في تجربة علمية وجد العلماء أن الإنسان يتأثر بالأفكار التي يعتقد بها، حتى ولو كانت غير صحيحة، وإن مجرد التفكير بشيء وهمي يؤثر على سلوك الإنسان.....
قرأت مقالة بعنوان "الخمر الوهمي" على موقع بي بي سي ووجدتُ من المفيد أن أعرِّف إخوتي وأخواتي بنتائج هذا البحث العلمي الذي أُجري حديثاً، ومع أن التجربة بسيطة، إلا أن نتائجها كبيرة، وتهمنا كمسلمين، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها واستفاد منها، ونحن نحاول الاستفادة من الأبحاث الغربية في ترسيخ الإيمان وتقوية الحجة، لأن مثل هذه الأبحاث عندما تأتي متفقة مع الكتاب والسنة، فهذا يدل دلالة واضحة (لكل من في قلبه شك) على أن الإسلام هو الدين الحق.
فقد قال الباحثون إن مجرد الاعتقاد بأن المرء يعاقر الخمور يمكن أن يعوق قدرته على التمييز ويضعف ذاكرته. وفي بحث نشر في دورية علم النفس الأمريكية قالت "سيما اصفي" و"ماريان جاري" المتخصصتان في علم النفس بجامعة فيكتوريا في نيوزيلندا إن الذاكرة يمكن أن تتأثر ببديل وهمي للكحول.
وأظهرت الاختبارات أن الأشخاص الذين شاركوا في التجربة قد أُبلغوا بأنهم يشربون الفودكا.. لكن الحقيقة كانت غير ذلك.. كانوا أكثر تردداً بسبب المعلومات المضللة وعلى يقين بان ذاكرتهم أكثر سلامة من هؤلاء الذين أُبلغوا بأنهم يشربون مياه غازية.
وتقول الدكتورة جاري إن البحث قدم آراء جديدة بشأن طريقة عمل ذاكرة الإنسان وكيف يمكن أن تؤثر العوامل الاجتماعية وغير الاجتماعية على قدرة الشخص على استرجاع الأحداث. إن ما فعلناه هو أننا جعلنا حالة ذاكرة هؤلاء الأشخاص أكثر سوءً بإبلاغهم بأنهم مخمورون رغم أنهم لم يشربوا أي شيء أقوى من المياه الغازية العادية بنكهة الليمون.
وتم تقسيم 148 طالباً إلى مجموعتين من أجل الدراسة وأُبلغ نصفهم بأنهم تناولوا شراب الفودكا والمياه الغازية وأُبلغ النصف الآخر أنهم شربوا مياه غازية فقط. وشرب الجميع مياه غازية عادية في حقيقة الأمر.
وأُجري البحث في غرفة تشبه الحانة مزودة بزجاجات الفودكا ونادل وزجاجات مياه غازية وكؤوس. وسُكبت المياه الغازية من زجاجات الفودكا مغلقة حتى يبدو أنها حقيقية . واكتمل الخداع بإضافة الليمون الحامض إلى الفودكا المزعومة.
وبعد تناولهم الشراب شاهد الطلاب مجموعة من الصور التي توضح جريمة. وقرأوا أيضاً ملخصاً عن جريمة يحتوي على معلومات خاطئة. وقالت سيما اصفي وجدنا أن الأشخاص الذين اعتقدوا أنهم مخمورين كانوا أكثر تأثراً بالإيحاء وأقل قدرة على المتابعة بالمقارنة مع هؤلاء الذي يعتقدون أنهم غير مخمورين.لقد تصرف الطلاب الذي تناولوا "الفودكا والمياه الغازية" على أنهم مخمورين حتى إن بعضاً منهم اظهر علامات بدنية على ذلك. وعندما أُبلغ الطلاب بالحقيقة لم يصدق الطلاب غير المخمورين ذلك.
وقالت الباحثة: عندما أُبلغ الطلاب بحقيقة التجربة في نهاية الدراسة شعر كثيرون بالدهشة من أنهم تناولوا مياه غازية عادية وأكدوا أنهم شعروا بأنهم مخمورون في ذلك الوقت. لقد أظهرت الدراسة أنه "مجرد تفكير المرء في أنه يعاقر الخمر يؤثر على سلوكه".
