من مشاهد ربوبية الله في خلقه (خطبة مقترحة)
دروس من وصايا لقمان لابنه
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
الوصية الثالثة:
قال الله -تعالى-: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)(لقمان:19).
مجمل أقوال العلماء في الآية:
1- قيل: لبيان قدرة الله وسعة علمه وإحاطته، وذلك أن ابن لقمان سأله عن الحبة تقع في أسفل البحر، أيعلمها الله؟
2- وقيل: لبيان أن الأرزاق والمقادير مكتوبة، ولكل مخلوق كتاب فيه أحواله.
3- وقيل: لبيان أن المظلمة أو الخطيئة، لو كانت مثقال حبة من خردل أحضرها الله يوم القيامة حين توضع الموازين.
وكل هذه الأقوال تدور حول مشاهد لربوبية الله -تعالى- في خلقه، نتعرض لها بالتفصيل.
تمهيد لابد منه: أهمية توحيد الربوبية:
- بيان أنه متى وجد في القلب توحيد الربوبية صحيحاً صادقاً استتبعه توحيد الإلهية. (راجع فضل الغني الحميد).
- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل استفتح بالآيات التي فيها شهود ربوبية الله في خلقه: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيات لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار)(آل عمران:190-191).
حول القول الأول: معرفة قدرة الله وسعة علمه وإحاطته:
- إنها عقيدة الأولياء: (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاء)(إبراهيم:38).
أُنْسُ الأولياءِ بالعليمِ اللطيف القدير في أوقات الشدائد:
المثال الأول: يوسف -عليه السلام- في البئر، فمع قسوة قلوب إخوته وظلمة البئر، وجهل المصير، كان مطمئناً بالعليم الحكيم.
المثال الثاني: يونس -عليه السلام- في بطن الحوت، فمع اجتماع الظلمات الثلاث عليه، فهو المتعبد المتضرع للعليم اللطيف.
حول القول الثاني: أن الأرزاق والمقادير مكتوبة:
- لا يخرج الإنسان عما قدَّر الله، قال عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيء حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أَحَدَكُم يُجْمَعُ خلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربعينَ يَوماً نطفة، ثمَّ يكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثمَّ يكونُ مُضغةً مِثلَ ذلكَ، ثمَّ يُرسلُ الله إليه المَلَك، فيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ، ويُؤْمَرُ بأربَعِ كلماتٍ: بِكَتْب رِزقه وعمله وأجَلِه، وشقيٌّ أو سَعيدٌ، فوالذي لا إله غيره إنَّ أحدكُم ليَعْمَلُ بعمَلِ أهلِ الجنَّةِ حتَّى ما يكونَ بينَهُ وبَينها إلاَّ ذِراعٌ، فيَسبِقُ عليهِ الكتابُ فَيعمَلُ بعمَلِ أهل النَّار فيدخُلها، وإنَّ أحدكم ليَعمَلُ بعملِ أهل النَّارِ حتّى ما يكون بينَهُ وبينها إلاَّ ذِراعٌ، فيسبِقُ عليه الكِتابُ، فيعمَلُ بعملِ أهل الجنَّةِ فيدخُلُها) متفق عليه.
حول القول الثالث: أن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة من خردل يأتِ بها الله:
- قال -تعالى-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)(الأنبياء:47).
- وقال -تعالى-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(الزلزلة:7-8).
- وقال -تعالى-: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)(الكهف:49).
- تعبيد يوسف -عليه السلام- المساجين لله -عز وجل- من خلال بعض معاني الربوبية: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار)(يوسف:39).
- تنبيه: يراجع في كل ذلك التفسير.