بتـــــاريخ : 3/14/2009 2:51:35 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 820 0


    وخرجت كل فويسقة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : سعيد صابر | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    رقائق خرجت فويسقة


    وخرجت كل فويسقة

    كتبه/ سعيد صابر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    فما أن هبت رياح الصيف حتى خرجت كل فويسقة من جحرها تعيث في الأرض فساداً كاشفة عن مفاتنها قائلة بلسان حالها "هيت لك".

    وقد حذرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذه الفتنة العمياء، فقال: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ) متفق عليه. سيما في هذه الأيام التي استعرت فيها الشهوات، وانكشفت فيها العورات، وراجت تجارة الجسد، وغدا الحياء سلعة نادرة، وأطل الحرام برأسه، وبات طريقه ممهداً.

    وتأمل كيف بدأ الله بهذه الفتنة دون غيرها، فقال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)(آل عمران:14).

    وهذه صيحة نبوية تنم عن مدى الخطر وتبين ضرورة الحذر، ولزوم الفرار من هذه الفتنة التي تأتي على الأخضر واليابس، وتعصف بحدائق الإيمان، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِى النِّسَاءِ) رواه مسلم.

    والسبب في تقدم هذه الفتنة على أخواتها واستحواذها على هذا السبق هو أن المرأة سلاح من أمضى الأسلحة التي يتسلح بها الشيطان في حربه مع بني البشر.

    يقول -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي، وصححه الألباني.

    وكثير من هؤلاء الفويسقات إن لم يكن أكثرهن على درجة من القبح والدمامة إلا أنه تزيين الشيطان، وفطر مطموسة، ونفوس خربة لا تقنع ولا تتلذذ إلا بالحرام، كهذا الذي عاش زمنا مع امرأة في الحرام حتى إذا تزوجها ملَّها، وزجرها قائلاً: ما أحلاك حراماً، وأقبحك حلالاً!

    هذا ولما كانت هذه الفتنة تحفها المخاطر على مثل هذا النحو اتخذ الشرع عدة إجراءات وقائية، ووضع الأسلاك الشائكة بين الرجال والنساء؛ تجفيفاً لمنابع الفتنة، وقطعاً لدابرها. ومن ذلك:

    1- تحريم الخلوة: وإلا فإنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-(1).

    2- ومنها تحريم الاختلاط: وقد أمر الشرع بالمباعدة بين الرجال والنساء لا في المواصلات والطرقات والشركات والمدارس والجامعات فحسب، بل وكذلك في أشرف البقاع، فهناك في صحن الكعبة شرع للنساء أن يطفن من خلف صفوف الرجال. وفي الحديث: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) رواه مسلم.

    وهذا الاختلاط لا يمنع منه الأجانب والكبار فحسب، بل ينسحب إلى الإخوة الصغار كذلك إبان نومهم على فرشهم، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود، وقال الألباني حسن صحيح.

    3- من هذه الإجراءات الوقائية أن الله شرع لنا الاستئذان حتى في الدخول على الآباء والأمهات، وشرع للرجل أن لا يغيب عن زوجه أو يسافر عنها أكثر من أربعة أشهر.

    وشرع للمرأة ألا تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم.

    4- نهي أن تصف المرأةُ المرأةَ لزوجها حتى كأنه يراها.

    ونهي عن مصافحة النساء أو مسهن، وفي الحديث: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ) رواه الطبراني، وصححه الألباني.

    ونهى كذلك عن الخضوع بالقول في الهواتف وغيرها: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا)(الأحزاب:32), ولربما كانت فتنة الصوت أعظم من فتنة النظر كما قيل:

    يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة        والأذن تعشق الحي أحيانا

    ونهى الشرع المطهر كذلك عن الزنا بكل ما يؤدي إليه ويورط فيه: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا)(الإسراء:32). ولما حرم عليهم الزنا أباح لهم الزواج، ورغبهم فيه ونهى عن العزوبة والتبتل، وأحال من عجز عن الزواج إلى الصوم؛ فهو حصنه الحصين.

    ومن هذه الإجراءات الوقائية أن الله فرض الحجاب على المؤمنات، يقول -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(الأحزاب:33)، وفي الحديث: (كل عين زانية وإن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا. يعني زانية) رواه الترمذي وأبو داود، وصححه الألباني.

