بتـــــاريخ : 3/13/2009 12:56:07 PM
الفــــــــئة
  • الصحــــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1465 0


    التمسح بالشرع من الطب إلى الجنس

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : عبد المنعم الشحات | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    طب تمسح شرع طب جنس
    التمسح بالشرع من الطب إلى الجنس

    كتبه/ عبد المنعم الشحات

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    الإسلام دين شامل كامل، فيه كل ما يحتاجه الإنسان في معاشه ومعاده (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(النحل:89)، ومع هذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ) رواه مسلم.

    فهل يوجد أي تعارض في المسألة؟ بالطبع لا؛ فدين الله -عز وجل- فيه كل ما يحتاجه الإنسان من حيث هو إنسان، ذلك المخلوق المكرَّم. فيه كل ما يحتاجه لتنظيم علاقته بربه وبنفسه وبالناس والكون من حوله، وأما المَطعَم والملبس، والزراعة والصناعة فكلها أهون على الله من أن يرسل أشرف ملك لأشرف رسول لكي يبينها للناس، فلنترك لهم (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)(الملك:15)، فضلاً عما في ذلك من التخفيف على الأمة في حمل أمانة دينها جيلاً بعد جيل، وإن كانت أصول هذه المسائل قد تناولها الشرع بالتحليل والتحريم، فأحل ما ينفع وحرم الخبيث.

    بيد أن دين الله -عز وجل- كتاباً وسنةً لم يخل من موضوعات تتعلق بالدنيا، والذي يظهر من ذلك أن هذا قد يكون لعلل منها:

    الأولى: سد الشغف الشديد لدى الإنسان لمعرفة بعض الأمور في الكون، كالنجوم والكواكب وغيرها، وفي عدم سد هذا الشغف تعريض للنفس البشرية للُّجوء إلى الجهال المتعالمين، والذي غالباً ما يستثمره الشيطان في نشر عقائد وأعمال فاسدة كالتنجيم والكهانة.

    الثانية: وجود حاجة ماسة للإنسان في معرفة أمور لم تصل إليها علومه في زمن التشريع، ومن هذا الباب -والله علم- الطب الذي يعنى بصحة البدن.

    ومن المعلوم أن المؤمن إنما يؤدي عبادته ببدنه، فهو في حاجة إلى حفظ هذا البدن، ومن هنا جاء الشرع بكثير من القواعد الطبية العامة الجامعة، وإن كان غلب عليها جانب الإجمال الشديد من بيان أصول الأدواء، وكما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن) رواه الترمذي، وصححه الألباني. أو أصول الأدوية كما في حديث: (الشِّفَاءُ فِى ثَلاَثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، وَكَيَّةِ نَارٍ ، وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَىِّ) رواه البخاري، وكما في حديث: (إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ مِنَ السَّامِ) رواه البخاري، وحديث: (الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَفِرُّوا مِنْهُ) رواه مسلم، عند من يحمله على أنه تقرير لمبدأ الحجر الصحي، وهو الراجح من حيث النظر والأثر.

    والملاحظ في هذا كله أنه لا يوجد وصف لطرق تعاطي هذه الأدوية ولا لجرعاتها، ولا للأمراض التي تكون هذه الأمور سببًا لشفائها، ولا يكاد يوجد وصف تفصيلي لأمر طبي في الشرع إلا قليلاً، مثل وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- لختان الإناث في قوله للخاتنة: (إذا خَفَضْتِ فأَشِمِّي و لا تَنْهِكي؛ فإنه أَسْرَى للوجه و أَحْظى عند الزوج) أخرجه الطيالسي، وصححه الألباني، وهذا -والله أعلم- لأنه أمر وثيق الصلة بالسلوك والأخلاق، واستقرار الحياة الزوجية.

    ومن الفوائد اللطيفة أن أحد الباحثين الأمريكيين قد توصل لمعنى الحديث دون أن يعلم أنه حديث، ذكر أن عدم الختان يؤدي إلى تركيز شهوة المرأة في البظر دون الفرج، مما يسبب مشكلات لها ولزوجها، في حين أن الختان يؤدي إلى توزع الشهوة بين البظر والمهبل، ويحصل الإشباع المطلوب.

