إليكم بعض التمييز في اختيار ألفاظ اللغة:
يعاني الكثير من الناس من صعوبة في التحدث عن أنفسهم والتعبير عن مشاعرهم يخافون من أن يُنظر إليهم على أنهم عدائيون. لذلك يختارون عدم قول أي كلمة وبالتالي يصبحون سلبيين، ولحسن الحظ، هناك خط فاصل في الوسط بين هذين الطرفين.
يتميز الخطاب العدائي بالقوة والثقل والفظاظة والهجوم، في حين يكون تأكيد الذات هو ما تعلنه عن نفسك بثقة؛ عليك ألا تضع الآخر في مركز الدفاع، وهو يتضمن الإخبار عما تشعر به عند استعمالك لكلمة "أنا"؛ لذا بدلا من قولك لزميل لك: "أنت قاس ومتهور"، وهي كلمات تنقصها الدقة في التعبير، كما أنها تشعر الأغلبية ممن يسمعها على أنك شخص عدائي، بالإضافة إلى إحساسك بعدم الارتياح لقولها، فبدلا من تلك الكلمات يمكنك أن تقول له: "أشعر بالإحباط عندما لا ترد على مكالماتي الهاتفية، كما أنني أنزعج حين تتأخر عن مواعيدك". هنا تختار كلمات بسيطة مختلفة أقل حدة في محتواها وتصف المشكلة بصورة أكثر دقة. وكما قيل "لا تكثر العتاب، فإن العتاب يورث الضغينة والبغضة، وكثرته من سوء الأدب".
والأقصوصة التالية توضح لنا عدائية معلم وتعنته، تلك العدائية التي أدّت إلى عدائية طالبه في الرد عليه، وذلك لأن الأستاذ استفز تلميذه المتدين في أمر يتعلق بدينه؛ فكان الرد عدائيا من هذا الطالب نحو أستاذه، وهذا الحوار العدائي بصورة عامة غير مرغوب فيه عند تأكيد الذات:
سؤال مستفز استوجب ردا هجوميا:
في إحدى الجامعات التركية كان من ضمن الطلاب طالب متدين، حافظا للقرآن، فطن وذكي، وكان أحد الأساتذة الذين يدرسونه أستاذا خبيثا، يكره الطلبة المتدينين، ويدس السم دائما لهم في حديثه، يغمز بعض الأحكام الإسلامية ويُعرِّض ببعض تشريعاته. وفي إحدى محاضراته أخذ يتكلم ويقول: "القرآن كتابنا العظيم وتراثنا القديم فيه أخلاق ومواعظ ولكن ليس فيه كل شيء". قام هذا الطالب وقال: يا دكتور إن الله يقول في كتابه: "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين"، والكتاب المبين هو القرآن العظيم، فكيف تقول ليس فيه كل شيء. فاغتاظ هذا الدكتور وقال: أنت تقول إن فيه كل شيء؟ فقال الطالب نعم، فقاال الدكتور: هل صلعتي هذه موجودة في القرآن (وكان الدكتور أصلع منذ صغره ولم ينبت له شعر أبدا) فقال الطالب نعم يا دكتور صلعتك موجودة في القرآن. فقال الدكتور: أين صلعتي في القرآن؟ فقال الطالب موجودة في قول الله تعالى "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (الأعراف: 58 )". (وإن عقيدتك خبيثة وفكرك خبيث لذا لم يطلع لك شعر في رأسك؛ فضجت القاعة بالضحك).
نلاحظ من هذا الحوار أن سؤال هذا الأستاذ بالبلدي "بايخ"، وبالفصيح هو سؤال كريه وبغيض ومستفز لطالب مسلم مستمسك بدينه؛ لذا كانت الإجابة رغم أنها من القرآن الكريم فيها بعض الهجوم على الأستاذ المتحذلق البعيد عن التدين، فقد عرَّض الطالب بمن يدرسه؛ فشبه رأسه التي لا يخرج شعر فيها بالبلد الخبيث الذي يكون نتاج أرضه نكدا و كمدا على أهل هذا البلد السيئ، ولو اكتفى الطالب بالآية الكريمة من سورة الأعراف ولم يذكر الجملة الأخيرة لكان الحوار تأكيدا للذات من جانب الطالب ولا بتعد الطالب عن العدوانية في الرد على مثل هذا الأستاذ صاحب السؤال المستفز، ولكن ذلك ما حدث!.
وصدق زهير بن أبي سلمى حينما قال:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره، ومن لا يتقي الشتم يشتم
ومعنى البيت: أن من يقدم المعروف من قول أو فعل ليصون عرضه, فإنه بذلك يحفظ ويصون عرضه من السب والشتم، ومن لا يتقي الشتائم باستفزازه للناس وشتمهم وإيذائهم يشتمه الناس كرد فعل مباشر. كما فعل ذلك الأستاذ مع تلميذه، فما كان من التلميذ إلا أن أسمع هذا الأستاذ ما يكرهه، وجعل باقي الطلاب في الصف الدراسي يضحكون على ذلك الأستاذ!.
