ولاتتخذن من العبادات غايات
بل هي وسائل لتحقيق القرب من الله
فاتخاذك للعبادات غايات في ذاتها يحدك في حركاتها وهيئتها فيكون أقصى ما يطرأ عليك بأداء العبادات أداء ظاهريا وإتمام بنائها هيكليا دون الإبحار في أعماق العمل القلبي و الحضور الوجداني هو مظنة انك أتممت الواجب عليك نحو الله وحققت المرام من العبادات بالرغم من إهمالك التواصل الروحي والقلبي بينك وبين مولاك والذي ما جعلت العباد إلا لأجله يقول تعالى( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة), فكما أن الوضوء فرض ليطهر الأعضاء الظاهرة فالخشوع وحضور القلب يقوم بنفس الدور تجاه نفسك وقلبك فهو يطهرهم وينقيهم من الخلل والعيوب ألباطنه والظاهرة وكذلك يفعل الخشوع واستحضار القلب تجاه روحك فيسمو بها إلى مداها المؤهل لها من الأنس بالقرب والتلذذ بالوصل ، وكل روح أهل أن تكون موصولة بمبدعها وتتوق لذلك فلا يقوم لها بنيان ولا تقر لها عين بالبعد عن مبدع وجودها بل الأرواح على الدوام في اشد الاحتياج للاتصال بالله عز وجل ، في حين انك عندما تنكب على الظاهر من العمل وتغفل الغاية التي لأجلها جعلت العبادات تعجز عن تحقيق تلك الغايات التي لها شرعت العبادات جميعها أوامر كانت أو نواهي نظرية كانت أو عمليه وهذه الغايات تتمثل في اتخاذ العبادات أسباب تمتطى بالروح والعقل والقلب لتسبح في ملكوت القرب من صاحب الملك فلا ترى ولا تشعر ولا تنشغل إلا بذات الله إذ أن ذلك هو السبيل الأكيد لحياة الروح وسموها ونعيمها المقيم الذي مدده السماء غير مقطوع ولا ممنوع. يقول تعالى الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
والحق أن الروح مقصدها الدائم هو التنعم بالقرب من الله ولا يتحقق لها ذلك إلا بالصلة بالله تعالى ولذلك كانت الشرائع و التي ما شرعت من اجل إذلال البشر أو تعجيزهم كما يدعي الغوغاء قساة القلوب الذين أقعدتهم هممهم عن الوصول لحقيقة التشريع العبادي حيث اعتبروه دروشة ومجموعة من الحركات السطحية التي يستعاض عنها بتجمع شيطانيا اسمه الزار يحركه مجموعة من الشياطين وينسبونه للدين ويعتبرونه سببا للراحة ووسيلة لحل المشاكل والخلاص من الأزمات وفي الحقيقة أن الزار مجموعه من الحركات الهمجية العشوائية التي تصل بالقائم بها إلى درجة من الإعياء البدني والفكري المتصاعد الذي يؤدي به في نهاية المطاف إلى نوعا من الشلل الحركي والفكري ومن ثم يتوهم هذا المسكين بنوع من الإيحاء ممن حوله من الدجالين أن الأزمة قد انتهت وهذا خارج عن تصور العقل وعن حقيقة الواقع المحيط الذي يستند للتجارب الفعلية وليست المتوهمة والتي تثبت أن العبادة تصل بصاحب الأزمة إلى الحضور الذهني و الاستقرار العاطفي الأمر الذي يجعله ثابت الجأش مطمئن القلب أقوى وأقدر على تحمل الأزمات وإدارتها وتعينه على السعي على الاتخاذ بالأسباب مستعينا بربه ومتوكلا عليه فيصل إلى ما يرضيه بقناعة ووعي وعقلانية بعيد عن التوهم والإيحاء بل تجعل منه إنسان ايجابي بناء قادر على المواجهة ولديه الكفاءة العالية في مواجهة الخطوب واستيعابها وإيجاد الحلول لها فيكون سبب لجلب السعادة لنفسه ولغيره وهذا ما يريده الله جل وعلا للشخصية المسلمة يقول تعالى ((من كان يريد العزة فـلله جميعا)) ويقول تعالى( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )
إذا فالعبادات تعد من النعم الكبيرة ومن الفضائل التي تفضل بها المنعم على خلقه والتي تستحق الشكر ولاكن الأكثر ينسى شكرها ولا يعقل فضلها بل ويهملها ويعتبرها عبء ومعوق دون انطلاقه وحضارته ولا أنسى المقولة التي قالها أحد العارفين بفضل الله تعالى حين قال كيف أشكرك وشكرك نعمه تستحق الشكر, فإذا كان الشكر يستحق شكر الله تعالى على أن وفقك الله لأدائه فكذلك العبادات تستحق الشكر على توفيق الله لك أدائها وقد حرم منها ثلة من الأولين والآخرين وتستحق الشكر أيضا على أن شرعها الله من البدء لتكون أسباب للتقرب من الله ، والأرواح جميعها سواء سكنت أنفس طيبه أو خبيثة تتوق إلى القرب من مبدعها لأنها جميعا كانت نفخة من روح الله من الابتداء وحين نفخت بذات الله وفعله المباشر سرت بالحياة والحركة في الأجسام من بعد جمودها وصلابتها وحولت الأجساد التي تحملها إلى أوعية للإدراك والشعور والفكر والحركة والاختيار والتدبر وموطن للرقة والعذوبة والتذوق والاشتهاء والحب والرفق
وترتب على هذا إن يتحول اتحاد مادة الجسد الصلبة بمادة الروح النورانية واندماجيهما إلى كائن حي اسمه الإنسان فينتقل بذلك من جمود التسيير كما هو حال معظم المخلوقات إلى سعة التكليف والتخيير وعلى الرغم مما يبلغه من سعة في الاختيار فهو محدود القدرة وتعوز قدرته العون من قدرة خارجة عنها وأوسع وأحكم منها تستمد منها مكنونها فقوة المخلوق ليست ذاتية بل مستمده من قوة خارجها وبذلك لا تكفيه بل يحتاج مها للعون الخارجي من تلك القوة التي تمولها من الأصل وهى كذلك محدودة بما سن الله في الكون من قوانين تحكمها فلا يتخطاها وان حاول ذلك عجز عن إدراك بل ومتيقن أن أرادة المخلوق دائما مرتبطة بإرادة الله في المنع أو المنح بما يتوافق وحكمته تعالى في المنح إذا منح موافقة لرغبة المريد أو بالمنع مخالفة لمراد السائل في ذلك الأمر
وما نصل إليه من هذا التأمل أن الإنسان كيان متكامل يجمع بين الروح والجسد لا غنى له عن الله بل إن مادة روحه تتوق إلى القرب من روح الله وكذلك الكيان الإنساني يحتاج إلى الاستعانة بتيسير الله دائما ولذلك كانت العبادة جمع بين العمل الحركي و العمل الروحي ولم تقتصر على أحدهم ولا يستعاض بأحد شقي العبادة عن الأخر بل لا بد من الجمع بين كلاهما لآن للروح عملها وللجسد عمله وكل يعمل على هيئته لهدف تحقيق القرب من الله وهيئة العمل الجسدي هو الطقوس الحركية وهيئة العمل الروحي يتحقق في الخشوع والمناجاة والأنس بالله والخضوع لله والذل بين يدي الله وقليل الذين يتقنون ذلك يقول الله تعالى:وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * و الأداء الحركي للعبادة وان كان شكلي فلا يستهان بفوائده بل إن له فوائد جمة تعود على جسد الإنسان بالاتزان والفائدة كما اثبت ذلك العلم الحديث فمثلا تبين إن الإنسان حين يكون في وضع السجود لله فان شحنات ما تتحرك في رأسه تكون سبب اتزانه ذهنيا وسلوكيا وسببا في توافق طاقته الداخلية باتزان مع ما يحيطها من طاقات كونيه والله أعلى واعلم ومن المؤكد أن ذلك ينطبق على كل حركه تتطلبها العبادات أو على الأنماط المختلفة من الأداء التعبدي من صلاة وصوم وحج و صدقة وسعي في لخير وذكر لله ومنع للنفس أو للغير عن الآثام والحديث في هذا المجال يطول ويعوزنا إلي الرجوع إلي أي مرجع يتحدث عن الإعجاز العلمي في القران والسنه ولابد من ضرب الأمثلة التي تظهر ما يحدث للإنسان من تحولات ايجابية بسبب صدق التوجه العبادي لله رب العالمين ظاهرا وباطنا سواء كان ذلك حادثا في الماضي أو في الوقت الحاضر
فمثلا تتطلع البشرية منذ الأمد البعيد إلى غزو السماء والترقي فيها والوصول إلى ما هو ابعد منها ويدفعه فضوله باستمرار إلى تمنى ومحاول استكشاف عالم الغيبيات
فمثلا فرعون حين كبر عليه دعوة موسى عليه السلام التي يدعو بها إلى اله أخر من دونه ويثبت لهم فعليا انه المتحكم في ما يظهر لهم من قدرات تعجزهم ومن قوى خفية تحيرهم وانه مبدع ذلك من البداية يأمر عمال العمارة في ملكه أن يبنو له صرحا لعله يبلغ الأسباب ويصل إلى اله موسى ولكن الله يخذله و يمنعه ويعجزه فلا يصل إلى مراده بعد اتخاذا لصرح والسلم إلى السماء سببا للعروج بل يرجع خائبا صفر اليدين ويتحول بفعله ذلك إلى اضحوكه يسخر به منها ألقاصي والداني
بينما يحقق الله للمصطفى صلى الله عليه وسلم بسهوله ويسر وهو ما عجزت وسوف تعجز عنه كل العوالم والمخلوقات إلا بحبل من الله فقد مكن حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم من العروج إلى السماء والترقي في عوالم الغيب والمجهول لصبح في حق النبي مشهود معلوم مفهوم فيرتقي إيمانه صلى الله عليه وسلم من درجة علم اليقين إلى قمة عين اليقين حيث باشر اليقين فعليا حقا وصدقا، إذ يصعد به صلى الله عليه وسلم إلى السماء الدنيا في لمح البصر ويرتقي من سماء إلى سماء ويحتفي به في كل سماء ويرى ويكلم من لم يرى من الأنبياء الذين سبقوه وحملو مشقة الرسالة السمائية من قبل ,وتسر به ملائكة السماء وتحتفي وترحب فهي التي تعلم قدره وفضله وما حباه الله من خصائص لم تكن إلا له فقط , وينكشف له صلى الله عليه وسلم من الغيبيات أمور كانت كائنة في المنقضي من الأزمنة وأمور ستكون في المستقبل القريب وأمور سيقضى بها على الأمد البعيد وينال العزة في السماء حين العروج من سماء لسماء في نفس الوقت الذي خذله الناس واستهانوا به وهو يسعى بينهم من خيمة إلى خيمة و من قبيلة لأخرى ومن بلد لأخر ليحملهم إلى السعادة ويمد لهم طوق النجاة فيفوزوا بالجنة ويحول دونهم و السقوط في قاع الجحيم المرعب السحيق الذي مسيرته تبلغ الأعوام الطوال ولاكن الكبر والغرور والعناد حال دونهم والجنة مع إن الجنة طريقها منير وسبيلها قويم وهاديها النذير البشير السراج المنير محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وهكذا اخترق النبي عليه الصلاة والسلام بالإسراء الزمان والمكان وما يسرى عليهم من قوانين كونية ولأن الله هو الخالق لذلك كله ذلل تلك السنن الكونية وجعلها مطية خاضعة لإسراء النبي ومعراجه وكيف لا يحدث ذلك ومبدعها وصانعها ومحكم أمرها والمدبر لنظامها على الدوام هو الله وهو نفسه ذاته الذي أمرها فعطل مسارها ومهدها وذللها لنبي الله فقط، ففي ذلك الوقت الذي خضعت فيه سنن الكون للنبي عليه الصلاة والسلام كانت تسير محكمة على كافة الأكوان والمخلوقات فما تجرى به على كل