الصلاة ملاذ المؤمنين
كتبه/ سعيد السواح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
أيها الحبيب: لقد أرشدنا الله -تعالى- على أدوات تعين الإنسان على كد الحياة، وعلى دفع مكر الماكرين وعلى دفع المكروه، وأرشدنا الله -تعالى- كذلك على الأوقات الفاضلة التي ينبغي ألا يغفل العبد عنها ولا يزهد فيها، فكان أمر الله -تعالى- إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بإقام الصلاة حيث إنها مأمن الخائفين ومنار السالكين ومعراج الأرواح على بلاد الأفراح، وكان التأكيد على صلاة الفجر، حيث شهود الملائكة وتعاقب ملائكة الليل والنهار في ذلك التوقيت، فينبغي أن يكون إقبال العبد على عبادة ربه وعدم الانفكاك وعدم الزهد في الوقوف بين يدي الله -تعالى- خاصة بالليل، إن المنازل لا تطلب إلا بمكابدة الليلٍ.
قال -سبحانه-:(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الإسراء:78-79)، فأمر الله -تعالى- بإقام الصلاة في كل وقت من الصباح إلى المساء، من اليقظة إلى المنام.
والصلاة هي سبيل الإنسان في دفع كيد الأعداء والعصمة من مكرهم، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:45-46)، وقال -سبحانه- لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (طـه:130)
ولقد أمرنا الله -تعالى- أن نحافظ على الصلاة وأن نؤديها في أوقاتها: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر قام فصلى.
ولتعلم أيها الحبيب أن أفضل الصلاة بعد المكتوبة هي قيام الليل، لذا كان خطاب الله -تعالى-لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الإسراء:79)،
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم-إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل قال:(اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، الساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسرر وأعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت) مسلم.
وكذلك أيها الحبيب كان النبي -صلى الله عليه وسلم-يفتتح صلاته إذا قام من الليل بقوله:(اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) مسلم
ولتعلم أيها الحبيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين لنا فضيلة قيام الليل فقال -صلى الله عليه وسلم-:(أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)
وقال -صلى الله عليه وسلم-:(عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم) رواه الترمذي.
بل انظر أيها الحبيب إلى ترحم النبي -صلى الله عليه وسلم-على رجل أيقظ أهله ليصليا ليلاً، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين والذاكرات).
ولتعلم أيها الحبيب أنه ينبغي عليك أن تغتنم من ساعات الليل (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة) مسلم
وحسبك من ذلك فعل نبيك -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت له عائشة رضي الله عنها-لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:(أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً؟) البخاري ومسلم.
فاغتنم أيها الحبيب، وإياك أن تدع يوماً تطوى صفحاته ولم يكن سطر لك فيه قيام ليل، حتى لو كان ذلك بركعتين خفيفتين تقرأ فيهما ما يسر الله لك من كتابه، وكفاك بذلك شرفاً أن الله أقامك في هذه الساعة بين يديه تناجيه وهو سبحانه يسمعك ويرى مكانك.
واغتنم أيها الحبيب إن كان لك حاجة عند ربك فقم في الثلث الأخير من الليل حيث النزول الإلهي إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله سبحانه، وربك يدعو وينادي على صاحب الحاجات والطلبات: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ وذلك حتى طلوع الفجر، فإياك والغفلة! فربك لا يغفل ولا ينام -سبحانه سبحانه-، فلا إله لنا غيره، ولا رب لنا سواه نعبده وندعوه ونتوكل عليه فهو حسبنا ونعم الوكيل.