بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، من سنوات عشر تقريباً ألقيت في هذا المسجد المبارك دروسًا في العقيدة الإسلامية ، وكان لها أثر طيب بفضل الله عز وجل ، ثم بعد حين ألقيت سلسة دروس من كتاب العقيدة الطحاوية ، وقد مضى على دروس العقيدة زمن طويل ، والحاجة تشتد الآن إلى دروس أخرى في العقيدة ، لأن العقيدة من أصول الدين ، ولأن الدين أصول وفروع ، والعقيدة أخطر شيء في الدين ، فمن صحت عقيدته صح عمله ، ومن فسدت عقيدته فسد عمله ، ولو لم يكن هناك من علاقة بين العقيدة وبين السلوك فاعتقد ما شئت ، ولكن ما من عقيدة إلا ولها منعكس على السلوك .
فلذلك اعتمدت على الله عز وجل ، وأردت أن أبدأ سلسلة من دروس العقيدة لها خصائص ، من خصائصها أنها تعتمد على الكتاب والسنة ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ﴿تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا ، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّه ِ﴾.
[مالك في الموطأ]
لا نريد عقيدة تأخذ من كتب الإغريق ، ولا من أقيسة منطقية محضة ، نريد عقيدة مأخوذةً من كتاب الله ، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فنحن أمام سلسلة أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في شرح دقائق العقيدة الإسلامية ، معتمداً على ما في الكتاب وما في السنة من آيات بينات واضحات ، ومن أحاديث شريفة صحيحة .
أيها الإخوة ، بادئ ذي بدء ، الناس على اختلاف أجناسهم ، وأعراقهم ، وألوانهم ، ومللهم ونحلهم ، وانتماءاتهم ، ومذاهبهم ، وطوائفهم ، لا يزيدون على رجلين ، مؤمن وكافر ، وهناك أدلة كثيرة من الكتاب ، فالله عز وجل يقول :
( سورة الليل ) .
كأن الله سبحانه وتعالى جعل الناس فريقين ، لا ثالث لهما ، إنسان صدق أنه مخلوق للجنة ، وهذه العقيدة ، بناء على عقيدته السليمة والصحيحة اتقى أن يعصي الله ، ومع اتقاءه أن يعصي الله بنى حياته على العطاء كثمن للجنة ، فكان رد الإله عليه أنـه يسره لليسرى ،
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾، الحسنة هي الجنة ، وأبرز ما في العقيدة أننا مخلوقون للجنة ، وأن الدنيا دار ندفع فيها ثمن الجنة ، من خلال معرفتنا بالله وطاعتنـا له ، ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾، العقيدة الفاسدة أنه كذب بالجنة ، وآمن بالدنيا فقط ، لأنه آمن بالدنيا ، ولم يتعدَ نظره إلى غيرها ، ذلك مبلغهم من العلم ، يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا ، لأنه آمن بالدنيا فقط ، ليس بحاجة إلى طاعة الله ، استغنى عن طاعة الله ، ولما استغنى عن طاعة الله بنى حياته على الأخذ ، لا على العطاء ، وكان رد الإله عليه أنه يسره للعسرى .
هذه الآية أيها الإخوة : ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾، إذاً الناس على اختلاف أعراقهم وأجناسهم ، وأوانهم ، ومللهم ، ونحلهم ، وطوائفهم ، ومذاهبهم رجلان ، رجل صدق أنه مخلوق للجنة ، وهذه العقيدة ، العمل السلبي أنه اتقى أن يعصي الله ، العمل الإيجابي أنه بذل ما في وسعه للتقرب إلى الله ، ﴿أَعْطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾، فكانت حياته ميسرة لما خلق له .
والثاني آمن بالدنيا ، ولم يعبأ بالآخرة ، عقيدته فاسدة ، ولأن عقيدته فاسدة انعكست تفلتاً من منهج الله ، فاستغنى عن طاعة الله ، وانعكست أخذاً لا عطاءً ، وكان رد الإله عليه أنه يسره لخلاف ما خلق له ، يسره لدفع ثمن اختياره الفاسد المبني على فساد عقيدته ، هذه آية ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ )) .
