بتـــــاريخ : 3/13/2009 12:17:47 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1687 0


    الكشف الطبي قبل الزواج واستنساخ المشكلات

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : عبد المنعم الشحات | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    الكشف الطبي قبل الزواج واستنساخ المشكلات

    كتبه/ عبد المنعم الشحات

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    فدائماً ما يشعر الأضعف بالرغبة العارمة في محاكاة الأقوى حتى في مشكلاته، يتضح ذلك جلياً في لعب الأطفال حيث يمكنك أن تجد أحدهم وقد تقمص دور المعلم الذي فاض به الكيل من تلامذته واستنفذ معهم كل الطرق من النصح إلى الزجر إلى الضرب إلى استدعاء ولي الأمر إذا لزم الأمر.

    كما يمكنك أن ترى البنت التي تقدم لك طعامها -البلاستيكي- مع اعتذارها عن أنه نصف مطهو لانشغالها بمعالجة شغب صغارها إلى آخر هذه القائمة من الألعاب الصبيانية التي تبدو مسلية للمشاهد أكثر من اللاعبين أنفسهم.

    بيد أن الأمر لا يكون كذلك إذا تعلق بمن يرسمون للأمم منهاجها وطرقها في معالجة المشكلات حينما يبتلون بالرغبة العارمة في محاكاة الغير واستيراد مشكلاته.

    وهذا ما ينطبق على عدد غير قليل من القضايا المثارة على الساحة حاليا، ومنها موضوع الكشف الطبي قبل الزواج، ونريد أن ننوه على أننا لا نتكلم عن جواز ذلك لآحاد الناس ممن ابتلوا بالوسوسة -أو لنقل تخفيفا بالمبالغة في الأخذ بالأسباب- أن يطلب ممن يريد خطبتها تحليل هرمونات أو تطلب هي منه ذلك فهذا الأمر خارج عن موضوع بحثنا، وإنما الكلام في إلزام الناس بذلك، والأدهى من ذلك نسبة هذا الأمر إلى الشرع من باب أنه يجوز لولي الأمر تقييد المباح.

    وبادئ ذي بدء لا بد من تقرير أن الإلزام العام لابد له من سند من الشرع وهذا السند إما أن يكون دليلاً واضحاً من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس الصحيح وهذا لا إشكال فيه، وإما أن يكون عاماً وهذا ما يسميه العلماء بالمصالح المرسلة؛ وهي مصدر من مصادر التشريع عند كثير من العلماء، ولكن لابد لها من شروط لكي لا تكون باباً من أبواب التشريع بغير ما أنزل الله تحت دعوى المصالح المرسلة.

    ويمكن إجمال هذه الشروط في:

    1- أن يكون الأمر المراد الإلزام به من المرسل أي الذي لم يرد بخصوصه نص؛ لأنه إن ورد نص باعتباره لم نحتج  معه إلى غيره، وإن ورد نص بإلغاء اعتباره كان في اعتباره مناقضة للشرع كما في قول المشركين معارضين نهي الله عن الربا: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)(البقرة:275).

    2- ومع ملاحظة أن الشرط الأول لا يفيد إلا أن هذا الشيء مباح الأصل ومع الأخذ في الاعتبار أن نقل الشيء من الإباحة إلى الإلزام بالفعل أو بالترك لا بد فيه من دليل كما ذكرنا وهنا يظهر لنا بوضوح أهمية الشرط الثاني والذي ينص على ضرورة أن يدخل هذا الشيء في عموم مصلحة معتبرة بحيث ينطبق على هذا قاعدة: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" في جانب الإلزام، أو قاعدة: "سد الذرائع" في جانب المنع، وإما أن يكون مراعاة لمصالح شهد الشرع باعتبار جنسها وإن لم يرد دليل يشهد باعتبار نوعها وهو ما يسمى بالمصلحة المرسلة.

    ومثاله: جمع القرآن ثم كتابته برسم واحد بعد ذلك والذي تعين طريقا لحفظ القرآن بعد مقتل القراء.

    ومثاله: من الأمور المعاصرة قانون المرور من الإلزام بقواعد معينة في السير والتي صارت طريقا لحفظ النفوس والدماء والأموال والأوقات المأمور بها شرعا.

    3- وهذا المعنى الذي من أجله رأينا ضرورة الإلزام بما ليس بلازم من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يسميه العلماء بالمقتضي ويشترطون فيه فوق ما تقدم أن لا يكون موجودا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو وجد ووجد معه مانع؛ لأنه إن وجد المقتضي في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا مانع فيدل هذا على أن المصلحة التي توهمناها غير موجودة أو مقترنة بمفاسد أكبر منها وإلا لما أعرض الشرع عنها.

