فكرةُ ارتباط أمراض معينة بشكل الجسد فكرةٌ قديمة، وقد سجَّلَ أحد الأطباء الفرنسيين منذ حوالي ستة عقود (Vague , 1947) ملاحظته عن ارتباط زيادة كمية الدهن المتراكمة في منطقة البطن (التوزع المركزي للدهن central fat distribution) والمضاعفات الاستقلابية للبدانة، وتلت ذلك دراسات لا حصر لها تثبت وجود مضاعفات استقلابية في أصحاب البدانة المفرطة والحشوية خاصة من الرجال، كارتفاع ضغط الدم Hypertension والسكري Diabetes Milletus ومقاومة الإنسولسين Insulin Resistance Syndrome Goto et al.,1995)) وزيادة دهون الكبد fatty infiltration of liver (Kral et al., 1993)، وتمّ تحديد مجموعة من العوامل التي يؤدي وجودها إلى تسريع الإصابة بالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية Cardiovascular diseases, وغيرها .......، وتسارعت الأبحاث في هذا المجال وتشعّبت, وبداية من العام 1990 اعتمد اسم متلازمة (إكس) Syndrome X أو متلازمة التناذر الاستقلابي لوصف خلل يحدثُ في العمليات الاستقلابية في صورةِ فشل في نظام الجسد الخاص بتخزين وحرق الطاقة، وأضع لكم هنا تلخيصًا للمتداول في المجال الطبي الباطني عن هذا الموضوع:
تنشأ هذه المتلازمة عادة من عدة أسباب أهمها مقاومة الخلايا للأنسولين، والناتجة غالبا عن كثرة تناول المواد الكربوهيدراتية، ذات المحتوى السكري العالي، كالسكريات والنشويات، بكميات كبيرة ولفترة طويلة. بالإضافة إلى أسباب أخرى تلازم هذه الحالة كارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الدهون الثلاثية والكولسترول السيئ وانخفاض نسبة الكولسترول الجيد في الدم، ويعزو كثير من الباحثين الإصابة بهذه المتلازمة إلى زيادة السعرات الحرارية اليومية القادمة من الغذاء مع قلة استهلاكها متمثلة في قلة الحركة والنشاط الرياضي. وقد وجد أن المصابين بهذه المتلازمة عرضة بنسبة تزيد عن أربعة أضعاف للإصابة بأمراض القلب من الأشخاص الآخرين، ورغم عدم وجود ما يثبت علميا وموضوعيا أن البدانة بوجه عام هي المسئولة عن ذلك فإن الجميع بلا استثناء تقريبا يربطون كل هذه الأمراض والمضاعفات بالبدانة وتتلقفُ ذلك وسائل الإعلام وتنفخ فيه بشكل جنوني!، وهكذا بدأ الأطباءُ في كل مكانٍ ينصحون مريضهم بالانتباه إلى وزنه، أو تقليل وزنه، ويعلقونَ النجاح في علاج مرضه بنجاحه في تقليل وزنه، وفعل الكل ذلك وما زالوا يفعلون وكلهم إيمانٌ بأن البدانة تحمل كثيرًا من الأخطار على صحة الفرد وعلى حياته بصفةٍ عامة، وأصبح الارتباط بين السمنة وبين ما اشتهرَ بأنهُ من أمراض السمنة (كارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والذبحة الصدرية ومثل مرض السكر، وأمراض المفاصل وغير ذلك كثيرٌ من الأمراض الخطيرة أو المزعجة، إلى درجةِ أن تقارير علمية حديثة تربطُ بين السمنة والموت المبكر حتى في صغار السن من الأطفال ومن المراهقين(Pi-Sunyer,1991) و(Must& Strauss,1999) و (Allison et al., 1999) ذلك الارتباطُ أصبح بمثابة الأمر المسلم به في أدمغة معظم المختصين بالطب والصحة.