البشر تأتى وتقف عند شخص النبي منعدمة الأثر في حادثة المعراج فلم تجذبه الجاذبية ولم تضلله ظلمة الكون ولم يعوزه انعدام الهواء لنفس ولم توقفه ساعة الكون لمبتغاة الكل له خاضع ذليل ومحقون من انكرو إسرائه ومعراجه لأنهم ابتلوا بعقول تعجز عن إدراك ما هو ابعد من تخيل قدرة أقوى من قدرتهم الذاتية التي في حقيقتها عاجزة خاضعة ذليلة, فهذا النبي الطاهر النقي التقي جاز له الصعود إلى ما استحال لفرعون بفضل من الله عليه في ذلك بعد أن تفضل عليه من قبل باصطفائه بالنبوة وبما أجراه عليه من نقاء وطهر وصفاء أهّلـــه لخوض مغمار السماء وركوب الغيب وعلى النقيض من ذلك فرعون الذي استعلى في الأرض وجعل أهلها شيعا منع من فضل ذلك الترقي وان استعان بأسبابه العاجزة التي خدع بها واتبع ظنونه الخاوية الواهمة التي أوهمته انه يقدر بأسبابه المخذولة المبتورة أن يخرق حواجز ومعاريج وسبلا لا تبلغ إلا بقدرات و امكانات من القوة والمنعة يحال دونها المخلوق وتعجزه ولا تنال إلا بأمر الله وإرادته وتدبيره ، وإذا تأملت قول جبريل عليه السلام إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم حين وصلا سدر المنتهى قائلا تقدم يا محمد واخترق فانا إن اخترقت احترقت وأنت يا محمد إن اخترقت تقدمت ، تجد ذلك القول أبين بيان وأدل دليل على أن الكون كله خاضع لله جل جلاله وليس لغير الله فضل ولا تصريف من دونه وان وضعت فيها من الخصائص ما لجبريل عليه السلام فكل طاقة وكيان وان ظهر قوي وطاهر وقوي فهو خاضع لله ومشيئته و تدبيره فكما جاز لنبي الله التقدم منع جبريل عليه السلام منه وهذا يدل على أن المخلوق لا ينال ما يريد بما اصطفاه الله به من أفضال و كرامات بل لابد من إرادة الله عز وجل واذنه في منح ذلك المراد فالكل له خاضع ذليل وان كان على أعلى درجات القرب من الله والإتباع له وهذا ما منع جبريل عليه السلام من التقدم وهو الروح الأمين وحامل رسالات السماء
وأضرب مثلا أخر يتجلى في النار حين تغيرت من حال الإحراق والدمار إلى حال البرد والسلام في حق إبراهيم عليه السلام حين القي فيها عقوبة له من الكفار الضلال على أن بلغهم رسالة السماء التي أمر بتبليغها فحين بلغ العبد الأواه المنيب ما أمر به خضعت له الأسباب ولم تهلكه نيران بل تغير الأثر الظاهري الدائم والمرتبط بالنار وتحول إلى النقيض بالرغم من أن النار سرت على ما كان مع إبراهيم من أشياء في نفس المكان بقانون الإحراق وما كان لها أن تسير بنقيض ما سخرت له إلا لأجل إبراهيم لأنه كان
صادق التوجه إلى الله ظاهرا بتبليغ الدعوة السماوية وباطنا بقبول الإحراق في النار وعدم طلب النجاة من جبريل حين نزل إليه حال الإحراق وقال له هل لك من مطلب فرد إبراهيم قائلا منك لا أما من الله فعلمه بحالي يغنيني عن السؤال فصدقه الله تعالى
وكتب له النجاة وخرج منصورا مؤيدا معززا وخاب كيد القوم الكافرون،،،،،،،،