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن أبي هريرة ]
والآن في آخر الزمان تمايز واضح جداً ، كان هناك مئات الألوان بين الأبيض والأسود ، الآن لونان صارخان ، الآن مؤمن أو كافر ، محسن أو مسيء ، صادق أو كاذب مخلص أو خائن ، هناك تمايز بين الطرفين ، ولي أو شيطان ، أو إباحي ، رحماني أو شيطاني ، من آهل الآخرة أو من أهل الدنيا ، يخاف من الله ، أو يخاف ممن سواه ، يسعى للآخرة ، أو يسعى للدنيا ، هذا تمايز واضح كالشمس .
الآن ، الله عز وجل في كتابه الكريم مدح المؤمنين أيّما مديح ، قال تعالى :
( سورة السجدة ) .
يعني آمن بالآيات ، لكن أعضاءه وجوارحه أظهرت هذا الإيمان خشوعًا ، وسجودًا وإنابة ، وبكاء ، ثم يقول الله عز وجل :
( سورة السجدة ) .
الحقيقة أن خلاف المؤمن الكافر ، لمَ لمْ بقل الله عز وجل : أفمن كان مؤمناً كمن كان كافراً ؟ من لوازم الكفر الفسق ، ومن لوازم الإيمان الاستقامة ، ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ﴾، مستقيماً ، كمن كان كافراً فاسقاً ، ﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾.
الآن المؤمنون ينتمون إلى جهة واحدة ، انتماء المؤمنين إلى مجموع المؤمنين ، لا تفرقة في ديننا .
( سورة البقرة الآية : 285 ) .
في الحقيقة الدين واحد ، والدين عند الله الإسلام ، ولو قرأتم القرآن الكريم لوجدتم أن كل الأنبياء من دون استثناء وُصفوا في القرآن الكريم بأنهم مسلمون ، الإسلام له معنى واسع ، وله معنى ضيق ، المعنى الواسع هو الاستسلام لله ، إيماناً وطاعةً ، والمعنى الضيق أن تؤمن بالدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، وبالقرآن الذي نزل عليه ، وبالسنة التي جاء بها ، أما كلمة الدين فتعني الإسلام بمفهومه الواسع ، فالله عز وجل يقول :
( سورة آل عمران الآية : 19 ) .
ثم إن الله يثني على المؤمنين :
( سورة العصر ) .
ولكن الإيمان درجات ، هناك إيمان لا يجدي ، وهناك إيمان مُنْجٍ ، وهناك إيمان مُسعد ، تصور أن دائرة كبيرة جداً هي دائرة أهل الإيمان ، فكل من آمن أن لهذا الكون إلهاً موجوداً ، وواحداً وكاملاً فهو في هذه الدائرة ، لكن إن لم يستقم على أمره فلا ينفعه إيمانه ، كإيمان إبليس تماماً :
( سورة صاد الآية 82 ) .
آمن بالله رباً ، وآمن به عزيزاً ، وآمن به خالقاً ، قال : خلقتني ، وآمن يوم الآخر:
( سورة الأعراف ) .
ما دام إبليس لم يطع الله عز وجل ، واستنكف عن طاعته ، فإيمانه لا يجدي ، إذاً مَا كلُّ من قال : الله خالق الأكوان ينجيه إيمانه ، في هذه الدائرة الكبيرة دائرة صغيرة ، هذا الذي آمن ، وعمل بإيمانه ، آمن ، وعمل بمقتضيات إيمانه ، آمن ، وحمله إيمانه على طاعة الله ، هذا في الدائرة الثانية ، وفي مركز الدائرة أنبياء الله عز وجل المعصومون ، فإما أن يكون الإنسان خارج الدائرة ، وهو الكافر والملحد ، وإما أن يكون في دائرة الإيمان ، لكن إيمانه لا ينجيه ، وإما أن يكون في الدائرة الثانية ، أي إيمانه ينجيه ، وفي وسط هذه الدائرة الكبيرة مركز فيها أنبياء الله ورسله الذين هم قمم البشر ، والقدوة للبشر ، والذين عصمهم الله عز وجل ، وأمرنا أن نأخذ عنهم .
أيها الإخوة ، من أيّ مادة في اللغة تشتق كلمة الإيمان ؟ من أمن ، اطمأن ، يعني ليس من طريق إلى أن تكون آمناً مطمئناً متوازناً راضياً متفائلاً إلا أن تكون موصولاً بالله عز وجل ، ذاكراً له ، لقول الله عز وجل :
( سورة الرعد ) .
