بتـــــاريخ : 3/19/2009 1:17:12 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 989 0


    إنا لله وإنا إليه راجعون

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    إن لله إليه راجعون


    إنا لله وإنا إليه راجعون

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

    (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة: 156).

    أخبر تعالى أنه يبتلي عباده، فقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد: 31)  أي يختبرهم ويمتحنهم بالسراء وكذا الضراء من خوف وجوع ونقص من الأموال والأنفس، وقد قاسم سبحانه ذلك بين المؤمن والكافر. ولكن المؤمن لا يناله من ذلك إلا الشيء (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) لأن عنده من الإيمان بالله ومن الصبر ومن الاحتساب والرجاء ما يهون عليه ذلك ويقلله فيكون كل أمره في خير، وليس ذلك إلا للمؤمن (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) (النساء: 104)  أما الكافر فيلبسه الله لباس الخوف والجوع (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ)(النحل: 112)  لباساً يغطي القلب والبدن ويظهر عليه فلا يشعر بانفكاك منه أبداً، فالمصيبة عنده كالجبل (لباس يحيط به من كل وجه)، ولو من أقل المصائب تجده في أعظم الذعر.

    وذكر سبحانه الخوف أولاً لأنه أشد ما يواجه أهل الإيمان في سبيل الله، فالأمن من أعظم النعم وقد ذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل غيره (من أصبح آمناً في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)

    فالخائف لا يستمتع بطعام ولا بشراب، وإذا اجتمع الخوف والجوع فيكون أشد على الإنسان ولقد أرشد الله سبحانه عباده في (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أن هذا من عنده سبحانه وتعالى ابتلاء وتمحيصاً من عنده سبحانه وليس من كيد الكفرة وتدبيرهم إذ لا يملكون من المقادير شيئاً، فاستحضار ذلك يجعل العبد يرضى بقسم الله ويحتسب ذلك عنده ويعلم أن الأمن والخوف والجوع والشبع كله بيد الله.

    وأما نقص الأموال والأنفس فهو كموت الأحباب والأصحاب فيبتليهم سبحانه بما يؤلم نفوسهم ولكن يهبهم من البشارات ما تخف معه مرارة الألم وتذوب تماماً ويبقى الثواب والمنزلة تذهب المصيبة وتهون ويبقى الأجر.

    (وَالثَّمَرَاتِ) فلا تعطي الأرض كعادتها ابتلاء منه سبحانه حتى لعباده المؤمنين الطائعين، ولو في ظل كمال الدولة الإسلامية، ذلك حتى يخرج المنافق ويقول هذا دين سوء (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ)(الحج: 11)، لذا لا نقول أن الإسلام هو الحل، فقد يأتي التمكين للإسلام ويطبق ولا يرفع الشدة والبلاء فيقول الناس لا نريد إسلامكم ولا دولتكم، بل الإسلام هو الحق، نكون عليه في السراء والضراء في الشدة وفي الرخاء. فانظر لدولة الإسلام بقيادة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ كانت النخلة لا تثمر إلا تمرة واحدة، فمن صبر أثابه الله، ومن قنط عاقبه، لذا قال (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وبين صفتهم أنهم الذين (إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فتسلّوا بقولهم هذا عما أصابهم وعلموا أنهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة.

    فهي كلمتان عظيمتان:

    الأولى: (إِنَّا لِلَّهِ) تستحضر فيها أنك ملك لله تعالى، كما قالت أم سليم لزوجها أبي طلحة: "أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت ألهم أن يمنعوهم؟"، قال: "لا"، قالت: "فاحتسب ابنك". فلم الاعتراض والجزع؟ فإنك لله ولم يكن لك شيء حتى من نفسك ووهبت كل شيء السمع والبصر والحياة والبدن والمال والولد والأمن ثم ينزع كل ذلك عند الموت أو قبله، وهذا ملكه يتصرف فيه كيف شاء، فلماذا تحزن؟ فأنت كعامل على خزينة فيها مال، وجاء صاحبها وأخذ ماله فسيفرح لو أديتها كاملة، أما لو كنت تنوي السرقة لنفسك ستحزن، لذا فإننا نحزن لاستحضار الملكية وأننا نملكها وهذا للجهل وعدم رؤية الحقيقية.

    فانظر لما معك من مال لم يكن معك من قبل، وكذا الولد والزوجة بل وكل شيء، بل لو كان ملكك حقاً لأتيت به قبل ذلك بما أردت، بل دائماً تقول إني أريد الحصول على كذا ولا تحصل عليه إلا وقتما يشاء الملك. فمفتاح الرضا بالقدر هو الشعور بأنك ملك لله ـ عز وجل ـ يفعل بك ما شاء ويبتليك بما شاء وهو على كل شيء قدير وقوله (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) قال الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إلى متى نمسي ونصبح في الحديد؟" ـ أي نلبس السلاح ليل نهار مستعدين للعدو في أي لحظة، ضاقوا من حصار الكفار ـ فقال لهم: "ليوشك أن يجلس أحدكم في المجلس الواسع ليس فيه حديد، ليس فيه سلاح"، وقد حدث ووصل الإسلام لما نعلم من الانتصارات.

