لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل شيئاً إلا ويذكر الله تعالى، ولكن لماذا؟ ما هي الحكمة والفائدة من هذا العمل؟ إن هذه الأذكار هي علاج لكثير من الأمراض النفسية......
كثيرة هي الأشياء التي كان يفعلها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وفيها ردّ على كل ملحد أو مشكك يدعي أن محمداً كان يريد الشهرة والمال والنساء!! فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام كان يحافظ على الأذكار صباحاً ومساءً حتى آخر لحظة من حياته. والذي يتعمق في هذه الأذكار والأدعية يرى فيها دليلاً واضحاً على صدق هذا النبي الرحيم.
فالإنسان الذي يكذب على الناس وعلى الله يكون همّه الدنيا وزينتها وشهرتها ومالها ونساءها، ويظهر ذلك جلياً في أقواله وأفعاله، ولكن عندما نتأمل حياة خير البشر صلى الله عليه وسلم نلاحظ أن كل همّه كان الآخرة! ويظهر ذلك واضحاً في الأذكار والأدعية والأفعال والأقوال. وهذا يدل على أنه صادق لأنه يعمل لما بعد الموت، فلو بحثنا في العالم بأكمله لا نجد إنساناً كاذباً يعمل لأجل الآخرة وهو يدرك أن الله سيحاسب البشر على كل صغيرة أو كبيرة.
أحبتي في الله، نستطيع أن نتدبَّر الحكمة من أذكار النبيّ ونحن نعيش في عصر العلم، حيث وجدتُ أن علماء البرمجة اللغوية العصبية وعلماء النفس وحتى الأطباء يؤكدون على أهمية أن يردّد الإنسان عبارات محددة كل يوم صباحاً ومساءً، وهذه العبارات سوف تحدث تغييراً في العقل الباطن وبالتالي تحدث تغييراً في الشخصية، ويؤكدون أن هذه العبارات يمكن أن تكون علاجاً لبعض الأمراض، وكذلك يؤكدون أن تكرار عبارات محددة صباحاً ومساءً يمكن أن يكون سبباً في النجاح في الحياة ومزيد من الإبداع والسعادة.
ومن هنا يمكن أن ندرك عَظَمَة هذا النبي عندما أمرنا أن نردد عبارات محددة كل يوم صباحاً ومساءً، وسوف نتأمل بعض هذه العبارات ونحاول معرفة ما تحمله من أسرار علمية تتجلى في هذا العصر لتكون وسيلة نزداد بها حباً وشوقاً للقاء الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، وبنفس الوقت فإن هذه الحقائق هي ردّ علمي مقنع على كل من يشكك برسالة هذا النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام.
سوف نعيش مع نماذج قليلة من أذكار المصطفى عليه الصلاة والسلام، وينبغي على المؤمن أن يحفظ هذه الأذكار عن ظهر قلب، فما أجمل أن نلقى النبي ونحن حافظين لكلامه في صدورنا.
آية تحفظك من شر كل شيء!
إنها آية الكرسي: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة: 255]، وهي الآية التي أكد النبي أن من يقرأها صباحاً لا يزال عليه حافظ من الله حتى يمسي، ومن قرأها مساء لا زال عليه حافظ من الله حتى يصبح.
لقد جرَّبتُ قراءة هذه الآية على أي شيء أمتلكه، وقد وجدتُ أن تلاوة آية الكرسي هو سبب في حفظ الأشياء بإذن الله تعالى. وعندما نقرأ هذه الآية على أولادنا أو إخوتنا فإنها تكون سبباً في وقايتهم من الشر، ولكن ما الذي يحدث علمياً؟
إن ثقة الإنسان بشيء ما تساعده على تحقيقه. فالاعتقاد السائد اليوم عند علماء البرمجة اللغوية العصبية أنك إذا فكَّرتَ كثيراً بأن مرضاً ما سيصيبك، فسوف يصيبك هذا المرض بالفعل؟ لأن التفكير يحدث نشاطاً في خلايا محددة من الدماغ، وهذه الخلايا العصبية تعطي أوامر لأعضاء وأجهزة الجسم حسب الأوامر التي تتلقاها.