مستحيل ، وألف ألف أَلف مستحيل أن تسعد وأنت معرض عن الله ، لأن الله عز وجل يقول :
( سورة طه ) .
ما من إنسان على وجه الأرض إلا ويتمنى السلامة والسعادة ، وحينما يتحقق إذا كان موفقاً أن سلامة الإنسان في طاعة ربه ، لأن أوامر الله عز وجل بمنزلة تعليمات الصانع ، وما من جهة أجدر أن تتبع تعليماتها كالصانع ، لأنه خبير ، وقد قال الله عز وجل :
( سورة فاطر ) .
فالمؤمن لا يسلم إلا بطاعة الله ، ولا يسعد إلا بالقرب من الله ، وهذه الحياة بين أيديكم ، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، فقال بعض المفسرين : تساءل فما بال ملوك الأرض ؟ والأرض كلها ملك لهم ، ما بال أغنياء الأرض ، والأموال بين أيديهم ؟ و المعيشة الضنك لهؤلاء ، وضيق القلب ، الغافل عن الله والعاصي لله ، مهما كان قوياً أو غنياً في قلبه ضيق فيما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، لذلك قال أحد العارفين بالله : " الذي ترك الملك ، كان ملكاً ، وفر إلى الله عز وجل " ، وقال بعضهم : " لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف " ، الإيمان من الأمن .
( سورة الأنعام ) .
ما من إنسان على وجه الأرض يتمتع بنعمة الأمن حقيقة إلا المؤمن ، لأنه أيقن أنه مع خالق السماوات والأرض ، وأن الله يراه ، والذي يراك حين تقوم .
( سورة الشعراء ) .
وأن الله سيكافئه ، وأن الله يعده بجنة عرضها السماوات والأرض ، وأن الله يحفظه ، إذاً : تشتق كلمة الإيمان من الأمن ، والأمن أكبر نعمة تسبغ على الإنسان ، والدليل هذه الآية :
( سورة الأنعام )
وتشتق كلمة الإيمان من التصديق ، بمعنى :
( سورة يوسف ) .
أيْ : وما أنت بمصدق لنا ، فإما أن نفهم الإيمان على أنه أمن وراحة ، وتوازن واستقرار ، وسعادة وسلامة ، أو أن نفهم الإيمان على أنه تصديق لما جاء به الأنبياء والرسل .
أيها الإخوة ، أما المفهوم الشرعي للإيمان فهو اعتقاد وإقرار وعمل ، تعتقد أن لهذا الكون خالقاً ومربياً ومسيراً ، وأنه موجود وكامل وواحد ، وأن أسماءه حسنى وصفاته فضلى ، وأنه خلق الإنسان ليسعده ، وأن الدنيا دار فيها يتأهل الإنسان لجنة خلقه الله من أجلها ، وأنه أرسل الأنبياء والرسل ، وأنزل الكتب ، وأنه خلق الملائكة ، وأن كل شيء بفعله وقضائه وقدره ، هذا هو الإيمان ، فالإيمان اعتقاد ، والإيمان اعتراف باللسان ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمد رسول ، والإيمان سلوك ، أداء العبادات ، وضبط الجوارح ، وضبط الأعضاء ، وضبط الدخل ، وضبط الإنفاق ، وضبط البيت ، اعتقاد وإقرار وسلوك ، لأن الكفر اعتقاد فاسد ، وكلام متفلت ، وسلوك منحرف ، هناك كفر اعتقادي ، وهناك كفر كلامي ، وهناك كفر سلوكي .
أيها الإخوة ، قال تعالى :
( سورة طه ) .
والله أيها الإخوة ، لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت ، ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾، لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه.
( سورة البقرة ) .