    وهو سبحانه يبتلي عباده المؤمنين وأولياءه كمثل ملِك أراد اختبار موالاة بعض جنده له لتظهر شجاعتهم ومتابعتهم لأمره، حتى وسط أعداءه فألقى بهم وسط الأعداء ليرى منهم ذلك، وهم خيرة الجند فقد وضعهم وراء العدو مباشرة وقد أرسلهم وجعل لهم خطة الفوز والنجاة وفي نفس الوقت، أرسل لهم أمدادا بل أنه يرعاهم في كل شيء فهم أعلى جنده بل لعلو منزلتهم أرسلهم سبحانه  على سحق أعداءه في لحظة يقينا ولكن اختار ذلك لينظر ماذا يفعل هؤلاء الجند (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس: 14).

    فإذا استحضر المرء ذلك لن يجزع مما يحدث للمسلمين أو الخوف والضرر الذي هم فيه بل الله اختارهم ليثبتوا على ذلك، ولمنزلتهم عنده جعلهم في محنة، وهي في الأصل منحة إذ لم يتركهم مع الهمل، بل جعلهم وسط عدوهم وأمدهم بالإيمان والطاعة والخير ووفقهم للالتزام والولاء لدينه وسط كم هائل من الأعداء، حتى ولو كان المرء وحده، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد" وله أعظم المنازل عند ربه، فاللهم لك الحمد كما نقول، وخير مما نقول، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

    والجملة الثانية "وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" تحقق لك أمرين عظيمين: الأول: أن كل ألم ذاهب لأنك إلى الله راجع، بل الألم واللذة الكل سيزول فلن يدوم شيء حتى وإن فكرت أن تتخلص من الخوف والجوع ونقص المال والثمرات بمتابعة الكفرة والظلمة والسير في الركب، فحتى لو فتحوا لك أبوابهم وأعطوك ما تريد ببيع دينك، كل هذا سينتهي، ذلك لأنك إلى الله راجع والكل سيزول كما زال من قبلهم الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول.

    السجان والمسجون، الخائف والمخوف، وانظر مثلاً لقنبلة هيروشيما ذاك الحدث الجلل، لقد زال ومن ألقيت عليه ومن ألقاها ومن أمر بإلقائها ـ حتى من نجا ـ لم يبقى منهم الآن إلا من هم في سن العجائز، فاستحضر أنك لله راجع تصغر الدنيا في عينيك، ولن تجزع منها ولن تنافس في عزها.

    والأمر الثاني: أنك إلى الله راجع ـ أي مسؤل ـ فإن صبرت فلن يضيع أجرك، وإن واليت الظلمة والكفرة وهربت من البلاء للمعصية كالمستجير بالرمضاء بالنار، فستحاسب أشد الحساب إذا رأيت ذلك حصل لك جناحي العبادة، خوف العقاب ورجاء ثواب الصبر، ومع الحب تكمل عبوديتك وطمأنينتك، ومهما أصبت بشيء من في سبيل الله ارتفع قلبك عن الدنيا وطار إلى الله ـ عز وجل ـ.

    لذا فيكون كل قضاء للمؤمن خير ـ وإن أصابه ما أصابه ـ إذ تحصل له تلك المعاني الإيمانية العظيمة، ويشهد الربوبية ويتعبد بالألوهية (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة: 156).

    (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة: 157) عليهم ثناء الله ورحمته وأمنه من العذاب، كما قال عمر بن الخطاب: نعم البدلان (صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) ونعمت العلاوة الزيادة في الحمل (هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فأعطوا الثواب وزيدوا.

    واستحضرها عندك ـ أن الله يثني عليك، ويذكرك في الملأ الأعلى عند الملائكة والنبيين ـ فتكون عبداً معروفاً بدلاً من أن تكون من الهمل، كما يقول البعض "لا أريد المشاكل" "لا نريد خوف ولا جوع" فيكون إنساناً بلا قيمة وأنى يريد هذا الجنان بلا بذل ولا تضحية.

    والرحمة من الله في الدنيا والآخرة، فبمجرد وصول الصبر تجد أن مع البلية من أنواع العطايا أضعاف أضعاف، وتجد أنواعاً من العافية والأمن، والطمأنينة والهداية "وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" إذ أن مع الصبر تنفتح للمرء أنواع العلوم كانت غائبة عن أحوال الرخاء الذي قد يعمى عن كثير منها.

    وأعظم ما روي في ثواب الاسترجاع ما رواه أحمد عن أم سلمة قالت: "أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: لقد سمعت من رسول الله قولاً قد سررت به، قال: "لا يصيب أحد من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا فعل ذلك به"، قالت أم سلمة: "فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت، وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، ثم رجعت إلى نفسي وقلت: من أين لي خير من أبي سلمة، ولما انقضت عدتي استأذن عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وأنا أدبغ إهاباً لي ـ فغسلت يدي من القرص وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، قالت: فقعد عليها فخطبني لنفسه، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله ما بي ألا يكون بك رغبة، لكني امرأة في غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئاً يعذبني الله به وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال"، فقال: "أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عنك، وأما ما ذكرت من السن، قد أصابني مثل الذي أصابك، وما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي"، قالت: "فقد سلمت لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فتزوجها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت أم سلمة بعد: أبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.


    كلمات مفتاحية  :
    إن لله إليه راجعون

    تعليقات الزوار ()