ملاحظات في توجيه الانتقاد:
إذا أزعجني أمر ما في مطعم أبدأ جملتي ب: "أود أن أذكر لك بعض الملاحظات من زبون قديم لهذا المطعم ولا تعتبرها نقاط نقد؛ فأنا أحب هذا المكان، ولي فيه ذكريات جميلة، وأتمنى له دائما التطور إلى الأفضل"، عندئذ يشعر من يستمع إلى ملاحظاتي بارتياح أكثر واحترام أفضل وقوة إقناع أكبر؛ ولذلك ستستقبل الإدارة ملاحظاتي بصدر رحب بل وتحاول جاهدة العمل بها وتنفيذها.
الخضوع في مواجهة الرفض:
إذا كنت تعاني من اضطرابات في قول "لا"؛ فقد يرجع السبب إلى التعبيرات اللغوية التي يستعملها الشخص مع نفسه، فبدلا من التفكير في أن الشخص يرفض بصلابة(مما يشعره بالعناد)يفكر الشخص من باب الاستسهال في أن يخضع بلباقة للآخرين، والحقيقة هي أن هذا الشخص لا يستطيع القيام بكل شيء يُطلب منه أو يشعر بأنه سريع الإرهاق.
الاسترخاء في مواجهة الكسل:
كان هذا المريض يلوم نفسه على كسله؛ فهو الآن كشخص متقدم في السن، يشعر بالحاجة إلى التمدد والاستراحة لساعة بعد الفطور ومجددا في فترة بعد الظهيرة، وهو الذي طالما كان نشيطا ومنشغلا، لذا فحالته هذه تشعره بالتعاسة. شعر كل من حوله أنه يقسو على نفسه بشكل غير عادل، فهو في السبعين من العمر ومتقاعد، كما يعاني أيضا من ثلاثة أمراض مزمنة جعلته منهكا ومتألما بشكل دائم.
قال له الأقارب: أنت تتمدد للاسترخاء ولتهوين الأمر عليك نتيجة لتلك الأمراض المزمنة، وهذا لا يعتبر كسلا، فوجد أن هذه المفارقة مفيدة وراح يأذن لنفسه في القيام بهذا الاسترخاء من دون أن يشعر بالذنب. تؤثر الكلمات التي نستعملها على الطريقة التي نحس بها، ويكفل ذلك التحدث مع النفس بشكل أفضل؛ بحيث يؤدي إلى تقليص الضغط النفسي والجسماني لدينا ويشعرنا بحرية أكثر في التصرف.
خصائص الشخص المؤكد لذاته:
- التوافق بين مشاعره الداخلية وسلوكه الظاهري.
- القدرة على إبداء ما لديه من آراء ورغبات بوضوح.
- القدرة على الرفض مع القدرة على الطلب بأسلوب لبق.
- القدرة على التواصل مع الآخرين بطريقة لبقة.
فوائد السلوك التوكيدي
يولد شعوراً بالراحة النفسية، يمنع تراكم المشاعر السلبية والتوتر والكآبة، يقوي الثقة بالنفس، والثقة هنا دائما ما تكون نابعة من إيمان عميق بالله وتوكل صادق عليه سبحانه وكما قيل: "طوبى لمن جعل ثقته في الله ولم تتزعزع تلك الثقة أبدا"......
يحافظ به الشخص على حقوقه، ويحقق أهدافه وطموحاته......
يعطي انطلاقاً في ميادين الحياة "فكراً وسلوكاً" بعد التخلص من المشاعر السلبية المكبوتة، وهو من أهم طرق النجاح في الميادين المختلفة.....
خصائص السلوك التوكيدي السليم:
أنه وسط بين الإذعان للآخرين بغباء وبين التسلط والاعتداء عليهم.
أنه وسط في مراعاة مشاعر الناس وحقوق الذات.
يتوافق فيه السلوك الظاهري "من أقوال وأفعال" مع الباطن "من مشاعر ورغبات وأفكار".
أنه مقبول شرعاً وعرفاً وعقلاً
أعراض وعلامات ضعف توكيد الذات:
مجاملة الآخرين ومسايرتهم، والاستجابة لرغباتهم، وسعي الشخص لإرضائهم ولو على حساب نفسه ووقته وماله وسمعته…….. وهذا يتضح من خلال عدة جوانب:
ضعف القدرة على التعبير عن المشاعر والرغبات والانفعالات..
ضعف القدرة على إظهار وجهة نظر تخالف آراء الآخرين ورغباتهم...
ضعف الحزم في اتخاذ القرارات والمضي فيها وتحمل تبعاتها....
الإكثار من الموافقة الظاهرية: نعم، حاضر، ربنا يسهل، إن شاء الله، أبشر……
ضعف القدرة على الرفض المناسب في الوقت المناسب....
تقديم مشاعر الآخرين على مشاعر الشخص نفسه وحقوقه.....
كثرة الاعتذار للآخرين عن أمور لا تدعُوا للاعتذار......
ضعف التواصل البصري بدرجة كبيرة عند التحدث مع الآخرين......