فأنتَ عندما تغذِّي دماغك بأفكار التشاؤم فسوف يصيبك شيء منه، ولذلك يقترح هؤلاء العلماء أن تقوم بتكرار عبارات تؤكد فيها أنك ستكون بمأمن من هذا الشر، أو أن هذا المرض لن يصيبك، أو أنه لن يستطيع أحد أن يؤذيك، وستكون النتيجة رائعة، هكذا يقولون.
ومن هنا نقول: إن تلاوتك لآية الكرسي مثلاً وما تحمله هذه الآية من معاني سيؤدي إلى حفظك من كل سوء، فالله تعالى الذي حفظ الكون بأكمله لن يعجز عن حفظ مخلوق ضعيف يلجأ إلى الله ويتلو آياته ويعتقد أن الله سيحفظه ويحميه من كل سوء أو مرض. ولذلك فإن الأثر النفسي لقراءة آية الكرسي وتكرارها عدة مرات هو أثر عظيم يشعرك بالاطمئنان ويخلصك من الوساوس والمخاوف التي تنتابك أثناء التشاؤم أو الخوف من المرض أو الخوف من الأذى.
سورة تقيك شر كل عين أو حاسد أو سحر
إنها سورة الفلق (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) والتي كان النبي يحافظ على تلاوتها مراراً وتكراراً وبخاصة في الصباح والمساء،
لم أكن مقتنعاً بأن العين لها تأثير على الإنسان، ولكنني مررت بتجربة استمرت بحدود السنة فكنتُ أرى خلالها شخصاً يحسد الناس على كل شيء، والجميع يكرهونه ويحاولون الابتعاد عنه، ولكن الظروف شاءت أن يزورني هذا الشخص كل مدة بحكم صلة الرحم والقرابة التي لا أستطيع أن أنكرها. والشيء الغريب أن هذا الشخص كلما حضر في منزلي وبعد ذهابه مباشرة فإن أمراً سيئاً لابد أن يحدث مثل كسر غرض من أغراض المنزل أو إصابة السيارة بصدمة أو مرض وغير ذلك! وتكرر ذلك أكثر من عشرين مرة، أي أن هذه الأمور السيئة لم تحدث بالمصادفة بل بفعل عين هذا الشخص الذي كان يتمنى زوال النعمة عن الآخرين.
ولدى السؤال تبين أن معظم من زارهم هذا الشخص قد حدث لهم نفس الأمر، وهذا ما جعلني أستيقن أن العين حق (كما قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم) وأنه ينبغي أن نبحث عن العلاج، وبدأتُ أتلو سورة الفلق كلما رأيتُ هذا الشخص، وأكررها سبع مرات، وسبحان الله اختفت الأمور السيئة التي كانت تحدث من قبل!
إن هذه القصة حدثت معي وربما حدثت مع ملايين البشر ولكنهم لم ينتبهوا لمثل هذه الأمور، والجانب العلمي في هذا الموضوع أني عندما أتلو سورة الفلق وألجأ إلى الله فإن هذه السورة تمنحني قوة وثقة كبيرة بالله، واعتقاد أن عين هذا الشخص لن تؤثر بي أو بمن حولي، وهذا يعني أنني أعطي تعليمة للدماغ أن يكون مهيئاً لرد أي "أشعة" قد تصدر من عين الحاسد ومقاومتها وصرفها بإذن الله تعالى، وبالتالي فإن هذه السورة ستكون سبباً في حمايتي من الشر والسوء.
سورة تبعد عنك الهموم والوساوس والخوف
وهي سورة الناس التي ختم الله كتابه بها: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) هذه هي آخر سورة من القرآن،و طالما تساءلتُ: لماذا ختم الله كتابه المجيد بهذه السورة التي نستعيذ من شر الشيطان ووساوسه؟
تقول الإحصائيات الحديثة إن معظم الناس (وبخاصة في دول الغرب و دول الإلحاد) يعانون من اضطراب نفسي ما، ويعانون من وسوسة ما تسبب لهم التعاسة والاكتئاب والقلق. وحتى لدى المسلمين نجد مثل هذه الاضطرابات النفسية، وهي ما ينعكس عليهم سلبياً ويكون سبباً في عدم إحساسهم بالسعادة.
