سألني أحد ضيوفي على العشاء مؤخرا عن كيفية تصميم وإنشاء صندوق استثماري، بدت لي الإجابة على هذا السؤال سهلة للوهلة الأولى، لكن حالما أصبح النقاش جدياً لم تكن مسألة طرح وجهات النظر المختلفة ببساطة طرح السؤال، ومن خلال تجربتي في إنشاء الصناديق، ارتأيت أن أشاطركم عملية صنع القرار المناسب لتبنيه عند تنفيذ مشروع إنشاء صندوق استثماري.
إن فكرة إنشاء صندوق استثماري تشبه إلى حد كبير صندوق "المركبة" الذي يودع فيه جميع الأدوات المطلوبة لحين الاستفادة منها، وكذلك الصندوق الاستثماري الذي يضع في المستثمرين أموالهم بشكل جماعي ويقوم مدير استثماري متخصص في هذا المجال بإدارة الصندوق لتعود المنفعة على جميع المستثمرين.
وأول خطوة يجب القيام بها عند تصميم صندوق استثماري هي تحديد هوية أصحاب المصلحة وتوثيق أهدافهم المرجوة فيما يتعلق بالصندوق المقترح.
السوق المستهدف:
يعتمد قياس نجاح أي صندوق استثماري في بدايته على عدد المستثمرين وكمية السيولة المالية التي يتم رفد الصندوق بها، والنقطة الأساسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار التعرف على السوق المستهدف لمعرفة احتياجاته ومتطلباته، لأن نجاح الصندوق في النهاية يقاس بعوائد المستثمرين المتحققة.
فتقييم السوق المستهدف يجب أن يكون من حيث الموقع الجغرافي للمستثمرين، وحجم الحد الأدنى للاستثمار لهم (مستوى الثروة المتوقع للمستثمرين) وفئة الأصول التي يطمح السوق إليها، والعوائد المتوقعة، ومدى توافقها وتوقعات المستثمرين.
فئة الأصول:
يوجد ثلاثة أنواع من فئات الأصول المتعلقة بالصناديق الاستثمارية، وهي: الأسهم المدرجة / السندات، ورأس المال الخاص، والعقار(هنالك العديد من الأصناف الفرعية من هذه الفئات التي ليس من الضروري ذكرها جميعها في هذه المقالة).
وكل صنف من أصناف الأصول سيكون له متطلباته الخاصة عند مرحلة تنفيذ تصميم المنتج، فعلى سبيل المثال، يتعين الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تعيين مختصين في مجال الأصول، مثل مستشارين عقاريين في مجال أصول العقار، أو مستشارين شرعيين للصناديق المصممة حسب أصول الشريعة الإسلامية.
كما يجب أن يسلط الاهتمام على المدى الزمني الذي يتوجب فيه على المستثمرين الالتزام منطقيا بناء على طبيعة كل أصل، وفيما إذا كانت صناديق الاستثمار مفتوحة أو مغلقة.
وأقصد بالصناديق المفتوحة تلك التي تسمح باشتراكات وتصاريح الاستثمار بشكل مستمر، كأن تكون شهرية.
أما الصناديق المغلقة، فأعني بها تلك التي تقبل الاشتراكات فقط في أثناء المرحلة الأولية من إنشائه أما بعد ذلك فلا يسمح بقبول أي تصاريح أو اشتراكات في فترة الاستثمار، أي مثلاً بعد ثلاثة أو خمسة أعوام من تلك الفترة.
وهناك بعض الصناديق المغلقة التي لا تقبل الاشتراكات بعد الفترة المسموح بها ولكنها تقبل طلبات التصاريح وأمور أخرى ذات علاقة.
وتصلح بعض فئات الأصول لأن تتماشى أكثر مع الصناديق المفتوحة وخاصة الأصول الملموسة مثل الأسهم والسندات، أما الأصول الأخرى مثل العقارات ورؤوس الأموال الخاصة فهي معقدة أكثر ولا يتم التحقق من قيمتها بسهولة.
وفي هذه الحالات من المتوقع أن يلتزم المستثمرون بالصندوق الاستثماري لفترة محددة كحد أدنى، يمكن أن تمتد لفترة أطول بناء على قرار مدير الصندوق.
فإذا كان السوق المستهدف يتطلّع لإمكانية للوصول إلى الصناديق الاستثمارية فإن إنشاء صندوق استثماري مغلق سيكون فكرة غير مناسبة لذلك.
تخصيص الأصول:
يعتبر تخصيص الأصول من العوامل المهمة خصوصا عند تناول مواضيع مثل "التنويع" و"مخاطر الاستثمار"، فعلى سبيل المثال، ما نوع الفصل الذي يجب أن يتم بين الأموال النقدية وكل من الأسهم والسندات، وما هي النسبة المئوية للعقار التي ينبغي قولها في أوروبا والهند والصين والولايات المتحدة وغيرها، وما هي نسبة رأس المال الخاص من الأسواق الناشئة والأسواق المستقرة؟
الإجابة على هذه الأسئلة وبالأخص تحديد مخاطر الاستثمار سيكون أساس مهم بالنسبة للأسواق المستهدفة، إذ أن كل فئة من الأصول سيكون لها مخاطر خاصة بها، وهذه المخاطر سيتم تعديلها وفقاً لعوامل عدة، مثل الموقع الجغرافي للأصول، والاستقرار السياسي في الموقع، وتقلب أسعار الأصول.
