنها إلزامية و لها مصارفها و قيمتها المحددة. و لقد نجحت الزكاة في العصور الإسلامية السابقة كمؤسسة، متمثلة في بيت المال و الذي كان من مسؤوليات الحاكم، في تحقيق أهدافها في الإسهام بشكل كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية. وقد أوضح ذلك د. ناصح علوان في التكافل الاجتماعي في الإسلام قائلا، "لا يخفى أن مبدأ الزكاة حين طبق في العصور الإسلامية السالفة نجح في محاربة الفقر، و أقام التكافل الاجتماعي، و نزع من القلوب حقد الفقراء على الأغنياء ... و عود المؤمنين على البذل والسخاء و هيأ سبل العمل لمن لا يجد مال".11 و يتضح من هذا أن الزكاة لم تكن فقط مجرد إعطاء بعض من المال لإطعام الفقراء، إنما كانت وسيلة حقيقية للقضاء على الفقر و ذلك عن طريق توفير فرص عمل مثل أن يعطى الشاب الفقير رأس مال كي يبدأ تجارة و أن يشتري آلة لحرفة يعلمها. من هنا نجد أن الزكاة أداة من أدوات التنمية و القضاء الفعلي على الفقر.
و قد ضرب الخلفاء عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما أروع الأمثلة التي أوضحت كيف أن الحاكم الصالح قادر أن يحقق العدل و الرخاء لأمته من خلال الأمانة و العدالة الفائقة في توزيع أموال الأمة. فلقد قال الخليفة عمر بن الخطاب في عام الرمادة وهو عام المجاعة, "و الله الذي لا إله إلا هو، ما أحد إلا و له في هذا المال حق أعطيه أو أمنعه، و ما أحد أحق به من أحد، و ما أنا فيه إلا كأحدكم ... و الله لئن بقيت، ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من المال و هو يرعى مكانه".13 أما في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، فلقد محي الفقر و حل محله الغنى في جميع أنحاء الأمة، مسلمين كانوا أو غير مسلمين. فعن سهيل بن أبي صالح، كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن و هو بالعراق أن أخرج إليهم أعطياتهم فكتب إليه عبد الحميد: أني قد أخرجت للناس أعطياتهم و قد بقى في بيت المال مال. فكتب إليه: أنظر من أدان في غير سفه و لا سرف فاقض عنه، فكتب إليه: أني قد قضيت عنهم و بقى في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه: أنظر كل بكر ليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه و أصدق عنه، فكتب إليه: أني قد زوجت كل من وجدت و قد بقى في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه بعد مخرج هذا: أنظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام أو لعامين".14
و لقد أكد الإسلام على ضرورة مراعاة الحاكم لرعاياه بتحري الحق و العدل و تحقيق العدالة الاجتماعية و التكافل الاجتماعي. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال, "ما من أمير عشيرة إلا يؤتى يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل". كما قال عليه الصلاة و السلام، "ما من عبد يسترعيه الله عز و جل رعية، يموت يوم يموت و هو غاش رعيته إلا حرم الله عليه الجنة".15
و من هنا، يجب على كل مسلم و مسلمة أن يعلموا أن الأمة كلها أفرادا كانت أم حكومات عليها مسؤولية كبيرة للخروج من أزمة الفقر و الفساد و عدم المساواة التي يعاني منها الملايين من المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي. و علينا أن نبدأ بأنفسنا بأن نعمل و نشجع بعضنا البعض لتحقيق التكافل بين المجتمع كي نبرأ أنفسنا أمام الله تعالى يوم القيامة بأن أعطينا و عدلنا قدر ما استطعنا و هذا أضعف الإيمان