ولذلك فإن الله تعالى شاء أن يجعل آخر سورة لتكون علاجاً للاضطرابات النفسية فهو أعلم بخلقه وأعلم بنفوسهم وأعلم بما يصلح هذه النفوس. ولذلك فإنك عندما تقرأ سورة الناس وتكررها وأنت خاشع متأمل متدبِّر كلماتها الرائعة، فإن هذه الكلمات والمعاني ستؤثر على مناطق محددة في الدماغ وتنشطها لتعطي الأوامر إلى أجهزة الجسم بأن يزيل عنه التوتر والوسوسة والتفكير السلبي.
كذلك فإن كلمات هذه السورة عند تكرارها مرات عديدة ستحدث تغييراً في نشاط الدماغ بحيث تساعده على التفكير الإيجابي والفعال، وتتخلص بسهولة من الوسوسة أو التردد أو الحيرة التي تقع بها نتيجة ضغوط الحياة. فمن منَّا ليس لديه مشاكل في حياته؟ ومن منا لم يمر بظروف قاسية سببت له القلق والإحباط والاكتئاب؟ فهذه السورة العظيمة هي علاج لمثل هذه الاضطرابات، ولكن بشرط أن تقرأها بتمعن وتفكّر وخشوع، وأن تعتقد أن الله قادر على أن يبعد عنك أي ضرر وأنه قادر على أن يحل لك مشكلتك، ولكن التجئ إليه بقلب مخلص، وسوف تزول مشاكلك بإذنه تعالى.
هل تحب أن تختم القرآن في ربع دقيقة!!
وهذه سورة تعدل ثلث القرآن كما أخبر بذلك سيد البشر عليه الصلاة والسلام، إنها سورة التوحيد والإخلاص: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، فهذه السورة لها أثر عظيم في الشفاء وفي الرزق وفي منحك القوة وقوة الشخصية وهي السورة التي كان النبي يكثر من قراءتها. وبالتالي فإن قراءتك لهذه السورة ثلاث مرات (وهذا العمل يستغرق أقل من ربع دقيقة) فإنك تكون قد ختمت القرآن!
والحقيقة هذه السورة من أجمل السور في القرآن (والقرآن كله عظيم ورائع)، فهي سورة قصيرة جداً لا تتجاوز السطر الواحد ولكن معانيها غزيرة وعظيمة. فأنت عندما تقرأ سورة الإخلاص فإنك تعود إلى الفطرة التي فطرك الله عليها. وهذا ما حدث مع أحد القساوسة عندما قرأ هذه السورة لأول مرة فوجد صدى لهذه الكلمات في أعماقه، لقد أحس أنه يعرفها، وقال: لقد حفظت هذه السورة من أول مرة ولا زالت تتردد في أعماقي لدرجة البكاء!
ثم قال إنني ولأول مرة أشعر بأن هناك كلاماً يخاطب العقل والروح، إن إحساسي بأن الله واحد يشعرني بالارتياح والطمأنينة، ولذلك فإنني أشهد أن الله واحد أحد وأن الإسلام حق لأنني وجدتُ أن الإسلام هو دين الفطرة.
ولذلك يا أحبتي كانت هذه السورة سبباً في إسلام هذا القس بعد أن لمس الحقيقة ووجد أن الإسلام هو الدين الحقيقي، وهو الدين الوحيد الذي يقود إلى السعادة والاطمئنان، ولذلك قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]. فهذا قانون إلهي يؤكد أن كل مؤمن سيكون مطمئناً وحياته طيبة. أما الملحد فلابد أن تمتلئ حياته بالمشاكل والهموم وضنك العيش ولن يشعر بالسعادة أبداً ولو ظن أنه سعيد، بل إنه قلق في داخله، وهذا ما أخبر به القرآن في قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طه: 124-126].