    وبتطبيق هذه الشروط على مسألة الكشف قبل الزواج، ولو سلمنا جدلا أن هذا الكشف هو من قبيل المباح "وهذا  قد يرد عليه أنه قد يكون فيه كشف للعورة لغير حاجة، أو الاستمناء في حق الرجال بلا حاجة ولا ضرورة" مما يعني انطباق الشرط الأول عليه فسوف نصطدم مباشرة بالشرط الثاني لاسيما إذا استحضرنا أن الشرع ألزم بالإفصاح عن الأمراض الظاهرة التي تحصل بها النفرة، ولا يوجد حاجة إلى التفتيش عن الأمور الباطنة من القدرة على الإنجاب أو نحوه علما بوجود القبول العام لدى المسلمين -بحمد الله تعالى- لما يقدره لهم الله في هذا الجانب، ومع تبرم الكثيرين منهم من الأعباء المالية والإدارية والأدبية الناجمة عن هذا الكشف.

    وإذا وجدت قلة قليلة راغبة فيه فهذا شأنهم، وأما أن يلزم الناس جميعا بموافقة هذه القلة ثم نسبة هذا الإلزام إلى دين الله فهذا من عجائب هذا الزمان والتي لا تقف عند حد وأعجب من ذلك أن يصدر هذا الكلام من نفس من أجاز للمغتصبة أن ترقع غشاء البكارة وتدلس تدليسا ظاهرا على زوجها في حين يلزمهما بالتنقيب عن الأمراض الباطنة.

    وأعجب من ذلك أنه أعطى لكل طرف أن يقبل بالحالة الصحية للطرف الآخر، ولكن مع اشتراط الإفصاح عنها، مع أنه كان يمكنهم أن يعتبروا عدم مطالبة أحد الأطراف الطرف الآخر بالكشف الطبي بمثابة قبول عام لكل أمراض الدنيا.

    كل هذا الكم من العجائب سيزول إذا ما عرفنا السبب الذي يزيل العجب كما يقولون في الأمثال ولن يجد أي متأمل صعوبة في إدراك أن القوم مغرمون بالحلول المستوردة والتي تكون في كثير من الأحيان حلولاً لمشكلات غير موجودة في مجتمعنا فتكون النتيجة أن تولد هذه الحلول مشاكل، وبمعرفة سريعة بحال الأمم التي اخترعت الكشف الطبي قبل الزواج سوف تجد هذا جليا واضحا؛ ذلك أن هؤلاء القوم عندهم أنماط متعددة من العلاقات الجنسية منها -وكلها لها قبول اجتماعي عندهم-:

    النمط الأول: أن يكون للفرد الواحد عدة علاقات جنسية في آن واحد وهذا النمط مع شيوعه عندهم إلا أنهم يحاولون الحد منه نظراً لأضراره الصحية الشديدة بالإضافة إلى أثره البالغ في إضعاف قدرة الأفراد على العمل.

    النمط الثاني وهو الأكثر شيوعا الارتباط الجنسي مع طرف واحد -"من الجنس الآخر أو من نفس الجنس"-، ولكن باتفاق شفهي أو بعقد مدني تحسبا لحاجة أي من الطرفين إلى فك هذا الارتباط سريعا حيث يغلب عليهم سرعة التنقل.

    النمط الثالث وهو أشبه الأنماط بالنمط الإسلامي -من الناحية الشكلية- ويكون فيه ارتباط تحت مسمى الزواج ويتم هذا العقد في الكنيسة، وهذا النمط غير مرغوب عندهم للأسباب الآتية:

    1- أنه من مظاهر تدخل فيها الدين في حياتهم وهم يريدون تقليص هذه المظاهر إلى أدنى درجة ممكنة.

    2- أن الرغبة في تغيير الشريك الجنسي عند من يقنع بشريك واحد تظل هي الأكثر سيطرة على عقلية الأفراد هناك.

    3- أن هذا التغيير الذي هو أسهل من تغيير المرء لحذائه في حالة الزواج غير الكنسي يتحول إلى أمر أشد من خلع الضرس، بل أشد من تحريك جبل من مكانه في حالة الزواج الكنسي نظرا لزعمهم تحريم الطلاق وعدم إباحته إلا في حالات محدودة وبإجراءات شاقة تطول إلى أعوام.

