من آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد،
قال تعالى:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض اللازمة على الأمة، إذ بتركه تأثم الأمة، وتستحق العقوبة الإلهية؛ لأن تركه يجعل المعصية تتفشى وتستعلن.
وهو من فروض الكفاية، إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين.
وربما ادعى بعض الواهمين عدم وجوب ذلك، ومادام مهتديًا مستقيمًا على أمر الله، لايضره من ضل إذا اهتدى، وربما زعمه هذا لعدم فهم الآية،قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة105( روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن قيس قال: خطبنا أبوبكر الصديق-رضي الله عنه- فقال: "إنكم تقرؤن هذه الآية وتتناولونها على غير تأويلها، وإني سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده.) حديث حسن صحيح.
وللتغير مراتب: أولها التغير باليد فإن ترتب عنه مفسدة –أكبر من المنكر القائم-، أوعجز عن هذه المرتبة، انتقل إلى التغير باللسان، فإن ترتب عليه مفسدة، انتقل إلى التغير بالقلب، والتغيير بالقلب ليس معناه أنه إذا وجد شخص في مجلس تنتهك فيه حرمة من حرمات الله، لا يكفيه أن ينكر ذلك بقلبه، وهو باق في هذا المجلس، فهذا خطأ، فإنه من الواجب عليه أن يترك هذا المجلس الذي يرتكب فيه هذا الإثم، منكِرًا ذلك عليهم بقلبه، مادام عاجزًا عن التغير باليد، وعن التنويه باللسان، فإذا لم يترك هذا المجلس، فإنه شريك فيها.
أما عن الداعي:
لابد أن يبدأ بنفسه فينتهي قبل أن ينهى.
الإخلاص في الدعوة لوجه الله تعالى.
ومن آداب الآمر الناهي:
أن يكون الآمر والناهي ملمًا بما يأمر به، وينهى عنه، في جهة الأحكام والأدلة، وكونه فيه خلاف أو لا خلاف فيه.
الورع الذي يجعله يعمل بما يعلم، والوقوف بدقة عند حدود الله.
حسن الخلق، لأن سيء الخلق يضر أكثر مما ينفع، والورع لا يتم إلا بحسن الخلق، والقدرة على ضبط الشهوة والغضب.
حسن النية، والتوكل على الله.
شروط ما يجب إنكاره:
1-كونه منكرًا ممنوعًا شرعًا سواء من الصغائر، أو من الكبائر.
2-أن يكون المنكر موجودًا في الحال.
3-أن يكون المنكر ظاهرًا للمنكر بغير تجسس.
4-أن يكون منكرًا معلومًا بغير اجتهاد، أي معلومًا بالنص الذي لايقبل التأويل، أما ما كان منكرًا عند بعض العلماء، وليس منكرًا عند البعض الآخر ، فالإنكار فيه غير واجب.
الرفق واللين:
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل125) ، وقال تعالى (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه44)
الرفق واللين من الدعائم التي لاينجح الداعي في مهمته إلا إذا تخلق بهما، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه مالا يعطى على العنف) رواه البخاري في الأدب. فالله سبحانه وتعالى يعطي عليه من الأجر والجزاء ما يتناسب مع حجمه وكمه.
وروت عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ( عليكم بالرفق، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم. ويكره الإسلام العنف في الأمور كلها، خاصة في الدعوة إلى الله تعالى، وقد يكون الرفق واللين وحسن المعاملة، أبلغ أثرًا وأوضح بيانًا من كل حديث.
ومما ينبغي أن يكون عليه الداعي من الصفات والأفعال:
الإخلاص لله تعالى، بحيث يقصد بدعوته التقرب إلى الله تعالى، ونصر دينه، وإصلاح عباده، بإخراجهم من ظلمات الجهل، والعصيان، إلى نور العلم، الطاعة، وذلك أمر مهم بالنسبة لنجاحه فيها، وثوابه عليها.
2- الاحتساب، بأن يعتقد أنه بدعوته إلى الله تعالى، وارث لنبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- في نشر سنته، وهديه، ليكون ذلك حافزًا له على إتباعه في الدعوة و الصبر.
3-أن يكون ثابتًا لا تزعزعه المضايقات، ولا يحطمه اليأس.
4- أن يصبر، ويصابر على ما يناله من أذى الخلق.
5- أن يسلك طريق الحكمة في الدعوة إلى الله، فيستعمل الأساليب المناسبة للحال والمقام، فليس الناس سواء في الفهم والعلم، فليستعمل مع كل شخص ما يناسبه.
6- أن يكون الداعي عالمًا بشريعة الله التي يدعو إليها، وعالمًا بأحوال من يدعوهم النفسية، والعلمية, والعملية.
7- أن يكون على جانب كبير من الدين, والأخلاق، فيقوم بما يأمر به، ويبتعد عما ينهى عنه.
8- أن يكون وقورًا في هيئته، يجد في موضع الجد، ويمزح في موضع المزاح، ويتكلم إذا كان الكلام خيرًا، ويصمت إذا لم يكن في الكلام خير.
9-أن يكون واسع الصدر منبسط الوجه، لين الجانب، يألف الناس ويألفونه.