وهذه السكين التي امسك بها إبراهيم عليه السلام ليذبح بها رقبة إسماعيل عليه السلام امتثالا للرؤية النبوية التي يؤمر فيها الأب بذبح ابنه البار ويستجيب الأب والابن طواعية لمراد الله عز وجل ولاكن السكين لم تجرى بقانون القطع الموضوع فيها بأمر الله بل اتبعت قانون جديد أخر بالنقيض على ما سرت عليه العادة من القطع وبالذات إذا لامست جلد رقبة مستعدة راضية بحكم ربها فجاءت بالحفظ لحياة إسماعيل ولم تمسه بسؤ إذ انه وإبراهيم صدقوا التوجه إلى الله ظاهرا بإمضاء الأمر بالقتل وباطنا بالرضا به إذ أن احدهم لم يتراجع قدر أنملة عن إمضاء أمر الله بالرغم من كيد إبليس لهم في ذلك ومحاولته صدهم عنه ولاكنهم قاوموه وامتثلوا فكان لإسماعيل ألمنعه فلم تمسه السكين بسوء وبطل القطع على السكين في حق إسماعيل عليه السلام ثم جرى بها قانون القطع في الكبش العظيم الذي افتدى به العبد الصالح إسماعيل عليه السلام،،،،،،
وهذا البحر الذي يستحيل له أن ينقطع اتصاله وجريانه وسريانه ينشق أمام عصى موسى النبي حين يضرب بعصاه البحر فينشق البحر عن طريق ممهد وينطلق فيه مسرعا موسى وأتباعه حتى إذا عبر بسلام عاد البحر إلى جريانه وأغرق الفئة الباغية الذين عاثو في الأرض الفساد فأصبح موسى أية ي صدق توجهه إلى الله للمؤمنين وأصبح فرعون عبرة لكل جبار عنيد، فلولا أن كان محمدا وإبراهيم إسماعيل وموسى صلوات الله وسلامه عليهم من عباد الله المخلصين المحسنين الصادقين لما ذل لهم الكون وخضع بل و تحولت السنن الكونية إلى نقيض ما اعتادت عليه لتكون جند تؤازر الصادقين وتنصرهم
وربما رأى المعاندون الآية بأعينهم ولمسوها بحواسهم ولاكن عنادهم ما كان إلا مانعهم من الهدى ولم تزدهم الآيات إلا خسارا وعندا واستكبارا فاللهم العافي والعفو نسأل
و العجب كل العجب من كل متوهم يظن انه يستطيع أن يسبح في رحاب القرب من الله ولا يعلم إنها محالة في حقه فإنما هي سبل الوصال بين المحبين
وهل يهتدي إلى وصل المحبوب إلا محب متشبع بالتوجه والانشغال والرغبة في القرب من محبوبه والاتصال به فيبذل من اجل ذلك فوق ما يطيق فيسعى ويجد ويشقى ولا يتململ ولا يعجز بل يطرق سبل المكاره ويصبر على المشقات ويدع متعه وراحته القريبة رغبة في خير أخير منه فليس الصعب أن تختار الخير بل الأصعب أن تختار من بين الخير أخير الخير ,وطمع منه في الممتع الذي لا يتغير ولا يتحول ولا يزول وصدق الله القائل ( ما عند الله خير وأبقى) فحين يتأكد ذلك فعليا لله في حق عبده المخلص بما يجد من جد في البذل منح محبه مناه وزيادة وقرّبه وأعزه ولقد كان ذلك محققا في محبة النبي عليه الصلاة والسلام لربه فنال منه ما نال من درجات التكريم والقرب والتفرد بالاتصال والتي لم تكن لأحد سبقه على حد علمي بل وهو نفس الشيء الذي فقد عند فرعون فأقعده عن تحقيق ما توهم وتمنى الفوز به وقد نالت أمة محمد صلى الله عليه وسلم قبس من فضل العروج و الصعود للملكوت العلوي الذي تم لنبيها محمد صلى الله عليه وسلم فكيف لا وهو الأسوة الحسنة و السراج المنير من استنار بنوره وصل ومن اعرض عنه خاب وندم ولعل سنته تكون بمثاب الجليس الصالح الذي هو كحامل المسك الذي إذا لم تبتاعه منحك أو على اقل تقدير تشبعت نفسك من رياحينه ومسكه وعطور زهراته الطيبات واقصد بذلك القبس الذي حازته أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ألقى عليه صلى الله عليه وسلم حمل أداء وتعليم وتكليف أمته بفرض الصلاة الفرض الثاني بعد الشهادة التي من تركها حجودا كفر كفر مله ومن تركها كسلا كفر كفر فسوق وذلك لان تلقى الأمر بالصلاة