الخطبة الأولى
الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...)
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام . إن الله كان عليكم رقيبا).
أما بعد،
أيها المؤمنون والمؤمنات. إن الحق واحد لا يتعدد. وإن الإسلام كامل لا يتجزأ. وقيمة الحق لا تقدر بكثرة الأتباع وجمهرة المؤيدين أو المعارضين،وإنما تقدر بنوع الأتباع ونوع المؤيدين وإخلاصهم وصدقهم؛ ولن يصلح حال الأمة المنتسبة إلى هذا الإسلام إلا إذا كانت صورة مطابقة لما جاء به كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فتجد الإسلام في المسجد بكل آدابه وتجلياته. وهذا غير كاف. فلا بد أن تعيش الأمة إسلامها في الشارع والبيت والمكتب والإدارة والمزرعة والمخبزة والمحلات التجارية، وغيره من مرافق الحياة... وأن تتمظهر حياة الناس بمبادئ الإسلام والإيمان في علاقات الناس الفردية والأسرية والجماعية، في علاقات الوالد بأبنائه ، وعلاقة الزوجة بزوجها والأولاد بوالدهم، في علاقة الأقارب في علاقة الجيران....في علاقة الناس بعضهم ببعض: أفرادا ودولا... فلا ترى ولا تسمع إلا ما يشفي قلبك ويرضي الله يسعد النفوس السليمة... فكيف الوصول إلى هذا المبتغى !؟ إنه أمر سهل إذا علمنا أن الأمر يتعلق بالهداية، فإننا ندعو الله في كل صلواتنا كل يوم: \"اهدنا الصراط المستقيم\"
والهداية نوعان:
- الهداية الأولى، هداية مجملة: وهي هداية الإسلام والإيمان، ومكانها القلب. وهي الراحة التي يشعر بها المؤمن بانشراح صدر واقتناع فكر، ولا علاقة لها بحيلة الإنسان ولا يُوفِقُ لها إلا الله:
(وما توفيقي إلا باللهَ).
( فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ في السَّمَآءِ َ).
( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى. بل لله الأمر جميعا.أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا )
(وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)
نسأل الله أن يجعلنا من المهتدين.
- والهداية الثانية، هداية مفصلة :وهي هداية إلى معرفة الإيمان والإسلام. أي الهداية المكتسبة بالعلم بالأحكام الشرعية، ويجهد المسلم نفسه لطلب علم هذه الأحكام مستعينا بالله (وقل رب زدني علما)( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)... وكان قدوتنا عليه الصلاة والسلام يدعو في ليله (اهدني لم اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)
والنوع الأول من الهداية الربانية هو الذي يساعد على الهداية الكسبية المفصلة.
وإذا حلت الهداية قلبا *** نشطت للعبادة الأعضاء
حاول إذن أيها المسلم والمسلمة هدانا الله وإياكما، أن تبحثا عن أجوبة لهذه الأسئلة لتعلما حقيقة الهداية.
من الذي خلق؟- من الذي رزق؟- من الذي يحيي و يميت؟-... الله! من الذي يملك الكون؟-من الذي يسلب الحول والقوة؟- من الذي يُطعِم ولا يُطعَم؟- من الذي يكسو العراة؟- من الذي يسقي العطاشى؟ من الذي يشفي المرضى؟ من الذي يزيل هم المهمومين والمكروبين؟ من الذي ينصر المؤمنين؟ من الذي يراقب العباد؟ من الذي يدافع عن المؤمنين؟...
ويكون جوابنا جميعابكل اطمئنان: الله ... لا إله إلا الله، فيتجدد بها الإيمان،(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)
عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن امية فقال رسول الله يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أُحَاجّ لك بها عند الله سبحانه وتعالى فقال ابو جهل وعبد الله بن ابي امية أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كَلَّمَهُم به أنا على ملة عبد المطلب وأبى ان يقول لا اله الا الله فقال رسول الله لاستغفرن لك ما لم أُنْه عنك فانزل الله عز وجل (ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى) الآية وانزل في ابي طالب (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبكلام سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد سيد الهداة المهتدين وقدوة جميع الصالحين و على آله الطاهرين وعلى أصحابه والتابعين.أما بعد
أيها المسلمون والمسلمات
لا يمكن أن يصبح للدين أثر في حياتنا إلا إذا اعترفنا بالفقر لله والتمسنا منه العون على الهداية بنوعيها وعملنا بما أمر وانتهينا عما نهى، فلا مفر منه إلا إليه، ولا منجى منه إلا إليه....
روى الإمام مسلم
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله عز وجل أنه قال: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )
فاللهم إنا نسألك الهداية فيمن هديت ... ونسأل الله أن يجعلنا ممن لا تبطره نعمة ولا تقصره به عن طاعة ربه غفلة، ولا تحل به بعد الموت فزعة...
الدعاء