وأما القراءة المتأنية لنتائج الأبحاث الموضوعية فتبين بما لا يقبل الجدل أن محاولة إثبات علاقة مباشرة بين البدانة في حد ذاتها وبين أي من مجموعة الأمراض والمتلازمات تلك التي تسمى "متعلقة بالبدانة Obesity Related" هي محاولة تفشل دائما إذا التزمنا الموضوعية، فهناك مثلا أبحاث تثبتُ أن متلازمة التناذر الاستقلابي وهي أشهر ما تتهم البدانة بالتسبب فيه إنما ترتبط بمعدل وسرعة التهام المأكول وكذلك بالإسراف في تناول الطعام في الوجبة الواحدة (Karll et al., 2001) أو بمعنى أدق إنما ترتبط بالشره، وكذلك فإن زيادة دهون الكبد وصولا إلى التنكس الدهني للكبد Hepatic Steatosis ترتبط أيضًا بزيادة سرعة التهام الطعام Increased Rate of Eating، وهذا مثبتٌ في التجارب على الأوز الذي يتم إطعامه رغما عنه (Karmann et al, 1992) وفي الإنسان أيضا وإن لم تكن الآلية التي يحدث بها ذلك مفهومة بعد (Karll et al., 2001)، بل إن دراساتٍ عديدة أجريت منذ عقودٍ (Hollifield & Parson, 1962) و(Fabry & Tepperman,1970) أثبتت العلاقة بين كثرة الأكل وبين حدوث تغيرات استقلابية شبيهة جدا بما يوصف الآن بأنه يرتبط بالبدانة.
كما بينت بعض الدراسات أن اضطرابات دهون الدم ترتبط بارتفاع ضغط الدم وليس بمنسب كتلة الجسد، وأن متلازمة التناذر الاستقلابي ترتبط بفرط الإنسولينية hyperinsulinemia أكثر من ارتباطها بالبدانة (Wannamethee, etal 1998)، وأما إذا تأملنا في الدراسات التي اهتمت بالمتهم الأكبر في إحداث الأمراض المرتبطة بالبدانة وهو الدهن الحشوي فإننا نجد كثيرا من الملاحظات التي تدحض نتائجها حتى أن من الأبحاث (Seidell & Bouchard, 1997) ما عنوانه "الدهن الحشوي هل هو مذنبٌ كبير أم متفرج بريء"، وفيه يصل الباحثون بعد تفنيد ودحض عديد من الاتهمات، وبيان أهمية عدم إغفال عوامل سلوكية أخرى هي أقرب لأن تكونَ مسئولة عن المشكلات الصحية(كالتدخين والكسل وشرب الخمر والعادات الغذائية السيئة كالشره)، إلى أن هناك حاجة لدراسات مستقبلية لا تغفل سلوك الأكل نفسه وغيره لكي يكون من الممكن إثبات ونفي التهمة عن الدهن الحشوي.
كما أن هناك دراساتٍ بينت أن الشخص النحيل الذي يفتقد اللياقة البدنية يكونُ أكثرَ عرضةً لأمراض القلب والأوعية الدموية أكثر من الشخص البدين الذي يمتلك اللياقة ويحافظ عليها (Barlow & Dietz, 1998)، كما بينت دراساتٌ أخرى أن الخلفية العرقية للشخص هيَ أيضًا من العوامل المؤثرة في مدى خطورة منسب كتلةِ جسده على صحته (IDI,WHO,2000)، فمثلاً تعتبرُ قابليةُ شخص من جنوب شرق آسيا للإصابة بأمراض القلب والسكر عند منسب كتلة جسد ما أعلى من الشخص القوقازي ذي منسب كتلة الجسد المماثل، وهو ما يعني أن الأمور ليست أبدًا بالبساطة التي تمكننا من إرجاعها إلى عاملٍ واحد بالشكل الذي يسمح للأطباء في كل مكانٍ في العالم أن يربطوا بين بدانةِ شخص ما بمجرد رؤيته والأمراض التي تصيبه.