في الملكوت الأعلى يحمل في طياته من قدسية وعلو وروحانيات ما يحمله مكان وزمان ومناسبة التكليف وما يحمله نفس ذات المكلف وهو الله عز وجل مما هو أهل له من صفات وأسماء وقدسية وعظمة ونفس ذات المكلف وهو النبي صلى الله عليه وسلم مما هو أهل له بفضل من ربه ومولاه فحين تعلوا مناسبة الأمر وترتفع يعلو ويرتفع الأمر ذاته فالأمر بالصلاة هو كالأمر بالوصال وهل يتواصل مع الله إلا من يصطفيه الله لذلك ويجتبيه وهل يتحقق ذلك فعليا إلا لقلوب منشغلة ومتوجه بالكلية إلى الله إذا عرضت عليها الدنيا أعرضت ووثبت على الله فرارا من أي شاغل لها عنه ولأن الغاية عظيمة ألا وهي القرب من الله كان مناسبة التكليف بوسيلة التقرب وهي الصلاة عظيمة ولأن الجزاء عليها عظيم ويسع الدنيا والبرزخ والآخرة فالطريق لأدائها مشروط بالتكاليف الثقيلة ولأن الساحة مزدحمة بالمتصنعين فالصلاة أدائها قلبي ونفسي أكثر منها شكلا وحركات ولو لم تكن كذلك لما قال للعاجز صلي برمش عيونك وبقلبك وبعقلك إن عجزت أطرافك وحركاتك وكل ذلك وضع في إطار مسماه الخشوع في الصلاة وقال في ولم يقل بالصلاة لان الخشوع باطن في قلب الصلاة وليس هو ما يظهر من حركات يجيدها المرائي أكثر من المخلص الصادق ان أجل ما في الصلاة ما يترتب عليها من أنها وسيلة للصعود بالروح إلى ملكوت الله العلوي حتى تكون اقرب ما تكون من مولاها فربما لا يتحقق لأجساد محبة مخلصة مناها من التلذذ بالقرب الفعلي والحسي من ربها ولاكن المعراج الروحي مفتوح في كل حين للأرواح والقلوب لتصل إلى ساحة الوصال والقرب و السعادة ولذلك كان من نعيم الجنة بل وألذ ما يتنعم به أهل الجنة هو النظر إلى وجه الله الكريم ولعل اشق ما يكون على العاصي والكافر أن يحرم من أن يرى خالقه وسر وجوده ولعله يتألم بذلك الحرمان أشد من ألمه بحريق جلده وغليان مخه وسحق عظامه في الجحيم ولنعلم جميعنا أن في الدنيا نعيم ومتعة قريبه من نعيم ومتعة الجنة وهو ما يسميه المتقون أجمالا جنة الدنيا ويتحقق للعبد دخول جنة الدنيا حين تغمره فيضانات الاطمئنان والسكن والمتعة بأداء الصلاة وبجميع العبادات عامة فيجد فيها مبتغاه وضالته ولن يتأتى للمخلوق التلذذ بالقرب والتنعم بالوصل إلا بتجنبه المعوقات التي تضاد وتخالف أسباب القرب و الخشوع فيلزم أن يخلو وعاء العبادة والذي والقلب من كل شاغل بالا غيار والهيئات بالحد الذي تعوق به الروح عن التحليق إلى حيث مستقرها وراحتها فربما يصبح الانشغال شكل من أشكال الشرك الخفي والله أغنى الشركاء عن الشريك ويغفر الذنوب جميعا إلا الشرك ولذلك أرسل الرسل لتخلص النفوس والقلوب والأرواح من اى مثقال ذرة من الشرك الأكبر والأصغر والخفي فأرسل سبحانه وتعالى الروح الأمين بالذكر الحكيم ليوضح ويبين للناس جميعا الطريق الحق الذي إذا اتبع كان العبد في مأمن من الزلل والإعراض والتيه في الدنيا وضامنا للسعادة في الدنيا والآخرة ولاكن أكثر العباد غرته المظاهر فظن العبادة مقصودة في ذاتها ولم يعلم أنها سبب لتنال بها المعالي ولا يتحقق للعبد المخلص العارف مراده إلا بالعلم المتين فلا يضيع جهدك هبائا بسبب تلبيس إبليس وإتباع الظن والهوى