آلية الصندوق:
ستصبح آلية الصندوق كيان قانوني بمجرد البدء بالاستثمار، وهناك مجموعة من الآليات المتبعة في الصناديق، وتمتد من الودائع (يمنح المستثمرون فيها فوائد على الودائع) والشراكات (حيث يمنح المستثمرون فيها فوائد اشتراكات) والشركات (ويمنح المستثمرون من خلالها أسهماً في الشركة، على الأغلب لا تتيح لحملتها التصويت على قرارات الشركة).
وفي بعض الدوائر هنالك فكرة محفظة الشركة المنفصلة، والتي تعتبر آلية مؤسسية تتضمن عدداً من الشرائح ذات المسؤولية المحدودة ضمن شركة معينة، حيث تساعد هذه الآلية الفريدة على إطلاق عدد من الصناديق تحت مظلة شركة واحدة.
وبالإضافة إلى نوع الآلية المتبعة، فهنالك أيضاً موقع آلية النقد، فقرار اختيار الموقع يجب أن يناسب احتياجات نوع الآليات، فعلى سبيل المثال (قد تكون هناك بعض القيود المفروضة على ملكية أصول محددة تمنع من استخدام آلية معينة).
الأثر التنظيمي:
إن عملية إقرار أن تشكل فئة الأصول جزءاً من استراتيجية الاستثمار وجزءاً من موقع السوق الجغرافي المستهدف يسلط الضوء على احتياجات القيود والضوابط التنظيمية.
فالمنظمون في كل موقع جغرافي سيتبعون أنظمة وقوانين تحكم ما يمكن بيعه من الصناديق الاستثمارية، وكيفية بيعها، كما قد تكون هناك بعض الشروط والقوانين لتنظيم عمل المدير والطاقم الإداري في الصندوق، فاختيار موقع للصندوق تم منعه من قبل المنظمين يخرق أحد الأهداف الرئيسية للصندوق الاستثماري، وهنا يجب توخي الحذر.
الأدوار والمسؤوليات:
يظهر الشكل I هيكل صندوق استثمار في قطاع التطوير العقاري، أما الأطراف ذات العلاقة في الصندوق فيمكن وصفهم كالآتي:
مستشار هيكل الصندوق- فمن المهم جداً تعيين مستشار محترف لمساعدة مدير الصندوق في عملية تصميم وتنفيذ الصندوق الاستثماري، وقد يتضمن ذلك تحضير وإعداد الوثائق المتعلقة بالصندوق.
مدير الصندوق- هو الشخص المسؤول عن قرارات وسياسات الاستثمار في الصندوق، كأمور بيع وشراء الاستثمارات الفردية والامتثال لقيود وقوانين الاستثمار والاقتراض، ويتلقى أتعابه كرسم إدارة من موجودات الصندوق.
مروجو صناديق الاستثمار- ويقومون بأعمال الترويج للصناديق لرفدها بالاستثمارات المتنوعة، ويحصلون على أتعابهم في المرحلة الأولية للصندوق.
المحافظون- يتم تعيينهم لتولي أمر الأصول لمصلحة المستثمرين ( بما في ذلك الأموال النقدية للصندوق)، ويحصلون على أتعابهم من موجودات الصندوق.
إداريو الصندوق- يتم تعيينها من قبل مدير الصندوق لتكون مسؤولة عن عملية التواصل مع المستثمرين وتولي أمور المحاسبة والمسائل الإدارية المتعلقة بالصندوق الاستثماري، ويتم دفع أتعاب الطاقم الإداري كرسوم من موجودات الصندوق.
مدير المشروع- وقد يكون مستشار في الشريعة الإسلامية، وذلك يعتمد على طبيعة عمل الأصول في الصندوق الاستثماري ومن المهم تعيين مدير مشروع، وخاصة للاستثمارات المتعلقة بتطوير العقار، ويتم دفع أتعابهم من موجودات الصندوق.
الاستنتاج:
شاع الظن بأن تصميم صندوق استثماري عملية سهلة، وأستطيع سماع مدير بنك معين يعلن عن إطلاق صندوق عقاري بكل بساطة، لكنني آمل أن أكون قد أوضحت أن تنفيذ صندوق استثماري ناجح يحتاج إلى الكثير من العمل وخاصة في مراحله الأولية، وان هناك عوامل متنوعة يجب أخذها بعين الاعتبار، وإذا ما تم ذلك لن تواجه عملية تصميم صندوق استثماري تحديات ومصاعب كبيرة، وسينال بذلك رضا الزبائن والإدارة من حيث العوائد المتوقعة.
إن ذلك يعطينا لمحة موجزة يتم استخدامها لأغراض المعلومات العامة. فلا يمكن اعتبارها بديلا عن مشورة مهنية من شخص محترف في هذا المجال.
|