أما أهمية هذا البحث فهي أنه يوضح أن الذاكرة ليست مجرد حشو بالمعلومات مثل جهاز الكمبيوتر، بل إن الذاكرة هي مجموعة من المعلومات تتضمن كل ما نستخدمه للفهم وتذكر الأحداث في إطار اجتماعي، مثل مشاهدة جريمة.
والآن يمكن أن نخلص إلى النتائج التالية في ضوء الكتاب والسنة الشريفة:
1- قبل كل شيء تذكرني هذه التجربة بحديث عظيم لعن فيه رسول الله شارب الخمر وعاصره وحامله وناظره!! وكنتُ أتساءل ما بال "ناظره" ولماذا لعنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهل النظر إلى الخمر محرم؟
بناء على البحث السابق فإن الدماغ ينشط ويتأثر بأي شيء يجري حوله، وبالتالي فإن مجرد التفكير بالخمر يؤثر على سلوك الإنسان ويضعف ذاكرته، فكيف بمن ينظر إلى الخمر؟ لا شك أنه سيتأثر وبالتالي فقد حرَّم رسول الله مجرد النظر إلى الخمر، وفي هذا إعجاز عظيم يدل على حرص النبي على أمته، كيف لا وهو الذي وصفه ربه بصفتين لم يصف بهما إلا نفسه عز وجل، يقول تعالى في حق الحبيب الأعظم: (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
2- هناك حديث شريف كان يحيّرني كلما قرأته، وذلك عند الرؤيا أو الحلم، فقد أمرنا النبي إذا رأى أحدنا رؤيا يحبها فليحدث بها، وإذا رأى رؤيا يكرهها فلا يحدث بها ولا يفكر فيها ويستعيذ بالله فإنها لا تضره. والآن ربما أدركنا الحكمة منذ ذلك. فالبحث السابق يؤكد أن التفكير في شيء يؤثر على الدماغ والذاكرة والسلوك، ولذلك أراد لنا النبي أن نفكر بالأشياء التي نحبها لأنها تدخل السرور علينا وتنشط خلايا دماغنا وتجعلنا أكثر تفاؤلاً وأكثر سعادة.
أما الأشياء التي نكرهها (مثل الأحلام المزعجة والكوابيس) فقد أراد لنا النبي ألا نتذكرها ولا نحدث أحداً بها، وأكد أنها لا تضرنا أبداً! لماذا؟ لأن النبي يريد لنا السعادة ويريد لنا السلوك الحسن وألا نتأثر بالأفكار السيئة، فمجرد التفكير بالرؤيا المزعجة يؤثر على سلوكنا ويضعف الذاكرة ويجعلنا أكثر تشاؤماً، وهذا ما لا يريده لنا النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم.
3- إن نتائج البحث السابق تنطبق على كثير من الأمور ولا تقتصر على الخمر، وهذا يعني أن أي فكرة يعتقد بها الإنسان فإن دماغه يتأثر بها وسوف تؤثر عليه مباشرة. وهنا ربما ندرك الحكمة العلمية من تحريم كثير من الظنّ، ولماذا حرَّم التجسس ولماذا حرَّم الغيبة! يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات: 12].
فهذه التصرفات تؤثر على صاحبها قبل غيره، فالإنسان عندما يظن سوءاً بالآخرين فإنه يتأثر بهذا الظنّ، وسوف تنطبع بذاكرته هذه الأفكار السلبية عن الآخرين. أيضاً عندما يتجسس على الآخرين ويطَّلع على عورات الناس فإنه سيرى الكثير من الأشياء التي يكرهها ويتأثر بها، بل ويظن أن كل الناس (جواسيس) مثله فتجده حذراً في سلوكه يظن بالناس ظن السوء! وعندما يتحدث عن الآخرين بما يكرهون فإنه سيتأثر أيضاً ويعتقد أن الناس يتحدثون عنه بالسوء، فيفقد الثقة بالآخرين.
ولذلك نجد أن الشخص الذي يعاني من عقدة التجسس والتلصص، يصنّفه علماء النفس على أنه مريض، والذي يكثر من الحديث عن الآخرين بغير وجه حق ويكثر من النميمة فإنه يتأثر ويؤدي إلى ضعف الذاكرة لديه، بل هناك أبحاث تؤكد علاقة النميمة بالاكتئاب!
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