    وهذا يقودنا إلى الكلام عن الفائدة الثالثة، والتي اكتشفها المسلمون في هذا الزمان، وهو أن بعض الإشارات العلمية في القرآن أصبحت الآن مشاهدة رأي العين، كأحوال الجنين في بطن أمه، أو على الأقل موجودة في دراسات تصل إلى درجة الظن الراجح، وهو ما عُرِفَ بالإعجاز العلمي في القرآن، والذي كان للكلام فيه أثر كبير لإسلام عدد كبير من علماء الغرب ومفكريه.

    إلا أن كثيراً ممن خاض في هذا المضمار في غمرة الحماسة والفرح بهذا الباب الجديد، ظن أنه ما من حقيقة علمية أو حتى نظرية علمية إلا ولابد أن يوجد لها ذكر في القرآن، ظناً منهم أن هذا هو معنى قوله -تعالى- عن القرآن: (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(النحل:89)، فأخذوا يتعسفون في تأويل النصوص لإثبات احتوائها على كل الاكتشافات العلمية الحديثة، بل بلغ ببعضهم إلى أن يدعي أن الأمة لو درست القرآن حقاً لوصلت إلى كل هذه المخترعات قبل الغرب، مع أن علماء المسلمين الذين وصلوا بالفعل إلى مبادئ علوم الرياضيات والفيزياء قبل الغرب لم ينسب أحد منهم ذلك إلى القرآن!!

    وأتى هؤلاء بعجائب منها: زعم بعضهم أن القرآن سبق إلى بيان علم "الذرة"، مع أن "الذرة" في القرآن كما هي في اللغة هي الشيء البالغ الصغر، مأخوذ من ذرات التراب أو من النمل الصغير.

    ولما وجدت نظرية تبني تصوراً لأصغر وحدة توجد فيها المادة، وسميت في اللغة الإنجليزية "Atow"، وجاء دور الترجمة فلم يجدوا كلمة تعبر عن معاني التناهي في الصغر أفضل من كلمة "ذرة" المستخدمة في اللغة والقرآن، فأين إذن ذكر النظرية الذرية في القرآن؟ ولماذا إذن تركها المسلمون لو كانت موجودة حتى وصل إليها الغرب، ثم لم يصل إلى تفاصيلها من المسلمين بَعْدُ إلى ما وصل إليه الغرب؟

    وتزامن هذا مع وجود تيار في الغرب يدعو إلى إيجاد سبل علاج أخرى غير العلاج بالمستحضرات الكيميائية، التي بدأ العالم يشتكي من آثارها الجانبية مُر الشكوى مما عرف لديهم بالطب البديل، وكان أحد فروعه الرجوع إلى الطب القديم القائم على الأعشاب مثل الطب الصيني والفرعون والعربي والطب النبوي.

    وحيث أن الباحثين العاملين في هذا المجال قد تعاملوا مع الأمر بحيادية علمية، فقد أدركوا أن التوجيهات الطبية النبوية هي توجيهات عامة، ولكنها كفيلة بأن تفتح أبواباً عظيمة من أبواب البحث الطبي، فألفوا مؤلفات في التداوي بحبة البركة، وبالعسل، وبالحجامة، بل أصبح لكل نوع من هذه العلاجات مستشفيات كاملة قائمة عليه وحده، ودوَّنوا هذا في مراجعهم، ونقل عنهم بعض المسلمين ناسباً كل ذلك الجهد البشري إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع أن هذه الكتب لا يوجد فيها من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا هذه الكلمات اليسيرة التي نقلناها، وكل ما عدا ذلك جهد بشري متعرض للصواب والخطأ من الناحية النظرية، فضلاً عن الصواب والخطأ من ناحية التطبيق. وأصبح طبيب "الحجامة" يعتبر كل مريض لم يعترف بأنه قد شفي على يديه أنه زنديق أو متشكك.

    ثم تحول الأمر إلى تجارة بشعة يدخل فيها العطار، والصيدلي، والطبيب، والإعلامي، وكلهم يرفعون لافتة الطب النبوي المعصوم.

    في حين أن معظم ما يقولون به مأخوذ عن الصينيين والفراعنة والعرب، وليس كل طب العرب طباً نبوياً.