دعاء يقرّبك من الله
إنه دعاء كان النبي يحافظ عليه كلما استيقظ من نومه أو كلما أراد أن ينام: (اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور) [رواه الترمذي]. انظروا معي إلى هذه الكلمات وكم تعطيك من ثقة بالله! إنها تجعلك تشعر بأنك تعيش كل لحظة قريباً من الله.
يؤكد العلماء على ضرورة مخاطبة العقل الباطن واستغلال أوقات الصباح والمساء، وبخاصة بعد الاستيقاظ وقبل النوم، فهاتين الفترتين يكون العقل الباطن في أقصى درجات الاتصال مع العقل الظاهر، وبالتالي فإنه يتلقى أي معلومة بسهولة ويرسخها ويتجاوب معها.
فأنت عندما تناجي ربك بهذا الدعاء إنما تتصل مع الله وتشعر أنك قريب من الله وأن الله مسيطر على كل شيء في حياتك ومماتك ويعثك يوم القيامة، وهل هناك أجمل من أن تشعر بأن الله معك في كل لحظة! إن هذا الشعور سيمنحك السعادة ويشعرك بالطمأنينة التي حُرم منها كل من يبتعد عن الله، وربما ندرك لماذا كان النبي حريصاً على هذا الدعاء وغيره صباحاً ومساءً، لأنه يريد لنا الاطمئنان ويريد لنا السعادة في الدنيا والآخرة.
دعاء التوحيد
وهو من الأدعية "الذهبية" التي كان النبي يرددها كثيراً بل كل يوم أكثر من مئة مرة، وهو: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) [متفق عليه]. لقد أكَّد الحبيب الأعظم على أنه من قال هذا الدعاء مئة مرة كُتبت له مئة حسنة ومحيت عنه مئة سيئة وكان كمن أعتق عشر رقاب، ولم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه!
سبحان الله! كل هذا الأجر ونحن غافلون عن هذا الدعاء؟ وكم عدد الذين يلتزمون لهذا الذكر كل يوم مئة مرة؟ لاشك أنه قليل، ولذلك فإنني أنصح كل أخ وأخت أن يتذكروا هذا الدعاء كل يوم ويحاولوا أن يكرروه مئة مرة على دفعات صباحاً ومساءً وظهراً وكلما ضاقت به السبُل، أو كلما شعر بالحزن أو الهم، ولكن ما الذي يحدث علمياً؟
إنك عندما تردد هذه الكلمات فإن هذا اعتراف منك بوحدانية الخالق عز وجل وقدرته وأنه قادر على كل شيء، فهو القادر على أن يرزقك إذا كان رزقك قليل! وهو القادر على أن يبعد عنك الأمراض إذا كنت تخشى ذلك، وهو القادر على أن يزيل عنك الهموم ويخلّصك من الأحزان والمشاكل النفسية.
ويقول علماء النفس من الضروري لأي شخص أصابه اضطراب نفسي مثل انفصام الشخصية أو الخوف الشديد أو الاكتئاب، أن يلجأ إلى شخص قوي ويشعر بأنه سيحميه أو سيخلصه من هذه الهموم، فإن هذا الشعور ضروري للعلاج، وأقول: هل هناك أقوى من رب السموات السبع سبحانه وتعالى لنلجأ إليه وندعوه ونتقرب منه؟!
دعاء الاستغاثة
إنه دعاء لا يستغني عنه المؤمن: (يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكِلني إلى نفسي طرفة عين) [رواه الحاكم]. تأملوا معي قوله عليه الصلاة والسلام: (طرفة عين) وفي روايات أخرى (طرفة عين أو أقل من ذلك) فما هي الحكمة العلمية، وما معنى أقل من طرفة العين؟
إن سرعة معالجة الأوامر في الدماغ واتخاذ القرار وبخاصة القرارات الخاطئة، هو زمن قصير يقدر بعشرات الميلي ثانية، وبالتالي أراد النبي لنا أن نعتمد على الله وألا يكِلنا إلى أنفسنا مقدار طرفة العين، ففي زمن طرفة العين هناك ملايين العمليات التي تتم في الدماغ والقلب، ولذلك فإن هذا الدعاء هو تسليم كامل لله أن يهيء لنا أبواب الخير وألا تتدخل نفوسنا الضعيفة في قراراتنا.
