لقد أشرقت شمس الإسلام وواقع المرأة -كما تبين المقال السابق- مرير، وحقوقها مهضومة، وشخصيتها مجروحة، فبدأ الإسلام بإرساء أسس وقواعد لتحرير المرأة وجاء بنظام أزال تلك الظواهر السلبية التي كانت سائدة، فحرم وأد البنات ووراثة النساء كرهاً وإكراه الإماء على البغاء و..
هذا النموذج الإسلامي الجديد لتحرير المرأة تميز بسمات وصفات عدة وشمل التحرير جوانب كثيرة، وفيما يلي إشارة سريعة إلى بعض هذه السمات والجوانب:
1- بدأ الإسلام أول ما بدأ بتحرير إنسانية المرأة وتثبيت شخصيتها وجعلها في الخَلْق مساوية للرجل وهذا ما يتجلى بوضوح في قوله تعالى ) يَا أيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِساءً وَاتَّقُوا الله الّذِي تَسَاءَلُوْنَ بِهِ وَالأرْحَامَ إنَّ الله كَانَ عَلِيْماً رَقِيْبا( (النساء/1).
2- ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في أهلية التكليف وحمل الأمانة ولهذا جاء الخطاب الإسلامي عاماً للرجل وللمرأة، قال تعالى ) إنَّ المُسْلِمِيْنَ وَالمُسْلِماتِ وَالمُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِيْنَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِريْنَ وَالصَّابِراتِ وَالخَاشِعيْنَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِيْنَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِيْنَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِيْنَ فُرُوْجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِيْنَ اللهَ كَثِيْراً وَالذَّاكِرَاتِ أعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأجْراً عَظِيُم( (الأحزاب/35).
3- أنشأ الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة على المودة والرحمة لا على التسلط والقهر أو الندية والصراع، وأعطى الزواج قدسية وجعل ذلك آية من آيات الله تعالى )وَمِنْ آياتِهِ أنْ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُوْن( (الروم/21).
4- ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في القيام بالواجبات الإجتماعية التي تعتبر فروض كفاية، وذلك ليؤكد أهلية المرأة مع الرجل في إرساء دعائم المجتمع، ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل الواجبات الإجتماعية ويأتي في القمة، فإن القرآن الكريم نص على المساواة بين النساء والرجال في التكليف به، قال تعالى )وَالمُؤْمِنُوْنَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُوْنَ بِالمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيْمُوْنَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُوْنَ الزَّكَاةَ وَيُطِيْعُوْنَ الله وَرَسُوْلَهُ أولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إنَّ اللهَ عَزِيْزٌ حَكِيْم( (التوبة/71).
5- المساواة بين الرجل والمرأة في الجزاء والحساب على التكاليف والأمانات التي استوى الرجال والنساء في حملها، قال تعالى )فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أنِّيْ لا أضِيْعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض( (آل عمران/195) وقال ) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أوْ أنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أجْرَهُمْ بِأحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُوْن( (النحل/97).
هذا بالإضافة إلى ترسيخ الحقوق المالية والإجتماعية والسياسية للمرأة، فأعطاها الإسلام حق التملك والبيع والإجارة، وكامل حقوق التصرف المشروع في أموالها وأعطاها حرية إختيار حياتها الزوجية، فلا تكره على الزواج ممن لا ترغب وأعطاها كذلك حق المشاركة في الجهاد وفي كل ما من شأنه نفع الأمة الإسلامية.
هذا الذي ذكر لم يكن مجرد شعارات رفعت ولا نظريات أراد الإسلام من خلالها إستعطاف المرأة بل إننا نرى الواقع العملي لهذا النموذج من التحرر للمرأة في عصر الرسالة وصدر الإسلام حيث تبدو ثمار التحرر الإسلامي جلية واضحة. ولا بأس من إشارة خاطفة إلى بعض النماذج:
1- بدأت الإستجابة للرسالة الخاتمة بامرأة هي السيدة \"خديجة\" رضي الله عنها.. وكانت \"سمية بنت خياط\" (أم عمار بن ياسر) طليعة شهداء الإسلام..
2- كانت \"أسماء بنت أبي بكر\" ثالثة ثلاثة ائتمنوا على أخطر التحولات التي غيرت مجرى الدعوة الإسلامية وهي هجرة الرسول  من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بل أسهمت في التدبير والتنفيذ لها.
3- في بيعة العقبة التي مثلت الجمعية التأسيسية لإقامة الدولة الإسلامية الأولى شاركت المرأة مع الرجل في إبرام التعاقد الدستوري والعقد الإجتماعي بإقامة الدولة، فكانت أم عمارة \"نسيبة بنت كعب الأنصارية\" وأم منيع \"أسماء بنت عمر بن الأنصارية\" فيمن شارك في عقد تأسيس الدولة الإسلامية.
4- ولم تقتصر النماذج هذه على أفراد من النساء بل تحكي لنا سيرة التجربة الإسلامية في عصر البعثة عن عمل نسائي جماعي .. ففي يوم خيبر خرجت جماعة من نساء المؤمنين إلى ميدان القتال، فبلغ أمر خروجهن رسول الله ) فأرسل إليهن وسألهن: \"مع من خرجتن وبإذن من خرجتن\"؟ فقلن يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل الله ومعنا دواء الجرحى ونناول السهام ونسقي السويق -شراب الحنطة والشعير- فقال: \"قمن\" حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال رواه أبو داوود برقم (2729).
كانت هذه بعض النماذج التي أوضحت معالم وسمات التحرير الإسلامي للمرأة الذي جعلها الشقّ المكمل للرجل والمساوي له أيضا فأحتفظ بتميّزها كأنثى دون أن ينتقص من مساواتها للرجل كإنسان وقد راعى الإسلام هذا التمايز وهذه المساواة في كل الميادين، ميادين التكوين والتربية والإعداد والتأهيل وميادين الممارسة والعمل والتطبيق في المنزل والمجتمع على السواء.
المراجع
1. للتفصيل أنظر: د. محمد عمارة ، هل الإسلام هو الحل؟ لماذا وكيف؟ ، دار الشروق ، بيروت ، ط2 ، 1998
2. موسوعة السنة (كتب السنة وشروحها) ، دار الدعوة ودار سحنون.
3. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، صحيح البخاري ، دار أبن كثير ، بيروت ، ط3 ، 1987
4. عبد الحليم محمد أبو شقة ، تحرير المرأة في عصر الرسالة ، دار القلم ، الكويت ، ط 1 ، 1991
5. أبو الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري ، صحيح مسلم ، دار الفكر ، بيروت ، بدون طبعة ، 1983
6. د. يوسف القرضاوي ، مركز المرأة في الحياة الإسلامية ، مكتبة وهبة ، القاهرة ، بدون طبعة ، 1996