أي تشابه بين الواقع، وبين ما تحويه هذه المقالة، لهو من خيال الكاتب، بدون مسؤولية تقع عليه”
أعجبتني فكرة جديدة شاهدتها بالصدفة في بلدي مصر: حافظة بلاستيكية ذات وجه شفاف، وغطاء قابل للفتح والغلق، تحفظ داخلها وحدات التحكم عن بعد (ريموت كنترول) من الأتربة والوسخ، فكأني هممت بأن أقاتل البائع على نشر فكرته التجارية هذه، وبدأت ماكينات خيالي الواسع تعمل بجد، متخيلا طرق الدعاية والتسويق، ومحاولات الحصول على رأس المال، وكيفية تطوير الفكرة بشكل أفضل، كي تغطي الاستعمالات الأخرى، وكان الشيء الوحيد الذي عكر صخب آلات التفكير هذه هو النظرة الحزينة على وجه البائع وهو يخبرني بحزن: هل تريد لمصلحة الضرائب أن تنتبه لي وتخرب بيتي؟
كثيرا ما تساءلت، ما أسباب توقف عجلات نمو الاقتصاد المصري، وأظن لمصلحة الضرائب لها دور فعال…
ثم كان أن رأيت فكرة عبقرية أخرى: شاشة كمبيوتر وقد حولها نابغة إلى جهاز تليفزيون، وحفر فتحات على جانب الشاشة تسمح للصوت بالخروج من السماعات الجانبية، فكأني سألت صاحبي، إنها لفكرة رائعة، فلماذا لا تجد صاحبها يسعي لنشرها والتكسب منها؟
ترزخ مصر تحت نير سياسة جمركية غير مجدية النتائج على المدى الطويل، ساعدت على تحويل السوق المصري إلى جاذب لقمامة العالم التقنية، طارد لجيدها وجديدها. تفرض الحكومة المصرية الضرائب الباهظة على معظم جديد الأجهزة، بغض النظر عن طبيعة عمل تلك الأجهزة.
هذه السياسة جعلت كل ما هو قديم رخيص السعر، وبالتالي مرغوب، وهو أدى إلى انتشار شاشات الكمبيوتر المستعملة والقديمة في أنحاء مصر، تلك الشاشات التي يتخلص منها العالم حاليا لأنها تقنية قديمة. بالطبع، لا ننكر دور عامل انخفاض قيمة العملة المصرية، وانخفاض مستوى الدخول بشكل عام في مصر.
هذه الفكرة المصرية في تحويل تلك الشاشات إلى أجهزة تليفزيون، تبث الحياة والاستعمال في شيء رخيص، فتساعد المستخدم المصري – ذا الدخل المحدود – في تحقيق استفادات أكبر. لماذا لا تجد صاحب مثل هذه الفكرة يعلن عن نفسه تجاريا وينشر تلك الفكرة؟ يمكننا أن نلوم مصلحة الضرائب المصرية مرة أخرى على ذلك.
لصاحبي قصة حزينة مع الضرائب المصرية، نتيجة لتعامله بأمانة وشرف، مع مصلحة ضرائب ترى الجميع لصوصا وكاذبين. صاحبي الذي افتتح شركة كمبيوتر، بعد خبرة عمل طويلة قضاها في مدينتي، كان من قلة الحكمة الضريبية بحيث انتهج سياسة إعلانية نبهت عيون مصلحة جباية الضرائب إليه، فظنت به سيء الظنون، ورفضت تصديق ما حوته دفاتره المالية، فطلبت منه مبلغ 100 ألف جنيه ضرائب على أرباح عامه الأول، وزادتها إلى 150 ألفا في العام الثاني، أما عامه الثالث والأخير، فلقد طلبت منه 300 ألف جنيه ضرائب، ولما لا، فصاحبي تجاسر وأعلن عن نشاطه بكل قوة ووضوح وشارك في معارض الكمبيوتر المحلية وأعلن عن دورات تدريبية وغير ذلك من أوجه النشاط.
لا أعرف أي شركة هذه التي تستحق دفع ضرائب مثل هذه في عامها الأول، خاصة في بلد خارج العاصمة، في أوقات صعبة شهدت انخفاض سعر تحويل الجنيه المصري، وارتفاع معاملات التضخم، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي.
بعدما كان مثالا للأمانة، تحول صاحبي – الذي اضطر لإعلان إفلاسه التجاري، وأصبح لا يمكنه تملك أي شيء وإلا صادرته المصلحة حتى يسدد جميع ضرائبه – إلى خبير تهرب ضريبي، يعطي نصائح تفيد في تجنب اليد الطولى للضرائب…
كان يمكن لصاحبي هذا أن يكون مايكل دل المصريين، لكنه أصبح خبيرا في تفادي الضرائب، ولا أظنه الحالة الوحيدة، وفق ما يخبرني به صديقي الآخر الذي يدير مكتبا للمحاسبة، ويرفض أن يضع إعلانا واحدا في أي جريدة، ولا أن يجدد طلاء اللوحة الخشبية التي تحمل اسم مكتبه… إنه – وهو خبير التعامل مع الضرائب – يخشى سطوة المصلحة…
يعيش واضعو قانون الضرائب المصري الجديد نشوة حلم جميل، ظنوا به أنه سيحل كل مشاكل الاقتصاد المصري، ولا أنكر أنه خطوة في الاتجاه الصحيح، لولا شيء واحد: العقول التي كانت تطبق القانون القديم، بقيت كما هي – لتطبق القانون الجديد.
لا أحيد عن الحق كثيرا إذا قلت أن أول قانون وضع في عالمنا هذا كان مصريا، وأن أول من خرج على هذا القانون كان مصريا، وأن أول من استغل ثغرات في هذا القانون كان مصريا، وبقت بذلك عادة مصرية إلى عالمنا اليوم!
القانون الضريبي الجديد يرتدي زي البراءة ويضع نظرة الطيبة على وجهه، في حين يخفي تحت أستاره أظافر وألاعيب قانونية كفيلة بوضع أهل مصر جميعا في السجون. رغم العناوين الرنانة التي يذب بها كاتبو القانون منتقديه، لكن تبقى العبرة في ما بين السطور، فالقانون الجديد يبيح سجن أي ممول يتضح أنه تعمد إخفاء مصدر دخل، وهذا البند كفيل بسجن جميع المصريين، إذ عبث به عابث أو محام ناشئ.
يزعم القانون الجديد أنه يقبل كل ما يدعيه الممول من مصادر دخل متحقق، لكنه يشترط لذلك توفر دفاتر منتظمة مثل الساعة، وهو ما لن يتحقق مع غالبية الممولين، ولذا سيبقى الوضع دون اختلاف كبير.
ما الحل؟
ليته كان عندي، أو كان لدي علم به، لكن دلوي الذي أدلي به هو بعض التخيلات لطريقة التسويق الممكنة لمصلحة الضرائب، ذلك أني أرى أن ليس كل الضرائب تذهب سدى. على أن لذلك مقالة تالية.
هل لديك قصصا إيجابية/ سلبية مع الضرائب المصرية؟ شاركنا بها.