لا يخاف مما سيكون ، ولا يندم على ما كان ، هذه الآية غطت الزمان كله ، أنت في هذه النقطة ، لا تخشى مما هو آت ، ولا تندم على ما فات ، اجمع الآيتين ، الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة ؟
أيها الإخوة ، حقائق الإيمان جاءتنا عن طريق الوحي ، نحن ديننا دين وحي ، هناك من يصف الإسلام أنه تراث ، الإسلام ليس تراثاً ، إنه دين الله ، هناك من يصف النبي بأنه عبقري ، النبي نبي ، لا ينبغي أن يطرح إلا على أنه نبي يوحى إليه ، عندنا مسلَّمات ، أساس ديننا الوحي ، وحي من السماء على إنسان معصوم بأحاديثه الشريفة ، بيّن دقائق الوحي ، وحي من خلال كتاب أنزل على قلب نبي معصوم ، وبيان هذا النبي تفصيل لما في الكتاب ، هذا هو أصل الدين ، لا هو ثقافة ، ولا معطيات بيئة ، ولا تفكير فلاسفة ، ولا تنظير مصلحين ، الدين وحي من السماء ، وبيان من معصوم ، الكتاب والسنة ، وحي الله فيه الكليات ، والسنة فيها التفصيلات ، لذلك هذا المؤمن هو الفائز ، هو الناجح ، هو الفالح ، هو الموفق ، هو المتفوق ، هو الناجي ، هو المعافى ، هو المكافئ ، ماذا ينتظر المؤمن إذا آمن بالله عز وجل ؟ ينتظر المؤمن أن ينصره الله على أعدائه .
( سورة الروم ) .
والمؤمن يدافع الله عنه .
( سورة الحج الآية : 38 ) .
والمؤمن وليه الله .
( سورة البقرة الآية : 257 ) .
واللهِ مرة استمعت إلى آية قرآنية تركت في نفسي أثراً لا يوصف ، الآية تقول :
( سورة محمد ) .
وازن بين ابن له أب من أعلى مستوى ، فهم ، وعلم ، وقدرة ، وغنى ، وحكمة ، رباه أعلى تربية ، ربى جسمه ، وربى عقله ، وربى نفسه ، وربى ثقافته ، فكان مثلاً أعلى ، وتصور ابنًا شاردًا من مخفر إلى مخفر ، ومن مكان إلى مكان ، ومن سجن إلى سجن ، ومن سقوط إلى سقوط ، ومن فاحشة إلى فاحشة ، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾، الله عز وجل وعد المؤمنين أن ينصرهم على أعدائهم ، ووعد المؤمنين أن يدافع عنهم ، وقال لهم ، ﴿اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾، والله سبحانه وتعالى يتولى هداية المؤمن .
( سورة الحج ) .
وقد وعد الله المؤمنين بألاّ يسلط الكفار عليهم .
( سورة النساء ) .
وازنوا بينكم وبين أنفسكم ، الوعد : } وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا { ، إذا كانوا لهم علينا ألف سبيل وسبيل ، والوعد أن ينصرنا على أعداءنا ، فإذا انتصروا علينا فالخلل فينا ، الوعد أن يدافع عنا ، فإن لم يدافع عنا فالخلل فينا ، الوعد أن يتولانا ، فإن لم يتولنا فالخلل فينا ، إيماننا ليس في المستوى الذي يستحق تحقيق وعود الله عز وجل ، المؤمن وعده الله أن يستخلفه في الأرض .
( سورة النور الآية : 55 ) .
وعدهم بالاستخلاف .
( سورة النور الآية : 55 ) .
وعدهم بالتمكن .
( سورة النور الآية : 55 ) .
وعدهم بالتطمين ، والواقع المؤلم أنه لا استخلاف ، ولا تمكين ، ولا تطمين ، إذاً الإيمان الذي نحن عليه ليس في المستوى الذي يستحق أن تتحقق وعود الله لنا ، وعد الله المؤمن بالرزق الطيب .
( سورة الأعراف الآية : 96 ) .
وعد الله المؤمن بالعزة :
( سورة المنافقون الآية : 8 ) .
أما مشاهد الذل التي ترونها أحياناً من قبل أعداء المسلمين فهذا شيء يتنافى مع حقيقة الإيمان ، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾، وعد الله المؤمنين بحياة طيبة .
( سورة النحل الآية : 97 ) .
الناس رجلان ، مؤمن وكافر ، ومعنى الإيمان من الأمن ، ومعنى الإيمان من التصديق ، فالمؤمن يتمتع بأمن لا يتمتع به سواه ، والمؤمن مصدق لما جاء به الأنبياء والمرسلون ، الآن الإيمان بالمعنى الدقيق : اعتقاد ، وإقرار ، وعمل ، وعود الله للمؤمنين تلوتها على مسامعكم .
الآن هذا في الدنيا ، فماذا في الآخرة ؟ قال :
( سورة الكهف ) .
