كنز المتعبد في فضل التهجد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
طوبى للمتهجدين بالليل ... أولئك الذين يرثون النور الدائم من أجل أنهم قاموا في ظلمة الليل فمشوا على أرجلهم، والتمسوا بأيديهم مساجدهم في بيوتهم، يتضرعون في سواد الليل إلى ربهم، زرعوا مساجدهم، وكان يسقى زرعهم دموع أعينهم، حتى أنبتوا وأدركوا الحصاد ليوم فقرهم، فوجدوا عاقبة ذلك، قلوبهم عند ربهم معلقة، وأجسادهم في الدنيا منتصبة، قد غلبهم النوم فخروا على وجوههم لما رهبوا منه، يرجون رحمته ويخافون عذابه.
قال كعب: "إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يصلُّون بالليل في بيوتهم، كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء".
وقال يزيد الرقاشى: "بطول التهجد تقر عيون العابدين، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله عز وجل".
يقول أحدهم: "منذ أربعين سنة ما أخرني إلا طلوع الفجر".
ما ودع الليل إلا عاد يصحبه كأنما الليل ملء البيد والحضر
ويقول أحدهم:
يا رقة الإيـمــان تــــدفع هــمتــي وتشد من خطوي إلى أفراحي
ما بين آيـات تلـــوت حروفــــهــا نوراً يموج على ربى أوسـاح
أو بين ركعات جمعت بها الدجـى ونثـــــرت فـجرا ونـور صبـاح
عطايا المنان الودود لرجال الليل أهــــل القـــرآن والـســـجــود
ولله در السري السقطى حين يقول: "رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل" فتعال أخي إلى فوائد التهجد:
قيام الليل مدرسة الإخلاص:
قال قتادة: "كان يقال قلما سهر منافق" ... وكيف يخفى الليل بدراً ساطعاً.
قيام الليل صلاة، والصلاة رأس العبادة:
قال نبينا صلى الله عليه وسلم (الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر) (رواه الطبرانى فى الأوسط وحسنه الألبانى).
قال عمرو بن دينار: "الصلاة رأس العبادة".
وصلاة الليل مقبولة، وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: (... فإن توضأ وصلى قبلت صلاته) (رواه البخارى) .. والقبول قدر زائد على الصحة..ولهذا قال الحسن: "وددت أنى أعلم أن الله قبل لي سجدة واحدة".
وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: "فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلا نية".
وعن يعلى بن عطاء عن عمته سلمى قالت: قال لي عمرو بن العاص: "يا سلمى، ركعة بالليل خير من عشر بالنهار".
قيام الليل شرف المؤمن:
لقوله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن شرف المؤمن قيام بالليل) (رواه الطبرانى فى الأوسط وحسنه الألبانى).
قال وهب بن منبه: "قيام الليل يشرف به الوضيع، ويعز به الذليل، وصيام النهار يقطع صاحبه عن الشهوات، وليس للمؤمن راحة دون دخول الجنة".
قيام الليل عنوانه علو الهمة:
وحياة النفس في السمو، ونجاتها في العلو، وأول خطوة للسالك خطوة هول وسجدة بليل. "دقائق الليل غالية، فلا ترخصوها بالغفلة".
التهجد سبيل النصر على الأعداء:
فسيد المجاهدين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة بدر تحت الشجرة يصلى ويبكى حتى أصبح.
بات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلى إلى جذع شجرة هناك، ويكثر في سجوده أن يقول: "يا حي يا قيوم" يكرر ذلك ويلظ عليه الصلاة والسلام بقيام الليل والبكاء والدعاء والاستغاثة بطلب النصر حتى الصباح.
ولما هُزم الروم أمام المسلمين، قال هرقل ملك الروم لجنوده: ما بالكم تنهزمون؟ فقال شيخ من عظماء الروم: من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار !!.
وسأل هرقل أحد جنود الروم: أخبرني عن هؤلاء القوم؟ فقال: أخبرك كأنك تنظر إليهم، هم فرسان بالنهار، رهبان بالليل، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربوه حتى يأتوا عليه، فقال هرقل: "ئن صدقت ليملكن موقع قدمي هاتين"
وقال الصليبيون عن نور الدين محمود زنكي: "إن القسيم بن القسيم ـ يعني نور الدين زنكي ـ له مع الله سر، فإنه لم يظفر وينصر علينا بكثرة جنده وجيشه، وإنما يظفر علينا وينصر بالدعاء وصلاة الليل، فإنه يستجيب له ويعطيه سأله فيظفر علينا".
قيام الليل صلة بالله وقربة:
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (عليكم بقيام الليل، إنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالي) (رواه أحمد والترمذى وصححه الألبانى).
عن المبارك بن فضالة قال: قال رجل للحسن: "يا أبا سعيد، ما أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالي من الأعمال؟ قال: ما أعلم شيئاً يتقرب به المتقربون إلى الله أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلاة".