استجيبوا لله
كتبه/ سعيد السوّاح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
أخي الحبيب:
لو وجهت إليك دعوة لكي تحيا يوماً في سعادة وفرح ومرح، فهل ستقبلها أم لا؟
لو وجهت إليك دعوة لكي تعيش فيها لحظات طيبة مع من تحب، فهل ستقبلها أم لا؟
لو وجهت إليك دعوة من ملك من ملوك الدنيا، فهل ستقبلها أم لا؟
أخي الحبيب:
ماذا لو وجهت إليك دعوة من ربك من الملك للحياة -لحياة أبدية لا شقاء فيها ولا حرمان-، فهل ستقبلها أم لا؟
فلقد وجه الله لك الدعوة فقال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )(لأنفال: من الآية24)فهذه دعوة من ربك موجهة إليك، نادى فيه سبحانه عليك بنداء الإيمان، هذا النداء الذي تسكن إليه النفوس، وتطمئن إليه القلوب ويتحرك من خلاله باعث الإيمان في القلب. نادى به سبحانه عليك لكي تستجيب وتمتثل لطاعة ربك ولطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حيث الحياة الطيبة المطمئنة التي ملؤها السعادة والفرح والسرور والفلاح في الدنيا والآخرة، فهل من مستجيب؟
فهل من قائل لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك وأنا عبدك بين يديك؟
ولتنظر أيها الحبيب إلى صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف استجابوا لربهم ولدعوة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف كان جزاء الله لهم ومنته وعطاءه لهم لما استجابوا لربهم؟ يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- لما أنزلت على النبي -صلى الله علينه وسلم-: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:284)، قال اشتد ذلك على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم سمعنا وعصينا، بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة:285)، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال نعم،
(رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قال نعم،
(رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه) قال نعم،
(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) قال نعم. وفي رواية: قال قد فعلت. مسلم.
ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-مبيناً فضل الله ومنته على هؤلاء القوم بعدما استجابوا لكلام رسولهم -صلى الله عليه وسلم-:(إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به)، فهؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- ظنوا في بداية الأمر أنهم يؤاخذون بما لا قدرة لهم على دفعه من الخواطر التي لا تكتسب، فلما أتوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- يشكون ضعفهم وعجزهم، وليس اعتراضاً على كلام ربهم سبحانه، بين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-أن هذا المسلك يشبه مسلك اليهود والنصارى حيث قالوا سمعنا وعصينا، ولكن المؤمن ينبغي عليه أن يقول لأوامر ربه وأحكامه سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما فعلوا ما أمرهم به النبي -صلى الله عليه وسلم-وألقى الله الإيمان في قلوبهم، وذلت هذه القلوب بالاستسلام والانقياد وكذا ألسنتهم رفع الله الحرج عنهم ونسخ هذا التكليف، وأنزل سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) البخاري.
ولقد حدد الله -تعالى-لنا مسلك المؤمنين كيف هو مع كتاب ربه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-قال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور:51)، فما لك من بد إلا أن تستمتع بأذنيك ، وتنصت بقلبك، استجابة لربك إذا دعاك لما فيه حياتك وسعادتك في الدنيا والآخرة، لتنعم في الدنيا والآخرة.
واحذر!!!
ولتحذر من أن يكون مسلكك مع كتاب ربك وأوامره ونواهيه مسلك المنافقين الذين قالوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم وأركانهم، (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (النور:50).
ونقول لك أيها الحبيب:
لماذا لا تقبل على طاعة ربك؟ ولم تتباطأ في امتثال أوامر ربك؟ ولم تؤثر الدنيا على طلب الآخرة؟
فلا شك أن السبب الرئيسي في ذلك هو حبك للدنيا الذي تمكن من قلبك، وكذلك مكانة هذا النعيم العاجل عندك وحبك للملذات والشهوات التي ملكت عليك نفسك وحياتك، ويكفيك قول ربك:(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ لدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى:17)
وكذلك ظنك أن الطاعة فيها تقييد لحريتك وشهواتك التي تدعوك إليها نفسك.
فلتعلم أيها الحبيب:
أن هذا ظن فاسد إن وقع في نفسك وقلبك أن الطاعة تضييق على النفس وحرمان للإنسان من فعل ما يحب.
فنقول لك: أأنتم أعلم أم الله؟
فمن الذي خلق الدنيا؟ ومن الذي خلقك؟ ومن الذي خلق لنا هذا المتاع الذي نراه في الدنيا؟ أليس الله؟!
فمن أولى أن يصف لك كيف تتعامل مع الدنيا؟ أليس الله -تعالى-؟ ومن أولى أن يصف لك سبيلك للاستمتاع بنعيمها؟ أليس الله -تعالى-؟!
ومن أولى أن يصف لك سبيلك لتحقيق السعادة التي ترجوها؟ أليس الله؟! فليس لك عند ذلك إلا التسليم.
ويكفيك قول ربك: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)
نظن أنه يكفيك ذلك لتصحيح هذا المفهوم الخاطئ عن الدنيا وعن الطاعة، وعن الاستجابة لنداء ربك سبحانه وتعالى
فقم وقل:
لبيك ربنا وسعديك، والخير بين يديك، وأنا عبدك بين يديك.