( سورة لقمان ) .
أيها الإخوة ، لأن الإيمان اعتقاد ، ومن لوازم الاعتقاد الإقبال على الله ، والاتصال به ، والتوكل عليه ، والخشوع في الصلاة ، ومحبته ، والإخلاص له ، الإيمان له مقتضيات ، آمنت أن لهذا الكون إلهاً ، من مقتضيات هذا الإيمان أن تتجه إليه ، وأن تقبل عليه ، وأن تحبه ، وأن تلتزم بأمره ونهيه ، وأن تصلح شأن عباده ، وأن تكون معطاءً خيّراً ، لذلك الإيمان يزيد وينقص ، يبدو كحقائق لا يزيد ولا ينقص ، الساعة الخامسة ، هذه حقيقة ثابتة ، لها معنى واحد ، لكن الإيمان يزيد وينقص ، بمعنى أنك في ساعة إقبال أو فتور ، في حالة توكل أو عدم توكل ، في حالة حب مع الله ، أو في حالة قعود عن طاعة الله ، فالإيمان يزيد وينقص ، والدليل :
( سورة الأنفال الآية 2 ) .
طبعاً الإيمان يزيد وينقص بالإقبال وعدم الإقبال ، ويزيد وينقص بما تعرف عن الله عز وجل ، فكل شيء عرفته عن الله فهو أكبر من ذلك ، وهذا من معاني الله أكبر ، يعني الله أكبر مما أعرف عنه ، والأصل أن الله عز وجل لا يعرفه إلا الله ، فكلما نمت معرفتك بالله عز وجل ازداد إيمانك ، وكلما ازداد إقبالك على الله ازداد إيمانك ، فالإيمان يزيد وينقص ، طبعاً قد يضعف الإيمان بالشبهات ، وقد يضعف بالمعاصي ، وقد يقطع المؤمن عن الله عز وجل بقواطع الذنوب ، أو بقبائح العيوب ، أو بشبهات لم يجد لها حلاً ، فالإيمان في الأصل يزيد وينقص ، الأدلة :
( سورة مريم الآية : 76 ) .
( سورة المدثر الآية : 31 ) .
( سورة الفتح الآية : 4 ) .
( سورة آل عمران الآية : 173 ) .
هذه من مسلَّمات العقيدة ، أن الإيمان يزيد ، يزيد كلما تأملت في آيات الدالة على عظمته ، كلما اطلعت على خبايا هذا الكون وأسرار هذا الكون ، ودقة صنع الله عز وجل ، كلما اطلعت على آياته الكونية والتكوينية والقرآنية ازددت إيماناً ، وكلما أقبلت عليه أكثر ازددت إيماناً ، ويضعف الإيمان بالشبهات التي لم تجد لها حلاً ، أو لم تبحث عن حل لها ، يضعف الإيمان بالمعاصي والمخالفات ، فالإيمان يزيد وينقص ، إذاً الإيمان يحتاج إلى تجديد لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( ... جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا ؟ قَالَ : أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) .
[ أخرجه أحمد]
يزيد وينقص ويتجدد ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) .
[ أخرجه البخاري ومسلم]
طبعاً كلٌّ يدّعي أنه يحب الله أكثر من والديه ، ومن ولده ، ومن الناس أجمعين ، ولكن هذا الحديث معناه عند التعارض ، لو أن مصلحة بين يديك لا بد من نيلها إلا بمخالفة ، فآثرت هذه المصلحة التي بين يديك على طاعة الله عز وجل ، فأنت لا تحب الله أكثر من مصالحك ، هنا يقول عليه الصلاة والسلام : (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) ، إذا اعتز الإنسان بأبيه ، ولم يكن أبوه على حق فإيمانه فيه خلل ، إذا آثر أن يكون ابنه في مكان عالٍ ، ولكن على حساب دينه فإيمانه فيه خلل ، ومن الدلائل من حديث النبي عليه الصلاة والسلام على أن الإيمان يزيد وينقص أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِ)) .
[ أخرجه الشيخان عن أنس رضي الله عنه ] .
وهذا الحديث من أدق الأحاديث المتعلقة بالدافع الإنساني ، أخيه يعني أخاه في الإنسانية ، الإسلام إنساني ، وقد تجد بعض البلاد تعامل رعاياها معاملة راقية جداً ، أما الشعوب الأخرى فيسحقونها ، هذا ليس من شأن الإسلام إطلاقاً ، الإسلام إنساني ، (( حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِ )) ، أخيه في الإنسانية ، لأن المطلق على إطلاقه .