والله تعالى لا يدع عبده أن يقول أمنت إلا وامتحن قلبه للتقوى وما حوى وعقله وما وعى حتى يقيم الحجة عليه دائما بابتلاء الباطن والغايات وهل أخلصت لله رب العالمين عن علم وحق يقول الله تعالى :وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين ويقول تعالى ( وكفى بالله شهيدا) ويقول عز من قال (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) فلا تظن انك حين تؤدي العبادة ظاهرة في كمال تكون في مأمن فلابد من ابتلاء السرائر فيكون العبد نفسه شاهدا على ادعائه بالإثبات أو بالإنكار ولن يكون ذلك القلب إناء متسعا لمراد الله منه إلا بالعلم المستمد من الكتاب والسنة وبالإخلاص التام لله فلا يكون لغيره فيه حظا وان كان مثقال ذرة وحتى يصل القلب إلى غايته التي من اجلها خلق وقد ظهر ذلك بينا جليا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين وصف هؤلاء الفئة بأنهم دعاة على أبواب جهنم مع أنهم خير من أهل الجنة ظاهرا و يفوقون أهل الجنة أداء للعبادات من حيث كمها وهيئتها و الدوام عليها ولاكنها أدخلتهم النار لأنهم آخذو من العبادات مادتها و ذبحو روحها فلم تزيدهم إلا خسارا ففي حديث الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان( أنه كان دائماً يسأل رسول الله عن الشر الذي سيقع في هذه الأمة مخافة أن يدركه يقول حذيفة : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : نعم ، وفيه دخن .. قلت : ومادخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هدى تعرف منهم وتنكر .. قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم ، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ... قلت : يا رسول الله صفهم لنا .. قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ... قلت : فما تأمرني إن أدركنى ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) البخاري - كتاب المناقب وكذلك ظهر ذلك بينا في قوله تعالى إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ولاكتها لم تنهى هذه الفئة عن ذلك بل كانت سببا في دخولهم النار لأنهم أدوها أداء شكليا و لم يتم إحياء روحها فتنقي القلب من الأدران والذي به تكون الصلاة فاعلة فتنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر انشغالا أو تعلقا ويمكن القول بأن العبادة مكونة من روح وجسد وجسدها هو هيئتها وروحها هو بالأنس بها والخشوع فيها واستحضار معيية الله ولا يكون بنيان الصلاة تاما وتدب فيه الحياة إلا باقتران جسدها بروحها ولا يستطع ذلك إلا من أداها بقلب سليم ولا يسلم القلب إلا بنقائه من التعلق بغير ذات إلا الله وحده ولا يتمكن ذلك للقلب إلا بالعلم المتين الذي يعكس سنن سنها الخالق للوصول إلى المقصود الذي شرعت لأجله العبادات جميعها يقول تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ )
والعلم لا بد له أن يتجسد في ارض الواقع بعد أن يبلغ ويحمل إلى من يجسده وكان ذلك متجسدا في شخص رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فلقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة إذ انه جسد سنن الله للوصول وللخلاص من متاهات الهيئات إلى حقائق الغايات وكان الدليل له اليه هو القران يقول تعالى ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )