وفى ذلك الوقت كانت مصر مطمعا للدول الأوربية وبخاصة فرنسا وإنجلترا التى كانتا تتنافسان على الفتح والاستعمار منذ القرن السابع عشر الميلادي واستمر خلال القرن الثامن عشر الميلادي ثم أخذ طورا جديدا بعد سقوط الملكية فى فرنسا وقيام الجمهورية سنة 1792م وظهور نابليون بونابرت على مسرح الأحداث سنة 1793م ، وقد اتجهت أطماع نابليون إلى فتح مصر عقب انتصاراته فى حروب إيطاليا فبدأ يفكر فى تمهيد الطريق لإنفاذ حملة كبيرة فى البحر الأبيض المتوسط واحتلال مصر ليتخذها قاعدة عسكرية يصل منها إلى الأملاك الإنجليزية فى الهند وهكذا بدأ نابليون بونابرت فى تنفيذ أحلامه فى احتلال مصر فتحركت أولي جيوشه من مياه مالطة فى يوم 19 يونيو سنة 1798 م ووصلت جنود الحملة غرب مدينة الإسكندرية يوم 2 يوليو سنة 1798 م وزحفوا على المدينة واحتلوها فى ذلك اليوم وبعد ذلك أخذ نابليون يزحف على القاهرة بطريق دمنهور حيث استطاع الفرنسيون احتلال مدينة رشيد فى 6 يوليو ووصلوا إلى الرحمانية وهي قرية على النيل وفى تلك الأثناء كان المماليك يعدون جيشا لمقاومة الجيوش الفرنسية بقيادة مراد بك حيث التقي الجيشان بالقرب من شبراخيت يوم 13 يوليو سنة 1798 م إلا أن الجيوش المملوكية هزمت واضطرت إلى التقهقر فرجع مراد بك إلى القاهرة والتقي كلا من الجيش الفرنسي والجيش المملوكي مرة أخرى فى موقعة إمبابة أو موقعة الأهرام حيث هزم جيش مراد بك مرة أخرى فى هذه المعركة الفاصلة فى 21 يوليو سنة 1798م وفر مراد بك إلى الجيزة أما إبراهيم بك الذى كان مرابطا بالبر الشرقي من النيل لما رأى الهزيمة حلت بجيوش مراد بك أخذ من تبعه من مماليك ومصريين والوالي التركي وانسحبوا جميعا قاصدين بلبيس وخلت القاهرة من قوة الدفاع حيث استطاع نابليون بونابرت احتلالها ودخل القاهرة فى 24 يوليو سنة 1798 م مصحوبا بضباطه وأركان حربه ونزل بقصر محمد بك الألفي بالأزبكية .
وعلى الرغم من انتصار الفرنسيين على المماليك وسيطرتهم على مصر إلا أن الاحتلال الفرنسي لمصر لم يدم أكثر من ثلاث سنوات فقط وذلك لعدة عوامل أولها مقاومة المصريون الشديدة للإحتلال الفرنسي والتى امتدت بكل مدن مصر وامتازت بأنها كانت على شكل ثورات تمتد بكل الأقاليم المصرية كما أن الجيش الفرنسي بدأ فى الضعف وخاصة بعد انتشار وباء الطاعون بمصر وخاصة بالقاهرة والصعيد سنة 1801 م ، كما أن كلا من إنجلترا وتركيا قررتا الإطاحة بالجيش الفرنسي بمصر ، فقد تحرك الجيش الإنجليزي من جبل طارق فى أوائل نوفمبر سنة 1800م وأقلعت سفنه إلى شواطئ الأناضول فى أواخر ديسمبر وأوائل يناير حيث اتفقت كلا من إنجلترا وتركيا على خطة مشتركة فى القتال فأعدت تركيا جيشين الأول بقيادة الصدر الأعظم يوسف باشا ويزحف إلى مصر عن طريق برزخ السويس والثاني بقيادة حسين قبطان باشا ويقصد شواطئ مصر الشمالية ، فوصلت قوات الجيش الإنجليزي البر الغربي للنيل وبلغ إمبابة بينما واصل الجيش العثماني تقدمه من الشرق ووصل إلى البر الشرقي للنيل حيث وضع كلا من الجيشين خطة مشتركة للزحف على القاهرة ، وفى تلك الأثناء أحس الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال " بليار " خطورة موقفه وخاصة أن الجيش الفرنسي كان فى غاية من الضعف كما أن سكان القاهرة كانوا مستعدين للثورة عليه والانضمام إلى الجيوش الإنجليزية والتركية فرأي أن يعقد مجلسا حربيا من قواد الجيش الفرنسي حيث قرر المجلس التسليم وتجنب القتال وفتح باب المفاوضات للجلاء فوافق الفرنسيون على الجلاء عن مصر ووقعت الاتفاقية فى 27 يونيو سنة 1801 م وكان من شروطها جلاء الجيش الفرنسي عن مصر بأسلحتهم وأمتعتهم ومدافعهم وغيرها ويبحرون إلى فرنسا على نفقة الحلفاء وأن يتم الجلاء فى أقرب وقت ممكن فى مدة لا تزيد عن خمسين يوما وبذلك رحلت الحملة الفرنسية على مصر فى أوائل شهر أغسطس سنة 1801م إلى فرنسا وبذلك انتهي الاحتلال الفرنسي على مصر نهائيا بعد احتلال دام ثلاث سنوات وشهرين .
بعد انتهاء الحملة الفرنسية على مصر تنازع السلطة فى البلاد ثلاث قوي مختلفة المصالح واتحدت لوقت قصير ضد الاحتلال الفرنسي وهذه القوي هى الأتراك والإنجليز والمماليك ، فتركيا تطلعت إلى بسط حكمها المطلق على مصر تجعل منها ولاية تحكمها كما حكمتها السلطنة العثمانية أما إنجلترا فرأت أن تبسط نفوذها فى وادى النيل وتحتل بعض المواقع الهامة فى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر لتضمن لنفسها السيادة فى البحار ، أما المماليك فكانوا يطمعون بعد انتهاء الحملة الفرنسية فى استعادة حكمهم فى مصر وحجتهم أنهم الحكام الأقدمون فبدءوا فى استمالة الإنجليز يطلبون حمايتهم ، إلا أنه فى تلك الأثناء ظهرت قوة رابعة على مسرح النضال السياسي المصري أخذت تنمو وهى قوة الشعب المصري ممثلا فى قادة الشعب وزعماؤه الذين قرروا التخلص من الاحتلال الأجنبي وفى الأحداث السياسية بدأ ظهور محمد على باشا ليغير من مسار مصر السياسي والتاريخي .