لسيدنا عمر بن عبد العزيز قول رائع يقول : " إن للإيمان فرائض وشرائع وسنناً ، فمن استكملها استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان " ، الإيمان فيه عقيدة ، وعبادة ، وعبادة تعاملية ، وفضائل ، هرم العقيدة في أعلى هذا الهرم ، ثم العبادة ، ثم التعامل ، ثم الفضائل ، فمن صحت عقيدته ، وأتقنت عبادته ، وسلم تعامله ، وكرمت فضائله فقد استكمل الإيمان ، الإيمان يزيد ، لقول سيدنا معاذ : " اجلس بنا نؤمن ساعة " ، سماع درس يزيدك إيماناً ، الإطلاع على آية كونية يزيدك إيماناً ، معرفة حديث رسول الله يزيدك إيماناً ، يقول ابن مسعود : " اليقين الإيمان كله " ، الإيمان يقين ، معلومات قطعية ، حقيقة مقطوع بها ، يؤيدها الواقع ، عليها دليل .
ويقول ابن عمر : " لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في صدره " ، ليس له اضطراب في الأفكار ، ولا تردد ، ولا ارتياب .
( سورة الحجرات الآية : 15 ) .
الريب يتناقض مع الإيمان ، الشك يتناقض مع الإيمان ، الوهم يتناقض مع الإيمان ، ويقول عمار رضي الله عنه : " ثلاث مَن جمعهن فقد جمع الإيمان ، الإنصاف من نفسه ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار " ، علامة المؤمن أنه منصف ، بل ينصف الناس من نفسه ، علامة المؤمن أنه إذا أخطأ يعتذر ، ويقول : هذا خطأ مني ، ينصف الناس من نفسه ، من علامة الإيمان ، " الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار " .
وسيدنا عمر رضي الله عنه يقول : " هلموا نزدد إيماناً " ، معناها دروس العلم ، درس تفسير ، درس حديث ، درس عقيدة ، درس سيرة ، آيات كونية ، سماع خطبة ، قراءة كتاب ، سماع شريط ، هذا يزيدك إيماناً .
الآن الإقبال على الله ، والاتصال به ، وإتقان العبادة يزيدك إيماناً ، الإطلاع على الشبهات ، ولا تجد رغبةً في حلها يضعف إيمانك ، الشكوك والشبهات والمعاصي والآثام تضعف الإيمان ، والحقائق واليقينيات والطاعات تقوي الإيمان ، فالإيمان يزداد وينقص ، والإيمان يخلق في صدر أحدكم ، يحتاج إذاً إلى تجديد ، وفي بعض الأحاديث : (( جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ )) .
[ رواه أحمد والحاكم والنسائي والطبراني بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه ] .
أيها الإخوة ، كما قلنا قبل قليل : الإيمان مصدره الوحي من السماء ، نحن ديننا دين وحي من السماء ، والوحي خطاب السماء إلى الأرض ، وهناك أدلة لا تعد ولا تحصى على أن هذا القرآن الذي جاء به جبريل من عند الله عز وجل ، ونزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نفسه الذي بين أيدينا ، دون أن يزيد حرفاً أو حركة ، موضوع القراءات موضوع آخر ، القراءات احتمال قراءة للرسم القرآني من دون تنقيط ، فناداها مِن تحتِها ، أو فناداها مَن تحتَها ، هذا موضوع آخر ، أما النص الذي نزل به جبريل على قلب محمد الأمين عليه أتم الصلاة والتسليم فهو الذي بين أيدينا ، فديننا دين وحي ، ولهذا البحث تفاصيل كثيرة .