ويؤكد العلماء أن الزمن الأقل من طرفة العين هو زمن جوهري في العمليات داخل الخلايا العصبية، وقد يتخذ الإنسان قراراً في جزء من ثانية دون أن يشعر، ويكون هذا القرار سبباً في تعاسته أو خسارته، لذلك كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم حريصاً علينا ألا نتكل على أنفسنا أو نلجأ إلى قدرتنا وقوتنا ولو لجزء من الثانية، بل أن نسلم الأمر كله لله تعالى.
دعاء الرضا
ونقوله ثلاث مرات: (رضيت بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً) [رواه أبو داود]، فمن قال هذا الدعاء ثلاث مرات صباحاً ومساءً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة.
هناك قاعدة في علم النفس تؤكد أن 90 بالمئة من الاضطرابات النفسية سببها عدم الرضا عن الواقع الذي يعيشه الإنسان! ويحاول علماء النفس ابتكار طرق لجعل المرضى النفسيين يرضون عن حياتهم وظروفهم ويقتنعون بما يجري حولهم. وتؤكد بعض الدراسات أن الملحد أقل الناس رضا بما يجري حوله، لأن لديه الكثير من التساؤلات لا يوجد إجابة عنها، فمن الذي خلق الكون؟ ولماذا وجدتُ على الأرض؟ وماذا بعد الموت؟ و... كلها أسئلة يقف الملحد حائراً أمامها وبالتالي هناك مشاكل نفسية تنشأ لديه بسبب عدم القناعة بما يجري حوله.
إن هذا الدعاء يشعرك بالرضا وهذا ضروري لسعادتك، فأكثر الناس سعادة هم أكثرهم رضا! وهذه دراسة حديثة نشرتها مجلة أبحاث السعادة الأمريكية تؤكد هذه الحقيقة، فهذا الدعاء يقودك إلى السعادة ويزيل عنك الهموم، ولذلك أنصح كل مؤمن أن يلجأ إلى هذا الدعاء ويكرره عشرات المرات كلما أحس بالقلق أو الحزن.
دعاء قضاء الدين
إنه دعاء عظيم (اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجُبن والبخل، وأعوذ بك من غَلَبة الدَّين وقهر الرجال) [رواه أبو داود].
وهنا نجد المؤمن الذي يردد هذه الكلمات النبوية الرائعة أنه سيشعر بالقوة لأنه يلجأ إلى قوي حكيم عليم! فكلمة (أعوذ) تعني التجئ وأحتمي وأستجير بالله تعالى، وهل هناك أجمل من الاحتماء بخالق هذا الكون!
إن الإنسان عندما يردد هذا الدعاء إنما يعطي رسالة لدماغه ولعقله الباطن أن الله الذي يلجأ إليه قادر على أن يخلصه من الهم وأن يرزقه رزقاً يكفيه لقضاء دينه وليعيش حياة كريمة، بعيداً عن الأمراض والعجز والكسل وظلم الآخرين له، وبالتالي فإن هذه الرسائل ستفعل فعلها وستمنحك القوة الكافية للتحرك والبحث عن أسباب الرزق وتولد لديك طموحاً وهدفاً بضرورة العمل والابتعاد عن الكسل والخمول، وهو ما سيؤدي إلى كسب الرزق الحلال بإذن الله تعالى.
إن هذا الدعاء يعالج الكآبة، هذه الكآبة هي سبب رئيس للانتحار كما يقول الباحثون حيث يؤكدون في دراسة حديثة أن نسبة 3.4 من المصابين بمرض الاكتئاب الشديد ينتحرون! ولذلك فقد عالج الإسلام هذه الظاهرة بتكرار هذه الأدعية، وهذا ينعكس على المسلمين حيث نجد أن نسبة الانتحار تكاد تكون منعدمة في العالم الإسلامي!
دعاء الاستعاذة
وهو دعاء يُقال ثلاث مرات صباحاً ومساءً: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلَق) [رواه أحمد]. هذا دعاء يبعد عنك أي إحساس بالخطر أو الخوف، ويؤكد علماء النفس أن الخوف من الشر أكثر ألماً من الشر نفسه!! ففي بحث جديد يقولون إن شعور الإنسان بالخوف من شيء ما يسبب له آلاماً أكبر بكثير مما لو أن هذا الشر قد أصابه.