    4- هذا بالإضافة إلى تحريم تعدد الزوجات على الرجال رغم أهليتهم النفسية والوظيفية لذلك مع استمرار تحريم الزواج حتى على الذي يسعى في إجراءات الطلاق الحولية التي سبق الإشارة إليها.

    كل هذه التبعات للزواج الكنسي لا يقابلها أي مزايا من وجهة نظر القوم اللهم إلا قدرا من التجمل الاجتماعي، وهي من وجهة نظرهم غير لازمة إلا لعلية القوم من الساسة ونحوهم؛ ولذلك اجتهد أولو الرأي فيهم لتحذير قومهم من أنهم قد يدفعون ثمن تجملهم الاجتماعي غاليا إذا ما اكتشف أحد الطرفين عدم القدرة على الإنجاب أو اكتشف أحد الطرفين إصابة الآخر بالإيدز وهو فاش عندهم أو غير ذلك من الأحوال فكانت الدعوات التي تدعو إلى ضرورة الكشف الطبي قبل الزواج الكنسي مع بقاء جميع صور الارتباط الأخرى -"أي الزنا والعياذ بالله"- سهلة ميسورة مباحة متاحة لا يلزم فيها الطرفين إلا اتخاذ بعض التدابير الطبية المتاحة الرخيصة الثمن.

    وعلى الرغم من ذلك لم تتحول الدعوة إلى إجراء الفحص الطبي قبل الزواج الكنسي إلى قوانين ملزمة في معظم البلاد الغربية فيما نعلم.

    كانت هذه المشكلة وحلها عند القوم. فماذا عن المسلمين؟؟

    1- دين الإسلام لا يبيح أي صورة من صور الارتباط الجنسي إلا الزواج الشرعي وكل الصور الأخرى زنا محرم حتى في حالة الاقتصار على شريك جنسي واحد.

    2- ما زال هذا الأمر هو المستقر في العرف الاجتماعي في بلاد المسلمين -ولله الحمد والمنة-.

    3- الزواج في الإسلام ينبغي أن يراد به التأبيد؛ وإن اتفقا الطرفان على التوقيت اعتبرا زانيين.

    4- ومع أن الزواج في الإسلام يراد به التأبيد إلا أن التحلل منه متاح، وإنما شرع ذلك لحل المشكلات الناجمة عن عدم تحقيق الزواج لسعادة الأسرة ككل، وهذا الأمر بيد الرجل ابتداء وللمرأة طلبه للضرر، كما يمكن القضاء به في حالة الشجار الذي يستحيل إصلاحه، كما يمكن للمرأة أن تطلب الخلع إن لم تطق العشرة معه رغم عدم وجود عيب به يوجب طلب الطلاق.

    5- أنه مستقر في العقول والأعراف عدم قدرة المرأة على أن تكون زوجة لأكثر من رجل لما في ذلك من اختلاط الأنساب على الأقل، ومستقر أيضا قدرة الرجل على التعدد فأباحه الشرع بضوابطه.

    ومما سبق يتبين أن الحالات التي يراد للكشف الطبي أن يكشف عنها لا تمثل عبئا في المجتمع المسلم؛ فالايدز يكاد يكون لا وجود له وإن وجد ففي أوساط لا يخفى عليها ذلك كما أن حال صاحبها لا يخفى على أحد.

    وأما العقم وما شابهه فليس مما يعوق الزواج، ولماذا لا نترك الناس يتزوجون ويحصلون على شهواتهم المباحة ثم إن قدر العقم فقد يكون قد وجد بين الزوجين من المحبة والرحمة ما يجعلهما يتغاضيان عن عاطفة حب الأولاد؟!! وربما كفلا يتيما في بيتهما يعوضهما عن عاطفة الأبوة والأمومة، وربما أبقى الرجل زوجته إن كان العقم من جهتها وتزوج عليها أخرى وبعد ذلك كله آخر الدواء الطلاق. وكل ذلك متاح في دين الله -تبارك وتعالى-، ولكن الولع بالتقليد يعمي ويصم.

    وإذا كان استيراد الحلول قبيح بصفة عامة إلا أن الضرر المترتب عليه قد يكون مجرد تحمل صاحبه لأعباء ليس في حاجة إليها، وقد يبلغ أن يكون هذا المستورد قد استنسخ مشكلة الغير دون أن يدري، وما أشبه حال هؤلاء بحال السليم الذي يسئصل رئته محاكاة لمريض السرطان  بل أشد إذ يخنقون رئة الفضيلة التي يجد فيها المسلم متنفسا عن شهواته ويجد فيها المجتمع بناءً لأجياله.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()