مثلاً حينما تحدث الناس في عفة السيدة عائشة ، لو أن الوحي من عند رسول الله ، بعد ساعة جاءت آية وبرأتها ، بقي هذا الاتهام أربعين يوماً ، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك أدلة إثبات ، ولا أدلة نفي ، إلى أن جاء الوحي ، لو أن الوحي بيد رسول الله لجاءت آية بعد خمس دقائق برأت السيدة عائشة ، هناك ملاحظات دقيقة جداً ، لو كان الوحي من عند رسول الله لما ذكر آيات تعاتبه أحياناً ، لو أن الوحي يأتيه وهو نائم لظن أنه حلم ، لكنه يأتيه جبريل وهو يقظان ، وفي بعض الأحاديث ، في أشد أيام البرد يتصبب عرقاً ، ولمّا ضمّه ضمةً كادت أضلاعه تختلف ، ليس بقضية نائم ، أو حلم ، أو منام ، وهو في أعلى درجات اليقظة يأتيه جبريل .
أيها الإخوة ، في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : (( بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ، وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ ، وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ ، قَالَ : أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ ، قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ ، قَالَ : مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا ، قَالَ : أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ، قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي : يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ )) .
[مسلم]
نحن ديننا وحي من السماء ، أركان الإيمان ، أركان الإسلام ، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، وعلامة الساعة أن تلد الأمة ربتها ، يعني أم صالحة جداً تنجب فتاة ، تتعلم هذه الفتاة ، فإذا هي تصف أمها بأنه لا تعلم شيئاً ، كأن هذه الأم ولدت ربتها ، هذا في بعض معاني هذا الحديث .
الإيمان أيها الإخوة : أيضاً درجات ، الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ )) .
أعلى مستوى الإيمان أن تكون موحداً ، ألا ترى مع الله أحداً ، ألا ترى جهة غير الله فاعلة في الكون .
( سورة هود الآية : 123 ) .
( سورة الفتح الآية : 10 ) .
( سورة الزخرف الآية : 84 ) .
( سورة الكهف ) .
أفضلها أن تقولا لا إله إلا الله .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ )) .
[أخرجه الشيخان]
مشى إنسان في الطريق ، فوجد شيئاً يؤذي المارة ، فدفع هذا الشيء إلى طرف الطريق ، لماذا فعل هذا ؟ إيمانه بالله ، إنسان يركب مركبة ، وهو في طريق سفر ، وجد حجرًا كبيرًا ، وقف ، وأزاح الحجر إلى طرف الطريق ، ما الذي دفعه لهذا العمل ؟ إيمانه بالله ، هؤلاء الذين يزيحون الحجارة من الطريق عباد الله عز وجل ، وقد يسبب هذا الحجر حادثاُ مروعاً ، إذاً أزاحه .
فالإيمان أعلى مستوى فيه أن توحد الله ، وأن ترى يد الله فوق أيدي الخلق ، وأن ترى الله عز وجل فعالا لما يريد ، وأدنى مستوى أن تطعم هرة ، أو أن تسقي هرة ، أو أن تميط الأذى عن الطريق ، هذا أيضاً من الإيمان ، والحياء شعبة من الإيمان ، والخُلق الحسن من الإيمان ، الحياء واللطف والعفو هذه صفات المؤمنين .
أيها الإخوة ، والإيمان أن تؤمن بالله كما وصف نفسه ، من غير تمثيل ولا تأويل ، ولا تعطيل ، بل أن تنزه أسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى عما لا يليق بجلاله ، بل أن تؤمن أن الله سبحانه وتعالى له أسماء وصفات كمّا علّمها النبي عليه الصلاة والسلام ، ومصدر كل هذا العلم الوحي الكريم ، لذلك وقع الوحي شديداً على النبي عليه الصلاة والسلام فقال له :
( سورة المزمل ) .
يروي الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا ، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ )) ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا " .
[مسلم]
الصلصلة وقوع الحديد بعضه على بعض .
(( وَهُوَ أَشَدّهُ عَلَي فَيَفْصِمُ عَنّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ )) .
أشده علي أن يأتي الوحي مثل صلصلة الجرس ، (( فَيَفْصِمُ عَنّي )) ، يبتعد عني ، (( وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ ، وَأَحْيَانا يَتَمَثّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُول )) .
هذا شيء واضح وضوح الشمس ، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها : " ولقد رأيته ينزل عَلَيْهِ الوَحْيُ في اليَوْمِ الشّدِيدِ البَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ ـ أي يبتعد عنه ـ وَإِنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقا " .
وأخرج البخاري رحمه الله تعالى في كتاب بدء الوحي عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ : (( كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ أُوْلَاتِ الْعَدَدِ ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ...)) .