ولذلك فإن هذا الدعاء سيعمل مفعول "السحر" فهو سيعطي رسالة لدماغك أنه لن يصيبك مكروه أبداً، لأن الله معك فأنت تستعيذ به وتلجأ إليه، وكلمات الله التامات لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، فالذي يحصِّن نفسه بهذه الكلمات التي نجهلها، ولكننا ندعو الله بها (وقد تكون هي القرآن والله أعلم) إنما يجعل حول نفسه حاجزاً منيعاً من الشر والأذى.
دعاء سيد الاستغفار
لقد سمَّاه النبي سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) [رواه: البخاري]. ويكرر هذا الدعاء ثلاث مرات.
هذا من أروع الأدعية النبوية الشريفة، وتأملوا معي قوله عليه الصلاة والسلام: (أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي) هذا اعتراف بنعمة الله، أي بالرضا عن هذه النعمة، واعتراف بالذنب، لأن الاعتراف بالذنب أمام الله تعالى (وليس أمام البشر كما يفعل البعض من ديانات أخرى) هو الطريق للإحساس بالراحة النفسية والرضا والطمأنينة.
هذا الدعاء هو اعتراف منك بوحدانية الخالق جل جلاله، وهو اعتراف منك بعبوديتك لله، واعتراف منك بأنك ستلتزم عهد الله وتعاليمه وتبتعد عن المعاصي قدر المستطاع، هذا الاعتراف هو رسالة لدماغك أيضاً تحرضه على البعد عن المعصية والمنكر، والتزام أمر الله، وهو لجوء إلى الله تعالى واستعاذة من شر الأفعال التي قمت بها.
ولذلك من يكرر هذا الاستغفار صباحاً ومساءً فإنه يشعر بالاستقرار النفسي وهو بمثابة تفريغ للشحنات السلبية، وهو تفريغ للهموم والمشاكل النفسية، وبالتالي الحصول على شخصية أقوى وأكثر استقراراً. أي أن الذي يلتزم بهذه الأدعية لابد أن يكون وضعه النفسي مستقراً، وهذا ما نلمسه في حياتنا اليومية.
تقول الإحصائيات إن مرض الاكتئاب يكلف الولايات المتحدة الأمريكية كل عام 44 بليون دولار، حيث نجد أكثر من 17 مليون أمريكي مصاب بالاكتئاب الحقيقي، أي أنهم يعالجون عند الأطباء، ولكن معظمهم (أكثر من الثلثين) لا يستفيد من العلاج شيئاً! فانظروا معي لو أن هؤلاء التزموا تعاليم الله تعالى فهل يحتاجون للعلاج ولهذه الخسائر المادية الهائلة؟!
وأخيراً
أخاطب كل ملحد وأقول، بالله عليكم: النبي الذي علمنا هذه الأذكار وكان حريصاً على أن نكررها صباحاً ومساءً، هل كان يريد لنا الشر أم الخير؟ أليس الأجدر بكم أن تقدروا هذا النبي بدلاً من أن تصوروه على أنه نبي العنف والتخلف؟ لو كان النبي كاذباً في دعواه فلماذا علَّمنا هذه الأذكار وأمرنا بقراءتها كل يوم؟ ماذا سيستفيد من ذلك؟ ولماذا أراد لنا أن نكون قريبين من الله تعالى؟ ولماذا أراد لنا أن نكون بعيدين عن الوساوس والقلق والبؤس والشقاء؟ ولماذا أراد لنا السعادة والطمأنينة؟ كل ذلك ألا يشهد بأنه نبي صادق مرسل من ربه؟
ولا نملك إلا أن نقول كما قال تعالى في حق هذا النبي الرحيم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 128-129]. وهذا الدعاء يا أحبتي كان النبي يدعو به فيقول: (حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) فمن قاله سبع مرات أذهب الله عنه همَّه ولو كان مثل الجبل!!