    فمن أذعن واستسلم هنيئاً له الحياة الطيبة، وأهلاً وسهلاً به في بحبوحة الجنة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97).

    ومن أعجبت بحسنها وجمالها وقوامها، وأبت إلا أن تكون فتنة للخلق فيقال لها: كم من جسد صحيح، ووجه صبيح، وصوت فصيح هو اليوم في قبره يصيح على أعماله نادم وعلى ربه قادم، يقول -تعالى-: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)(الشعراء:205-207).

    والله لو عاش الفتى في دهره ألفاً من الأعوام مالك أمره، مستمتعاً فيها بكل لذيذة، متلذذاً فيها بأرغد عيش، لا يعتريه بلاء طيلة عمره، كلا ولا ترد الهموم بباله، ما كان ذلك كله في أن يفي بمبيت أول ليلة في قبره.

    فمن أعظم تلك الإجراءات الوقائية -والوقاية خير من العلاج- الأمر بغض البصر، يقول -تعالى-: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا)(الإسراء:36)، وقال -تعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)(النور:30).

    ولذلك لما قيل لبعض السلف: بم أستعين على غض البصر؟ وكأن هذه الأزمة ليست حديثة الولادة، بل تجرع مرارتها خلق من الأولين، حتى قال قائلهم: بم أستعين على غض البصر؟ فكان الجواب: "بعلمك أن نظر الله إليك يسبق نظرك لمن تنظر إليه".

    يقول محمد بن سيرين: "والله ما نظرت في يقظة ولا في منام إلا إلى امرأتي، وإني لأرى المرأة في المنام فأذكر أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها. فأي عفة هذه؟!". ولذلك قال بعضهم: ليتني أتقي الله في يقظتي كما كان ابن سيرين يتقيه في منامه!

    كان بعضهم إذا سار في الطريق رمى ببصره إلى الأرض، وكأنه يبحث عن شيء وقع منه.

    بل مرت نسوة بالربيع بن خثيم فمازال يغض بصره ويمعن في ذلك حتى ظنت النسوة أنه أعمى، فقلن: نعوذ بالله من العمى!

    هكذا كانت عيونهم، خلافاً للعيون الخائنة الجائعة الزانية، في الحديث: (فالعينان زناهما النظر) متفق عليه، فتباً لتلك العيون التي تنهش وتفترس كل من وقعت عليه، ولا يكاد ينجو منها أحد، لا من تبرجت ولا حتى من تجلببت.

    وهذه السكرة التي عمت بها البلوى لم تكن حتى عند أهل الجاهلية الأولى، يقول عنترة:

    وأغض طرفي إن بدت لي جارتي       حتى يواري جارتي مأواها

    علم المؤمنون الكمل أن العين بوابة القلب، فأحكموا إغلاقها، وأرخوا سدولها، ومن ثم سدوا على الشيطان طريقه إلى قلوبهم، وإلا فالخبيث يتسلل إلى القلب من النظرات، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، والخطوة الأولى هنا هي النظرة. وقديماً قالوا: نظرة، فابتسامة، فموعد فلقاء. (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(البقرة:168).

    رأى ابن مسعود رجلاً يطلق بصره، فقال له: "لو انفقأت عينك لكان خيراً لك". وصدق ونصح -رضي الله عنه-، وإلا فإطلاق البصر الذي يعده البعض لذة ومغنماً كان عند الأولين عقوبة قاسية، ولذلك لما ضاقت أم جريج بابنها ذرعاً دعت عليه قائلة -كما في الحديث: (اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات) رواه مسلم، -وهن العرايا الفاجرات-.

    يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة: عين بكت من خشية الله وعين حرست في

    سبيل الله و عين غضت عن محارم الله) رواه الطبراني، وذكره الألباني في الصحيحة.

    ومن غض بصره عن المحارم أطلق الله نور بصيرته. ومن غض بصره اليوم أطلقه غداً في الحور العين، فكيف يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! وكيف تنشغل عن هؤلاء الحسان بتلك الجيف؟!