أيها الإخوة ، ينبغي أن نعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءه الوحي من السماء ، (( فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ ، يَتَحَنَّثُ فِيهِ ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ أُوْلَاتِ الْعَدَدِ ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ ، فَقَالَ : اقْرَأْ ، قَالَ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : اقْرَأْ ، قَالَ : قُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : أَقْرَأْ ، فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : ] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ... )) .
أيها الإخوة ، بعد أن جاء النبي عليه الصلاة والسلام الوحي وعاد إلى بيته ، أخبر السيدة خديجة ، التي كانت سكناً له ، انتبه سيد الخلق ، سيد ولد آدم ، يأتيه الوحي فيخبر زوجته ما جرى له ، أناس كثيرون يرون نساءهم لا شيء ، يخبر زوجته بأخطر حدث مر به ، فينبغي أن تكون الزوجة محل خبرك ، وأن تكون رفيقة في الطريق إلى الله عز وجل ، أليس كذلك ؟ أخبرها بما جرى ، الشيء الذي لا يصدق أن هذه المرأة البطلة يوم دخل النبي مكة فاتحاً دعته بيوت مكة أن يبيت عندها ، فقال : انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ، وركز لواء النصر أمام قبرها ليشعر العالم كله أن هذه المرأة التي في البيت لها نصيب من هذا النصر ، لأنها كانت مثال المرأة التي أعانته على دعوته ، وتنازلت عن حظوظها من أجل دعوته .
هذه المرأة ، لم يأتِ الوحي بعد ، ما جاء من الوحي إلا ] اِقْرَأْ [ ، قالت له السيدة خديجة : (( كَلَّا ، أَبْشِرْ ، فَوَ اللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ )) .
من أين جاءت بهذه القاعدة ؟ لم يتنزل من الوحي إلا : اِقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ ، من أين جاءت بهذه القاعدة ؟ لماذا طمأنته ؟ هذه الفطرة .
أقول لكم أيها الإخوة : شاب مستقيم صادق ، أمين ، عفيف ، يغض بصره عن محارم الله ، لا يكذب ، يعين على نوائب الدهر ، يجب أن تعلموا علم اليقين أن الله عز وجل لا يخزي هذا الشاب أبداً ، فقير ، غني ، عنده بيت ، ليس عنده بيت ، ميسر له عمل ، من دون عمل ، ما دام إنساناً مستقيماً ، صادقاً أميناً ، عفيفاً ، يرجو رحمة الله عز وجل ، لزوال الكون أهون على الله من أن يخيب ظن هذا الشاب ، هذه قاعدة ، وما جاء الدين بعد ، الدين لم يأتِ ، آية واحدة نزلت فقط ، تقول هذه السيدة خديجة : (( كَلَّا ، أَبْشِرْ ، فَوَ اللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ )) ، وينبغي أن تطمئنوا أن الله سبحانه وتعالى يقول :
( سورة الجاثية ) .
مستحيل ، وألف ألْف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر ، ومستحيل ، وألف ألف أَلف مستحيل أن تعصيه وتربح ، ومستحل أن يعامَل شاب مستقيم عفيف طاهر صادق أمين كما يعامَل فاسق عاص غارق في لذاته وشهواته ، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾.
من أين جاءت السيدة خديجة بهذه الحقائق ؟ من فطرتها ، والله أنا هذا العبد الفقير تقليداً لهذا الموقف ، إن رأيت شابًا مستقيمًا ، يخشى الله ، يحب الله ، يسعى لخدمة الخلق أقول له : أبشر ، وليس عندي أي دليل على أن الله سيكرمه إلا حسن ظن بالله عز وجل ، فقط أبشر ، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت مستقيماً على أمر الله ، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت خائفاً منه ، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت محسناً لخلقه ، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت موحداً له .
هذه كلمة ينبغي أن نقف عندها كثيراً ، (( كَلَّا ، أَبْشِرْ ، فَوَ اللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ )) .
أيها الإخوة ، نتابع هذا الدرس في دروس قادمة إن شاء الله ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون سلسلة العقيدة معتمدة على آيات القرآن الكريم ، وسنة رسول الله الصحيحة مؤصَّلة ، وأن تكون مشروحة شرحاً وافياً ، فإن صحت العقيدة صح العمل ، وإن فسدت العقيدة فسد العمل ، وإلى درس آخر إن شاء الله