    وكان لفصل هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في العلاج من كتاب "زاد المعاد"، والذي طبع مستقلاً تحت عنوان "الطب النبوي" أثرٌ سيء في هذا؛ حيث ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- الطب النبوي، وذكر معه "الطب العربي" بناءً على أن الفقهاء الذين كانوا هم أذكياء الأمة غالباً ما يكفونها أمر علم الطب أيضًا، فَجَرَّأ هذا العنوان الذي وضعه أحد "الناشرين" كل أحد أن ينسب كل تركيباته إلى الطب النبوي.

    ومن نافلة القول أن نشير إلى أن معظم العاملين في مجال طب الأعشاب ليست لديهم الأهلية لتمييز الأعشاب بعضها عن بعض، وليست لديهم المعرفة النظرية بطرق الحفظ والتجفيف، فضلاً عن تطبيق ذلك، مما يؤثر على نتائج "وصفاتهم"، سواء كانت نبوية أو عربية أو صينية أو فرعونية.

    وعلى صعيد آخر يوجد جانب آخر ذو أهمية كبيرة في حياة الإنسان، وهو العلاقة بين الرجل والمرأة، وجاء الشرع فيها أيضاً ببيان الأصول العامة لهذه العلاقة، تاركاً التفاصيل والتجربة والفطرة، في حين أن الكلام التفصيلي في أمر الشهوة الجنسية يمثل شهوة مستقلة، ولذلك شاعت في كل الأمم كتابات تصف هذا الأمر بشكل تفصيلي، تارة مع التصريح بأن الغرض من ذلك الإثارة، وتارة يكون الهدف المُعْلَن هو التعليم بينما الإثارة هي المطلوبة، وتارة يكون الغرض هو التعليم فعلاً.

    وفي العصر الحديث تخطى الأمر الكتابة إلى الصور الثابتة، والأفلام المرئية التي تمتلئ بها شبكة الإنترنت، وفي كل هذه الوسائل يشعر متعاطيها بعقدة الذنب، لاسيما في أوساط عوام المسلمين الذين لديهم قدر لا بأس به من النفور من الفاحشة، فرأت كاتبة مغمورة أن تحل المشكلة على طريقة الطب النبوي، بأن تكتب كتاباً تفصيلاً عن ممارسة الجنس، ولكن تحت اسم "الجنس في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-" تعرضت فيه للآداب العامة الواردة في السنة في أول فصلين من الكتاب، ثم انطلقت في نقل التفاصيل الموجودة في سائر كتب الثقافة الجنسية.

    بيد أن الكاتبة وهي في الفصلين التمهيديين أرادت أن ترتدي ثوب الباحثة، فطعنت في البخاري -رحمه الله- زاعمة أنه "وضع" أحاديث لا تليق بمقام النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه مجوسي يريد أن يكيد للإسلام وأهله.

    ولم يفتها من باب "الروشنة البحثية" أن تصف عائشة -رضي الله عنها- بأنها "مراهقة"؛ مما دفع الكثير ممن سمع عن كتابها إلى تكفيرها، وهذه جرأة على التكفير تحتاج إلى نظرة ومراجعة.

    والقضية وإن كان ذات شجون، إلا أن الذي نريد أن ننبه عليه في هذا المقام هو أخذ الدروس والعبر، وأن الظواهر الاجتماعية طبيعتها الحراك الدائم، فينبغي على كل متصدر لعمل عام لاسيما العمل الدعوي أن يتدبر في المآلات قبل أن يقدم على شيء:

    تُرى هل يرضى المتوسعون في باب الإعجاز العلمي بجعل الطب الشعبي نبوياً، ثم هل يرضون بتحويل كتب الثقافة الجنسية إلى كتب نبوية هي الأخرى؟؟

    تُرى هل يرضى الذين زعموا أن البخاري قد فاتت عليه أحاديث موضوعة -مع عظيم جرمهم- بأن يُوصَف البخاري -رحمه الله- نفسه بأنه وضَّاع، مجوسي، زنديق؟

    وأخيراً هل يرضى أصحاب "الروشنة الدعوية" التي أصبحت ظاهرة في زماننا إلى أن يصل الأمر إلى أن توصف السيدة عائشة -رضي الله عنه- بالمراهقة؟؟

    إننا ندعو كل هؤلاء على أن يراجعوا مواقفهم، وقد رأوا بأعينهم تطوراتها المؤلِمة.

    نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.

    كلمات مفتاحية  :
    طب تمسح شرع طب جنس

    تعليقات الزوار ()