    فاتق الله في عينيك، وأدِّ شكر تلك النعمة قبل أن تسلبها، واعلم أنه -تعالى-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)(غافر:19).

    فإذا ما خلوت بريبة في ظلمة            والنفس داعية إلى الطغيان

    فاستحي مـن الإلـه وقــل لـها            إن الذي خلق الظلام يراني

    هب أن المرء -عياذا بالله- آل به الأمر إلى أن وقع في أسر العشق أو تورط في الفاحشة أو تردى في جهنم بهذه الفتنة، فمن المسئول، العين أم القلب؟

    ذكر ابن القيم في روضة المحبين هذا العتاب الذي دار بين القلب والعين، فقال:

    "لما كانت العين رائداً والقلب باعثا وطالباً، وهذه لها لذة الرؤية وهذا له لذة الظفر كانا في الهوى شريكي عنان ولما وقعا في العناء واشتركا في البلاء أقبل كل منهما يلوم صاحبه ويعاتبه.

    فقال القلب للعين: أنت التي سقتني إلى موارد الهلكات وأوقعتني في الحسرات بمتابعتك اللحظات، وخالفت قول أحكم الحاكمين قل للمؤمنين، وقول رسوله النظر إلى المرأة سهم مسموم من سهام إبليس(2)، ولربما يستمر أثر السهم ويسري السم في الجسد حتى بعد النزع.

    فمن الملوم سوى من رمى صاحبه بذلك المسموم؟! أو ما سمعت قول العقلاء:

    من سرح ناظره أتعب خاطره،

    ومن كثرت لحظاته دامت حسراته، وضاعت عليه أوقاته، وفاضت عبراته؟!

    وكما قالوا:

    وكـنت مـتى أرسلـت طرفك رائدا        لقلبك يوما أتعبتك المناظر

    رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه        ولا عن بعضه أنت صابـر

    قالت العين: ظلمتني أولاً وآخراً، وبؤت بإثمي باطنا وظاهراً، وما أنا إلا رسولك وجند من جنودك، وأنت الملك، ولو أمرتني أن أقل علي بابي لسمعت وأطعت، ولقد حكم لي عليك سيد الأنام، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (ألا وإن في الجسد مضغة... ) الحديث(3). فأنت الذي هلكت وأهلكت، وفسدت وأفسدت، وعميت فأعميت، وبيني وبينك قول الله: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(4).

     

     

    فلما سمعت الكبد تحاورهما قالت: كفاكما، فأنتما على هلاكي تساعدتما، وعلى قتلي تعاونتما، وما مثلكما إلا كمثل أشل بصير وأعمى يمشي ويسير، دخلا بستاناً فقال الأشل للأعمى: أنا أرى ها هنا ثماراً حساناً بيد أني لا أستطيع القيام. فقال الأعمى: أنا أقوم، ولكن لا أبصر شيئاً، فقال المقعد: فاحملني، فأنت تمشي وأنا أتناول. فعلى من تكون العقوبة؟

    قالا -القلب والعين-: عليهما.

    فقالت الكبد: فكذلك أنتما، ولقد أنصف من قال فيكما:

    عاتــبـت قلبي لما               رأيت جسمي نحيلا

    فألزم القلب طرفي              وقال كـنت الرسولا

    فـقال طرفي لقلبي              بل كنت أنت الدليلا

    فـقـلـت كفا جميعا               تركـتـمــانـي قـتـيلا

    هذا من أعظم أسباب النجاة من هذه الفتنة أن نتضرع إلى الله أن يعيذنا منها، وقد كان بعضهم مولعاً بالنظر إلى النساء، يقول: فما زلت أتوسل إلى الله حتى أصبحت لا أبالي أرجل مر بي أم امرأة!

    فنسأل الله جل في علاه أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وصلى الله على النبي. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) رواه الترمذي، وصححه الألباني، ولفظه: (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان).

    (2) يشير إلى حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني عن ربه -عز وجل- النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه) رواه الطبراني، وقال الألباني ضعيف جدا.

    (3) متفق عليه.

    (4) (الحج:46).


    كلمات مفتاحية  :
    رقائق خرجت فويسقة

    تعليقات الزوار ()